الإسلام جنوب شرقي آسيا: ماليزيا

من دول جنوب شرق آسيا، ماليزيا، وهي تنقسم إلى قسمين يفصل بينهما بحر الصين الجنوبي، وهما شبه الجزيرة الماليزية وبورنيو الماليزية أو ماليزيا الشرقية.

عاصمتها كوالالمبور، وعاصمتها الإدارية بوتراجاي.

ظهر اسمها كدولة حديثة في عام 1383هـ (1963م) وهي تتميز بثروة نباتية وحيوانية وموارد طبيعية متنوعة، كما تعد من الدول المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا.

سكان ماليزيا

يعيش في ماليزيا بحسب إحصاءات 1443هـ (2021م) 33.57 مليون نسمة، ينحدرون من عدة مجموعات عرقية، ويشكل الملايو المسلمون (البوميبوترا) نسبة تزيد على 60%، تليهم نسبة كبيرة من الصينيين فالهنود وغيرهم.

ويشير وصف الماليزي إلى كافة الشعب الماليزي من جميع الأعراق، بينما يشير وصف الملايو لشعب الملايو الأصليين، الذين يشكلون نحو نصف السكان.

ويدين سكان ماليزيا بالإسلام وهو الدين الرسمي في الدولة.

كما يعيش في البلاد نسبة من البوذيين والنصارى والهندوس وديانات أخرى بنسب أقل كالكونفوشية والطاوية وغيرها من اعتقادات.

تاريخ الإسلام في ماليزيا

يشير العديد من المؤرخين إلى أن وصول الإسلام إلى ماليزيا كان في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، إلا أن المؤكد أنه وصل قبل ذلك التاريخ بوقت طويل عن طريق التجار والدعاة الرحالة المسلمين في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين.

وإنما ذهب هؤلاء المؤرخون لتاريخ القرن السادس الهجري باعتباره المرحلة التي اعتنق فيها حكام الولايات الماليزية آنذاك الإسلام، حيث تأسست سلطنات إسلامية في تلك المنطقة من جنوب شرقي آسيا. كما شهد تاريخ الإسلام في العديد من المناطق المجاورة. وفي الواقع لا نستطيع أن تحدّد بالضبط متى وصل الإسلام لهذه المنطقة لأن وصول أفراد قلائل، وتشكيل جماعاتٍ صغيرةٍ لا تأثير لها على المجتمع لا يُسجله التاريخ باهتمام كبير.

وقد ساعد في هذا الانتشار للإسلام علاقة شبه جزيرة الملايو القوية مع الهند وخاصةً مع سواحلها الغربية التي انتشر فيها الإسلام مبكرًا جدًا، متأثرًا بحركة التجارة والنقل البحري بينها وبين أطراف شبه جزيرة العرب التي انطلقت منها الدعوة العظيمة لدين الله تعالى.

كما كانت روابط شبه جزيرة الملايو متينةً مع جزيرة سومطرة المواجهة من ناحية الغرب، والتي وصل إليها الإسلام أيضًا، لأن أطرافها الشمالية أقرب إلى الغرب حيث كانت تمخر السفن الإسلامية، وتسيطر على طرق المحيط الهندي البحرية وموانئه، وحمل المسلمون عبر هذه الطرق عقيدتهم وأخلاقهم معهم فكان لهذا الإقبال عظيم الأثر.

وكانت ولاية قدح من أول الولايات اعتناقا لدين الله تعالى، ويعود الفضل لانتشار الإسلام بقوة وسرعة في هذه المنطقة لاعتناق سلطان مالقا للإسلام في عام 817هـ (1414م) فتحولت بذلك بلاده إلى مركز حيوي لنشر الإسلام فأنار هذا الدين العظيم ظلام جنوب شرقي آسيا.

 وفي غضون نصف قرن أصبحت مدينة مالقا مركزًا يشع الإسلام منه على المناطق المجاورة، فأسلمت باهانغ، وجنوبي الملايو. وكانت أموال المسلمين أكبر مورد للإمارات الإسلامية تغذيها حركة التجارة النشطة الواسعة.

ورغم ما عرفه العالم الإسلامي من أحداث جسيمة في غزو المغول، وتدمير بغداد على يد هولاكو عام 656هـ (1258هـ)، وسقوط الخلافة العباسية، وتمزّق سياسي كبير في أراضيه، إلا أن المسلمين استمروا سادة التجارة في المحيط الهندي.

ويتبع المسلمون في هذه المناطق مذهب الإمام الشافعي، وهو المذهب المنتشر في جنوبي الهند، وكل من جاوة وإندونيسيا وماليزيا. كما أن الصوفية قد انتشرت هناك من جنوبي الهند.

وعندما سقطت مدينة مالقا بأيدي المحتلين الصليبيين من البرتغاليين عام 917هـ (1511هـ) اختير مركز “آتشيه”في شمالي سومطرة ليكون مقرًا للدعاة، وهكذا عاد لجزيرة سومطرة مركزها التجاري والإسلامي بعد أن فقدته مدة قرنين من الزمن وهما الثامن والتاسع الهجريين لمصلحة مدينة مالقا.

وأقبل الناس على الإسلام برضا وقناعة، مع أن الخلافة الإسلامية في هذه المرحلة كانت غائبة عن الساحة العالمية، بل كان لغيابها الأثر في انتشار الإسلام، فمع سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ (1258م) هاجر الكثير من العلماء من مناطق مختلفة في العالم الإسلامي، واتجه بعضهم إلى أرخبيل الشرق الأقصى؛ حيث كان قد سبقهم إليه إخوانهم التجار.[1]

 وقد ساعد على انتشار الإسلام في الملايو حاجة السكان لعقيدة التوحيد ووحي السماء الذي يناسب فطرتهم وينتشلهم من ظلمات الجاهلية والوثنية والضلال المبين، ثم ردّ الفعل لقدوم المحتلين الصليبيين ومعاملتهم السكان معاملة وحشية بشعة، فانحاز الشعب إلى جانب المسلمين الذين وقفوا معهم موقفًا مهيبًا ضد الصليبيين الأوربيين واشتبكوا معهم في حرب طاحنة في معظم جهات العالم من الأندلس حتى الشرق الأقصى.

إمارة مالقا الإسلامية

كانت إمارة مالقا الإسلامية في أول عهدها تخضع لمملكة تايلاند، وتُؤدّي لها أتاوة ذهبًا مقابل استقلالها الذاتي وتطبيق ما تشاء من قوانين ونظم على أفرادها، غير أنه في عام 808هـ (1406هـ) زار مالقا الأمير الصيني المسلم المعروف باسم “تشتغ”، ووعد حاكمها بأن يوفر له حماية إمبراطور الصين من تهديدات تايلاند، فأعلن الحاكم عندها استقلال إمارته وانتعش طموح السلطان الإسلامي وأصبح يُجهز السرايا، ويعد الجيوش لنشر الإسلام، واستطاعت إمارة مالقا ضمّ المناطق المجاورة إليها، بفضل هذا الطموح وحركة الفتوحات الحيوية، التي كان منها احتواء منطقة “باهانغ”، واستمرت هذه الإمارة تُؤدّي دورها حتى ابتليت بالاحتلال الغربي .

سلاطين مالقا

تعاقب على حكم مالقا ثمانية حكام، وهم: باراميسوارا  (805- 828هـ) (1402 – 1424م) وفي بعض المصادر حكم إلى غاية  817هـ  (1414م)  وميجات إسكندر شاه (817- 828هـ) (1414- 1424م)، ومحمد شاه (828-848هـ) (1424-1444م) وأبو شهيد شاه (848- 850هـ) (1444-1446م)، ومظفر شاه  (850- 864هـ) (1446-1459م)، ومنصور شاه (864- 882هـ) (1459-1477م) وعلاء الدين ريات شاه (882ه- 894هـ) (1477-1488م) ومحمود شاه (894هـ- ) (1488-935م).

وكان أبرز حكام مالقا “منصور شاه” حيث حكمها لمدة ثمانية عشر عاما وانتشرت جيوشه على امتداد شبه جزيرة الملايو، وحتى حدود بورما، وإلى أواسط سومطرة، وشهد حكمه تقدير العلماء واعتناق الإسلام من معظم الشعب الملاوي، ثم استعمال الحروف العربية في الكتابة، وأصبح الإسلام هو الحاكم في بلاده، وكان يعرف باسم منصور باشا، ويرى المؤرخون أن اتخاه لقب (باشا) التركي، مع فترة صعود الدولة العثمانية وذياع صيت السلطان محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية، يشير لتأثر السلطان الملاوي بما كان يجري من أحداث في العالم الإسلامي.

وقد قامت عدة إماراتٍ في شبه جزيرة الملايو في هذه المرحلة ومنها: قدح، بيرق، باهانغ، جوهور.

ووصل تأثير الإسلام إلى جزية برونيو وعندما وصل الإسبان إلى شمالي هذه الجزيرة في عام 927هـ (1521م) وجدوا حاكمها مسلمًا.

وهكذا دخل الناس في دين الله بقناعة ورضا، كما وصف ذلك هو ركرد نجي حين قال:

“لقد دخل الإسلام أرض الشرق الأقصى عن طريق الإقناع ولم يدخل بحد السيف”[2]. واتفق معه العديد من المؤرخين بهذا الشأن. 

وكانت أخلاق المسلمين الرحالة والتجار كفيلة بفتح قلوب السكان إليها، وإقبالهم على الإسلام محبة وشغفًا، ودعّم هذا الارتباط الزواج الذي جمع بين المسلمين المهاجرين وسكان البلاد.

وهكذا كان للتوحيد أثره العظيم في نفوس السكان، بتحريرهم من عبودية البشر أو الحجر، وتقديم التوحيد وعدالة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وتقديم منظومة أخلاق كان الناس بحاجة ماسة لها، فضلا عن العوامل السياسية والاقتصاية والحملة الصليبية التي كانت تنهب الأراضي وتقتل السكان، ساعدت كل هذه العوامل في بقاء الإسلام إلى يومنا هذا في هذه المنطقة من آسيا.

حقبة الاحتلال الغربي

طاردت الدول الأوروبية المسلمين من الأندلس إلى سواحل شرق آسيا،  وهي تسعى إلى القضاء عليهم.

لقد بدأت رائحة الصليبية تملأ جو تلك المراكب التي انطلقت عليها طلائع الصليبيين والتي أسموهم زعما بمراكب المكتشفين، كما كانت تخيم على حملات الاحتلال وشركاته .

وتعاقبت حملات الاحتلال الأوروبي على منطقة ماليزيا فلم تخرج منها إلا بخسائر وآثار لا تزال تعاني منها إلى يومنا هذا.

الاحتلال البرتغالي

انطلق المحتلون البرتغاليون من قاعدتهم «غوا» على سواحل الهند الغربية ووصلوا إلى مالقا عام 915هـ (1509م)، ليسيطروا عليها ولكن هجومهم باء بالفشل لكنهم عاودوا الكرة بعد ذلك بعامين وقبل الهجوم ألقى قائدهم البوكرك خطابًا جاء فيه:

“الأمر الأول هو الخدمة الكبرى التي سنقدّمها للرب عندما نطرد المسلمين من هذه البلاد، وتخمد نار هذه الطائفة المحمدية حتى لا تعود للظهور بعد ذلك أبدًا، وأنا شديد الحماسة لمثل هذه النتيجة، فإذا استطعنا الوصول إليها فسيترك المسلمون الهند كلها لنا إن غالبية المسلمين – وربما كلهم – يعيشون على تجارة هذه البلاد، ولقد اغتنوا وأصبحوا أصحاب ثروات ضخمة، ومالقا هي مركزهم الرئيسي، فمنها ينقلون كل عام التوابل والأدوية إلى بلادهم دون أن نستطيع منعهم، فإذا تمكنا من حرمانهم من هذه السوق القديمة لا يبقى لهم ميناء واحد أو محطة واحدة مناسبة في كل هذه المنطقة ليستمروا في تجارتهم، وأؤكد لكم أنه إذا استطعنا تخليص مالقا من أيديهم فستنهار القاهرة، وبعدها تنهار مكة نهائيًا، وعلى البندقية (فينيسيا) بعد ذلك أن ترسل تجارها إلى البرتغال، إذا أرادات شراء التوابل”.

وبالفعل سقط مالقا عام 917هـ (1511م) بيد البرتغاليين وكان لهذا السقوط أثر كبير في أوربا حتى استدعى الأمر إلى إقامة قداس شكر في روما واعتبر البرتغاليون هذه المعركة ممهدة لاستعادة القدس.

 وكما كانت عادتهم سلط البرتغاليون القسوة والوحشية ضد المسلمين، حيث أعدموا دفعات متتالية من الأهالي ولم تسلم منهم حتى قبور المسلمين التي نهبوا الحجارة التي فيها لبناء حصن لهم، وأصبح المحيط الهندي غير آمن بسبب أعمال القرصنة للاحتلال، فولد هذا الاستفزاز حركات ثورية لدفعه، كما رافق احتلالهم لهذه الأرض نشاطا تنصيريا ضخما، لم يقف أمامه المسلمون مكتوفي الأيدي بل تصدوا له بحركة دعوية مقاومة.

وتأثر الاحتلال البرتغالي بمقاومة الأهالي وثوراتهم، وخاصة أن سكان البرتغال قليلو العدد حيث لا يستطيعون مع هذه القلة وضع جيش كبير في كل منطقة من المناطق الواسعة التي سيطروا عليها في إفريقيا وآسيا، وتخلل الضعف في كل جوانب الاحتلال، وانهارت قواه بعد أن احتلت إسبانيا أراضي البرتغال في عام 989هـ (1581م) بعد الخلافات التي اشتعلت بين الدولتين فاستولت إسبانيا على مستعمرات البرتغال، وأبقت على الجنود الذين يحرسونها من أصل برتغالي.

الاحتلال الإسباني

وصل الاحتلال الإسباني بعد اجتياز المحيطين الأطلسي والهادي إلى إمارة راجا سليمان بالفيليبين بقيادة ماجلان الذي أطلقها حربا صليبية وسعى لتنصير السكان، فكان مصيره القتل على يد المسلمين في الفلبين، وكنا بسطنا تاريخ هذه المنطقة في طرح منفصل وكذلك الحال لبروناي.

ومع أن إسبانيا احتلت البرتغال إلا أنها لم تستطع أن تسد جميع المستعمرات البرتغالية، خاصة بعد تحطّم الأسطول الإسباني في معركة شهيرة مع إنجلترا عام 997هـ (1589م) لكن التراجع الإسباني فتح شهية دول أخرى للتقدم تزامنا مع خشية أوروبا فقدان هيمنتها على المنطقة، واسترجاع الأهالي لحريتهم، ففتحت الطريق للهولنديين، كمحتل جديد.

الاحتلال الهولندي

مالقا تحت الحكم الهولندي – منظر عام- كما عبّر عنه رسّام حوالي سنة 1111هـ (1700م)

شهدت هولندا صعودا بعد تجاوزها عقبة الإسبان، خاصة بعد خسارتهم أسطولهم البحري، فأصبحت السفن الهولندية تتحرك بحريتها دون خشية من منازع قوي.

واتجهت أربع سفن هولنديةٍ نحو الهند عام 1004هـ (1596م)، وبعد عام وصلت إلى سومطرة وجاوة لأول مرة، فاندلعت معارك بينها وبين سكان المنطقة، وحاول البرتغاليون مقاومة الأسطول الهولندي فحركوا بواخرهم من مالقا وجاوه وعدوا كل سفينة لا تتبعهم غنيمةً لهم يأخذونها، ومنها السفن الأندونيسية، فاصطدم البرتغاليون مع الأندونيسيين، وعجز الأسطول البرتغالي عن تحقيق غايته، وبدأ ترنح الهيمنة البرتغالية في تلك الجزر تدريجيا، حتى اشتدت قبضة الهيمنة الهولندية مكانها، وتأسست شركة الهند الشرقية الهولندية عام 1011هـ (1603م) على غرار شركة الهند الشرقية الإنجليزية التي تأسست عام 1008هـ (1600م)، إلا أن الشركة الهولندية كانت أقوى، وأكثر نفوذًا.

ظهرت المنافسة بين هولندا وإنجلترا في المنطقة، ما دفع هولندا إلى إلغاء كل احتكاراتها في تلك المناطق، واستمرت في ضعف إلى أن احتلت فرنسا الأرض الهولندية عـام 1210هـ (1796م)، فضعف أمر هولندا نهائيًا وخلت الساحة للإنجليز فاحتلوا مالقا.

ولم تنته قصة الصراع بين هولندا وإنكلترا باحتلال مالقا بل تنازعت القوتان الهيمنة إلى أن تنازلت هولندا عنها نهائيًا عام 1240هـ (1825م) مقابل إعطائها مركزًا في غربي جزيرة سومطرة .

الاحتلال البريطاني

في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري كانت شركة الهند الشرقية البريطانية بحاجة إلى مركز لتجارتها مع الصين، فأقامته في شمالي جزيرة بورنيو، التي كانت تحت يد السلطان صولو، وكان هذا السلطان قد وقع أسيرًا في يد البريطانين عندما استولوا على مدينة مانيلا ثم أطلقوا سراحه، وقد تنازل للشركة عن منطقة في شمالي جزيرة بورنيو لتقيم عليها مركزًا لتجارتها، لكن هذا المركز فشل في تحقيق مهمته حيث لم يتمكن من تغطية تكاليف إقامته. وتحولت الشركة إلى شبه جزيرة الملايو، واستولت على جزيرة بينانغ التي تخص إمارة قدح عام 1201هـ (1787م)، وعندما حاولت إمارة قدح استعادة الجزيرة تم الاتفاق على أن يحصل سلطان إمارة قدح وخلفائه من بعده مبلغ عشرة آلاف دولار ماليزي سنويًا مقابل اقتطاع جزيرة بينانغ، وتمكنت هذه الشركة من شراء ميناء سنغافورة عام 1234هـ (1819م) 

وهكذا امتلكت شركة الهند الشرقية البريطانية ثلاثة مراكز تجارية في جنوب شرقي آسيا وهي مالقا ،وبينانغ وسنغافورة فدمجتها في وحدة واحدة عام 1241هـ (1826م)، وتحولت لمركز أوروبي صليبي يحفظ مصالحهم الاقتصادية، وفي عام 1284هـ (1867م) سلمت المستعمرة إلى وزارة المستعمرات البريطانية.

وبعد أن استقر الوضع للبريطانيين، واطمأنوا لعدم وجود منافسين ينازعونهم الأمر. كشف الاحتلال البريطاني عن أطماعه الحقيقية فمنذ عام 1291 هـ (1873م) بدا يتوسع في شبه جزيرة الملايو، بمكر أخذ شكل معاهدات مع سلاطين الولايات أو الدويلات في شبه الجزيرة الذين دانوا بالولاء للبريطانيين، كحكام محليين خاضعين لهم. واستمرت المعاهدات وتمكنت بريطانيا من أن تحكم هذه الإمارات بسلطة المالك المتحكم.

ثم راحت بريطانيا تجمع هذه الإمارات وتقسمها كما تشاء، وكما يحلو لها وتقتضيه مصلحتها فشكلت في عام 1312هـ (1894 م) اتحادًا من كل من بيرق وسلانغــور ونيغري سمبلان وباهانغ واجتمعت هذه الولايات الأربع تحت يد مقيم عام بريطاني واحد، وحكومة مركزية واحدة. وبسط الاحتلال البريطاني هيمنته على كامل المنطقة بمعاهدات واتفاقيات تخوله التحكم فيها.

وهكذا خضعت ماليزيا للاحتلال البريطاني بسبب ضعف السلاطين، وتفرّق كلمة المسلمين، وعدم وعيهم لأساليب الاحتلال الصليبي، وقوة الأعداء المادية، وكان لهيمنة الاحتلال ثمنها الباهظ على الحياة الإسلامية في هذه المنطقة حيث بدأت تنسحب تدريجيًا من المجتمع أمام طغيان الجاهلية التي ملكت رصيدًا قويًا من التفوق العسكري والعلمي والمادي فأذلّت المسلمين وعملت على إضعافهم، وانتشر الفساد، وانشغل أكثر الناس بتأمين لقمة العيش وأحلام الدنيا.

مكر الاحتلال البريطاني

فرضت بريطانيا سيطرتها التامة على الولايات الماليزية كلها سواء أكان ذلك في شبه جزيرة الملايو أم في جزيرة بورنيو، وجزأتها بالشكل الذي يصب في مصلحة الاحتلال الصليبي، وقد كانت تلك الولايات مُقسمةً ومجتمعةً على النحو الآتي:

1- اتحاد يضم الولايات الأربع الآتية: بيرق سالانخور، نيغري سمبلان، باهانغ، وقد قام هذا الاتحاد منذ عام 1312هـ (1894م)، وكان لهذا الاتحاد حكومة مركزية، يُشرف عليها مقيم بريطاني واحد.

2- اتحاد الملايو ويضم الولايات الأربع الشمالية وهي: بيرليس، قدح كيلانتون ترينغانو وقد قام هذا الاتحاد حسب معاهدة بانكوك عام 1327هـ (1909م) وفي كل ولاية مستشار بريطاني، وتعد الولاية ذات سيادة، وتخضع لسلطانها. لكن الجالية البريطانية تتبع للمفوض السامي.

3- مستوطنات المضيق وتشمل: بينانغ، مالقا، ويلسلي.

4- محمية جوهور: وقد قبل سلطانها بجانبه مستشارًا بريطانيًا بعد عقد معاهدة معه عام 1332هـ (1914م)

5- محمية ساراواك: وتخضع للحماية البريطانية منذ عام 1306هـ (1888م)

6- محمية بورنيو الشمالية وتخضع للحماية البريطانية منذ عام 1306هـ (1888م)

وأثناء هذه الحقبة حرصت السياسة البريطانية على تهميش المسلمين وتقريب الهندوس والبوذيين، وتسليمهم المناصب الإدارية في الدولة، وفتحت الباب واسعا للحركة التنصيرية، ودعمتها دعمًا ضخمًا، في وقت لا يجد فيه المسلمون قوت يومهم، فاستمروا في استضعاف حتى آن أوان الحرب العالمية الثانية.

الجهاد ضد الاحتلال

عرف تاريخ ماليزيا حركات جهادية للتحرر من الاحتلال، كان يدفعها الدين لطرد المحتل وإقامة دولة إسلامية. ما يسلط الضوء على دور العلماء المسلمين الملاويين وجهودهم في التحريض ضد الغزو الصليبي.

وعرف التاريخ الملاوي عدة ثورات إسلامية قادها علماء المنطقة أشهرها:

  • ثورة كلنتن: قادها الحاج محمد حسن (لقبه تؤ جنقوت، أي ذو اللحية) وذلك في عام 1332هـ (1914م) لإقامة دولة إسلامية مستقلة حيث تمكن من بسط سيطرته وأنصاره على منطقة فاسير قوتيه بولاية كلنتن لكنه قتل في هجوم للبريطانيين سنة 1333هـ (1915م).
  • ثورة ترنجاتو: بقيادة الحاج عبد الرحمن بن عبد الحميد أحد علماء ترنجانو وذلك في عام 1346هـ (1928م) ضد معاهدة الحماية البريطانية وضد قبول السلطان للمستشار البريطاني وتطبيق القانون البريطاني. وسيطر السكان بولاية ترتجانو بالفعل على منطقة كوالا برنج ورفعوا راية الدولة العثمانية بالرغم من سقوطها وتعرضوا لهجوم البريطانيين فقتل منهم من قتل واعتقل الشيح عبد الرحمن الذي نفي إلى مكة حيث توفي فيها.

الاحتلال الياباني

القوات اليابانية تمر عبر كوالالمبور أثناء تقدمهم لاحتلال منطقة الملايو

دخلت اليابان الحرب إلى جانب دول المحور، وفي حركة خاطفة احتلت جنوب شرقي آسيا بما فيه  شبه جزيرة الملايو بعد حملةٍ دامت أكثر من شهرين من الزمن وذلك في 20 ذي القعدة 1360هـ (8 كانون الأول 1941م)، وكسرت بريطانيا بهذا الاحتلال حيث تمزقت صورة القوة التي لا تقهر على يد اليابانيين الذين وضعوا البلاد تحت الإدارة العسكرية اليابانية والتي كان يديرها يابانيون في مختلف دوائر الدولة يعمل بإمرتهم الملاويون.

وسطر الاحتلال الياباني المجازر، وسلط عداءه على الإسلام وكل ما يتعلق بالمسلمين، واستمرت هذه المعاناة إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية وهزمت اليابان مع دول المحور، فانسحبت ذليلة من المناطق التي دخلتها لكن ما لبثت أن رجعت بعدها بريطانيا إلى قواعدها السابقة فعادت أكثر كبرًا وغطرسة بعد انتصارها مع حلفائها في هذه الحرب،

وظهرت في الأثناء جبهة تحرير مورو التي قادت الجهاد في هذه المنطقة، وضرب المسلمون أروع الأمثلة للتضحية والبذل، وقد سقطت عشرات الآلاف من الشهداء، ولم يألوا المحتل جهدًا في تسطير المجازر في هذه الحقبة من التاريخ.

وجاءت بريطانيا هذه المرة بوجه مختلف، حيث عرضت قيام وحدةٍ ملايوية مركزية محلّ النظام الذي كان سائدًا قبل الحرب والذي كان يتألف من دول اتحادية كاتحاد دول الشمال، واتحاد الملايو، ومن دول غير اتحاديةٍ كمحمية جوهور.

وفي 26 رمضان 1346هـ (3 أيلول 1945م) أعطت الخزانة البريطانية موافقتها على سياسة اتحاد الملايو بعد عودتها إليها بعد الحرب، كما وافقت على إرسال بعثة ماك ميشيل.

وأذعن كل السلاطين للشروط الجديدة التي فرضتها عليهم بريطانيا، وإن كان بعضهم قد أبدى بعض التحفظات غير أنهم كانوا راغبين بإظهار الإخلاص التام للبريطانيين وألغيت كل المعاهدات التي كانت عبر السنوات التي مضت، والتي كان فيها البريطانيون يعترفون بها بحقوق السلاطين، وأصبح الآن دور البريطانيين فقط مساعدة السلاطين لحكم بلادهم وفق المصالح الغربية.

لكن السكان واجهوا هذا المشروع البريطاني بالرفض، وقامت مقاومة عنيفة فاضطرت بريطانيا لتقديم مشروع بديل في عام 1367هـ (1948م) يقضي بأن تتمتع الدول والمقاطعات الملاوية المشار إليها بالمشروع السابق بشخصيتها ضمن اتحاد تديره حكومة قوية وبقي الحكام يتمتعون بسلطتهم ضمن الاتحاد المزمع قيامه وأخذت وسائل التنفيذ طريقها.

تنكو عبد الرحمن

ووضع دستور جديد للملايو عام 1375هـ (1955م) حيث حوّلت أكثر مسؤوليات الحكومة الاتحادية إلى المجلس التمثيلي للشعب، وجرت الانتخابات العامة ففاز حزب التحالف برئاسة تنكو عبد الرحمن حيث حصل على 51 مقعدًا من أصل 52 مقعدًا.

وبعدها قامت حكومة محلية، وبدأ السعي لاتخاذ الترتيبات للوصول إلى الاستقلال.

ووافق المجلس التشريعي على مشروع الدستور الذي وضع بعد التشاور بين الحكومة المحلية مُمثلةً لأحزابها وبين الحكومة البريطانية. ووقع الاتفاق لقيام اتحاد الملايو من قبل حكام الولايات، ونيابةً عن ملكة بريطانيا وذلك في محرم 1377هـ (آب 1957م) . وفي نهاية الشهر أعلن عن استقلال البلاد في 5 صفر 1377هـ (31 آب 1957م) وكان دستور الدولة الجديد واحدًا، إذ أصبح الاتحاد مملكة دستورية، وملكها هو «يانك دي بارتوان»، وقد انتخب من قبل حكام الولايات لمدة خمس سنوات، وأصبح الإسلام دينا للدولة وقبلت عضوًا في الأمم المتحدة في صفر 1377هـ (أيلول 1957م). وأصبحت الملايو ضمن رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث).

وعلى إثر ذلك عرفت البلاد تمرد الشيوعيين فأعلنت حالة الطوارئ إلى أن أخمدته وقد دامت هذه المرحلة مدة اثنتي عشرة سنة إلى أن رفعت حالة الطوارئ بعد إنهاء تمرد الشيوعيين في عام 1380هـ (1960م).

دولة اتحاد ماليزيا

في عام 1382هـ (1963م) م قام مجلس الولاية بتعديل الدستور من أجل تحقيق الحكم الذاتي الشامل. وأجريت الانتخابات في العام نفسه ونجح حزب التحالف المؤيد لإقامة دولة اتحاد ماليزيا، وكان نجاحه كبيرًا.

وهكذا أصبح اتحاد الملايو مستقلًا، وتتمتع كل من سنغافورة، وشمالي بورنيو، وساراواك بالاستقلال الذاتي، وأصبح من الممكن طرح فكرة الاتحاد الماليزي العام.

وبعد محادثات بين الحكومات والممثلين الشعبيين، أُعلن عن الاتحاد بموجب استفتاء جرى في عام  1382هـ  (1962م)، وبقيت بروناي خارج هذا الاتحاد. 

وعارضت أندونيسيا والفيليبين الاتحاد، لأسباب سيادية ثم وافقتا على قيام اتحاد ماليزيا فيما إذا وافق شعبا صباح وساراواك على قيامه، بشرط الإبقاء على الحكم الذاتي فيهما.

 وأصبح اتحاد ماليزيا واقعيًا في 27 ربيع الثاني 1383هـ (1963م) وبقيت أندونيسيا رافضة لهذا الاتحاد، حيث عارضه أحمد سوكارنو رئيس جمهورية أندونيسيا آنذاك.

وحشد القوة العسكرية لمواجهة ماليزيا لكن انتهى مشروعه بتنحيته، واستمر التوتر بين الاتحاد وكل من أندونيسيا والفيليبين وجرت اشتباكات وغارات على الحدود في بورنيو.

وظل الحال على ما هو عليه من احتقان وتوتر إلى غاية عام 1385هـ (1965م) حيث صعد ماركوس لحكم الفلبين، وتحسنت العلاقات مع ماليزيا، حيث اعترفت الفلبين بالاتحاد ووقعت اتفاقية سلام مع ماليزيا.

 إنشاء اتحاد دول جنوب شرقي آسيا

تشكل هذا الاتحاد من دول جنوب شرقي آسيا في جمادى الأولى 1387هـ (1967م) وضمّ كلا من أندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، والفيليبين وتايلاند ومن أهدافه المدوّنة تعضيد التعاون بين دول هذه المنطقة من أجل تحقيق التقدّم الاجتماعي والاقتصادي.

نظام ملكي دستوري

كوالالمبور عاصمة ماليزيا

يتألف اتحاد ماليزيا من دول الملايو التسع: جوهور وقدح وکیلانتون وترینشانو وبیرق وباهانغ نيغري، وسمبلان سلانتور، وبيرليس ومن المحميات البريطانية السابقة مالقا وبينانغ، ومن المستعمرات البريطانية السابقة: صباح وساراواك .

وتتفق دساتير هذه المناطق على المحافظة على نظام الحكم الملكي الذي يعتمد على الحياة النيابية، وينتخب الرئيس الأعلى لماليزيا، وهو الملك من قبل مجلس الحكام لمدة خمس سنوات .

ويتألف المجلس النيابي الاتحادي لماليزيا من مجلسين: مجلس الشيوخ، ومجلس الممثلين.

واختير أول رئيس للوزراء تانكو عبد الرحمن، أما الملك الأول فكان اليانغ دي برتوان أغونغ وهو ابن سيد حسن جمال الليل. على أن تتم الانتخابات كل خمس سنواتٍ وتجري من الاستقلال إلى الآن بشكل رتيب. والسلطة بيد تحالف يشمل معظم الأحزاب في البلاد باستثناء الحزب الإسلامي وحزب العمل الديمقراطي .

لقد عرفت البلاد اضطرابات عديدة وتناوب على حكمها عدة حكام، كتون عبد الرزاق الذي خلف تانكو عبد الرحمن وامتص نقمة المعارضة، وجذبها إلى حزب التحالف، فشكل الجبهة الوطنية من عشرة أحزاب، ثم حسین بن عون بن جعفر الذي خلف تون عبد الرزاق في رئاسة الوزارة.

وكان الأمن في ماليزيا مُهددًا دائمًا من قبل الحركة الشيوعية واستفاد المسؤولون أيضًا من هذا التهديد فكل خصم لهم اتهموه بالشيوعية وقاتلوه تحت هذا العنوان وأبعدوا عنه الأتباع تحت هذا الشعار، وأشاع الصليبيون عن المسلمين أنهم من الشيوعيين ووضعوا حركاتهم تحت هذا الصنف. فكان مشهدا شديد التعقيد والتضليل.

وشغل سري مهاتير محمد منصب نائب رئيس الوزراء الاتحادي منذ عام 1396هـ (1976م) ثم في عام 1401هـ (1981م) أصبح رئيسًا للوزراء خلفًا لحسين عون.

وأعيد انتخاب الدكتور مهاتير محمد رئيسًا للوزراء دون منافس في عام 1404هـ (1984م).

واهتزت الحكومة الاتحادية برئاسة مهاتير محمد وكذلك المنظمة الوطنية لاتحاد الملايو  ووجه لهما النقد والمعارضة، وأدى ذلك إلى سلسلة أحداث وقرارات كان مهاتير أبرز ملامح مشهدها.

مهاتير بن محمد

مهاتير محمد

حكم مهاتير بن محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابع، ورابع رئيس وزراء لماليزيا في الفترة من 1401  إلى 1424هـ  (1981 إلى 2003م)، وتعد أطول فترة لرئيس وزراء في ماليزيا، بل ومن أطول فترات الحكم في كل آسيا.

ولعب لمهاتير دورًا رئيسيًا في تقدم ماليزيا المدني بشكل كبير، حيث تحولت في فترة حكمه من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطّاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من اجمالي الصادرات.

وكان مهاتير من أشد المعارضين للعولمة، وبعد اعتزاله العمل السياسي أعلن عن خوضه من جديد للانتخابات العامة في ماليزيا ففاز بأغلبية المقاعد فأصبح سابع رئيس وزراء لماليزيا، وبعمر 92 عامًا فكان أكبر الحكام سنًا في العالم.

وحاليا يشغل منصب رئيس الورزاء الماليزي، أنور إبراهيم حيث حكم البلاد منذ 30 ربيع الثاني 1444هـ (24 نوفمبر 2022م).

مشكلة الهوية العقدية

ومع أن ماليزيا تقر بأن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة. إلا أن ما يسود البلاد من سيطرة الجاهلية وانتشار الربا والفساد والأعياد والمناسبات المخالفة لهدي الإسلام، متفشٍ بشكل واضح ولعل الانفتاح السياحي لجلب الأجانب، جعل البلاد تتساهل بتوفير ما يطلبه السياح من انحلال ورذيلة. وفي الواقع فإن القانون والتشريع الماليزي يعتمد على القانون الإنجليزي العام، ولا تطبق الشريعة الإسلامية إلا على المسلمين، ويقتصر تطبيقها في ماليزيا على مسائل الأسرة والشعائر الدينية، وهو ما يجعل ماليزيا دولة علمانية أكثر من كونها إسلامية مثل حال أغلب دول العالم الإسلامي.

الحركات والأحزاب الإسلامية في ماليزيا

عرفت ماليزيا نشاطا بارزًا للحركات والأحزاب الإسلامية وهو نتيجة طبيعية لتاريخ الصراع وبروز حركات التحرر الملاوية وللتأثر المباشر بحركات الإصلاح في العالم الإسلامي. حيث تأثرت أغلبها بأفكار الإخوان المسلمين والاتجاه السياسي الإسلامي ولا تخرج نشاطاتها على النشاط السياسي والاقتصادي والدعوي والخيري العام ونهج الديمقراطية.

وتنشط في ماليزيا جماعة التبليغ التي قدم دعاتها من باكستان.

ومن المنظمات الدعوية الإسلامية المعاصرة التي لها الأثر الواضح في حياة المسلمين في ماليزيا:

الحزب الإسلامي، والجمعية الخيرية الإسلامية، وحركة الشباب الإسلامي وهي من أكثر المنظمات عددًا وأحسنها تنظيمًا وأكبرها أثرًا وهي تمثل ثلاثة أنواع من الدعوة الإسلامية في البلاد.

الأول: الدعوة الإسلامية المنظمة الشعبية (الحزب الإسلامي).

الثاني: الدعوة الإسلامية المنظمة تحت رعاية الحكومة (الجمعية الخيرية الإسلامية).

والثالث: الدعوة الإسلامية المنظمة شبه الحكومية (حركة الشباب الإسلامي).

ساهمت الحركات والتنظيمات الإسلامية مساهمات كبيرة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ففضلا عن دورها الدعوي والخيري، وقفت في وجه المد الصيني والتنصيري، الذي سعي إلى الوصول للماليزيين واستهداف عقيدهم من تحت ستار الاقتصاد والسياسة.

وأجبر هذا الحضور الإسلامي الحكومة على تطبيق القيم الإسلامية، إلا أن ممارسات هذه المنظمات الإسلامية شابها قصور وتأثير سلبي لا مناص منه، وفي مقدمته اختلاف المناهج واصطدمها. والاجتزاء للعمل الإسلامي والخضوع لوسائل غير شرعية، كالخضوع للسياسات العلمانية المخالفة لدين الله تعالى، وبعضها ذهب إلى أسلمة العلمانية، ومهد لهذا الانحراف عن نهج الاستقامة جهود الحكومة العلمانية واستراتيجيتها في احتواء جميع الاتجاهات المناهضة لها تحت شعارات القومية والمصلحة المشتركة. وهذا الاستدراج للأسف ينتهي لنسخة لا علاقة لها بالإسلام. نسخة متأثرة بشدة بالغرب ومنظوماته وسياساته، تتماهى مع باطله في سبيل الاستمرار في النشاط باسم إسلامي. إلا أن هناك دائما وعيا بارزا في زاوية من المشهد، فلا يزال في ماليزيا مسلمون ينشدون الأداء الإسلامي الأفضل والأكثر استفلالية وتفردا بخصائص الإسلام المهيبة.

المساجد في ماليزيا

المسجد الوطني في كوالالمبور

اشتهرت الكثير من المساجد في ماليزيا، لما تفردت به من هندسة معمارية لافتة وسعة احتواء وجمال منظر، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المسجد الوطني في كوالالمبور وهو أكبر مساجد ماليزيا ومن أكبر مساجد آسيا، ويعود بناؤه إلى عام 1384هـ (1965م) يعرف هذا المسجد بعمارته الحديثة العصرية، حيث المئذنة الشاهقة التي يصل إرتفاعها إلى 75 مترًا، والقبة التي تأخذ شكل مظلة نجمية وتُضاء ليلا باللون الأزرق.

مسجد بوترا

إضافة إلى مسجد بوترا الذي يوصف بأنه الأجمل في ماليزيا، ويقع في مدينة بوتراجايا التي تبعد قرابة نصف ساعة عن كوالالمبور، ويلقّب أيضا “بالمسجد الزهري” نظرًا لقبته الزهرية الأنيقة، وهو من المساجد التي بنيت حديثًا.

مسجد زاهر آلور سينار

ثم مسجد زاهر آلور سينار في مدينة آلور سنار، ويبعد قرابة 430 كم عن العاصمة كوالالمبور، ويعتقد البعض بأنه أحد أجمل مساجد العالم، كما أنه من أقدم مساجد ماليزيا ويتجاوز عمره المئة عام، ويمزج هذا المسجد بين نمط العمارة الماليزية والفارسية وهو المسجد الوحيد في البلاد بقباب سوداء.

مسجد العبودية كوالا كانجسار

ومسجد العبودية كوالا كانجسار لمدينة كوالا كانجسار، المدينة التي تبعد قرابة 3 ساعات عن العاصمة كوالالمبور، أمر ببنائه السلطان إدريس شاه عام 1329هـ (1911م) لإيفاء النذر الذي قطعه على نفسه بعد أن شفاه الله من المرض، وتم الإنتهاء من بناء المسجد عام 1335هـ (1917م).

المسجد العائم جزيرة بينانج

والمسجد العائم جزيرة بينانج يقع في جزيرة بينانج، وعلى بُعد دقائق من شاطئ “باتو فرنجي” أشهر شواطئ الجزيرة، ويبدو المسجد وكأنه يطفو ويعوم فوق الماء، حيث ينتصب على أعمدة ممتدة على الشاطئ وتغمرها المياه في حالة المدّ، مما يجعله يسبح على الماء، ويمكن مشاهدة مراكب الصيد التي تطفو حوله بسكينة وهدوء.

مسجد الكريستال

مسجد الكريستال وهو من أكبر مساجد آسيا، يتميز بطراز فريد وهندسة مختلفة فهو مصنوع من الزجاج والكريستال الذي يمنحه بريقًا ولمعانًا طوال اليوم، ويقع هذا المسجد اللافت في مدينة كوالا تيرينجانو شمال شرق العاصمة كوالالمبور.

كانت هذه عينة من مساجد ماليزيا من بين مساجد أخرى كثيرة لا تعد فقط وجهة المصلين بل أيضا وجهة السياح.

إضافة إلى المساجد تحتضن ماليزيا مراكز ومدارس إسلامية بكافة أرجاء البلاد، تحظى جميعها برعاية رسمية من قبل الحكومة؛ حيث يتم تمويلها عبر اقتطاع جزء من أموال الضرائب.


وتشتهر في ماليزيا “الجامعة الإسلامية العالمية”، والتي تأسست عام 1403هـ (1983م) والتي تتبناها منظمة المؤتمر الإسلامي، وتقوم بتدريس العلوم الإسلامية بالإضافة إلى العلوم التطبيقية والاجتماعية الأخرى.

ويغلب على الطراز المعماري الماليزي النمط العربي والصيني والهندي إلى الطراز الأوروبي الذي نقله المستعمرون الأوروبيون، وصولاً إلى استخدام الأنماط الحديثة.

ونجد الملامح المعمارية الصينية من خلال استخدام القرميد واعتماد مبدأ التماثل، كما نجد التأثر بالنمط الهندي في استخدام القباب البصلية والمآذن الشاهقة، أما العربي فنجده في الفناء المفتوح، والأقواس.[2]

في الختام

يتصدر تاريخ ماليزيا مرحلة من الجهاد دامت لقرون مديدة ضد الغزو الغربي، إضافة إلى جهاد الغزاة اليابانيين الوثنيين، والبريطانيين الصليبيين.

ويحمل الماليزيون انتماء إسلاميًا تاريخيًا، لم تتمكن آلة العلمانية من جرفه، إلا أنها لا تزال تتوعده وتتهدد الأجيال المقبلة، إن لم يواجه ذلك صمودًا إسلاميًا ناضجًا ومسؤولًا.

إن ماليزيا جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، تتأثر بجميع تغيرات النظام الدولي وطموحات التحرر والوحدة الإسلامية، مهما كلفها البعد عن الإسلام سيستمر هذا الدين الرباني في جمع شتات المسلمين التواقين في العالم وانتشالهم من مستنقعات التبديل والغرب المحتل إلى سموق النظام الإسلامي الرائد المستقل.


[1]  عذراء ماليزيا، ص181.

[2]  حفريات: هكذا امتزجت الثقافة المالاوية بالإسلام في ماليزيا

المستودع الرقمي للدعوة: ماليزيا

اتحاد ماليزيا لمحمود شاكر

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x