معطيات يجب استحضارها عند قراءة كل مشهد صراع وتخطيط استراتيجي

من المعطيات التي يجب استحضارها وعدم الاستهانة بها عند قراءة كل مشهد صراع وتخطيط استراتيجي:

– أن عدوك ليس أحمقا، ولا بد من التعامل معه باعتباره في أقصى حالات دهائه عند التخطيط المضاد لاستراتيجيته، وهذا يوجب الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنه لا يتخلى عن أدواته في السيادة والهيمنة، وبفضلها تمكن من الاستمرارية في مرتبة “غالب” لا “مغلوب”، وقد صيغت هذه الأدوات تماما لضمان الخضوع له وعدم الإفلات من حصاره، فضلا عن حقيقة أن ما يحيط به من أسباب بقاء يدخل فيها ترويض وإخضاع أعدائه وتخفيف عداوتهم وله نظرياته المجربة في ذلك وهي أحب إليه من استنزاف حربهم. والحرب في الأخير أن تخذل قدر ما يمكنك عدوا تعلم أنه يحمل عقيدة قتالية ترهقك. فتحقق الهزيمة المعنوية أفضل وأجدى لك من الهزيمة العسكرية، التي يقوم بعدها أشد عزما على قتالك ما دامت معنوياته مرتفعة. فالهزيمة المعنوية، تخضعه لك طويلا جدا. وخلاصة ذلك، أن لابد من توفير وسائل مستقلة لبقائك، وإلا فاللعب داخل ملعب عدوك حصرا، يعني أن تبقى تحت شروطه وقوانينه للأبد.

– إن تكرار التجارب وعدم الاستفادة من نقاط ضعفها، مغامرة أخرى معرضة لخسائر مثخنة ومضاعفة، وخسارة وقت أفتك! ونقاط ضعفها لا تقف على قصور في استراتيجيتها في وسائلها أو ظروفها أو ثغراتها فحسب قد يمكن الحديث فيه عن تعديلات تستدركه، بل أكبر نقاط ضعفها هو خطر الفتنة الذي يتربص برأس مالها من الطاقات البشرية، الفتنة التي تغير النفوس والأولويات وتحرف المسيرة. وهو التحدي الذي لا ينجو منه إلا موفق جدا ولا يغامر فيه عاقل بدون تحصن من الفتنة، وإهمال هذا الخطر سوء ظن بالله تعالى!

ولعل أول الفتنة هي اعتقاد أن استراتيجيتك لم تجرب من قبل! فأكثر الاستراتيجيات متكررة بتعديلات في قواعدها ووسائلها وكلها مرصودة لدى الأعداء. وعنصر المفاجأة إن خذل، لا نصر يرتقب!

– أن حفظ القاعدة الأساسية من هيبة الإسلام، مصيري في أي صراع، لأن التهاون في حفظ هذه القاعدة يعني خسارتها للأبد، وكل صراع بلا حفظ لقاعدته العقدية والتي هي هويته في التدافع، يعني الانصهار في هوية أعدائه والتأثر بها، وهذا التأثر يسري بمفعول بطيء لكنه أكيد لإحداث خسائر فادحة في المعركة الفكرية والأخلاقية التي هي في الأخير جوهر الصراع. ومن أهمل هذه القاعدة وأهمل تحصينها سيجد نفسه في نهاية المطاف قد صنع أعداء بيديه في داخل بيته أشد خطرا عليه من أعدائه المباشرين.

– التفكير خارج الصندوق وحفظ قائمة الاحتمالات والخطط الاحترازية والبديلة والمعدة مسبقا والتي قد تكون صادمة وغير معتادة، هي من أساليب القيادة الفذة، وعدم توفر هذه القائمة، يعني ضيق أفق وضعف تصور وحاجة ماسة لضخ الدماء في دائرة صناعة القرار. التي لا تقوم على فكر رجل واحد واستبداد فكرة واحدة، بل على الشورى وعلى حضور العلماء الربانيين. وبدون حزام الأمان هذا، فإن كل التجارب معرضة لاستنساخ تجارب الأنظمة الدكتاتورية الفاشلة بغض النظر عن أي تفاصيل مرافقة إيجابية أو سلبية أكثر. وبتعبير آخر، نموذج آخر عن حكم جبري وملك عضوض!

– الاستراتيجيات مهما كانت جدارتها أو قوة صياغتها مبهرة وموثوقة يجب أن لا تحارب ولا تطمس معالم الحق، لأن معالم الحق هي التي تضمن استمرارية الإسلام نقيا من التوظيفات والمتاجرة والتحريفات لأجيال ممتدة، خاصة وأن الصراعات ممتدة. ولذلك أي استراتيجية تصادم هذه الثوابت عليها أن تحسب حساب ثمن هذا التصادم ولا تستهين به. فقيام النصر والتمكين في نهاية المطاف قائم على موقع الحق وهيبته، ومن أراد أن يحييها لا يقتل الحق فيها وليحفظ شرف الغيرة على الحق ولا يقمعه فيرتد عليه فيهدمه!

– في الصراع لكل دوره وثغره وخندقه، فإن أهمل أحد ثغره، كانت خسائره وهزائمه متعدية لبقية المنظومات المتصلة، وأول المنظومات التي يجب حفظها: منظومة التربية والتعليم وإعداد الأجيال المؤمنة، ثم منظومة الدعوة لله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هدم هذه المنظومات، يعني الحكم بالإعدام على كل تجربة نهوض أو استقلالية. مهما تذاكى المخططون لها.

هذا على عجالة وإلا فإن حديث الاستراتيجيات في واقعنا يتطلب قراءة مفصلة أكثر. والله الموفق.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x