أولويات الانشغال .. أولى خطوات الارتقاء ..

إذا حملت هم إقامة الإسلام ونصرته كل هم بعد ذلك يهون ويصغر. بقدر ما تنصر دين الله بصدق وإخلاص يكفيك الله كل هم وغم. ويصبح حينها أنين كل مسلم أسبق لقلبك من أنين نفسك ويشغلك حال الإسلام عن حال نفسك! هذه قاعدة “سعادة” و”توفيق”، مهمة لاستدراك ما فات .. والبناء على بصيرة فيما هو آت.

“أيَنْقُصُ الدِّينُ وأنا حيٌّ”. هذا كان همّ وشاغل الصديق رضي الله عنه، فنصره الله نصرا مؤزرا في قلب الضعف! وهو الذي قال عنه النبي–صلى الله عليه وسلم-:”إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته” (البخاري).

إن أول ما حمله الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو حفظ دين الله وحمل رسالة النبي إلى كل مكان، فكانت ملاحم شهدها التاريخ سقوها من أرواحهم .. فلن تجد في سير الصحابة إلا التفاني والتضحية والمسابقة وحب الله ورسوله، فرأوا بركات ذلك حياة طيبة وفتحا مبينا ممتدا!

من لم يتدبر القرآن والسيرة ولم يقف عند سير الصحابة وميراثهم فهو جاهل جهلا عظيما … ولو حاز كل شهادات العلم الدنيوي. لأن العلم الذي يثمر معه الإنسان تمكينا وريادة هو علم يبنيه ويبني أمته، أساسه رسالة الإسلام كما حملها الصحابة رضي الله عنهم خالصة من كل بدعة وانحراف،إلى يوم الملاحم.

قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله:”لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف”ـ وقال ابن تيمية رحمه الله: “إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لايدخل جنة الآخرة”.

لو علم الغافلون،المتعلقون بانهزامية بأستار الغرب، عظمة هذا الدين وميراث نبيهم لبكوا دما لما أضاعوه من رفعة وفضل. ثم يا حسرة.

كيف تطمع في بركات الإسلام وفتوحاته وأنت تعامله معاملة التقاليد المتوارثة! بل يجب أن يترسخ في القلوب إقبالا عليه سعيا ومسابقة، تدبرا وتفقها، علما وعملا، فإن لم تفعل مخلصا تربيك السنن حتى تبصر حقيقته وعظمته. ولذلك الكثير من المسلمين التزموا بالإسلام بجدية بعد حادث وغربة وتفاصيل أخرى.

أكثر ما أهمله الدعاة العبادات القلبية -إلا من رحم ربي- فكانت خسائرنا كبيرة جدا، لأن القلب إذا غفل وضعف كيف يمكن للجوارح أن تخلص وتخشى! ومن يتأمل أحوال السلف وكتابات أئمة أهل السنة يدرك ذلك الحرص العظيم على القلب! وهل أوتينا إلا من قلوبنا وهل نقوم إلا بإعادة القيمة الحقيقية لقلوبنا ..

لسنا بحاجة لتدين “مغشوش” أو “غير خالص”، نحن بحاجة لمنهج (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فتصبح أنفاسك معلقة بذكر الله تعالى.. خطواتك تقودك لسبيل الله تعالى.. حتى ابتسامتك ولهوك .. صدقة واستراحة محارب. بذلك نقيم بنيان الإسلام في الأرض فننعم به وتنعم الأجيال بعدنا!

أي قلب حمله عقبة بن نافع – رضي الله عنه – حين خرج فاتحا حتى بلغ المحيط في أقصى المغرب فأقحم فيه فرسه وقال:”اللهم إنك تعلم أني أريد أن لا يعبد على وجه الأرض أحد سواك، ولو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضا لوطئتها، أذكر فيها اسمك العلي العظيم. اللهم اشهد أني قد بلغت عذرا” لا تعجب بعدها كيف أسلم أهل إفريقيا.

لست مطالبا أن تعيش حرفيا كما عاش الصحابة! وإنما أن تتعلم من الصحابة كيف تقيم قلبك على الإيمان والإخلاص والعمل! إن الفائدة العظيمة التي نجنيها من سيرهم هي صناعة القوة والهمة في أنفسنا، وكذلك يصنع منك الإسلام في كل عصر، حين تعرف قيمة ما تملك تُعجز أعداءك وتُخضع العالم لأهدافك. لا تنهزم!

(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لا نكرر أخطاء بني إسرائيل .. ونعتبر من قصصهم ..

(وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) ونتبع ما أنزل الله لنهتدي به .. ونُرحم به!

ثم قِف عند حديث رسول الله ﷺ الذي رواه ابن ماجه في سننه:

(مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ)

فاحذر من الهلاك في أودية الدنيا، وتأمّل كيف جعل الله الآخرة هي الأصل في قوله -جل جلاله- (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ )، وأن انشغالك بها قد ينسيك الدنيا؛ (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) فاحتاج المقام للتنبيه على نصيبها!”(1)

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

بسم الله ما شاء الله .. بارك الله في اليد التي كتبت تلك الكلمات.

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x