أهلية الحاملين للحق من أركان نصرته!

لا يكفي أن تكون الدعوات حقا بل يجب أن يكون الحاملون لها مؤهلون لحمل أمانة تبليغها ونصرتها وإقامتها بالحق والعدل معا. وهذا ما تؤكده حوادث التاريخ وتجارب الأمم السابقة. فمن لم يتمكن من إقامة الدعوات خالصة بدون تحريف لها وتوظيف لها لغير مقاصدها، يهدمها بنفسه ويضعفها بسوء عمله وفهمه.

ومن لم يتمكن من العدل مع خصومه كما مع أنصاره، لن يتمكن من نصرة دعوته ولا توسيع نطاق تأثيرها ووصولها. ولذلك كان أكثر الناس عدلا أكثرهم نصرة وترسيخا لدعواتهم وأكثرهم استقطابا لها. ولو كانت الدعوات حقا، فالحاملين لها إن لم يتحلوا بالعدل واستحقاق نصرة هذا الحق يفسدون عليها الحق الذي تحمله.

ولذلك بلغ الإسلام كل زوايا الأرض لأن من حمله كان جديرا بحمل أمانته، فترى الصحابة رضي الله عنهم يمسكون الكتاب بقوة ويعدلون مع أعدائهم حتى في قلب الحروب، يبهرك رقيهم في معاملة الأسرى، فكانوا نموذج القوي الأمين. ومن يقتدي بهم في قوتهم وأمانتهم وعدلهم لا بد له أن ينصر الإسلام حق النصرة.

ومن ينحرف عن نهجهم ويفقد العدل سيصطدم بحقيقة أن الدعوات تتآكل تدريجيا كلما تراكمت عليها المظالم، فيرتد الظلم عليها ويحاصرها وينتهي بها إلى الركن المنسي. ويتساءل أصحابها ألم نكن على حق! نعم ولكنكم نصرتم الحق بالظلم فذهبت بركات دعواتكم. إن هذا الإسلام يرفع الأمين القوي ويسقط الظالم.

من هنا تظهر لنا أهمية المحاسبة والإصلاح في أي حركة بشرية ترفع الدعوات لنصرة الحق، فإن العبرة بالنهايات لا بالبدايات! وما لم يحفظ البنيان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالتواصي بالحق وبالنصيحة الخالصة، فإن النفس البشرية بلا رقابة وإخلاص تهدم بيديها الدعوات قبل أن يهدمها أعداؤها.

كل الدعوات التي لم تقتد بنموذج الصحابة رضي الله عنهم ضعيفة هشة تحمل عوامل الانهيار بداخلها، لأنهم أفضل نموذج للحق والعدل، وأكثرهم فهما لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم، قدموا لنا الأمثلة الجليلة للتناصح في الله والتعاون على البر والتقوى الذي كان أساس العمل والبناء فأثمرت الجهود وبوركت وما أحوجنا للتقوى.

إن الأخطار التي تتهدد الدعوات من داخلها هي الأخطر على الإطلاق من كل الأخطار التي تتربص بها من أعدائها، فما من قوة في الأرض انهارت إلا كان سبب انهيارها أن حملت عوامل الانهيار في مكوناتها وأولها العجب بالنفس والظلم وإهمال المحاسبة والنصيحة والإصلاح! والتاريخ مدرسة عظيمة لتجارب البشر.

وهذا من عدل الله جل جلاله! فالعبرة ليست بالدعوات فحسب بل بطريقة نصرتنا لهذه الدعوات بدرجة تقوانا واستقامتنا كما يحب الله ويرضى ولذلك كانت الآيات الجليلة شديدة الدقة والضبط {فاستقم كما أُمِرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنَّه بما تعمَلونَ بصِيرٌ* وَلاَ تَرْكَنوا إِلى الَّذِين ظلَموا).

فيا من يحمل الإسلام، ليس الإسلام تزكية لك! بل استقامتك كما أمر الله هي الوحيدة التي تكفل مصداقية ادعائك. وكونك تدافع عن الإسلام أو تنادي به لا يعني أنك فوق شريعة الله بل جميعنا تحت شريعة الله مهما تباينت مراتبنا. وبهذا الفقه ساد الصحابة رضي الله عنهم وبلغت دعوتهم الآفاق! ومن طغى ندم!

نحن بحاجة ماسة لصوت الإصلاح لا الهدم، لصوت الاستدراك لا التهوين! نحن بحاجة للاستفادة من أخطائنا لا التغطية عليها وتبريرها. لأن أكبر خدعة لأنفسنا أن نستمر في غفلة وتطفيف!

وما دام الإسلام هو المرجعية، فقد قطعنا نصف المسافة وتبقى الاستقامة كما أمر الله هي أكبر تحدٍ لاستحقاق نصرة دين الله.

إن دين الله منصور، بنا أو بغيرنا، وسنة الاستبدال أكثر ما يجب أن لا يغيب عن أذهاننا! فعظم مكانة أن تكون مسلما، يوازيها عظم الأمانة والمسؤولية أن تؤدي رسالة الإسلام بإخلاص وتقوى. وهذه المفاهيم التي يجب أن تتربى عليها الأجيال، لتكون مسابقة في سبيل الله تدفعها الخشية والوجل والمحاسبة.

كلما جاهدت نفسك على التقوى حق لك أن تطمع بنصر الله لك! كلما أقمت نفسك على الحق والعدل، حق لك أن تطمع في معية الله وتوفيقه، هي معادلة يكررها التاريخ! والعاقل يحاسب نفسه على الكلمة يكتبها وعلى الحركة يقوم بها هل هي في سبيل الله أو سبيل حظ نفسه! هنا يختلف الأداء تماما بين مخلص ومفلس!

وفي الختام، تزود بسير الصحابة رضي الله عنهم ورابط على فهم الإسلام على طريقتهم قدر المستطاع وابتعد عن كل ما يهدم التقوى في قلبك أو يخدعك! فإن الاستعمال من الله جل جلاله على تقوى القلوب لا زخرفة البيان وتصفيقات المعجبين! لا على طريقة الدعايات المدفوعة وتدليسات الإعلام الخادعة! فالله الله في التذكرة.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد الغريب

نعم صدقتم وفي توجيه الله وتطبيق أسلافنا الصحب الكرام لهذا التوجيه أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم عبرة لنا، لطالما كنت أقول لكل من يعاند في الحق ويخوض التجارب على دروب منحرفة أن العبرة له إن لم يعقل كلام الحق ستكون بفشل النتيجة، ورغم ذلك وحتى مع فشل النتيجة يظل البعض يعاندون، ومثل هؤلاء لا مكان لهم في حمل لواء الحق وإنما أقصى ما يمكنهم بلوغه درجة الأتباع المسيرين تحت سلطان من قدر عليهم سواء كان من أهل الحق أو الباطل، وليس ذلك سوى لحيدتهم عن أصل جادة الحق والتي بها يعلو المرء في رضا ربه وتوفيقه ومعيته سبحانه… بوركتم وبورك قلمكم وحرفكم الطيب.

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x