احفظوا الإسلام في أبنائكم

قال أبو بكر بن عيّاش: كنا عند الأعمش نكتب الحديث ونحن صبيان، فمرّ صديق له فقال: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يحفظون عليك دينك. (1)

تعليم الأطفال تاريخهم واجب وأولوية في هذا الزمان، ولذلك لا تنتظر أن يتعلمه من مدرسة أو صدفة! بل قدم له مختصرا مفيدا لتاريخ الإسلام، ابتداء من خلق الله لآدم إلى قصص الأنبياء إلى سيرة نبينا محمد ﷺ إلى حقبة الدول الإسلامية إلى الاحتلال الغربي إلى واقع الهيمنة، ثم عش بركات صناعة الوعي!

قد يبدو الشاغل الأكبر لأمريكا هو التصدي للصعود الصيني أو التمرد الروسي، لكن في الواقع، الهاجس الأكبر لأمريكا هو الإسلام ولذلك في خضم تنافس دولي خطير تجد عينها على العالم الإسلامي تتابع حركة الأفراد فيه قبل الدول! خشية على كيان الاحتلال وخشية من الانبعاث الإسلامي الأكيد، فصراعنا وجودي.

على الأم أن تحدث أبناءها عما يجري حولهم، أن تشرح لهم كل حدث وخبر يطرق مسامعهم، هذا الشرح هو علم تبثه إياهم قد يكون أهم من الكثير مما يتلقونه في المدارس! فحين يدرك الطفل الحق ويميزه عن الباطل، هذا إنجاز كبير في التربية، لأنه يعرف تلقائيا دوره في صراع الحق والباطل، يعيشه واعيا مبكرا فيثمر همة.

كان الاحتلال في الماضي يغزو الأرض بالقوة العسكرية ويصنع له ولاءات من أبناء المسلمين ثم يوظفهم لإخضاع الأمة لطغيانه، أما اليوم فالاحتلال يأتي تحت دعاوى الديمقراطية وتحرير الشعوب يحملها عملاؤه، يرافقها لزاما مشاريع انحلال المرأة والنسوية ونشر المخدرات، وأفلام وأغاني الرذيلة، ومحاربة دعاة الإسلام.

يغزو الغرب العالم الإسلامي بأفكاره المحاربة للفطرة والمعادية للدين، ويفرضها بالابتزاز والقوة، أو بالاستغفال والدعايات الخادعة، أو بالاغراءات والاستغلال البشع والخبيث لضعف الناس، نحن أمام احتلال هو الأخطر على مدار التاريخ والتخلص منه لا يكون إلا بإقامة الإسلام كاملا بلا أدنى تردد.

بلغ الإعلام الغربي مرتبة من الصفاقة والإجرام بحق البشرية لم يبلغها إعلام قبله، فاليوم يعيب على الشعوب الرافضة للشذوذ ويعاملها معاملة التخلف والعنصرية، ويرفض حريتها في اختيار ما يناسبها وفق معتقداتها، كل هذا تفرضه مؤسسات تحمل شعار “حقوق الإنسان” و”الديمقراطية” إنه الاحتلال السافر.

أينما رأيت المشروع الأمريكي ترى حتما، إقحام النساء في ميادين الرجال بحجة “تحرير المرأة” وتعريتهن وحقنهن بمفاهيم النسوية، ترى المخدرات وبيوت الدعارة والفاحشة، ترى الانحلال الأخلاقي كله يمارس بحجة الرقي بالبلاد، يكثر الفساد والسرقات ويوظف الخونة والعملاء في مناصب القيادة، ثم يحاسب الشرفاء!

يشترط الغرب على كل بلد يدخله أن يعتنق أفكارهم الفاسدة ويحتكم إلى قوانينهم الظالمة ويخضع لنزعاتهم الخبيثة، وإلا فهو متخلف! هذه المعايير التي يروج لها الإعلام الغربي ويتناقلها المنهزمون من بني جلدتنا، هي أول ما يجب هدمه والدوس عليه، إنما قيمة كل أمة باعتزازها بهويتها وتاريخها لا الانبطاح.

يسخر الغربي من المسلم ويحتقره وينظر له نظرة فوقية واستعبادية ويمنّ عليه بتفوق حازه الغرب لم يكن إلا على أكتاف المسلمين، فلم يبن الغرب قوته إلا على ضعف الدول الإسلامية ولم ينطلق في حركته العلمية إلا على قواعد الميراث العلمي الإسلامي، ولذلك لا يستمر “العلو الغربي” إلا “بانبطاح” المسلمين.

متى ما أدرك المسلمون هذه العلاقة بين نهضتهم وهيمنة الغرب، تقدموا خطوة ملموسة نحو كسر قيود الغرب التي فرضها عليهم بالقوة العسكرية والناعمة، وهذا أقل واجب نورثه لأبنائنا، معرفة ما يجري وأسرار قوتنا وأسباب ضعفنا، وإلا فموت الجبناء وعار يلاحقنا إلى يوم القيامة، المسلم عزيز لا يذل!

موقع المرأة من الصراع

إن المرأة المسلمة المعتزة بدينها وسترها ودورها في صناعة الأجيال المنتصرة، لهي أخطر على الغرب من كل ما ترونه من مؤسسات وجماعات ومشاريع تنشد نهضة الإسلام، المرأة المسلمة هي قلعة ومصنع لكتائب الإسلام الذين سيغيرون واقع أمتهم بوعد من الله حق. هذا يفسر استهدافها ابتداء وشدة الحرص على إفسادها.

لذلك نشدد بدورنا على نساء المسلمين، “لا تبرحن جبل الرماة” لا تبرحن ثغوركن فإن مصير الأمة كله مرهون بثباتكن، وبئس المسلمة التي تجعل من نفسها معول هدم للأمة لا لبنة بناء ومصانع لبنات بناء، القضية ليس خلافا مع الرجل، القضية كيد ومكر يحيط بالأمة، وصناعة الوعي بواجبات المرأة نصر محقق.

دقق النظر في أهداف الغرب الأولى، واحفظها واحمها وأحطها بحصن حصين، إنها المرأة والطفل، لأن نهضة الأمة المسلمة هي في سلامة هذه الشريحة، من النساء والأطفال، سلامة فطرة ودين، ولنا في التاريخ ألف عبرة ودرس، لقد كانت المرأة أول مؤمنة وأول شهيدة وأول مهاجرة .. فلا تعجب لثبات الرجال من أبنائهن.

الغرب يعد المرأة بوظيفة وراتب بجهد جهيد، ونزعات موضة وعلاقات منحلة وكل شر ورذيلة، والإسلام يعد المرأة بإيمان وسكنية تنير قلبها وولاية وصلة رحم تصونها وتحفظها مهما كان سنها، وذرية بارة بها وبأمتها، فالغرب يعدك الفقر والفحشاء ويأمرك بالمنكر، والإسلام يعدك الجنة والمغفرة بإذن الله والغنى والمجد.

اختاري لنفسك بين دعاوى الشيطان ودعاوى الأنبياء!

حفظ الأمانة

لا يمكن لعدو تاريخي أن يريد خيرا للأمة، لا يمكن لمحتل ومفسد أن يحقق أهدافا واعدة للمسلمين، الحرية تنتزع ولا تعطى، والحقوق والمجد يكون بثمن وتضحية لا يُستجدى، وصراع الأمم في التاريخ والحاضر دليل على أن صعودك يكون بدحر عدوك وإن تغلغل فيك!

الله خبير بصير بأمته، وبحال أفرادها، ولقد جعل سننا لكل صعود وانبعاث، فابحث عنها في نفسك وابحثي عنها في نفسك قبل إلقاء اللوم على الأمة في تأخرها، حين يتحرر الأفراد من سلطة الثقافة الغالبة وسطوة الهيمنة الغربية على أرواحهم وأفكارهم، هنا نكون فعليا دخلنا مرحلة الصعود في أعمار الأمم.

كل شيء واضح، وحتى المنهزمون للغرب يعلمون أننا نعلم أنهم يكذبون ويراوغون ويقتاتون على أحلامنا لاستمرار الهيمنة الغربية في العالم الإسلامي، يكفي إلى هذا الحد، فقد استوعبت الكثير من الشعوب الأخرى هذه الحقيقة وآن لنا أن نصدح بها ونعتز بها، لن نكون إلا بالإسلام أما دونه فأذلة ندفع الجزية!

كل مكونات الأمة متصلة بعضها ببعض، دور النساء والرجال والأجيال، العلوم والميادين كلها متصلة، فليكن العمل تكاملي تراكمي، والاستعانة بالله والتوكل عليه هي الوصية بيننا، لنعيد الإسلام معظما في حياتنا، لنعلم أبناءنا أخطاء أجيال سرت بانهزامية ونحقنهم بترياق الاستعلاء بالإيمان والعزة. ثم معذرة!

ما عندنا خير مما عندهم .. وقد كشف الله لنا بوضوح لا لبس فيه درجة الفساد والانحطاط الأخلاقي الذي يعيشه الغرب ويحاول فرضه علينا، وتلاشت كل شعاراتهم الجوفاء والخادعة عند كل نازلة تصيب الأمة، وكل أذى ومكر ينال منا إلا ولهم يد فيه، فالقضية لم تعد تبيان الحقائق إنما العمل لتغييرها بجد.

ما دخل الغرب بلدا مسلما إلا ونهبوا ثرواته واستحيوا نساءه واستعبدوا رجاله ونفثوا فيه سموم الفساد بكل أنواعها، إلا وزرعوا فيه كل أسباب الفرقة والضعف والانهزامية، واستهدفوا عوامل الانبعاث، وحاربوا كل فرصة للتحرر باستعلاء بهوية الإسلام، علموا هذه الحقائق لأبنائكم هذا أضعف الإيمان.

احفظوا دينكم في أبنائكم، احفظوا تاريخكم في أبنائكم، احفظوا أحلام الأمة في أبنائكم، احفظوا عوامل الانبعاث في أبنائكم .. فإن الجيل الذي يحمل دينه وتاريخه وشغفه بالمجد وأسباب الانبعاث لا يهزم! اصنعوا الوعي مبكرا . وليكن أهم وأولى ميراث نقدمه لهذه الأجيال التي ستتذوق متعة التمكين بإذن الله تعالى.

(1) (ربيع الأبرار 4/37).

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ام منة

اللهم هيئ لهذة الامة امر رشد وخير

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x