السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. كيف حالك دكتورة
ممكن حضرتك توضحي لي معاني العزة وهل تختلف بالنسبة للمواقف مثل حال المسلمين في مكة وحالهم في المدينة؟!
وجزاكم الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله.
العزة في الإسلام يلخصها قول الله جل جلاله (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
وفي هذه الآية من البلاغة والإحاطة والشفاء بمعاني العزة ما يتصدع له القلب.
فالمؤمن عزيز منذ آمن، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
سواء كان في حالة استضعاف كما كان حال المسلمين في مكة أو حالة تمكين كما في المدينة، كانت صفة العزة ملازمة لهم في كل حال، وهذه العزة هي التي أوجبت لهم النصر والتمكين وإقامة ملك ممتد ونشر رسالة هي الأعظم!
كانت سمية وهي تعذب وتقتل في سبيل ربها في مكة، متشبثة بـ “لا إله إلا الله” في مقام عزة، وكذلك كانت أمهات المؤمنين في بيوتهن في المدينة يتدراسن كتاب الله في أمن وأمان، في مقام عزة.
فكل من حفظ إيمانه مخلصا هو العزيز، وإن قتل في سبيل ربه من أول يوم مراغمة كأصحاب الأخدود، وإن لم يعرفه الناس، فهو العزيز ما دام مؤمنا.
لكن الإيمان يتطلب القوة لحمايته، فلا يكفي أن نؤمن بل يجب أن نوفر الأسباب التي تتيح لنا عبادة الله بحريتنا ونشر رسالته جل جلاله، ولذلك أمر الله تعالى بالجهاد وخرج الصحابة تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، لتحقيق هذا المفهوم، حرية العبادة وحرية الدعوة وكفّ يد الأعداء وتحقيق موطئ قدم في الخريطة لا يكون إلا بالقوة، فمن لم يملك أسباب القوة كيف له أن ينصر دعوته أو يحمي نفسه من تدافع القوى وجرأة الطغيان.
ومن هنا نرى أن العزة لها موجبات، وأول موجباتها السيادة والتمكين للمسلم في نفسه وفي وسطه! وهذا المفهوم عظيم جدا، فالمؤمن في عمل دؤوب، ليعيش حرا ويقيم الحق في الأرض.
ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يسعون لتحقيق هذه الحرية بما تيسر لهم وكان من ذلك، الهجرة للحبشة، وكان منه بيعة العقبة مع أنصار المدينة، وكان منه التضحية بالنفس والنفيس والإنفاق الأوفى للثبات على الإسلام، وكان منه الهجرة للمدينة حيث كان من المهاجرين من خرج وترك خلفه كل الدنيا! هذه هي العزة ولو خرجوا تاركين خلفهم كل ما يملكون فقد حققوا بذلك أبلغ معاني العزة!
والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجدها تنبض عزة في كل وقت وحين، عزة بعظمة المنهج والخلق، عظمة المحبة والبذل، عظمة المواقف والصبر، عظمة التعاون على البر والتقوى وعلو الهمة في حمل أمانة الإسلام. عظمة التخطيط والظفر! عظمة الحمد والشكر!
ومن يروم العزة فعليه بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم فتلك المرجعية التي تصنع العزة حصونا في القلوب والعزيمة المؤيدة، التي لن تجد مثلها في كل سير الإنسان!
ولا عزة بدون استقامة والتزام بالقرآن بروح الفداء، جعلنا الله وإياكم ممن يعز الإسلام ويعزه الإسلام.