السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
منذ بداية أحداث غزة، تغيرت كثيرا و لله الحمد، رويدا رويدا تركت أشياء كثيرة كنت أفعلها، و فُتحت أمامي خيرات، و بدأت أطلب العلم الشرعي، كانت غزة يقظة لي كما هي لغالب الأمة، بدأت أستوعب أني لا أعيش لنفسي فقط و إنما لأمتي التي كانت تصرخ منذ أمد و كنت غافلة للأسف، كلها هدايات من الرحمن الرحيم.. لكن مؤخرا و أنا أجاهد لأقترب من الله أكثر، أصابني وسواس العقيدة، خصيصا بعد أن وصلنا في البرنامج الشرعي الذي أتابعه إلى دروس العقيدة، لم أستطع تصديق ما يطرأ على بالي، كدت أتمنى الموت و يئست كثيرا و أنا أرى هذا الوسواس في هذا الوقت الذي تعاني فيه الأمة ما تعاني و يثبت الناس أمام القتل و التعذيب، الحمد لله الذي جعلني أجد أحاديث الرسول ﷺ و أن أعلم أن هذا حصل في زمنه ﷺ، أراحتني جملة “صريح الإيمان” ، لكن صرت أشعر بسببه أن علاقتي مع الله كاذبة، و يزيدني يأسا كل مقطع أرى فيه أهل غزة يتحدثون عن الأمة، أكاد أشعر أني أغبط الغافلين، لأني أتحرق ألما بلا نفع، و أكابد وساوس ليس وقتها البتة، و يوجعني أكثر حال ما أراه في الأمة من حولي، في المجتمع القريب، استشهد إخوتنا وهم ضيوف عند الرحمن، و ها هنا حتى في البيت حولي من لا يستيقظ ليصلي الفجر و لو في البيت، و حالات نسأل الله الهداية لنا و لهم..
ما التوجيه في كل هذا؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله وبارك بك،
في مثل حالتك ما تعانينه ليس وسواسا بمفهوم الوسواس في العقيدة إنما تعانين تكاليف البعد عن المعالجة العقدية للقضايا في حياتك، أنت تواجهين تكاليف الحلقة المفقودة بين العلم بالعقيدة وواقع هذه العقيدة في حياة الناس. وبالتالي هي مشكلة لا تتحملين مسؤوليتها لوحدك بل تتحملها أمة كاملة بكل مكوناتها، فكل من همّش العقيدة في حياته بفعل فاعل أو بفعل نفسه مسؤول عن هذه الخسائر والتكاليف وسيدفع ثمنا لهذا التهميش بألم وجلد للذات وخشية وكل مشاعر تعتصر في قلبه وتؤرقك اليوم، فالمصاب جلل والنزيف مستمر والناس في غفلة ومن استيقظ لم يجد لنفسه موطئ قدم وبقي يعاني التردد والخوف وربما السخط والانتكاس!
إن القرآن حجة عظيمة على كل مسلم ومسلمة وهجره كان له الإثخان الأنكى في النفوس وفي الأمة. وكيف لا يكون كذلك وهو الحياة كلها وبدونه لا معنى للحياة! لذلك فقده لم يكن ليكون شيئا يمر بدون ثمن، والمؤمن في غير موقعه الذي جعله الله له يضطرب ويموت! وأنت الآن تستشعرين عظم الأمانة وعظم التفريط فيها حتى أضحى المسلمون في مسالخ اليهود والنصارى لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة.
كيف نصلح هذا الوضع؟
ولتصحيح هذا الوضع المثخن علينا أن نرجع للحلقة المفقودة في حياتك، فالمعرفة بالعقيدة يجب أن يرافقها الوعي بتشخيص حال الأمة، والمعرفة بفقه الواقع المعقد والمتشابك، بما يسمح لك بإيجاد إجابات لكل ما نعيشه اليوم وبالتالي إقامة نفسك في موقع صناعة الحلول وليس تعطيلها بانهزامية أو تردد أو سوء ظن بالله جل جلاله، وأول هذا الوعي يبدأ من دراسة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفه لحال المسلمين في آخر الزمان، وإن كان الوصف في هذه الأحاديث يعمق شعور الغربة في نفس المؤمن والمؤمنة إلا أنه عزاء يخفف عنك ضغط التقريع الذي تعانين منه، فالأمة تعيش تداعي الأمم لتدفع ثمن تضييع لدينها والتفريط فيه، لأن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا، وهذا الدين العظيم ما كان ليحقق السيادة بدون التزام به، والحل مذكور في هذه الأحاديث نفسها “حتى ترجعوا لدينكم” فلا بد من عودة حتى تنقلب المعادلة، ويتحول المسلمون لأصحاب السيادة لا يقبعون تحت التبعية والهيمنة وفي مقام الضحية.
وعقد مقارنة مع حياة السلف الصالح وواقع العقيدة في سيرهم، لا يعني أن تدخلين في مرحلة جلد للذات وانهيار وشك في إيمانك والتقهقر والانتكاس بل يعني حمد الله أن هداك لهذه البصيرة ثم الدخول في مرحلة الاستدراك الأوفى بقدر الحرقة التي أشعلتها مشاهد غزة في قلبك!
ومرة أخرى هذا كله تعالجه أحاديث آخر الزمان التي تجدين فيها أحاديث الغربة، وفضل العبادة في زمن الفتن وغربة الدين، وعظم أجر المؤمنين في آخر الزمان. فالحمد لله كل شيء حدث ويحدث لم يكن ليغيب علاجه في هدي القرآن والسنة وهذه من فضائل الإيمان التي لا تعد ولا تحصى.
وحقيقة الاستقامة لوقع نازلة أصابت الأمة يجب أن تترجم في تسليم تام لأمر الله تعالى والرضا بأقداره وإن كانت مفجعة، لابد أن تدفع إلى التدبر في سنن الله تعالى وفي عدالة الله تعالى وإمهاله الذي يتوعد الظالمين المتجبرين بأخذ عزيز مقتدر.
ثم (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) فأنت لست مسؤولة عن المتقاعسين والغافلين والظالمين أنفسهم ولكنك باستقامتك تقدمين الحجة لهم أو عليهم أنت بنفسك بالتزامك فروض دينك وسعيك إلى مراتب الإحسان، تقدمين لهم مثالا للاستقامة يكون لهم تذكرة بدون أن تتقصدي ذلك حتى أو تتولي عملية الدعوة والشرح لهم. وإن كان احتساب ذلك هو المطلوب.
وما أوصيك به، هو أن تتصدي لأي فكرة وتصور يمس إيمانك وعقيدتك منذ أول ما يخطر بذهنك، حقريه وانبذيه، فهذه الطريقة الأفضل للتخلص من وسواس أو فكرة تفقدك صفاء إيمانك وسكينة قلبك، في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا، أو يعملوا به”.
فأي فكرة تخطر ببالك تمس عمق إيمانك اطرديها ولا تسمحي لها بالصعود والتحول لخيالات قاهرة.
بل أبشرك أن ما تعرفينه من اعتصار ألمك وخشيتك من الأفكار التي تفسد عليك سكينتك، إنما هو دليل إيمان بحد ذاته؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: “وقد وجدتموه؟” قالوا: نعم، قال: “ذلك صريح الإيمان”. رواه مسلم.
ومعناه أنّ صريح الإيمان هو الذي يمنع مِن قبول ما يُلقِيه الشَّيطان في النفس والتَّصديق به، حتى يصير ذلك وسوسة لا تتمكَّن مِن قلب، ولا تطمئنّ إليها نفس، فاستِعْظامك هذا وشِدّة الخوف منه هو صريح الإيمان، وليس معناه أنّ الوسوسة نفسَها صريح الإيمان، ذلك أنّها إنما تتَوَلَّد مِن فِعْل الشَّيطان وتسويله.
أصناف الناس في الاستجابة
وبعد معرفتك بعقيدتك ومقتضيات التوحيد والسنة، وإحاطتك علما بتشخيص حال الأمة وبعض فصول تاريخها، وتدبرك في أحاديث آخر الزمان وأجر الغرباء فيه، نأتي لدورك في هذا الواقع وهنا يتباين الناس في التفاعل مع واقعهم وهم على أقسام:
- قسم يقع في مستنقع جلد الذات ولا يكف عن اللوم والتقريع وربما السب واللعن والدوران في دائرة منهزمة لا تغير من الواقع ولا تصنع حلولا ولا تخفف كربا.
- وقسم يرتفع على منابر التنظير ويكثر من التنديد والشجب والإنكار لكنه في واقعه لا يقدم أكثر مما يقدمه المخاطبون، وهذا لكون معايشة المعاني لا تتجاوز مساحة اللسان أما في الواقع فاستسلام وتعايش منهزم.
- وقسم يتعلق بقشة، أينما رأى دعوة أو تصريحا أو تفاعلا تعلق به فهو كالغريق يتشبث بأي أمل ولو كان فيه ضلاله وضياعه ولو كان من عدوه.
- وقسم ينشغل بكل هامشي ويترك الأصول، فهو يعالج القضايا من أعراضها أو من تفاصيلها الجانبية، ويضيع الحلول الجذرية ولذلك يبقى يدور في حلقة جدلية لا تقدم ولا تؤخر، يهدر كل فرصة في التأثير بفعالية.
- وقسم يتبصر في المشاهد وحالة المريض ويبحث عن مكامن القوة والمناعة فيعززها وعن عوامل الانبعاث فيرعاها، وعن موقع الألم فيرقيه ويطببه، وهو مدرك أن هذا هو دوره كمجاهد في سبيل ربه، داعية لإعلاء كلمة ربه قد علم أن النصر وعد محقق ولكن دونه صبر ويقين وملاحم ارتقاء وعهود صدق ممهورة بالدماء وكل إيثار وعفة!
لذلك أنت الآن في مرحلة البحث عن موطئ قدم لك، فحركة الانبعاث تجري حاليا وإن كانت تخفى على الناس لكنها تجري على الرغم من حجم المكر والكيد وحجم التداعي واستمرار حالة الغثاء، لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم كما أخبرنا بوجود مستقبل تتداعى فيه الأمم بشرنا بوجود طائفة ظاهرة ستبقى تظهر الدين وتعزه وتنصره ولو خالفها كل الناس فهم باقون إلى آخر الزمان، وهم أهل الإسلام العاملون له الذين لا ينضب يقينهم ولا يهزمهم عدوهم ولا فجائعهم ولا ذنوبهم، عاملون لله بلا كلل ولا ملل يحدوهم في ذلك قول الله عز وجل ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)﴾ آل عمران.
(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) إنهم يسألون الله المغفرة من ذنوبهم وإسرافهم في أمرهم، فهم عباد لله يذنبون ويتعثرون ويتراجعون ولكن مجاهدتهم لا تستسلم وهم مستمرون في جهادهم إلى آخر رمق، يتزودون ويتحصنون ويقاتلون بدرع الإيمان وسيف اليقين، ولا يوجد مؤمن لا يذنب، ولا يوجد مؤمن لا يضعف ليعيش معاني التوبة والاستغفار فيرتقي في مراتب الإيمان، ذلك أنها من أجل مقامات العبودية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ”. صحيح مسلم.
وكل ذلك من فضائل الإيمان لا ينعم بها إلا المؤمنون!
سبيل المؤمنين إلى آخر رمق
ثم كلما اظلمت المشاهد في نفسك تفرسي في الآيات العظيمة وفي الأحاديث الشريفة وفي تفاصيل الحركة البشرية في التاريخ وفي مشهد التدافع في واقعك، ستبصرين نورا يشع في زاوية ما رغم أنف كل قوى الكفر مجتمعة، لا تزال جذوة الإيمان تصنع الفارق في كل معادلة وكل معركة لا تخمد.
واحذري الانغماس في وصف ومعطيات محدودة منفصلة عن مجموع المعطيات الشاملة، فتحرمين نفسك التوازن وتمام الإحاطة، فما تعيشه الأمة اليوم نتيجة طبيعية لإهمالها أمر دينها وارتهانها لإملاءات أعدائها ولتفريطها في عبادة الجهاد ولاستهانتها بالوهن وما أدراك ما الوهن. ولكن في المقابل هناك طريق نجاة وحيدة، طريق المجاهدة والجهاد والعمل في سبيل الله رجاء محبته وقبوله ومغفرته! وفي ذلك آية عظيمة من آيات قدرة الله عز وجل، ينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة، ويؤتي فضله عباده المؤمنين وإن كانوا في ضعف ويجعلهم عقبة في وجه قوى الكفر الكبرى مجتمعة..! وكم يغفل الناس عن آيات ربهم قد ألفوا الاستعجال وسوء الظن به عز وجل. والعياذ بالله.
أنت الآن قد أبصرت الطريق وليس دورك البكاء على عجزك عن تغيير واقعك ولكن أن تكوني قوة في قوى الخير والطيبة والحق، والترفع عن كل ما يجعل منك معول هدم لدينك وأمتك. وهذه لوحدها وظيفة نبيلة من وظائف المسلمة تصنع في نفسك القوة والاطمئنان.
ولكن لن يتحقق لك ذلك دون المعرفة بربك جل جلاله، وإدراكك أنه تعالى له الحكم والتدبير الذي يشفي صدور قوم مؤمنين، قال عز وجل (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)) (الأنعام)
وقال سبحانه (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد)
فلا يغفل قلبك عن تقدير الله عز وجل حق قدره وتعظيمه وتسليم الأمر له سبحانه الخبير البصير بعباده، وعليك بالثبات على حد من العبادات لا تنزلي عنه، وخاصة إقامة صلاتك في وقتها والأذكار اليومية، تمسكي بها بشدة، فهي حصن عظيم للمؤمن في زماننا، وليكن لك حظ من عبادة التفكر في خلق الله والعبادات القلبية، قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: “والوسواس يعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت، ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر، والصلاة، ولا يضجر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]، وكلما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله، أراد قطْعَ الطريق عليه”.
وابحثي لنفسك عن عمل في سبيل الله تعالى تزهر معه نفسك وتستشعر مكانتها في مسيرة إعلاء كلمة الله تعالى، ليكن لديك ما يشغلك من نصرة الحق، فالقلب إن لم يشغله الحق شغله الباطل، وعلم بدون عمل، أخشى أن يتحول لوبال على صاحبه.
حاولي أن تعيشي معاني العقيدة في حياتك، بإخلاص التوحيد لله جل جلاله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في كل تفاصيل حياتك اليومية، ثم بالسعي للارتقاء في مراتب الإحسان، هذا ما أنت مسؤولة عنه وغير ذلك فالتدافع ماضٍ والاصطفاء مستمر والشهداء يرتقون! والظالمون يخذلون. والجزاء من جنس العمل!
فلا يكن لديك شك بل يقين ولا يكن لديك انهيار بل استعداد وأهبة وإستقبال لوعد الله حق بنفس مشرقة معتزة بإيمانها حتى لو كان في ذلك حتفها قبل أن تشهد عودة الإسلام للسيادة في هذا العالم، فقد لقيت ربها وهي مؤمنة تقية موقنة محسنة الاستجابة، لا يضرها ضعف أمتها ولا خذلان من خذل، بين عينيها (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)) البقرة.
تقدمي بالعمل واليقين
لا تبقي في دائرة المتفرج الذي يتحطم كل يوم بالمشاهد التي يدير وتيرة ظهورها من الخلف أعداء الدين، إنما تحولي إلى مقاعد العاملين لدين الله المنصور بلا ريب، ستختلف رؤيته تماما وسيدرك المرء كم كان مغفلا أن سمح لأحد بالتحكم في مساحة الرؤية، فهذه الأمة لا تموت ولن تموت، إنما هي عملية تصفية وتطهير ويوم الفتح ستسجد القلوب امتنانا وانكسارا وحمدا لا يبارى!
فانفظي عنك غبار الاضطراب والتردد، وانطلقي موقنة أن الصحابة الذين خرجوا من جاهلية عظيمة وقاموا بتكاليف الإسلام المهيبة قدوة لك، وأن تحقيق ما حققوه دونه سنن، من استقام كما أمر الله ارتقى ونجا، ومن أبى، فلا يلومن إلا نفسه.
انطلقي في سبيل ربك لا تلتفتي، ولا تحتقري ذرة خير ولا شر، وليكن دأبك حصد أكبر عدد ممكن من الحسنات ودرأ السيئات والثبات في مقامات الابتلاء، فغدا في جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ستحمدين الله على كل لحظة ألم وحزن وشوك وابتلاء وفقد، رفعتك مرتبة لم تكوني لتبلغيها لولا الصبر عليها.
ثم تذكري جيدا عند كل لحظة تردد، أن يكفي ما ضاع من وقتك فلا تخسريه مرتين، واستدركي الآن فليس لدينا الوقت للنواح ولا للتذمر ولا للشكوى، بل فقط للعمل وبالعمل فقط يرفع الله عنا الكرب ويوجب لنا البصيرة والسعادة وإن كان في قلب الحرب وملاحم الدماء.
أنت بحاجة لدفعة عمل ولإحسان الظن بالله مولاك، والخروج من حيّز النص إلى حيز العمل ابتغاء رحمة الله تعالى والإحاطة بعظمة تدبيره سبحانه، لا يضل ولا يشقى من صبر وتوكل عليه، ولا يعرف هزيمة من آمن موقنا بالغيب، لأنه يرى في الأفق رايات الفتح بينما ينبض قلبه بالتكبيرات.
اللهم أقر عينها بشفاء لقلبها وباستعمال يبعث بالسكينة في حياتها وكل مؤمن ومؤمن.