قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس”.
قال ابن تيمية رحمه الله: “هذا الحديث حديث ثابت متواتر من جهة استفاضة ثبوته عند الأئمة، ومخرج في الصحيحين من غير وجه وفي غيرهما. وهذا الحديث فيه تقرير لكون الأمة سيدخلها افتراق واختلاف في مسائل أصول الدين، ولهذا وصف عليه الصلاة والسلام هذه الطائفة بأنها الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، وأنهم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ” انتهى من “شرح حديث الافتراق”(1/31)
إن أهم درس تخرج به من هذا الحديث، هو واجب حفظ أصول الدين ومعالم الحق بارزة، لا تقبل المساومة، حتى وإن غلب على الزمان السياسة المتماهية، أو البراغماتية المصلحية، أو التأويل بالأهواء والظنون والمتشابه!
احفظها في قلبك وعلى لسانك وبيدك قدر الاستطاعة يحدوك قول الله عز وجل (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
لأن هذا الدين يجب أن يُحفظ للأجيال المقبلة نقيا كما نقله لنا الصحابة رضي الله عنهم، فإن قصرنا نحن في حفظ هذه الأمانة، وعرضنا الإسلام للتبديل والتلون وأخضعناه لمرضاة أعدائنا لأجل فتات عيش زائل، فقدنا بداية موجبات إقامة الدين العظيم لانتزاع السيادة، وأثره في النفوس والواقع الذي يدخل فيه المعية الربانية والتوفيق والفضل الذي لا يمكن لقوة أن تسلبه أو تمنعه، فيكلنا الله تعالى لنفوسنا الضعيفة وخطواتنا المتعثرة!
ثم وقعنا في تحريف رسالة الله تعالى كما فعلت بنو إسرائيل، كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض! فباءوا بغضب من الله تعالى.
لنجد أنفسنا في نهاية المطاف، أمام تحمل طغيان الأعداء وتداعيات التفريط في دين الله وإرخاصه للكافرين والمناقين، بينما هو كل ما نتفرد وننتصر به!
هي حياة واحدة، فأخلص دينك لمولاك، ولا تبرر لأي سياسة مخالفة ظاهرا لشريعة الله تعالى، حتى وإن كنت تحسن الظن بمن يظهرها، فهو يتحمل مسؤوليتها ومعذرته كاملة أمام الله تعالى الخبير البصير بعباده، أما أنت كمسلم، فوضع نفسك في مقام التبرير والرضا والدفاع عن هذه السياسات المخالفة، يضعف قوة الحق في قلبك ويغمط معالم الحق مكانتها في الصراع، والأخطر من ذلك، يوقع في فتنة التبديل للدين والتبرير له بالمصلحة، حتى من ولج هذا المستنقع اتسخ وتلوث وانحدر دون أن يشعر، وفقد الحس السليم والبصيرة!
وأكثر من يقع في هذه الفتنة، فتنة تبديل الدين، هم أنصار الجماعات والأسماء، الذين يخلصون دينهم لأيقوناتهم، حتى تتلاشى المفاصلة، وتختفي، أينما زاغت زاغوا، وكيفما ظلمت بطشوا! دينهم الترقيع والتطبيل والتبرير.
اجعل منهجك وغايتك، اللحاق بالسابقين الأولين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، غير مبدل ولا مرجف. فلحظة الموت يقبضك الله على ما أنت عليه، وهو ما يتطلب تجديد النوايا بإخلاص الدين لله تعالى والبراءة من كل شرك ومعصية، وبث الشكوى والضعف والحزن لله تعالى حتى يأذن بالتمكين والظفر.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
قيل لخالد بن الوليد رضي الله عنه حين أسلم متأخرًا:
“أين كان عقلك يا خالد، فلم تر نور النبوة بين ظهرانيكم منذ عشرين سنة؟!”،
فقال رضي الله عنه: “كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال”.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال) [أعلام الموقعين 2/211].
والقصد أن ما منع خالد من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مبكرا انخداعه بسادة قريش واعتقاده أن أحلامهم عظيمة تستحق.
وهنا درس مهم، يظهر علو همة خالد وبحثه عن الأفضل،
ودرس أهم، ألا تضع همتك وأحلامك إلا في مكانها الصحيح فليس كل مدعٍ صادق محق!
ودرس آخر لا يقل أهمية .. أن الاستدراك فريضة فلم يفت الأوان ما دام القلب ينبض حياة.
وكان فضل الله على خالد “سيف الله المسلول” عظيما.
اجعل مقياسك الجيل المتفرد، لا تقبل بغيره، فكلما نقص المقياس ضعفت الهمة وعجز البذل.
واحذر أن تشغلك مقاييس مضطربة.