رأيت مشهدين عجيبين لامرأتين مختلفتين، الأولى أنهت دراساتها العليا وأفنت عمرها في تكديس الشهادات والألقاب، والعمل في أكبر الشركات، ومع أنها تزوجت ورزقت الأبناء إلا أنهم لا يسجدون لله ولا يعرفون ذكرا، يفتقدون للأدب وحسن الخلق وإسرافهم كبير. دراستهم على مناهج غربية فباتت أحلامهم غربية!
أما زوجها فلا يلتقيان إلا ما ندر للمناسبات والمظاهر وتكاليف المستوى “المتقدم” قد شغلهما الركض خلف مستقبل “الثراء”. والثانية امرأة قارة في البيت لم تتحدث يوما عن شهادتها مع أنها أنهت دراستها بتفوق! لكنها حين رزقت الزوج والأبناء، قضت عمرها في حفظ القرآن وتعلم دينها وتربية أبنائها.
لقد أذهلني أن أرى الطفل في عمر 6 سنوات يسارع للوضوء والصلاة كالرجل الكبير حين يحين وقتها، فيقلده الأصغر منه في منافسة محببة! أدبهم واضح! ومحافظتهم على ما يقدم لهم تعكس وعيا بقيمة النعمة ونضوجا مبكرا! يحفظون ما تيسر من القرآن والسنن، ويتقنون دراستهم بتفوق مبارك! تكفي منها نظرة ليستجيب!
أما علاقتها مع زوجها فتعاون على البر والتقوى ومودة ورحمة، ومع أن حياتهم كفاف! إلا أن سعادتهم لا تغيب عن عين المشاهد! أحدثك عن مثالين واقعيين يكسران أكذوبة “تحرير المرأة” وتوظيفها فيما ينفعها! وهل ينفعها غير إعداد الجيل وحفظ البيوت قلاعا وحصونا لخدمة الإسلام وإعلاء رايته! هذه حقيقة.
ما فائدة الشهادات الدنيوية إن كان الفشل ذريعا في تربية الأبناء! ما فائدة الألقاب والوظائف إن كان ابنك لا يعرف الله!! ما فائدة الثناء والإطراء على إنجازاتك خارج البيت إن كان بيتك مقبرة للهمم وضياع الأجيال! ما فائدة كل الدنيا حين تسبقك امرأة “قارة في البيت” بقرآنها واستقامتها لمراتب الجنة.
لقد كذبوا عليك أخية حين أفهموك أن “تحقيق ذاتك” يكون خارج مملكتك، وحين جعلوا تربية أبنائك أقبح وظيفه وصيانة زواجك جريمة! لقد كذبوا عليك حين قدموا كل مكاسب الدنيا على مكاسب الآخرة وجعلوا القرآن والاستقامة في آخر مرتبة! لقد كذبوا عليك كثيرا حين حرموك الذكر وقرة عين يتعلم التوحيد على يديك.
نحن في هذا الزمان بحاجة ملحة لأمهات مصانع للرجال، لأن القادم عظيم جدا ويتطلب رجالا على نهج السلف الصالح، يحملون أمانة الدين لتمكين الإسلام في الأرض، لهم خصائص لا يمكن أن تتوفر في تربية غربية! بل بتربية القرآن والسنة فقط نصيغهم همما ترفع عنا الظلم والطغيان وتحررنا وترفعنا لمرتبة الأبطال.
أحترم بشدة وأقدر النساء المنشغلات بفنون التربية ومدارسة القرآن والمسابقة بالخيرات والصدقات، أحترمهن بشدة لأنهن أمل هذه الأمة لتقديم جيل مؤهل لحمل أمانة الدين. وأشفق بشدة على تلك التي لا تزال تركض بزينتها وبهرجتها لإرضاء مدير الشركة وصاحب المشروع والمساهمة في رفع مبيعاتهم وأبناؤها هزيمة!
كذبوا عليك فقالوا: “القرار في البيت جريمة ومقبرة!”، وهم يقبرون كل فرصك في الرقي بنفسك وأسرتك وأمتك، كذبوا عليك جدا حين قالوا: “ماذا قدمت لنفسك في البيت” وحرموك كل رؤية عظيمة لثغور الإسلام التي تقفين عليها حين تعتنين بمملكتك بحب وكرم! برغبة فيما عند الله وبيتا في الجنة، حرموك بركات العيش لأعظم هدف.
كان محزنا أن ترى تجمعا لمسلمات يناقشن فرص العمل، بينما أخواتهن المعتناقات للإسلام يناقشن نفسية الطفل وكيف تربيه على السنة! كان مؤلما بشدة أن ترى بعض النساء منشغلات بسفاسف الأمور بينما الأخريات يتدارسن علوم الشريعة والتربية والأسرة، فهو علم عظيم بأبواب وفصول كم أهملناها فكان إهمالها معول هدم.
تشتكي بعض النساء من تربية الآباء، وهي تكرر نفس الأخطاء والمآسي مع أبنائها وتلهث خلف أحلام امرأة غربية اصطدمت بالحقيقة متأخرا! تشتكي من الفقد وسوء الفهم وقلة العلم في التربية وهي لا تكلف نفسها أن تتعلم كيف تربي أبناءها فترميهم لشاشة هاتف أو شارع أو مشاريع الغرب الهدامة. إنها شكوى كاذبة.
لا يمكن لمن افتقدت شيئا إلا أن تعوضه لأبنائها، إن كان على مستوى العناية اليومية فكيف بالتربية التي هي أساس بناء الأجيال وقوة الأمة. نحن بحاجة لهمم تصنع لنا المناهج وتتذاكر طرق التدريس التربوية تشغل النساء بإصلاح القلوب والتقوى تشغلهن بما يصلح حالهن ودنياهن وآخرتهن. لا هزائم أخرى.
من لا يزال يتبع الفكرة الغربية على أنها تمام الفهم والعلم، لا يريد أن يرى حقيقة أن المرأة كانت ولا تزال أكبر ضحية، لقد حرمت الأسرة والزوج والأبناء! وقيل لها هذا مستقبلك! فانتهت بائسة كئيبة أحلامها أحلام تحققت لامرأة مسلمة في قرية ريفية، تنعم بأبناء يبرونها وزوج يصونها وأسرة تصل رحمها.
ولا أزال أتذكر قول تلك المسنة التي أمضت حياتها راقصة باليه، ثم قالت ليتني تزوجت مسلما! فصديقتي تزوجت مسلما وهي الآن تنعم بأسرة وحسن معاملة بينما هي تجمع أموالها لدار المسنين! لا تزال صور رقصها معلقة في الجدران تذكرها بما يسمونه “الفن” لتبكي على ماض لم تحسن استثماره فكانت الكآبة.
زرعوا الجفاء بين الأزواج! حولوا العلاقة الزوجية لمعركة محتدمة وعداء لا ينتهي، صوروا البيت جحيما! وزينوا الشارع والاختلاط وإضاعة الوقت والجهد والزينة فيما يضر لا ينفع! ولو قمنا بدراسة متخصصة للفوارق بين الحياتين لا أشك البتة أن أكثرهن شقاء أكثرهن انجرارا للفكرة الغربية وإن أخفت دموع!
أقولها لك ناصحة ولا أغشك، والله إن حفظ كتاب الله ومدارسته لهو أنفع ألف مرة من كل شهادات الدنيا لوظيفة خارج البيت للمرأة! ووالله إن تربية طفل يعبد الله مخلصا له الدين ويحمل أمانة الإسلام، لهو خير من ألف عمل ووظيفة شقية متعبة! ولو كانت سبب ثراء وبذخ! هذه كلمات أثارها تأمل مشهدين!
ولا يمكن لعاقلة أن تقبل لنفسها أن تبقى في آخر الصف! بسيرة مهنية طويلة زاخرة! وهي تجهل دينها وكتاب ربها وابنها عاق لدينه وأمته! ولا يمكن لعاقلة أن ترى المشهدين إلا وتسارع لسد ثغرها واستدراك ما فاتها ولا تأخذها في الله لومة لائم، فالله يسألك عن ابنك وليس عن شهادتك أول ما يسألك جل جلاله!
الشهادة تكمن قيمتها فيما قدمت لنفسك وأمتك وليس فيما قدمت للشركات والسوق! الشهادة تكمن فيما أصلحت مما أفسده الآباء والأجيال السابقة. الشهادة تكمن في أن تجعلي كل اجتهاد لك ومسابقة حجة لك لا عليك يوم تلقين الله جل جلاله! وكل هذه المعاني تجدينها في القرآن والسنة، فلا تغفلي ولا تنهزمي
اللهم أيد نساء المسلمين بالعلم الصالح والتقوى وحب الإسلام والعمل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله في الأرض. اللهم أصلح حال الأمة ورجالها واجعلهم خير خلف لخير سلف، وامنن عليهم بنصرك وتأييدك ومغفرتك! اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا الدنيا أكبر همنا.
نعم، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
نعم، اللهم آمين.
جزاكم الله خيرا
شكر الله لك يا دكتورة ليلى هذا المقال الرائع
السلام عليكم
جزاكم الله خير. كلام سليم و مقاله تحكي وافع اليوم. اللهم سلم سلم.
المراء جميله في معرفة ما يجب علبها من حقوق و واجبات فهو سعاده لها و لزوجها ولبناء جيل امه للمستقبل من ابناء صالحين .
نسال الله الهدايه للجميع.