“أكثر ما يجب أن تحفظه لنفسك وتسعى له بكامل جهدك، موجبات الحكمة والبصيرة.
فمن نالها نال خيرا كثيرا واستغنى استغناء مهيبا”.
هذا سؤال يبعث بالوجل! لأن موجبات الحكمة والبصيرة فضل من الله تعالى وإن كان لها دليل سعي، فالله تعالى ينظر لقلوبنا وأعمالنا، ويعلم مراتب الصدق، لذلك البداية لابد أن تكون من سؤاله جل جلاله من فضله العظيم.
ثم مما يعين على تحصيل الحكمة والبصيرة الرباط على القرآن والسنة وآثار السلف، فإن فتحا واحدا فيها بكل الفتوحات في العلوم الدنيا. ويقدم المؤمن لنفسه فكل فتح يوجب الشكر والحمد والخشية والوجل رجاء أن ينعم ببركة الفتوحات.
ثم تربية النفس على الزهد فالنفس الزاهدة تستقوي لديها الحكمة وتصفو بصيرتها، وتشتد كلما تأدب المؤمن بآداب الزهد على منهاج النبوة.
ثم الإحسان، وهو أبواب وفصول، في نفس الإنسان وفي تعاملاته، كل إحسان موجب للخير في نفس المحسن وفي من حوله، بركات ممتدة. والإنفاق والصدقة مرتبة ارتقاء جليلة!
ثم الجهاد في سبيل الله تعالى والبذل في ميادين المراغمة فهي من أكثر ما يهرس القلوب وينقيها ويزيدها قوة وبصيرة وحكمة، حين تكون النيّة خالصة والاجنهاد تقيا والاستقامة منهجا. بل فتوحات أهل الجهاد لا تناجزها فتوحات إلا فتوحات العلماء الربانيين. والله يؤتي فضله من يشاء!
ثم الانكسار لله جل جلاله والخشية والرجاء والمحبة، فهي أركان في القلب الحيّ تمده بمادة الحياة وعلو الهمة.
ثم سلامة الصدر على المؤمنين، فما من عفو في سبيل الله إلا رافقه رفعة، ولا عفو يأتي إلا من حكمة وبصيرة.
ثم تعهد القلب بالتوبة والتواضع وطرد العجب والغرور، فالكبر والغرور والحسد من أكثر ما يعمي البصر والبصيرة، وكم من منهزم لكبره وحسده حرم نفسه موجبات الحكمة والبصيرة مهما أظهر من عمل واجتهاد! ذلك أنه يفتقد لعبادة تنقية القلب وزكائه.
ثم الترفع عن الظلم ولو بكلمة، ومحاسبة النفس على العدل والإنصاف ونهي النفس عن البغي والطغيان. فيستقيم القلب وتستقيم الجوارح وتصفو الرؤية وتتحصن النفس من الفتن! فأكثر ما يوقع في الفتن هو الظلم!
ثم الرضا بالأقدار المؤلمة فهي مرتبة ارتقاء عظيمة، لمن أحسن الصبر والاحتساب والتوكل، قال تعالى (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
وهذا باختصار شديد وإلا فإن هذا السؤال يتطلب جوابا في كتاب مفصل لا أقول مقال! أحسن الله إليكم.