النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

ما موقع الرجل في الجهود الإصلاحية التي تستهدف النساء؟

ارتكزت جهود إصلاح النساء على خطاب متخصص في مخاطبة المرأة باعتبارها محور الدعوة الإصلاحية في المجتمعات، فلا يخفى حجم العناية بقضايا المرأة؛ لتحصينها من كل ما يهدم فكرها ووعيها ويحفظها من دعاوى التضليل والانحراف والإفساد المتفشية والمدعومة من مؤسسات دولية ومنظومات غربية واسعة الانتشار. وهذا أمر واجب ومطلوب بشدّة؛ ولكن التركيز على المرأة رافقه إهمال خطير لموقع الرجل في عملية الإصلاح. وهذا يكشف لنا قصورًا أخطر في تناول هذه المسألة المصيرية لتحقيق الإصلاح في الأمة.

فمهما أحرزنا من تقدم في إصلاح المرأة؛ تبقى جميع إنجازاتنا مهددة بالانهيار ما دام هناك إهمال مستمر لصناعة وعي وإصلاح موازٍ متخصص في صناعة الرجال القادرين على الوفاء لمهماتهم في القوامة وولايات الرجال القيادية. ما يحصل هو في الواقع إغفال للدور المصيري الذي يلعبه الرجل في حفظ المرأة وأيضًا في تحمل مسؤوليته في عملية الإصلاح.

ومما يجب التنبيه إليه أن المجتمعات المسلمة لا تعاني تشويه الوعي لدى النساء حصرًا؛ بل هو تشويه استهدف وعي الرجال أيضًا، ولم تكن النسوية لتحقق شيئًا لولا استهداف ماكر يحطم مكنونات الرجولة في عمقها. وهذا يعني أن النسوية ما كان ليعلو صوتها؛ لولا أن كان في ظهرها نسوي يعتنق أفكارها ودعاويها بغض النظر عن دوافع هذا الاعتناق. وما كانت النسوية أن تتجبر في الأرض؛ لولا عملية ممنهجة تحارب معاني الرجولة وتهدمها بهدوء دون تسليط الضوء على عملية الهدم هذه.

فلدينا حتمًا خسائر في صفوف الرجال، وإن لم يكن بانتكاس كامل للرجل الذي لا يعرف دينه ولا مقاصد الإسلام الجليلة، فإن هناك هدمًا حتما نال من الرجال بطريقة أو بأخرى.

يقول الرافعي مشيرًا لشيء من هذه الخطورة: (الشّعب الذي لا يجدُ أعمالاً كبيرة يتمجّد بها، هُوَ الذي تُختَرَع له الألفاظ الكبيرة ليتلهّى بها؛ وأنّه متى ضَعفُ إدراك الأُمة، لم يكنِ التفاوتُ بين الرجالِ بفضائِل الرجُولة ومعانيها، بل بِموضِع الرُجولة من تِلك الألفاظ).

ولذلك، كان ولا يزال هلاك معاني الرجولة هلاك الأمة. ولن تسعفنا عند ضعف وهلاك معاني الرجولة جميع مشاريع الإصلاح للنساء ما دام الرجل عاجزًا عن الوفاء لموقعه والقيام بمهماته التي لا يقوم بها غيره. بل سنجعل من وظيفة المرأة الصالحة شديدة الصعوبة؛ لأنها ستتحمل أعباء الثبات لوحدها في ظل بقاء الرجل في الهامش لا في الصميم، وستتحمل مهمات الرجال مرغمة لأن الرجل ليس مؤهلًا لحملها بعد! وكيف يعقل أن ننتظر تحولات كبرى بإهمال تفعيل دور القيادة وتحميل الرعية كل المسؤولية؟ ولذلك نطرح السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يكفي إحياء دور المرأة في المجتمع بالتغاضي عن الدور المصيري للرجل الذي من المعلوم أنه يضمن استمرار وفاء المرأة الصالحة لدورها؟

قال المنفلوطي: (هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نسائكم.. فاِن عجزتم عن الرجال .. فأنتم عن النساء أعجز).

وللأسف، فالكثير من قصص النساء الصالحات تسلط الضوء على فقد لا يجبر في موقع الرجل في حياتها، وانعكاس ذلك على مسيرتها ووظيفتها في هذه الحياة، فكم من صالحة ابتليت برجل غير قوام ولا قادر على الوفاء لقوامته أو ابتليت برجل اتكاليّ، والد أو زوج، يدفعها دفعًا للعمل في خارج البيت؛ بل ويجعل حياتها عسيرة بإجبارها على تحمل مسؤوليات قوامته بنفسها بالمنّ والأذى. وهذا مما لا يخفى في المجتمعات.

ولذلك تصمد نساء وتضعف أخريات! فاللاتي يصمدن يتكبدن تكلفة محاولة سد فراغ الرجل في حياتها، واللاتي يضعفن، يجدن أنفسهن أمام تقديم التنازلات لتحمل تكاليف المواجهة! قال الإبراهيمي: (إن للرجولة ضريبة وعليها مسؤولية لأن الرجال هم القمم الشامخة والعلامات البارزة والأئمة الدعاة الذين يقودون الأمة الإسلامية إلى مواطن النصر).

فكيف سنحقق نصرا ونحن نهمل رأس القيادة في المجتمعات! نحن بحاجة ملحّة لبرامج إصلاحية عاجلة ومركزة ومدروسة بعناية، تعتني بالرجل بطاقة كاملة من التركيز، وبمنهج مستقى من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الرافعي عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (وَعَرِفوا به ﷺ تمام الرجولة)! فهو مدرسة مكتملة لمعاني الرجولة، تصنع في رجال المسلمين القوة والأمانة، وكم نحتاج للأقوياء الأمناء لقيادة مراكب الأسر وصيانتها.

وإن تسخير الجهود في حفظ الرجال وصناعة وعيهم وتهيئتهم لمهماتهم هو أكبر إنجاز نقدمه للأمة في زماننا؛ بل ويختزل علينا جهودًا مضاعفة في إصلاح المرأة؛ بل ويحفظ كل النتائج التي حققناها في هذا الاتجاه حتى الآن.

فلن تجد الصالحة صعوبة في الاستقرار والاستقامة، لأن دورها يكتمل بوجود رجل قوام. ولن تضطر لتكبد تكاليف المواجهة مع مجتمعات لا تزال تدفع بالمرأة إلى الهاوية في انهزامية نكدة للدعوات الغربية؛ لأن بجانبها رجل يكفيها مؤونة ذلك.

وللأسف ما يحصل اليوم لا يقتصر على فقدان برامج إعداد الرجال؛ بل حتى البرامج المتوفرة يتولى زمامها دعاة فلسفات غربية هدامة، بعيدة كل البعد عن نهج القرآن والسنة السوي القويم، فسبب ذلك خسائر أثخنت في جهود الإصلاح وارتفعت منحنيات المظالم الموجبة للفتنة والفشل والتفكك الأسري. ذلك أن تصدير رجل مضطرب بدون قواعد شرعية يزيد من أزمة الأسرة، ويسرع تصدعها وانهيارها، فلا شيء يحصن أركان الأسرة مثل الشريعة الربانية التي اترضى الله تعالى لعباده.

قال الرافعي: (وما مِن رجُلٍ قويّ الرجولةِ إلّا وأساسُه ديانتُه وكرامتُه).

من هنا، لا أزال أوجه النداء لكل من يحمل همّ هذه الأمة ولواء دعوات الإصلاح في ميادين المراغمة، لا تغفلوا عن صناعة الرجال المؤمنين حقًا، فما أوتينا إلا من هذا التضييع لأمانة صياغة رجال مسلمين قدوتهم الجيل المتفرد، واعلموا أن إصلاح الرجل؛ إصلاح لزوجته زوجاته وأبنائه وبناته، فهو الذي سيختزل علينا مسافات طويلة من السعي لتحقيق التغيير.

إذا كان رب البيت بالحق حاكما .. فشيمة أهل البيت الرشد

إن إصلاح الرجل يعني أن لا امرأة ستخرج من بيته متبرجة وعارية، وفي ذلك تطهير للمجتمع من مظاهر الانحلال والرذيلة. وإصلاح الرجل يعني أن لا امرأة عنده ستخرج للوظائف المختلطة في سبيل الدينار والدرهم، وهذا سيوفر توازنا في الأسر ويسترجع الرجل موقعه في البيت والعمل. وإصلاح الرجل يعني أن لا امرأة ستتأخر عن الزواج أو تعاني من العضل، وبذلك نتخلص من أحد أقسى أسباب العنوسة في بلاد المسلمين. وإصلاح الرجل يعني أن لا امرأة ستجاهر بالمعصية، وفي ذلك بركة الانضباط بالتقوى والحد من ارتفاع النماذج الهدامة والقدوات المتمردة على شريعة الله تعالى والمفسدة بلا هوادة. وإصلاح الرجل يعني أن لا امرأة ستسترجل أمام العدسات وتتحدى الرجولة، وفي ذلك إعادة لهيبة الرجولة في المجتمعات، والاستقامة وفق شريعة الله تعالى. وإصلاح الرجل يعني أن يتحول تركيز الرجال لمهماتهم الجليلة، وانشغال النساء بمهماتهم المتكاملة، وبذلك نحقق قفزة للأمام بدل أن نضع رهاناتنا كلها في كفة ونهمل الكفة الأخرى! ولا يتم الإصلاح إلا بتوازن الكفتين.

يقول محمد الخضر حسين في خلاصة مهيبة: (الرجل والمرأة كالبيت من الشعر ولا يحسن في البيت من الشعر أن يكون شطره محكما والآخر متخاذلا).

فلا يحسن أن نصلح طرفًا دون الآخر، ولا يحسن أن نضع طرفًا في وسط يهدم الآخر؛ بل لا بد من شمولية في الإصلاح. وإن أكبر سبب يؤخر عملية الإصلاح ويضعف نتائجها في زماننا، هو تفشي منهجية الاجتزاء والتطفيف في تناول القضايا الرئيسية، وهذا ينعكس على جميع ميادين الإصلاح بلا استثناء، بينما هي قضايا متصلة بمنظومة واحدة؛ إما نصلحها كلها أو لن تكفينا نتائج الإصلاح الجزئي في واقع متكامل الوظائف والأدوار.

فلا يمكن إصلاح طرف في منظومة الأسرة، وإهمال الطرف الآخر؛ لأن في ذلك نقض للغزل وتعريض لثمار الإنجاز للخطر. لا يمكن أن ننتظر من تعزيز العفاف والستر والحياء في النساء أن يحقق تغييرًا في المجتمعات بينما يفتقد الرجال للغيرة على المحارم ويستمر التواصي بالدياثة!

وإن كانت جهودنا في إصلاح المرأة مستمرة ومطلوبة بشدة؛ فإن التقصير المستمر بالمقابل في إصلاح الرجل سيكون له عواقب كارثية، وأول أماراته انتكاس النساء الصالحات أو اضطرارهن لتقديم التنازلات المؤذية.

تقول إحدى الفتيات المجتهدات في تحقيق صورة المرأة المسلمة القدوة: لا نجد رجلًا صالحًا يتقدم لأمثالنا، وأكثر الخطاب الذين يتقدمون لنا هم من غير أهل الصلاح، ممن يستحلون المجاهرة بالمعاصي، ويصبح الحديث عن مسألة الحجاب الشرعي مسألة متشددة، ومنع الاختلاط مسألة فيها نظر! ورفض العمل وحب القرار في البيت، نوع رجعية، وعدد ما شئت مما يتفطر له قلب المؤمنة.

فالصالحات اليوم بين سندان الواقع المحارب ومطرقة فقدان الرجل القوام؛ بل إن الكثير من الرجال الصالحين تجده يبحث بين غير الملتزمات بنية إصلاحها ولا يكلف نفسه البحث عن ملتزمة تعينه على أمر دينه ودنياه. وهذا مما ابتلينا به في زماننا، فتتأسس الأسرة على طرف هش! غير مدرك بعد لأهمية صلاح الطرفين في نجاح الأسرة المسلمة على حمل أمانة الإسلام في زمن الحرب على الإسلام.

وتتكرر المأساة في دورة للأسرة المضطربة والفاشلة في تحقيق الحد الأدنى من الاستقامة!

فالله الله في صناعة الرجال الأمناء والأقوياء، في توفير برامج لمحاضن الرجولة، في إحياء معاني الرجولة الحقيقية وفق منهج النبوة، لا نبتغي له تبديلًا.

الله الله في بناء أسر سوية مستنيرة بنور القرآن والسنة، قد عرفت مهمتها في الوجود وسابقت لأغلى هدف في هذه الحياة.

اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرًا رَشِيدًا، تُعِزُّ فِيهِ وَلِيَّكَ، وَتُذِلُّ فيه عَدُوَّكَ، وَيُعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَتِكَ.

هذا المقال نشر في مجلة أسنة الضياء العدد الثاني.

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x