من أوجب واجبات الأمهات اليوم تربية بناتهن على الإيمان والحياء والحشمة، على أساسيات العقيدة والقرآن والسنة والسير والقدوات من نساء السلف، على حب البيت وإدارته وحسن تدبيره، على الطبخ كفن لإسعاد القلوب، على الاقتصاد وحسن التصرف والجود بالموجود، على صناعة مملكة عطاء لفتاة تُعد لتكون ملكة.
إن حرص الأمهات على تنشئة ابنة تحرص على حجابها وصلاتها وأخلاقها وتترفع عن الاختلاط والتحدث للأولاد منذ سن مبكرة، قبيل البلوغ، يسهل على هذه الفتاة كثيرا الاستقامة، ويحببها فيما يحفظ أنوثتها، ولا بد من أن يرافق ذلك مساحة تتعلم فيها الابنة كيف تكون دفئا في البيت وتعتني بجمالها وهواياتها.
حين نربي الفتاة على الإسلام تنعم ببركاته، ولا يجب أبدا أن تعيش تحت ضغط أن تضمن مستقبلها وتعمل وتجلب المال وغيره مما اعتاده الناس في زماننا، بل يجب إعدادها لتكون معظمة التوكل على ربها تعلم أن خلفها أسرة تفديها، لتكون صاحبة همة وقدوة كأمة لله مؤمنة، تسابق على ما يرضي الله لا ما يغضبه.
وفي زماننا بالذات من أولى الأولويات في التربية تعليم الأطفال الاعتزاز بالإسلام، فكل ما في الإسلام من شعائر وقيم نعتز بها ونظهرها بفخر، وكل ما يناقض الإسلام، نحتقره ونترفع عنه، وتلك معاني الاستعلاء بالإيمان تزرع مبكرا في القلوب، وهذا يعني أن يكسب الطفل مناعة، فيميز الخطأ وينكره بهمة.
لذلك الفتاة التي تلقت تربية إيمانية جليلة، حين ترى المتبرجة تنزعج من منظرها وتنكره عقيدة ومروءة، ولا يجذبها أبدا تقليدها، لأنها تعرف كيف تقيّم المشاهد حين تربطها بطاعة الله، هذه بحد ذاتها مناعة ضد أمراض النسوية تتصدى لها المؤمنة الأبية مبكرا. والانهزامية تحارب بالاستعلاء بالإيمان.
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى
كما أن من أوجب واجبات الأمهات تربية الابنة على الإيمان والإسلام والإحسان، لإخراج قرة عين للمؤمنين والمؤمنات، تكون حجة لأسرتها ولبنة بناء في أمتها، بتربية تعتني بحفظ خصائصها كأنثى، كذلك من أوجب واجبات الأمهات تربية الابن تربية إسلامية مستقيمة تخرج أفضل ما لديه كقائد فذّ يضمّد جراحات أمته.
ولأننا في زمن تشتد فيه الحاجة لضخ معاني الرجولة والمروءة بشدة في الأجيال، أضحى من أولى الأولويات إنشاء وتربية الأبناء الذكور على سياق الإسلام وأهداف الإسلام السامقة. وهذا يتطلب تربية خاصة وعناية تختلف عن تربية البنات. بدايتها مع الأم دون إغفال واجب الأب. لكون الطفل يلتصق بأمه في بداياته.
ومن هذا المنطلق يجب أن تعتني التربية بهدي الكتاب والسنة وتحاكي تربية السلف لأبنائهم، فقد ثبت أنها بالفعل تربية رجال وتصنع الرجال على نور من الله، فكانت إنجازاتهم مهيبة، وهي تربية تبدأ من القرآن حفظا وتلاوة، فتصقل مهارات الطفل وتبعث فيه القوة وتخرج نسخة تتميز بمهارات عقلية وسلوكية فاخرة.
فميزات حافظ القرآن لا تعد ولا تحصى لما يمنه الله عليه من فضل كواحد من أهل القرآن وخاصته. وهذا لا يعني أن نُصرّ على تحفيظ الصغير القرآن كاملا وإن كان مطلوبا وهدفا نبيلا، إلا أن الهدف الأساسي هو ترسيخ التعلق بالقرآن في ذهن الطفل مبكرا جدا. فيصبح المرجعية الأولى في حياته وملازمة لمصحفه أمرا مصيريا.
وفي هذه الأثناء التي يتعلم فيها صغيرك اللغة العربية من وحي القرآن، ويصنع لنفسه مخزونا عظيما من مفرداته ومعانيه الجليلة، لا بد أن تقصي عليه قصص البطولة والعظمة والبداية بسيرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم فهي أول قصة يجب أن يتعلمها ويقتدي بها تعظيما وتوقيرا للنبي ثم قصص كل الأنبياء.
وتأملي ذلك الجمال الذي يرتبط فيه خياله الصغير بالتوحيد وبرسالة الإسلام وبالقوة في الحق والسعي له! ولا بد من قصص الصحابة لتتلمسي أكثرهم تأثيرا في شخصيته وبناء عليه تنمين مهاراته، إن كانت باتجاه طلب العلم أو الفروسية! وهنا قضية مهمة أخرى لا بد للطفل من هوايات تنمي قدراته العقلية والجسدية.
حاولي أن تربطيه برياضة يكبر عليها فإن لم يتوفر لك السباحة والرماية وركوب الخيل فلا أقل من رياضة يعيش فيها قوته الجسدية ويتحمل أعباء الصبر والمجاهدة في المداومة عليها، فتحمل المشاق صغيرا يكسبه قوة ومرونة، ثم عامليه كرجل صغير، إياك أن تشعريه أنه الضعيف، وقدميه أمام الجميع كرجل صغير.
علميه الاستئذان والترفع عن مجالسة النساء، علميه غضّ البصر ولو كلفك أن تضعي يدك على عينيه حين يخرج، علميه كيف يرد السلام ويتعامل مع الكبار بأدب واشكريه لحسن أدائه وذكريه حين غفلته، علميه ألا يختلط بالبنات وألا يتردد في تقديم المساعدة بشهامة وليكن قدوته موسى عليه السلام، علميه الإنكار على الباطل.
علميه الرفق بأخوته واصنعي ذلك الاحترام بينهم، وإياك وإذكاء الأحقاد بينهم، علميه أنه سند لأخيه وأخته وأنهما سعادته، أسدي له مهمات من قبيل حفظ سر لفترة، أو إيصال أمانة مهمة، يستشعر أهميته وأهمية ثقتك فيه، اصنعي في نفسه شعور المسؤولية حين أداء المهام، وكافئيه حين يحسن وأفهميه بصبر ورفق حين يخطئ.
احرصي أشد الحرص على صلاته وعلى ارتياد المساجد، علميه نظافة ملبسه والسواك ومظاهر الالتزام على الرجل، ولا يعني ذلك كبت طفولته فليلعب كجميع الأطفال وليضحك وليبكي فهذه طفولته لترسمي فيها أجمل الذكريات وتتركي فيها أعظم الدروس والأثر،
حدثيه عن أمته ومسلسل الاستضعاف أخبريه عن آمال الأمة فيه.
اربطيه بما يجري في العالم بمصطلحات تناسب عمره واحرصي على مصطلحات القرآن وعلميه أن يقيّم المشاهد ويحتكم دائما للإسلام، علميه العفو عند المقدرة والتعفف عن السؤال، علميه كيف يجود وهو في حاجة وكيف يجبر الكسر، وكيف يقدم الصدقة ويستشعر أن الله يراه سبحانه، علميه كل ما يقوي قلبه الصغير!
حدثيه عن مستقبله ومستقبل أمته، حدثيه عن النجاح كيف يكون في رضا الرحمن، حدثيه عن العالم البشع في الخارج وما يتهدده من أخطار وكيف يجب أن يتصدى لها حتى في غيابك، كيف يميّز الخبيث من الطيب كيف يحفظ نفسه من صحبة السوء والمنكر! علميه أن يكون بارا بوالده وجدته وكل الأهل والجيران. فالبر عظيم.
إياك أن تثقلي قلبه الصغير بمشاكلك وخلافاتك وكل ما يهدم ثقته فيك! حافظي على موقعك مربية وصانعة للأجيال، وليس أي أجيال، إنها الأجيال المنتصرة، أجيال التمكين ورفع راية الدين، وهنا فرق كبير بين طبيعة الأجيال يجب أن توليه اهتمامك! اقطعي عليه حرية الأنترنت والتلفاز، وإن احتجت لذلك فلا بد من رفقة رقيب. وأفهميه لماذا واعطيه البديل.
عوديه على بعض الاستقلالية واسمعي منه مشاريعه وأحلامه، ساعديه في تحقيقها، وعلميه أن يقتني مكتبة ويحافظ عليها، وعلميه حسن إدارة المال، ولتكن البداية من حصالة يصنعها بيديه، علميه أن يصنع بيديه أكثر من أن يطلب كل شيء يأتيه سهلا هينا! وهذا يعني تعليمه الصناعات والحرف المناسبة لعمره.
علميه أن يبحث بنفسه، اطلبي منه أن يحدثك بنفسه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البطل المفضل لديه في سير الصحابة والفاتحين، اجعليه يتحدث خطيبا مفوها، ولا تقلقي، فهي مهارات الرجال، وفروسية لا بد منها لمن سيعتلي يوما منابر المسؤولية وإقامة الحق، في أسرته وفي أمته. اجعليه للمتقين إماما.
علميه الخروج في رحلات الكشافة، علميه التخييم في الغابات، لا تترددي ولا تخافي، علميه كل ما يتعلق بالطبيعة وحياة البرية، فهي متعة ومساحة تدريب، ومنذ أن يصبح عمره 7 سنين، لابد أن يختلط بمجتمع الرجال أكثر من النساء فاحرصي على المسجد وعلى صحبة الرجال الأتقياء قدر المستطاع ليتعلم طباعهم.
إياك أن تظهري الهلع والضعف حين يصاب وينزف دمه، أو الانهيار حين يواجه أزمة صعبة، بل علميه الشدة والصلابة والثبات، وهوني عليه بقول “أنت لها” فهو الرجل الصغير، وسيتحمل الألم وسيضمد جرحه ولا يبالي، فهذه تفاصيل تصنع القوة فيه والثقة، لا تغفلي عنها. استشيريه وأشعريه أنك تثقين رأيه وسيبهرك.
طالعي قصص أمهات الأبطال وارصدي عوامل انبعاث الرجولة التي كن يحرصن عليها، تعلمي وطوري أساليب التربية لديك فهذا علم وفن وأنت فارسته بلا منازع، فالأب مهما كان حاله سيكون بعيدا في ميدانه وأنت من يراقب عن كثب كل تحركات وتطورات صغارك، وهذا لا يلغي دور الأب وهو مهم جدا لكن الدور الأكبر يقع على عاتقك، فكوني محضنا للرجال والنساء المزدانين بالصلاح والإيمان والتقوى.
واعلمي أن أكبر مشروع في حياتك هو هذا الطفل، وهذا يتطلب رباطا على ثغرك، وإياك وإهماله فيكبر يحمل في صدره عليك عتابا وكيف تطمعين في بره وصلاحه!
نحن اليوم في عصر استضعاف وتراجع، وواجبك مضاعف، وهمتك مطلوبة بشدة، فإياك أن تحرفك عن ثغرك أي دعوة أخرى، وكل دقيقة تقدمينها هي تفريج كربة للأمة!
علميه التطوع والدخول في مشاريع خيرية منذ الصغر، وأن يتعلم أن العمل في الخفاء في سبيل الله رفعة للرجل ومنقبة، علميه ألا يكترث لإظهار أعماله، وستساهمين في تسهيل استقامته، نعم ستصدمك بعض المشاكل، ولكنها أهون بكثير من مشاكل أمهات أهملن تربية القرآن والسنة، لأن طفلك سيكون مباركا.
في الواقع، إن سر نبوغ الطفل أمه، فهي التي تبرز مواهبه وتقوي مهاراته وتكتشفه كخريطة تبحث فيها عن مواطن القوى فتزيدها قوة وعن مواطن الضعف فتحميها، إنه أمانة بين يديك، فأخرجي لنا عالما وفاتحا وخادما لأمته،ولا عليك بما يشغل الناس اليوم فإن العبرة بالخواتيم ومراتب الصديقين في جنات الخلد.
في الختام لن تنجحي في هذه المهمة النبيلة إلا بدعاء الله في الخلوات وفي أوقات الاستجابة، إلا بمجاهدتك لنفسك على الاستقامة، إلا بطلب المشورة والنصح من ذوي العلم والفضل، وإن كان كتابا، إلا بإعظام التوكل على الله وحسن الظن به سبحانه، واعلمي أن الله لن يضيع حرقتك وأملك، هو مولاك وناصرك.
عندما أتأمل حجم الأعمال التي على الأم القيام بها في ميدان التربية، وأنظر في واقع يختزل كل هذه العظمة في مجرد رعاية بتقديم الطعام والثياب،أدرك كم أن الأم مغيّبة عن مشروعها الأهم،وهو صناعة الأجيال الأفضل تمثيلا للإسلام،الأم مربية وهي أكثر مهنة تتطلب تفرغا وتركيزا وتخطيطا.لا مزاحمة بوظيفة خارج البيت!
أيتها الأم إن ثغر التربية وإعداد الأجيال المنتصرة، يتطلب منك إقبالا كاملا وتفرغا تاما، وهو أبلغ وأهم مما يسمونه “تحقيق الذات” و”ضمان المستقبل” الذي يخدعونك به، بل هو تمام تحقيق الذات وضمان مستقبل الأمة برمتها، وشتان بين المقامين.
بارك الله بك على هذا الكلام الطيب
جزاك الله خيرا وبارك في جهودك