هذه رسالة من غزة وصلت إلى أحد المشايخ من مسلمة تحمل غيرة على دينها وأهل غزة كما نحسبها .. تسلط الضوء على واقع مزري ومأساوي أكثر من تفاصيل الحرب وإن أفجعت! إنه واقع الاستهانة بسب لفظ الجلالة وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
ثم أين! في بلاد هي في أمس الحاجة لأدب التضرع والانكسار لله عز وجل، في أرض تستوجب جمع أسباب رضوان الله ورحمته ولطفه، وفي الوقت نفسه هي أرض موعودة بالتمكين والنصر، أرض ملاحم، المواجهة فيها ممتدة عبر محور التاريخ ومستقبله، فكيف يعقل أن يستهان بهذا المصاب الجلل!
وليست غزة الوحيدة التي تعاني هذا البؤس بل غيرها من بلاد المسلمين يستهان بهذا المنكر العظيم والناقض الخطير من نواقض الإسلام!
وتظهر خطورة ما يجري .. مع استمرار ضعف الإنكار وتماهي الناس مع المرتد في هذا المقام، وفي أرض تعاني الحرب والبلاء مع أن في ذلك من أسباب الهزيمة وطغيان الأعداء ما لا يخفى.
عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“مَثَلُ المُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، وَالوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ المَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ”. رواه البخاري
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” قالوا : وقد دل الكتاب والسنة في أكثر من مائة موضع على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، كما قال تعالى ( جَزَاءً وِفَاقًا ) أي : وفق أعمالهم ، وهذا ثابت شرعا وقدرا ” انتهى من “عون المعبود مع حاشية ابن القيم” (12 / 176).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه:
فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة ، سببا لمنع الغيث من السماء، والقحط والجدب.
وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف ، سببا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استُرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ، ظهرت في صور ولاتهم!!
فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزا لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له.
والعاقل يُسَيِّر بصيرتَه بين أقطار العالم ، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة : على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وبالله التوفيق ” انتهى من “زاد المعاد” (4 / 333 – 334).
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد: 11).
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
” يقول تعالى ذكره: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ) من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ، ويهلكهم ( حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) من ذلك، بظلم بعضهم بعضا، واعتداء بعضهم على بعض، فَتَحلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره ” انتهى من “تفسير الطبري” (13 / 471).
ما حكم الشريعة في من يسب لفظ الجلالة؟
ليكن واضحا للجميع أن الحكم في من سب الله تعالى أنه يكفر ويجب قتله وفي سقوط القتل عنه بالتوبة خلاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول:”من سب الله تعالى فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له. ثم اختلف أصحابنا وغيرهم في قبول توبته بمعنى انه هل يستتاب كالمرتد ويسقط عنه القتل إذا اظهر التوبة من ذلك بعد رفعه إلى السلطان وثبوت الحد عليه على قولين: أحدهما أنه بمنزلة ساب الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول ، والثاني أنه يستتاب وتقبل توبته بمنزلة المرتد المحض .. ومن فرق بين سب الله والرسول قال سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع”. انتهـى .
ومعنى القول بعدم قبول توبة الساب أن التوبة لا تسقط عنه القتل، ولكن إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً فإن توبته مقبولة عند الله إذا تحققت شروطها .
فتأمل عظمة وجلال وهيبة حدود الله عز وجل.
ولذلك نصيحة لأهل غزة .. أغلظوا على هؤلاء المستهينين بحدود الله تعالى وعلموهم حقيقة أمرهم وخطورة ما يفعلون .. ونبهوههم إلى أن حقوق الله عز وجل لا تسقط لحرب أو لطول أمد وأنهم يتسببون في تعميق وإدامة مأساة أهل غزة بفداحة ما يرتكبون.
ويجب نشر الوعي وعدم الخجل من ذكر نواقض الإسلام وحد المرتد في دين الله تعالى. وليكن تعظيم حق الله أعظم من كل شيء في هذه الدنيا .. فيعيش المسلم عزيزا أبيا .. أو يموت شهيدا بطلا. لم يهن الحق في نفسه وأي حق! حق الله جل جلاله! وكيف لا يتواصى أهل غزة بذلك والموت يحيطهم من كل جانب! وفيهم من الأوفياء لدينهم ما لا يعجزه مد طوق النجاة والتصدي لسبب هلاك.
وليعلم الحاضر الغائب والعالم الجاهل أن من سب لفظ الجلالة كافر بالإجماع، وقد حكاه غير واحد من العلماء، قال الإمام إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئًا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيًّا من أنبياء الله تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًّا بكل ما أنزل الله.
وهذا حكم يترتب عليه أحكام فلا يجوز أن تبقى مسلمة مع زوج كفر، ولا يعامل معاملة المسلم في الحقوق والولاية حتى يتوب إلى ربه عز وجل وينتهي عن ظلمه لنفسه وغيره. وفي ذلك زجر له ووعيد ليدرك عظمة ما وقع فيه.
وهي رسالة أيضا لمن يحمل غيرة على دينه ويرجو خلاص أهله في هذه الحرب، خذوا على أيدي سفهائكم وأطروهم على الحق. وعظموا الله في نفوسهم لعل الله ينزل رحماته عليكم فيكف بأس الذين كفروا.
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ لما تلا قوله تعالى ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (المائدة:78)
قال: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه” وفي لفظ آخر: على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو لتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم”. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ” رواه الترمذي وحسنه . ومعنى أوشك أسرع .
وعن جرير رضي الله عنه مرفوعا :” ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله عز وجل بعذاب ” رواه أحمد وغيره .
وعن أبي بكر الصديق قال :” يا أيها الناس تقرءون هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعذاب منه “. إسناد صحيح رواه جماعة منهم أبو داود والترمذي والنسائي .
وفي الختام .. قبل أن يمتعض أولئك الذي لا يريدون سوى نقل المشاهد الحمراء أو الوردية، في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره”، رواه البخاري.
فانصروا إخوانكم بفقه التوحيد والسنة ولا تأخذنكم في دين الله لومة لائم .. فكيف يجتمع على رجل، حرب وخوف وجوع وقهر ثم يكفر بربه وقد يموت في يومه فيلقى ربه مرتدا!!! خسر الدنيا والآخرة .. فانصروهم بتعظيم الله في نفوسهم أو فذلك هو الخذلان!
فإن من أعظم الواجبات العقلية والنقلية ، ،معرفة قدر الخالق سبحانه الذي تقر بوحدانيته الكائنات ، وكل مخلوق في نفسه فيه آيات بينات على عظمة خالقه ، وعظيم صنعه وإبداعه.
تعظيم الله تعالى وحكم شاتمه (بي دي أف)