أساس كل إصلاح “الدعوة إلى التوحيد”

“الدعوةُ إلى التوحيدِ الخالصِ أساسُ كلِّ إصلاحٍ”

هذه العبارة المفتاح خطها الشيخ محمد الخضر حسين – رحمه الله- ووجدتني أستحضرها في كل مرة أنظر فيها للخطاب الدعوي الموجه للمرأة والنسوية، بكل ما فيه من قوة وضعف.. لا يزال التوحيد مهمشا!

إنه لمؤسف بشدة أن يستدرج الداعية الجماهير لطريقة التطاحن بين الجنسين لإثبات حق فرضه الله جل جلاله، ورغم ما تجلى بعد ذلك من فوضى وجدل وإيغار الصدور واستعداء النساء والرجال والحلبات التي اشتعلت بالهوى والبغي! ندرك أن تضييع الأصول لا يمكن أن يحقق الوصول.

قال الله تعالى ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (النساء: 65)

وقال جل جلاله ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ (المائدة: 49)

وقال سبحانه ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء : 151-152)

لم يزل القرآن يرسخ مفهوم التوحيد ومعانيه الجليلة في كل خطاب وتذكرة، وفي ذلك حكم عظيم لا يدركها العقل البشري حتى يبصر آثار العلاج بالتوحيد في الأفراد والمجتمعات.

وكذلك في السيرة يتجلى لنا فهم الصحابة رضي الله عنهم للتوحيد وأثره في الإصلاح والاستقامة، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الممتحنة: 12)

أمر صريح، اتباع بلا جدال. بدون متاهات الجدال الغربية والبيزنطية! بدون غلو ولا تمييع، كما قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب: “ما أمر الله بأمر إلا كان للشيطان نزغتان إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين”.

ونقطة ضعف المسلمين الأكبر اليوم هي في قلوبهم، في ضعف إيمانهم، فلا يمكن لقلب مؤمن مخلص لله أن يقع فريسة في شراك الغرب الكـافر. لذلك لا بد من ترسيخ عقيدة التوحيد وصياغة المسلم من جديد على معانيها كاملة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” نعيش بالتوحيد وللتوحيد .. ونموت عليه.

دعوة لله على أصولها كما عرفها صدر الإسلام الأول بالحذر من حرفها بدفع حظوظ نفس أو المتابعين أو المناكفة أو الشعبوية والتريند.

لم يكن الصحابة بحاجة لأطنان التفسيرات والتبريرات للإيمان بالله واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وقد خرجوا من جاهلية عظيمة، تتغير حياة الصحابي جذريا بآية يسمعها، فيتحول لكتيبة رجال مؤمنين لا تأخذهم في الله لومة لائم! لم يكونوا بحاجة لتبرير الأحكام في الإسلام، كما اعتاد الناس في زماننا حتى بات الجدل يندلع في مسلمات في الدين، وهذه كارثة بكل المقاييس! نستدرج كل يوم إلى مستنقع إرضاء الناس لقبول أمر ونهي واضح جلي في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

نحن بحاجة لإعادة إحياء الإيمان في القلوب من جديد، لسقي بذرة التوحيد لمواجهة الزحف الغربي.

وتحطيم قاعدة الندية التي تسوس النسوية لا يكون بتقديم ردود مادتها ندية أخرى تغذي تلك الندية وتزيدها تعنّتا، بل يكون بهدمها هدما بعقيدة التوحيد. ومخطئ من يعتقد أن النسوية تقهرها “المجاكرة” لتبرير قوامة الرجل وحقوقه في الإسلام! بل  تزيدها عنادا.

إنما الأصل إحياء الإيمان في قلوب النساء لإحباط النسوية.

من هدي القرآن والسنة

كان السلف إذا قيل: فلان يرد على فلان، قالوا: بكتاب وسنة؟ فإن قال: «نعم» صوبوه، وإن قال: «لا» قالوا: ردَّ بدعة ببدعة. (جامع المسائل | لابن تيمية 12/9)

جاء في تفسير الطبري رحمه الله:”قال ابن زيد، في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن …) الآية كلها، قال: لما هادن رسول الله ﷺ المشركين، كان في الشرط الذي شرط، أن ترد إلينا من أتاك منا، ونرد إليك من أتانا منكم، فقال النبي ﷺ: “من أتانا منكم فنرده إليكم، ومن أتاكم منا فاختار الكفر على الإيمان فلا حاجة لنا فيهم”، وقال: فأبى الله ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في النساء، ولم يأبه للرجال، فقال الله عز وجل: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن”.

هكذا يصون الإسلام المرأة لم يسلمها للكفار، وكذلك يجب أن تكون دعاوى الدعاة الموجهة للنساء حصنا لهن من أن يقعن فريسة دعوات الغرب وفساده.

وسُئِلَ ابن عباس: كيف كان امتحان رسول الله ﷺ النساء؟

قال رضي الله عنهما: “كان يمتحنهنّ بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبًّا لله ورسوله”.

إلا حبًّا لله ورسوله.

هذا ما يجب ترسيخه في قلوب النساء اليوم قبل كل شيء. وليس صناعة شعور النقص أمام الزوج لحاجة إلى المال ومتاع الدنيا وغيره مما يرغب به بعض الدعاة المرأة لقبول قوامة الرجل عليها! والله فرض قوامة الرجل على المرأة فلا يتطلب الأمر إرضاء ولا مجاملة، فمن عصت ربها فهي عاصية وتعامل معاملة العاصية بفقه الإسلام.

للأسف ما يجري أننا نرى أيضا بعض الدعاة ينتهج نهج الاستعلاء على المؤمنات بحجة إقامة أحكام الإسلام بتبريرات ما أنزل الله بها من سلطان، فلم نر المهاجرات في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يستدرجن لمناكفة ومناظرة وغيره مما يجري اليوم! إنما كان التسليم الكامل وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

حين تشاهد الداعية يستميت لإثبات قوامة الرجل بتبريرات من قبيل أن المرأة سفيهة ولا تفهم ولا يمكن أساسا الاتفاق معها ويربط ذلك ببنيتها الخلقية وتركيبتها الفزيولوجية، ويتنطع في محاولة إقناع المرأة أن مجادلة هذه “المسلمات التي ينشرها من غير هدي” دليل على الإصابة بمرض النسوية! وهو لا يدري أنه يدفعهن دفعا لهذا الخبث! تراه يفسد من حيث لا يدري! ويكفي إلقاء نظرة على التفاعلات عند مجتمع النساء -السليمات من داء النسوية- وحجم الأذى النفسي الذي يسببه لهن الخلل في توجيه الخطاب الدعوي. بل وأثر هذا الخطاب في أسر قائمة بالأساس، فأصبح الرجل يبغض زوجه والمرأة تبغض زوجها! وهذا تخبيب جديد نتعرف عليه!

فمن غير المعقول أن تتحول المرأة لكائن لا يفهم! وهي في الوقت نفسه مكلفة أمام ربها تعالى بالفروض والواجبات بل وتعاقب وتنزل فيها الأحكام! ولها مصير جنة أو نار!

فكيف يمكن أن تحاسب هذه المرأة – وفق فهم هؤلاء الدعاة- إن كانت بمثل هذه “اللاإرادة” وهذا “الضعف” وهذا “التيه”. كل هذا كي نقنعها بطاعة الله!

كل هذه التناقضات تتلاشى حين ترابط على السيرة النبوية وعظمة الهدي النبوي، حين نضع الكتاب والسنة مرجعية لا الهوى وما يطلبه المتابعون!

محاربة الدعوات الغربية بمخلفات الفكر الغربي

إننا نرى بوضوح تأثير الدعاوى الغربية المضادة للنسوية في واقعنا الدعوي، فمن يتأمل أسلوب الغربيين الذين ينتقدون النسوية ويسخرون منها سنجد الكثير من أفكارهم تسللت بين الرجال المسلمين اليوم بحجة رد كيد النسوية! وهذا من مخلفات “الهيمنة الغربية” وسلطة الثقافة الغالبة شئنا أم أبينا.

في الواقع إن آثار التغريب وصلت إلى غاية دقائق وتفاصيل الرد على التغريب!

ما يكشف درجة خطورة هذ المرض وصعوبة التعامل معه بذهنيات عاشت تحت ثقل حملاته!

نحن بحاجة لمجاهدة عظيمة وتواصٍ بالحق لا يفتر، فعقود من الهيمنة كان لها خسائرها التي لا مناص منها! والانبعاث يتطلب صبرا وصدقا وتعاضدا واستعانة بالله.

وكل بداية لا تنطلق من التوحيد عقيدة وقولا وعملا، لا تنتظر منها أن تؤتي أكلها إنما قد تزيد الطين بلة!

قال الله تعالى  ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ (النساء: 124)

وقال سبحانه ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 97)

وقال سبحانه ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (غافر: 40)

وقال جل جلاله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)

قال تعالى “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ولم يحصر الكرامة في جنس أو أمة بلا عمل بلا ميزان عدل يقف عنده الجميع بخشية ووجل! إن تضييع شرط العمل كارثي في الخطاب الدعوي.

ومشكلة هؤلاء الدعاة الأساسية هي “ضعف التشخيص” أو “التشخيص المجتزأ” و”الحل المركز على جزئية من مشهد شديد التعقيد” لذلك يثيرون الجدل بشدة وينفر منهم حتى الصالحون!

فالأمة حالها لم يكن فسادها من “المرأة” حصرا ، وإن شئت الحقيقة، ما فسدت المرأة إلا بفساد الرجل، ولا يمكن أن يكون هناك انحلال لمرأة إلا والرجل شريك لها فيه، فما تمكن الغرب من التغلغل لتفاصيل أمتنا إلا لأن الرجال تركوا أوجب واجباتهم وليست فقط القوامة! بل في جهاد أعداء الله ورد عاديتهم لحفظ مصالح الدين والدنيا!

فقوامة الرجل في أمته عظيمة والتقصير فيها يعني مواجهة تداعيات ذلك في بيته وأسرته!

ولن تجد حلا شاملا لمآسينا المتصلة بعضها ببعض مثل ترسيخ التوحيد ليكون أول ما ندعو الناس إليه، وتأمل حين قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه -: “إنك تقدم على قومٍ من أهل الكتاب، فليكن أوَّل ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا الله – تعالى…”. لقد جعل الدعوة للتوحيد أول الأمر فكيف بحال أمتنا التي يخرج فيها الرجل زوجه والأب ابنته والأخ أخته متبرجة ويتفاخر بها ويفرح براتبها، كيف سنصلح هذه المرأة إن لم نصلح الرجل معها! ونرسخ التوحيد في قلبيهما معا!

 وما فائدة طاعة الزوج بدون توحيد؟ وما فائدة قبول القوامة بدون توحيد؟ وما فائدة أن ترجع النساء لمواقعهن خشية “ضعفهن وهوانهن وقلة فهمهن” وليس للتوحيد!

نحن أمام كارثة حقيقية في معالجة هذه القضية.

أيتها المرأة أنت عليك طاعة الزوج وإقرار حقه في القوامة ليس منّة منك وتفضلا وليس لضعف فيك أو قلة فهم بل طاعة لخالقك جل جلاله واتباعا لأمره وهذه قضية إيمان وكفر، فإن قصرت في ذلك فأنت مكلفة محاسبة، وهذا الأصل الذي تقوم عليه الأسرة “مرجعية التوحيد”، لا تبريرات عقلية على طريقة النسوية الهشة!

ثم أيهما أصلح! خطاب يمهد لإقناع المرأة بحق الرجل في القوامة بتحقيرها وتسفيهها وذكر جميع عيوبها ثم وضعها أمام الأمر الواقع. أم خطاب يحيي التوحيد في قلبها ويبعث الإيمان نابضا بحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يعرض عليها الأمر فتستجيب مسلمة بلا تردد ولا مجادلة! شتان بين المقامين، شتان بين من يصنع صانعة للأجيال وهادمة! شتان من يحبب الناس في الدين ومن ينفرهم منه!

كيف يمكن إقناع امرأة “أقنعناها بأنها امرأة هشة ضعيفة مضطربة لا يعول على عقل فيها ولا فهم” أنها قادرة على صناعة الرجال البواسل والنساء الصالحات! هذا من الهدم وليس الإصلاح. نحن بحاجة في زماننا هذا خاصة، لنساء كالقلاع حتى إن غاب الرجال كن الأمل والقدوة والمثل!

إن القيام بصيانة قلب المرأة هو جوهر القوامة، وليس من المروءة أن تخضع بتحقيرها بل بإشعال حب الله في قلبها وذلك الفقه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “واتقوا النساء”، أي احفظوا عليهن دينهن بتعليمهن وتربيتهن والنصح لهن ودوام القوامة عليهن، كي لا تسرع الفتنة إليهن، ولذلك كانت القيادة في يد الرجل! وأي فتنة أعظم من تهميش التوحيد في قلب المرأة وشغلها بغيره!

وقفة مع القوامة

دعونا نقف قليلا عند معنى القوامة الذي يتنازعه الناس، وهو أمر لم يعرفه من سبق! ففي تفسير السعدي رحمه الله:”تفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات كلها مختصة بالرجال، والنبوة والرسالة، وباختصاصهم بالجهاد البدني، ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك، وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة، والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء، وكذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد، ولهذا حذف المتعلق في قوله: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]، ليدل على هذا التعميم. فعلم من ذلك أن الرجل كالوالي والسيد على امرأته، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته، فليتق الله في أمرها، وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه، وفي بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا وآجلا، وإلا يفعل فلا يلومن إلا نفسه”.

ماذا يفعل أصحاب التأصيل الهش؟ يتركون كل التفصيل السابق ويقتطعون جزئية ضعف المرأة ويجعلونها مركزية في خطابهم! فيضيعون الأصل بل ويبخسون الرجل الفضل! ثم يريدون لخطابهم أن يصلح أو يحقق تغييرا! بل فضل الرجل على المرأة يوجب دعوتها للتوحيد وبهذا يبدأ الإصلاح، بإقامة الأسرة برمتها على مرجعية القرآن والسنة بحب ورجاء وخشية!.

إن الدعوة ليس مقتصرة على جماعة محددة وليست متعلقة بواقع محدد! إنها شاملة ولكل المسلمين والمسلمات تحصينا وعلاجا، ولذلك لا بد من ترسيخ التوحيد وتقوية الخطاب منطلقا بأسسه من التوحيد.

والأمة لم تخسر نساءها فقط! الأمة خسرت دينها! الأمة تعاني اليوم من آثار تضييع دين الله لأجل الدنيا، لأجل الوهن! فمن الظلم الشنيع أن نحمل المرأة مسؤولية كل فساد في وسط سلطان غير إسلامي وواقع مجتمع متصدع تابع للغرب وسلطة ثقافة غالبة مستمرة! ثم نعتقد أن مجرد قبول المرأة القوامة صلحت الأمة! هذا فهم قاصر جدا، فكم من قوام ليس بقوام! وكم من صالحة في بيت طالح! ومن يتأمل في قصص الكثير من النساء يجد افتقاد الرجل المرشد والمربي والمعين في حياتها كان سببا كبيرا لخسائر في حياتها، ومع ذلك لا يدعها الإسلام كذلك بل يعيد الصلاحية في يد الرجل ليس باستجدائها من النساء.. بل بفرضها فريضة بسلطة التوحيد، فما يُستجدى لا يبقى وما يفرض نفسه يدوم!

وعندما نصل لهذه المرحلة من البناء والتسليم سنبصر بنور من الله ونقتدي بالصحابة رضي الله عنهم، ونخشى الله فلا نظلم! ولا يعني ذلك أن كل مشكلة تندلع في أسرة مسلمة أنها من آثار النسوية! بل هذا قصور عظيم في التشخيص وفي فهم واقع الأسر منذ عهد النبوة! والمؤمنون والمؤمنات يختلفون ويطلقون ويفترقون ولا ينزع عنهم ذلك صفة الإيمان والصلاح، والشواهد على ذلك جلية في السيرة، ولذلك بث الوعي باستمرار ونشر النصائح الأسرية وإحسان التشخيص والوصف مهمة يجب ألا تتوقف، لأن النفوس متعطشة والزاد قليل والفتن تتوالى لتفتك!

أبرز الإشكاليات في الواقع الدعوي

إن دعوة النساء وفق هدي القرآن والسنة تتطلب خطابا حق وعدل، وليس خطاب حق وبغي أو تطفيف! فغاية الخطاب الإصلاح ولذلك حقوق وواجبات لا تخفى على ذي لب.

 ولعل من أبرز الإشكاليات التي نرصدها في الواقع الدعوي اليوم:

ضعف التأصيل العلمي لدى بعض المتصدرين في منابر الدعوة، يظهر ذلك من خلال هشاشة البناء وضعف الإحاطة والجهل للأسف بأحكام الشريعة الشاملة المتكاملة.

أضف لذلك ضعف أساليب الدعوة، فالداعية الذي يفتقد للأسلوب الإصلاحي وينشغل بعدد اللايكات والمعجبين من متابعيه ويعتقد أن التريند وصعود الشهرة على مواقع التواصل دليل سلامة منهجه وتوفيقه، فهذا من فتنة هذا الزمان! فليست العبرة بالكم إنما بالكيف، وليست العبرة بالكثرة إنما بالجودة!

لذلك إن كل داعية لم يمتلك الرصيد العلمي بالتأصيل العلمي الذي يُمكّنه من ضبط ألفاظه ومُصطلحاته وإجاباته واستشاراته؛ فإنه ولا محالة سيخطئ ويفسد! ويزيد الطين بلة أن يحرم نفسه المشورة من ذوي الفضل والعلم.

وللأسف يزيده قناعة بصواب منهجه القاصر، الأتباع والمصفقون وتعلق الشباب به، وازدحامهم عليه.

نحن أمام حالة خطيرة جدا يجب أن يستدركها كل داعية وهي “حالة الانتقاص العلمي” التي يقابلها “الازدياد الدعوي”؛ فهي أصل الأخطاء في مسيرة الدعوة، قال ابن القيم رحمه الله: “وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها؛ فهي لا تحصـل إلا بالعلـم الذي يدعو بـه وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلـم إلى حد يصل إليه السعي”.[1]

ومما يؤثر سلبا في الخطاب الدعوي حالة المشاحنة والتنافس بين الدعاة و”الشللية” التي يداس فيها على الحق ويمتهن لأجل اصطفاف بعينه! فافتقاد أخوة الإيمان والولاء بين المؤمنين وخفض الجناح لهم، ومساندة الحق لذاته ورفض الباطل لذاته لا لقائله، كان له تداعياته على الخطاب الدعوي للأسف الشديد؛ فتقدم الظنون والأوهام والتخرصات على العدل والإنصاف، وبدل أن يتفرغوا لدعم بعضهم البعض في رد عادية الغرب، ينشغلون ببعضهم البعض، ويحرمون الأمة التحالفات الدعوية الذكية! ويضيعون علينا فرصا مهيبة! ولو كنا نشاهد مشاهد التعاون على البر والتقوى التي يحاكيها الفجار والفساق في حملاتهم التغريبية بالتعاون على الإثم والعداون، لرأينا بركة الصدق والرحمة!

لا يمكن لداعية وحده أن يسد الثغر لوحده ولو أثار العواصف وشغل الناس بحسابه، لا بد من فريق كبير من الدعاة أمرهم شورى بينهم أو أقل تقدير يتكاملون فيما بينهم.

ولا شك أن الخلافات بين الدعاة كان لها أثرها السلبي في فاعلية الخطاب الدعوي ودرجة قبوله في العامة، فالعامة تشاهد التراشقات والردود والطعن في الدين والخلق! وتفزع وتتراجع!   

وأغلب الأسباب المؤدية لذلك: سوء الفهم، التعصُّب، ضيق الأفق، سوء الظن، افتقاد فقه الخلاف، الاستهانة بالظلم وحب الاستفراد بالصيت إلا من رحم ربي!

ونضيف لذلك اضطراب الداعية وعدم التزامه بما يعظ به، ووقوعه في التناقضات ضعف يسبب النفور منه ويفقده المصداقية. وسبب ذلك ضعف التأصيل واضطراب المرجعية والاهتمام بإرضاء الناس.

قال تعالى ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ ﴾ (النحل: 125).

 ولا بد من مراجعة نوايانا ودوافعنا في كل خطاب نوجهه للعامة: قال بعض السلف: “إن العالم إذا لم يرد بموعظته وجه الله زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا، وإلا فلا يزداد الناس به إلا تمادياً في الضلال”.[2]

افتقاد الخطاب للتوازن وفق الهدي القرآني والنبوي، من ترهيب وترغيب يفقده تأثيره أيضا، تجده يركز على نهج واحد من الترهيب أو الترغيب ويهمل الموازنة بينهما ثم يصطدم بحقيقة النفوس البشرية! وكذلك كل إهمال لجزئيات الواقع المتصلة والتطفيف يحدث المصادمة ويضعف الأثر.

هذا دون أن ننسى مشكلة أن يكون الخطاب الدعوي مثاليا لا ينزل لواقع الأمة والفرد، فيتحدث في وادٍ ومشاكل الناس في وادٍ آخر! وهذا لبعد المسافة بين التنظير والواقع.

وأخطر ما يمكن أن يتسبب فيه الخطاب الدعوي هو فتنة الناس! لا هدايتهم نسأل الله السلامة.

عن ابن مسعود رضى الله عنه قال:”ما حدثت قومًا حديثًا قط لم تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم”. رواه مسلم.

وقال علي رضي الله عنه:”حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟”.رواه البخاري.  أي “خاطبوا الناس على قدر عقولهم”.

عقبة الشهرة

وتبقى أكبر عقبة في طريق الداعية الشهرة والشعبية! ذلك أن هناك شهوة خفيّة في النفس تتغذى بالمعجبين والمادحين وكثرة الإقبال وإن أنكر ذلك الداعية، ولا شك أن من أسرار شهرة أهل الخير؛ صدقهم مع الله تعالى فكتب الله لهم القبول في السماء والأرض؛ كما كان حال الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – ومع ذلك نقل عنه المروزي أنّه قال:” إني أرجو أن يكون يُدعى لك في الأمصار فقال: يا أبا بكر! إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس”.

قال تعالى ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ﴾ (الشورى: 20).

نجاح الداعية مرهون بمدى موافقة عمله لهدي القرآن والسنة وليس بارتفاع منحنيات التفاعلات وأعداد المتابعين والمادحين له! أو بحجم الإثارة التي يحدثها!

صحّ في الحديث عند أحمد والحاكم عن أبى الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما طلعت الشمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان، يُسمعان من على الأرض غير الثقلين: أيها الناس: هلموا إلى ربكم، ما قل وكفى، خير مما كثر وألهى”.

يقول ابن القيم في قول الله تعالى (ألهاكم التكاثر): “التكاثر في كل شيء، فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمر من الأمور عن الله والدار الآخرة فهو داخل في حكم هذه الآية، فمن الناس من يلهيه التكاثر بالمال، ومنهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو بالعلم، فيجمعه تكاثراً أو تفاخراً، وهذا أسوأ حالاً عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه؛ فإنه جعل أسباب الآخرة للدنيا، وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر بأسبابهما”.

لذلك حين يشاهد الداعية الناس تجتمع حوله لا بد له من العناية بإخلاصه وإتقان عمله، والله خبير بما في النفوس وأعلم بما في القلوب به نستعين سبحانه.

ولو كان لأثر الدعوة هداية شخص واحد لكفى، قال ابن تيمية رحمه الله:”فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل”. [3]

أيضا وجب الحذر من أن يخالج العمل الدعوي مشروعات شخصيّة، من بيع وشراء، وتجارة واستثمار! قال تعالى ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ (القلم: 46).

ورد عند الدرامي وابن أبي شيبة بسند صحيح أن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال:” كيف أنتم إذا ألبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ويتخذها الناس سنة ؟ فإن غير منها شيء قيل: غيرت السنة “، قالوا: متى يكون ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: “إذا كثرت قراؤكم وقلت أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم وقلت فقهاؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة”.

وتكمن خطورة ذلك كما يصف ابن القيم رحمه الله فيقول: “كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه فى خبره, وإلزامه, لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس, ولا سيما أهل الرياسة, والذين يتبعون الشبهات, فأنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق, ودفعه كثيرا فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات, لم يتم لما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق, ولا سيما إذا قامت له شبهة, فتتفق الشبهة والشهوة, ويثور الهوى, فيخفى الصواب, وينطمس وجه الحق, وان كان الحق ظاهرا لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته, وقال لي مخرج بالتوبة وفي هؤلاء وأشباههم قال: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)”.

ومما وجب التنبيه إليه بشدة، أنه لا يمكن للعمل الدعوي أن يؤتي أكله بدون عمل دعوي ميداني وتربوي وتعليمي مؤسساتي وهنا لدينا حلقة مهمة جدا لا يجب إغفالها ولا تزال ضعيفة ومرات مهملة، من المهم أن يسند الخطاب الدعوي عمل ميداني وتربوي وتعليمي. وهو مما يجب التحريض عليه والسعي لإيجاد الكوادر العاملة عليه. فالعلم للعمل.

وأخطاء الدعاة تتفاوت والتنبيه لها إنما يأتي من باب “النصيحة في الله” وليس شماتة ولا استعلاء ولا تشهيرا ولا تتبع العثرات وكلنا ذوي عثرات نسأل الله العفو والمغفرة، فهذا دين نحرسه بصدق وإخلاص وتفانٍ وما أن يدخله حظ نفس، فإنه الهدم ونقض الغزل، لذلك لا بد من تواصٍ بالحق والصبر، والخطأ العارض ليس كالخطأ المتكرر، والخطأ المتعدي ليس كالخطأ الخاص، وخطأ القدوات ليس كخطأ العوام.

فضل التوحيد

نرجع لجوهر طرحنا، “التوحيد”! والسؤال الذي يطرح نفسه بعد طول مراقبة ونظر فيما يجري: لماذا التوحيد؟

لأنه أصل الإسلام الأول، ولأنه الحل الجذري الذي تستقيم معه كل القضايا والمسائل، ولأن المستهدف في حملات التضليل والتفسيق ليس النساء فحسب بل حتى الرجال والأطفال في أرحام أمهاتهن، ولن ننتصر في هذا الصراع إلا بتعظيم المرجعية، مرجعية التوحيد. هي مفاصلة ليحيى من حيى عن بينة.

سنجد أن أغلب أسباب فقد روح السعادة في البيت والأسرة، إنما يرجع لذلك التردد في أخذ الكتاب بقوة، في ذلك البخل على النفس وتقديم الدنيا على الآخرة والركون لهوى النفس ومدار ذلك كله (وما قدروا الله حق قدره) لذلك فإن عملية الإصلاح يجب أن تبدأ من معرفة الله جل جلاله من ترسيخ التوحيد والإيمان.

ولن نتصدى لحملات الكفر والجاهلية والحرب على الفطرة التي تستهدف بلاد المسلمين وتتوالى عليها بتمويل دولي ضخم، إلا بترسيخ الإيمان وتحكيم الإسلام وإعادة المركزية لأصل التوحيد وإعلاء كلمة الله. فإذا أعددنا القلوب بكل ذلك يحق لنا أن نطمع في النصر المبين بإذن الله. وكل حلول تهمل هذه الأصول مصيرها الفشل.

نحن اليوم في أمس الحاجة لترسيخ عقيدة التوحيد والإيمان في قلوب الناس وجعلها مركزية في كل خطاب ودعوة، لا نمل من تكرارها والتذكير بها، لأننا أمام حملات متتالية من الحرب على الفطرة والفضيلة والدين، ولن نحصّن هذه البيوت ولن نحفظ هذه الأجيال بدون الاحتكام لمرجعية التوحيد والاعتزاز بها والترفع عن كل ما يضعفها أو يهمشها.

نحن في زمن من المعضلات توضيح الواضحات وأتساءل لو جاء أحد الصحابة رضي الله عنهم ورأى الدعاة يدعون النساء لطاعة الأزواج وقبول حق القوامة بعد عيوبهن ووصف ضعفهن وترك التوحيد وواجب العبودية لله خالصة له سبحانه ماذا سيكون رده! وماذا سيكون موقفه من قوم أضاعوا الأصل وتشبثوا بالفروع الهشة! وأمامنا حملات كفر تتقدم.

قال ابن رجب-رحمه الله:”التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع ذرَّة منها على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات” .[4]

وقال ابن القيم رحمه الله-:”وإذا أذنب العبد المُوَحِّد المُتَّبِع لسبيله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم  استغفر له حَمَلَة العرش ومن حوله “[5].

وقال ابن تيمية – رحمه الله -:”ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻗﻮﻱ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻌﺒﺪ ﻗﻮﻱ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻭﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺘﻪ ﻭﺗﻮﻛﻠﻪ ﻭﻳﻘﻴﻨﻪ”.[6]

مشاكل هذه الأمة وأزماتها مركبة معقدة، ومن حاول الاجتزاء للمعالجة لن يحقق شيئا من الإصلاح، وأول الحلول على الإطلاق، إعادة مفهوم التوحيد كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم في حياة الفرد والأسرة، ثم إحياء السنة ونشرها بيقين كامل أن الله مولى الذين آمنوا. فكلما قويت علاقتنا بالله فزنا بتوفيقه ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله.

لن يصلح المرأة إلا الإيمان، لن يصلحها إلا التوحيد لن يصلحها إلا الإقبال على الله جل جلاله موقنة أن الفضل العظيم من الله جل جلاله، كل حديث يفقد المرأة شعور الرضا عن ربها جل جلاله جريمة بحق الأجيال قبل كل شيء! لأن المهتزة في داخلها لا يمكن أن تخرج لنا قادة موحدين ولا حماة للدين!

إنه صراع بين الجاهلية والإسلام، فإن خضناه بالاحتكام لطريقة الجاهلية سنضل ونشقى ولن نحقق شيئا غير البقاء أتباعا لا قادة. ولا يجوز أن نخوضه إلا بشريعة الله، فنُخضع الجميع لها ونجمع الناس على التوحيد، وهو سبيل العزة والنصر المبين.

الدين النصيحة، وهي حق وواجب، وأخشى أن يسألنا الله فردا فردا عن التقصير والانجرار خلف التريندات والأفكار غير المدروسة ولا الموزونة في ميزان الشريعة، بغية التصدي لهذا الفساد، ولذلك أقولها كلمة والله يشهد أنها تخرج بحرقة، أحيوا التوحيد في النفوس لا تقتلوه بقسوة الفكرة الغربية المعادية والمناكفات الكثيرة البائسة والمراهقات الفكرية الفاشلة!

أحيو القلوب بالتوحيد وستشاهدون فتوحات الله تتوالى.

قال علي الطنطاوي رحمه الله:”كذلك الإيمان إن نزل بقلب امرأة جعل منها بطلًا لا يُغلب، وما أعجب ما يصنع الإيمان!”.

وخسارة المرأة موقعها في الدفاع عن الإيمان خسارة للأمة برمتها. لذلك ترسيخ التوحيد أعظم وأجل الحلول في واقعنا. لأننا بحاجة لنساء كالقلاع لمواجهة الغزو الغربي الهدام الذي يستهدف الأطفال بشدة.

إن دراسة الخطاب الدعوي الموجه في هذه المرحلة من الضرورة الملحة التي لا يجب التهاون معها، فالانجرار لما يريده الغرب من استعداء الرجال والنساء بعضهم بعضا، هو عين ما يفكك الأسرة ويفكك الصف الإسلامي، بل احفظوه بوحدة مباركة أساسها التوحيد وروحها العشرة بالمعروف والمودة والرحمة وما عند الله خير!

الخطاب الدعوي الإصلاحي يقوم على التوحيد هذه أبجديات يعرفها أصغر طالب علم وكل من قرأ القرآن لكن المشكلة في التطبيق!.لا بد من الاحتكام للتوحيد لا قياسات عقلية من آراء الرجال، فمن قال أن هذا الخطاب لا ينفع مع النساء فهو يتهم الرسل ويسقط دعوة الأنبياء! جهلا وتعصبا لآراء هؤلاء الرجال.

لن ينال المرء حقه حتى يقدم حق الله قبل كل حق. وما دام المرء يقدم حق نفسه على حق الله تعالى، فقد رضي بأن يوكله الله لنفسه. ولذلك من يرسخ مفهوم التوحيد في كل خطاب دعوي، ينصره الله من حيث لا يحتسب وإن كانت بضاعته مزجاة بينما المقصر يعاني كثيرا. إنها قضية فتوحات ربانية تبدأ بالتوحيد.

قال الشيخ محمد الخضر حسين:”فلِدعوةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الفضلُ الأكبَرُ في رفعِ النُّفوسِ مِن حضيضِ الشِّركِ إلى سماءِ التَّوحيدِ الخالصِ”.[7]

الإصلاح علم وفن واستراتيجية، يجب ألا يخضع المصلح لمشاعره ومشاعر من حوله بل أن يخضع الجميع لشريعة الله بعدل لا جور فيه، فالرجل والمرأة كلاهما تحت الشريعة، وهذا هو العدل الذي أمرنا الله به تعالى، وليس الجور بحجة أن النساء أكثر فسادا! فتأخذ الصالحات بجريرة الفاسدات! وهذا وربي ظلم عظيم.

مرة أخرى تظهر لنا أهمية إحياء المرجعية الأهم وهي التوحيد فهي حجة على النسوية وزيادة إيمان للنساء ولا يمكن لمؤمنة أن تنفر منه أبدا. أما الخبث والدخن فتنظيف للصفوف وسنن الله ماضية.

والأصل في كل دعوة اليوم هو الإصلاح والإصلاح يستوجب إقامة الناس على التوحيد والقرآن والسنة، فتحقيق ذلك هو أكبر نصر لنا، وكل ما يأتي بعد ذلك هو نتائج وتفاصيل ثانوية! إن الأولوية هي في تحريض الرجال والنساء على أن يكون الأصل في بناء الأسرة كتاب الله وسنة نبيه والاحتكام لهما، لا عد العيوب والمناكفة والمعايرة والتحقير وهلم جرا من هوى نفس .. فترسيخ المرجعية هو النجاح الحقيقي والظفر لأنها الحل الشامل والمختصر لكل مشاكلنا وأحوالنا في الأسرة وخارجها!

وفي الختام، إن ظلمات الجاهلية لا يهزمها إلا نور التوحيد! فالله الله في هدي القرآن والسنة قبل أن يسبقنا الأجل ولا نترك ما يحفظ الأجيال من فتن عظيمة مقبلة لا محالة!

وكلُّ ما خالَفَ للوحيينِ
فإنه رَدٌّ بغيرِ مَيْنِ
وكلُّ ما فيه الخِلافُ نُصِبَا
فرَدُّه إليهما قد وَجَبا
فالدينُ إنما أتى بالنَّقْلِ
ليس بالاَوْهامِ وحَدْسِ العَقْلِ
من منظومة “سلم الوصول، إلى علم الأصول في التوحيد
” .


[1]  مفتاح دار السعادة : (1 / 15)

[2]   [الفتاوى الكبرى للهيتمي : 1/ 204]

[3]  مجموع الفتاوى [٢٨٢/٢٥].

[4]  جامع العلوم والحكم ٢ / ٤١٧.

[5]  الداء والدواء (254/1)

[6]  مجموع الفتاوى ( ج ٢٨ / ٣٥ )

[7]  موسوعة أعمال محمد الخضر حسين (117/3)

يمكن تحميل الملف بي دي أف من هنا:

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x