مجرد الصدق بلا تكلف!

المتكلف، يحرم نفسه الخير العظيم!

وكم من مشكله الحل فيها بالصدق، مجرد الصدق بلا تكلف!

وهذه هي منهجية الإسلام في الإصلاح وصناعة القوة في المجتمعات.

ماذا يضر الناس لو أنهم إذا رأوا منكرا أن ينكروه بلا تلكؤ أو التفاف، فيأمروا بالمعروف في مقامه ويقروا التصحيح في لحظته؟

ماذا بضرهم أن يتعلم المخطئ ويتعظ المتهاون ويتذكر الغافل، بوحدة ضمير وموقف يعظم شريعة الله وأمره والفضيلة على كل شيء؟

ماذا يضرهم لو تواضعوا للحق، فأنصفوا هذا الحق، ولم يخذلوه بحجة أو أخرى؟ بدل بحث استجابات الترقيع والتبرير الهزيل والتفلت وإلقاء المعاذير … بدل مجرد إجابة بقول: أن نعم هذا خطأ؟

فتطمئن النفوس، ويتعلم المخطئ، وينصف الآمر بالمعروف، ويتواصى الناس بالحق والصبر ويأمن المجتمع.

مع أن كمّ الحجج التي تساق وتُصنع للتهرب من هذا الاعتراف الصريح، لا يغير من حقيقة أن المنكر منكر لا يزال!

فيتعاظم هذا المنكر – لكمّ ما يراه من منافحة في النفوس المستكبرة وننتقل لحالة أكثر تعقيدا: “فنون المجادلة بالباطل والانتصار للنفوس!”.

كل هذا بسبب التكلف وحرمان النفس من الاستجابة الصادقة. كل هذا من كبر النفوس التي لا تتقبل أن ينكر أمامها، وتشيطن الإنكار بلا خجل! مع أنه شريعة ربانية.

وفي الحديث:”مَن حالَت شفاعتُهُ دونَ حدٍّ من حدودِ اللَّهِ فقَد ضادَّ اللَّهَ ، ومَن خاصمَ في باطلٍ وَهوَ يعلمُهُ، لم يزَلْ في سَخطِ اللَّهِ حتَّى ينزِعَ عنهُ، ومَن قالَ في مؤمنٍ ما ليسَ فيهِ أسكنَهُ اللَّهُ رَدغةَ الخبالِ حتَّى يخرجَ مِمَّا قالَ”. صحيح أبي داود

وهكذا في كل مرة نرى الناس تختلف في مواقفها، لا نرى مجرد الصمت عن المنكر، بل نرى الإنكار بشدة على من ينكره!

مما يدفع لطرح السؤال التالي: لماذا يختلف الناس في قبول إنكار المنكر؟

في الواقع الرد على السؤال، هو تشخيص لعمق مصاب الأمة.

في الحديث: “إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحق، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”. صحيح

ونحن لسنا في مرحلة إهمال التناهي عن المنكر والصمت عن المنكرات، وترك إقامة الحد على “الشريف”، كما كان حال بنو إسرائيل، بل نحن في مرحلة الجدل حول: هل هذه أصلا منكرات؟.

الناس اليوم يختلفون على الماهية والمقياس، هل هذه من المروءة أو من خوارمها. فبين من يراها عظيمة وبين من يراها هينة وبين من يراها منقبة!

وحين يختلف الناس في بديهيات وواضحات، فهذا يعني أن الخلل أعمق بكثير ممن قد نتصوره، لقد أصاب الانتكاس والمرض قلب البصائر والفطرة!

وكل ذلك له مسبباته، وفي مقدمتها: ضعف قوة العقيدة في قلوب الناس وتفشي العجب وقلة المحاسبة، وقتل الغيرة وتسلط الطغاة والمجرمين، وتحييد العلماء الربانيين، والضخ المسموم للمواد التي تهدم قوة الحق في النفوس وتشوش صفاء الرؤى والأحكام ووحدة المرجعيات، وكثرة البدع، وكل الفتن التي تتوالى فيتغلب فيها السفهاء ويموت العلماء كمدا!

تذكر أيها المسلم:

إن أقصر طريق لراحة الضمير، واستجلاب المعية واليسر، والإصلاح: أن تنكر المنكر، بقلبك أو لسانك أو يدك، هذه هي سبيل الذين آمنوا، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)؛ رواه مسلم.

لم تكن قط المجادلة حول ماهيته ولا التقليل من شأنه، ولا التبرير لأسبابه، ولا المنافحة عن الواقع فيه، بل كان الإنكار السريع بقدر الاستطاعة، وهذه الاستجابة هي التي توجب فضائل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. التي تحيا بها الأمة وتنتصر على أمراضها وأعدائها.

فإما أن تقول خيرا أو لتصمت، ولا تصد عن سبيل الله بتكلف وكثير تنطع وفلسفة.

هكذا أمر الله جل جلاله لا هوى النفس!

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].

﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 69].

قال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ) حديث حسن.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [ يونس: 44]

لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم الطف بالمؤمنين في غربة الزمان. وأيدهم بنصرك وبالمؤمنين. ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يخشاك.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x