هل تنصحين بالزواج من خلال التعارف على التواصل والمضي في إجراءات الزواج بناء على ما يظهر من الخاطب وحساباته؟
الجواب:
حقيقة أحذر وبشدة من الزواج بالاستناد فقط على معطيات العالم الافتراضي، فمسألة الزواج مسألة عظيمة وميثاق غليظ ولا يكفي المعرفة بحال الخاطب الإلكتروني للجزم بصحتها. بل يجب أن يكون هناك من يعرفه في بلاده ومكانه ومن يعرفه معرفة شخصية. والأمر في الحالتين سواء، الخاطب والمخطوبة يجب المعرفة بحالهما على الواقع.
فالعالم الافتراضي ساحة “حالمة” يظهر فيها المرء أجمل ما فيه أو أجمل ما يود أن يكون فيه! وتكثر فيه دندنات النفس والتنظيرات، ولكن لسان الحال هي التي تصدق لسان المقال أو تكذبه.
فكم من مجيد للخطاب الدعوي على التواصل يفتقد العمل به في حياته اليومية، وكم من مجيد للخطابة وفي ميدان الحقوق والتعاملات مطفف ومبخس، وكم من مجهول على التواصل هو أتقى وأفضل وأحسن كخاطب من غيره.
فضلا عن إشكالية الخطبة الإلكترونية التي يتقدم الخاطب بنفسه للفتاة ويُقيّمها للزواج بدون علم أهلها ولا من يعنيه الأمر، تتم على طريقة المواعدة الغربية بدون تدخل طرف ثالث راشد وعاقل، فهذا مما ابتلينا به في عصر الأنترنت.
تقام علاقات غير شرعية بحجة الزواج وبنية الزواج، ويتقرب فيها الشاب من الفتاة وتسمع منه ما يؤمّلها ويُحرك مشاعرها ويستعطفها ويُعلقها فيه، وكل ذلك تحت ستار الالتزام وحب الإسلام والزواج للإعفاف والاستقامة! وهو الأخطر والأنكى، وقد يتخلى عنها بسهولة – وهو أكثر ما يحدث- فلا شيء يخشاه ولا أحد يعلم حاله ليعيب عليه ويفسد عليه سمعته ما دام كل ذلك يدور في الخاص بينهما. وتتكبد هي خسائر نفسية جمّة ويواصل هو حياته كأنه لم يحطم نفسا، ثم حتى إن تم أمر الخطبة، فإن بدايتها غير تقية وذلك يكفي لحرمان الخطيبين الكثير من الخير.
لذلك نصيحتي لك، إن كان الخاطب وصل لك مباشرة واتفق معك على الخطبة بدون أن يكون هناك وساطة واحترام لحدود الله تعالى فاتقي الله وتوقفي عن ذلك، ولا تتحدثي بنفسك في أمر زواجك، لا بد أن يكون لك ولي ومن ينوب عنه هو الذي يُطرق بابه بهيبة حفظ أعراض المسلمين، ولحصانة النفوس من الفتن، وفي الحديث: “لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها”. أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه.
ولا بأس أن يبحث الخاطب عن معلومات الفتاة ليتقدم لها ويُعرّف بنفسه أو أن يسأل عنها ليعرف عقيدتها وأخلاقها واهتماماتها قبل أن يتقدم بطريقة تقية، بدون أن يكون في ذلك تعدٍ لحدود الله تعالى. وحتى لو كان اختياره بناء على ما يراه في مواقع التواصل وهو راضٍ بذلك، يجب أن يحترم حفظ حقوق الولي والأسرة المسلمة وحفظ أعراض المسلمين وأن يحذر الخلوة والاستفراد بالفتاة ففي ذلك فتنة له ولها تعمي البصر والبصيرة. وليستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نفْثَ في رُوعِي، أَنَّ نفسًا لَن تموتَ حَتَّى تستكل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتَّقُوا الله، وأجملُوا في الطَّلَب، ولا يَملَنَّ أحدكم استبطاءُ الرِّزْقِ أن يطلبه بمعصية اللهِ، فإِنَّ الله تعالى لا يُنالُ ما عندَه إِلَّا بِطاعَتِهِ” صحيح الجامع.
أهمية الاطّلاع على حسابات التواصل قبل الزواج
وتبقى هناك ملاحظة مهمة تردني في العديد من الاستشارات بشأن الخطبة، أرى ضرورة التنبيه عليها في هذا المقام، وهي الاطلاع على حسابات الخاطب والمخطوبة قبل اتخاذ قرار القبول والإيجاب، وأقول: نعم هذا مفيد وينفع للإحاطة باهتمامات المرء وطريقة ردوده وتعاملاته، ويكشف تفاصيل قد تكون خافية وقد تظهر من أول تفاصيل الحساب، كمن تضع صورتها المتبرجة في حسابها وتخضع بالقول في حديثها، أو من يضع صورة غير لائقة في حسابه وينبسط مع النساء الأجنبيات.
وللأسف عدة استشارات تبين فيها أن الشاب الخاطب بعد النظر في حسابه كان يتابع حسابات نساء متبرجات وعاصيات ويتفاعل بالإعجابات مع منشورات تافهة وسخيفة أو خبيثة! وكم من شاب لا يدري أن لديه رصيد متابعات على التواصل يمكن أن يظهر لمن يتتبع نشاطه فيصبح حاله كمن يجاهر بمعصية، وما أقبح أن يظهر المرء الالتزام بينما حسابه يضم تواصلات مع نساء فاسقات ومتهمات، أو إعجابات بصور محرمة وردود وقحة لا تليق، وهذا حقيقة يُفقد الرجل هيبة رجولته ويُنفّر المخطوبة منه وقد حصل في حالات أن واجهت المخطوبة الخاطب بصورة عن حسابه فيها منكر بيّن، وكان الإحراج والتعثر والله المستعان.
( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
وفي الختام، العالم الافتراضي ليس هو الحقيقة دوما، وخلف الأسماء قصص وسير قد تصدمك، وقد يجذبك الشاب وهو يحاضر في المفاهيم والقيم الإسلامية على العام وحين يتقدم إليك لخطبتك يشترط عليك شروطا توقد فيك الإعجاب أكثر به، من حيث حرصه على ضرورة اللباس الشرعي وعدم الاختلاط والحذر من النسوية وغيره من “أطباق شهية” لاستمالتك وصناعة الثقة به، فتقولين: هو الرجل! هو الحلم المنتظر! لكنه في حياته الواقعية يختلط بالمتبرجات ويجالسهن بلا خجل قد تبخرت غيرته، ويجامل النسويات ويطبع مع المنكرات ولا يجد حرجا في الحديث مع الأجنبيات بانبساط أو التواصل الخاص بهن بارتياح، وكذلك النساء، فقد تكثر من خطاب الستر وحب النقاب وبغض الاختلاط على العام وتصنع اهتمام الرجل الذي يفتقد هذه الصفات في محيطه، ويحب خطابها عن مشاهد العفة فيتمنى خطبتها، لكنها في حياتها العادية متبرجة بإسراف ومخالفة لكل ما تُوهم الناس أنها عليه، فالحذر الحذر لكل خاطب ومخطوبة، لا بد من المعرفة بحال صاحب وصاحبة الحساب على الواقع قبل المضي قدما في عقد ميثاق غليظ.
وأقول، اليوم حتى في أرض الواقع وبمعرفة شخصية وتقارب عائلي ومع ذلك لا تزال تصلني في الاستشارات قصص يندى لها الجبين من فواجع التبديل والتعاملات الوقحة والنهايات المأساوية وفي حالات حتى وإن طال زمن العلاقة الزوجية وابتدأت بتفاصيل واعدة ومبشرة، نجدها قد انتهت بكارثة وفجور، فكيف بمن لا تعرفين عنه إلا ما يُظهره لك وما يُسمعك عنه وقد يكون مطلاق مسرف أو لص أعراض خبيث، فالحذر والتقوى وحفظ حدود الله تعالى، فهي السبيل التي لا ترين فيها إلا كل خير مهما كانت الابتلاءات مؤلمة والحاجة ملحة ومضعفة.
الزواج قدر ورزق وامتحان فلا نستعجل الأقدار بمحرم ومعصية وتهور، حفظ الله المسلمين والمسلمات من الفتن وسخر لهم سبل الصلاح والثبات والصدق والتقوى. والله أعلم.