السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال فضلا دكتورة، كلما أدخل قنوات الدعوة والتي تخاطب المرأة لا أجد إلا الخطاب الموجه للمتزوجات أو الداعي للزواج، وكأن كل الدعوة لا تخص إلا المتزوجات والزواج، وأنا ومعي الكثيرات لم يتزوجن ولا يمكنهن الزواج لأسباب كثيرة منها أن الأب يرفض لا يريد إلا نوع محدد من الرجال أو لأن النصيب لم يأت حتى لم يعد هناك فرصة، أو أن الأخت فشل زواجها وتطلقت ومعنا أرامل. فهل حياة المرأة تتوقف على الرجل فقط إذا وجد، وماذا تفعل النساء بدون أزواج؟ لو من كلمة بارك الله بك في هذا الشأن.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله ومرحبا بك.
في الواقع الخطاب الدعوي في الساحة تحكمه الأغلبية والأبرز، فأغلب المنابر تتناول الموضوع نفسه أو تركز على القضايا التي تشغل الساحة بشكل لافت، من تصدٍّ لعدوان النسوية ومحاولة لحفظ بنيان الأسرة وبالتالي المجتمعات في الأمة، فيصبح التركيز على المرأة المتزوجة والزواج يغلب على الخطاب الأكثر انتشارا من غيره، خاصة وأن المرأة والأسر أكثر ما يستهدف اليوم من أعداء الإسلام، ومع أن هذا لا يبرر إهمال بقية قضايا المرأة إلا أن الخطاب الذي ينطلق من التوحيد وترسيخ مفهوم العبودية لله تعالى هو يشمل كل النساء سواء المتزوجة أو الأيم أو العزباء.
والمرأة خلقت كما الرجل لعبادة الله تعالى،وما طاعتها لزوجها وبرها به إلا طاعة لله تعالى فإن انحرف وعصا الله فلا طاعة له، والسعادة هي في الرضا بما قسمه الله تعالى وكثير من المتزوجات غير سعيدات وكثير من العازبات غير سعيدات فكل واحدة لها نوع من الشكاوى الذي يرافق المرحلة التي تعيشها، ولكن أقول، لننظر في الخطاب القرآني كيف يعامل المرأة؟ كيف يعيدها لمرتبة العبودية لله تعالى لأشرف المنازل وأعظم الرتب ولا يؤثر كونها بدون زوج أو مع زوج ضال أبدا في مرتبتها في الجنة، من ذلك قصة مريم أم عيسى عليه السلام عاشت بدون زوج وهي صديقة، وفي الجنة في مرتبة مع الأنبياء والصديقين، ففقد الزوج لم يحرمها هذه المرتبة، وكذلك آسيا، كانت زوجة أطغى طغاة الأرض، فرعون، إمام الكفر والطغيان، ومع ذلك لم يؤثر ذلك أبدا في مرتبتها سيدة من نساء العامين، وقد عاشت الفقد لملزوج في حياتها بل تأذت منه أشد الأذى، ومع ذلك بقيت مسابقة بفضل إخلاصها التوحيد لله تعالى، قال قتادة:”كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله-تعالى-حكم عدل لايؤاخذ أحدا إلا بذنبه”.
وقد جاء في بعض الأحاديث ما يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة كلا من مريم أم عيسى عليه السلام، وآسية زوجة فرعون، وكلثوم أخت موسى عليه السلام. وإن كانت جميع هذه الأحاديث في أسانيدها نظر كما قال ابن كثير رحمه الله إلا أن مرتبة سيدة نساء العالمين مرتبة جليلة بلا شك.
والذكية لا تفكر إلا في كيف تنجو من النار وتصل لأعلى مراتب الجنة ولا يكون ذلك إلا بتحقيق التوحيد وكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله بكامل معانيها، وبالعيش لأجل أن تلقى الله راضٍ عنها فيوفيها أجرها مضاعفا، ولا تحسبن الفقد للأنفس بدون ثمن، بل له أجر عظيم، فالعيش في مكابدة للدنيا بدون سند وسكن، له بإذن الله لمن احتسبت وأحسنت العمل الأجر المضاعف. قال سبحانه (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وفي هذه اللحظات من المؤمنات الموقنات من تسابق لا يهمها وضعها ولا ظرفها ولا فقدها، هي تسابق في كل الظروف التي وجدت نفسها فيها، لأنها تبصر في الأفق منازل الخالدين، ويحدوها قول الله تعالى (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍوَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) فهي تعلم أنها مجرد محطة واحدة – هي الأهم – وتنتقل من الحياة الدنيا الفانية إلى حياة أخرى هي الأهم والأولى.
والفرصة في أيديكن الآن، من أعمال صالحة ومشاريع مباركة، وسد للثغور بما يرضي الله تعالى ويتناسب وفطرتكن، والله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينسى أحدا، فأحسن الظن بالله تعالى. واستعن بالصبر والصلاة.
وأياكن والتسخط أو الشعور بدونية أو نقص، لعدم الزواج، بل المقياس “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ثم ما يدريك لو أنك تزوجت لكنت خسرت الكثيرة من أسباب علو الهمة أو ابتليت برجل يشغلك عن المسابقة لله بسفاسف الأمور وفتن الدنيا، فالزواج قدر ورزق وامتحان وليس كل زواج فضل، فكثيرا ما نسمع عن قصص النساء اللاتي تعاني من زوج لا يخاف الله أو التي فتنها بالدنيا فنسيت أنها فانية. لذلك إن كانت مشيئة الله تعالى في أن لا تتزوجي فالرضا التام بمشيئة الله تعالى، هو تمام الفقه والبصيرة. فهو الحكيم الخبير سبحانه. وكم من امرأة كانت العزوبية لها خير من الزواج، في دينها وآخرتها، حين ثبتت على سبيل الاستقامة محتسبة.
وكنت قد تناولت الحديث عنكن في كتابي “إليك أنت” فأرجو الرجوع إليه حيث خصصت فصلا كاملا لكن، وأسأل الله أن يثبتكن في سبيل المؤمنين ويعوضكن خيرا كثيرا في الدنيا والآخرة.
فما يفقد في الدنيا له بديل فيها لمن تدبرت في حكم الله العظيمة، كصحبة القرآن وصحبة العمل الصالح، وبقاء القلب معلقا بما عند الله فهو خير وأبقى. ثم ما لا تعرفه إلا من بلغت مراتب الإيمان السامقة. والله ذو الفضل العظيم.
ولا تنظرن للدنيا من خلال ما ينظر لها الناس، بل انظرن لها كما كان ينظر لها السابقون الأولون الذين لم يشغلهم زواج ولا ذرية عن خدمة دين الله ونشر رسالته، فقضوا نحبهم في عمل وجهاد وشهادة. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ). وقال جل جلاله (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).
وفضل الله عظيم يؤتيه من يشاء سبحانه، فاسألن الله من فضله وكن قمما ونماذج يقتدى بها في الصلاح والاستقامة، منارات شامخة، تمثلن الإسلام أفضل تمثيل بتقواكن وعفتكن وحيائكن وكل خلق جميل.
وما نبنيه في هذه الدنيا هو في الواقع ما نبنيه للآخرة، والله أرحم بكن من كل أحد. خبير بصير بكن وبعباده جميعا سبحانه له الأمر والحكم.
وأنصحكن بقيام الليل وصحبة الذكر فهي خير أنيس وخير صاحب في الطريق، والقلوب العامرة بحب الله تعالى تستغني عن كل البشر، وكل شيء، قال ابن القيم رحمه الله:”فمن طلب الله بصدقٍ وجده، ومن وجده أغناه وجودُه عن كلِّ شئ”، [طريق الهجرتين 95]، نعم حب الله تعالى وحده يكفيكن، ويغنيكن عن كل شيء فاسعين له واجتهدن في نيله لأن الشيء الوحيد الذي يستحق أن نغبط الناس عليه هو مراتبهم في الجنة ولا ننالها دون نيل محبة الله جل في علاه، وأنصحكن بمقالة حب الله جل جلاله ومقالة الخشوع روح لا بد منها. ففيهما فوائد مهمة لمسيرة في نعيم الإيمان ولذة الذكر. وما أعظم لطف الله سبحانه!
وأعيذكن من فتن الدنيا ومن كل استدراج لخطوات الشيطان، فصيانة النفس في زماننا أهم ما يجب أن يشغل النساء، فلا تضعفن ولا يستدرجكن الشيطان لسبل الضلال ونقض الغزل، فوالله ما عند الله خير من الدنيا وما فيها، ويا ليتكن تواظبن على حفظ كتاب الله ومدارسته والتعلم منه فهو بوابة الفتوحات لمن صدقت. وأشدد كل مرة وألف مرة على كل امرأة مسلمة وفتاة .. يا أمة الله صوني نفسك! وإياك ان يفتنك أحد عن سبيل المسابقة لنيل مرضاة الله تعالى.
وأذكركن أن البيعة مع الله تعالى ولن يرضى عنكن أحد ولن ينفعكن رضاه إلا إذا رضي الله تعالى عنكن، فليرضى الله وليسخط كل الناس.
أنتن في جهاد في هذه الدنيا، فاثبتن حتى يأذن الله لهذه الأرواح أن تصعد وترجع لمنازلها الأولى في الجنة، فلا يدخلها عزباء، ستجدن أزواجا رائعين، يحبهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم! فهلا كانت الهمم عالية والمطالب جليلة، هلا جعلتن الاجتهاد لتكن أهلا للزواج من خيرة عباد الله في الجنة؟ وما يدريكن أن بفضل الله تكون الواحدة زوجة رجل لم تكن لتحلم بمثله في الدنيا.
يقول ابن القيم رحمه الله:
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن العدو إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم
واعلمن أن كل من يدخل الجنة يكون في غاية الحسن، والجمال، وأن التفاوت في ذلك يكون باعتبار الدرجة، والمنزلة، وبحسب الإيمان، والعمل الصالح، فكل تفاصيل الدنيا الشكلية تتلاشى ولا يبقى إلا العمل الصالح يرفع صاحبته!
ففي الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول زمرة يدخلون الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل.
قال العراقي في طرح التثريب: ثم هم بعد ذلك منازل، أي إن درجاتهم في إشراق اللون متفاوتة بحسب علو درجاتهم، وتفاوت فضلهم. اهـ.
وفي منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: “معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يصف لنا أهل الجنة جميعًا بالحسن، والجمال، وأنهم يتفاوتون في ذلك حسب درجاتهم، وأعمالهم، فأول طائفة تدخل الجنة كالقمر ليلة الرابعٍ عشر حين تكمل استدارته، ويتم نوره، فيكون أكثر إشراقًا، وأعظم حسنًا، وبهاءً، وفي رواية: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر ـ أما الطائفة الثانية: فإنها تشبه في صورتها أقوى الكواكب نورًا، وضياءً”.
أحسن الظن بالله فعند الله عباد كثير، وهو الخبير البصير بخيرهم وأنسبهم أزواجا لكن إن لم يكتب لكن زواجا في الدنيا تقر به أعينكن.
وفي الجنة، تمام الكمال والكمال، بلا كدر ولا ألم ولا نقصان. وكل نفس مؤمنة تسكن وتستقر وتسعد.
ولمثل مراتب الجنة العالية يهون كل فقد، ولا شك أن فقد الزوج والسكن في الدنيا ابتلاء عظيم لكن احتسابه فقه وبصيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى ، ومَن سخِط فله السَّخطُ) صحيح الترمذي.
ومرتبة المرأة في الجنة بما جاهدت في حياتها وصبرت، فيرفع الله درجتها ويجزل لها الثواب ويبلغها مراتب الشهداء بحسب صدقها وإخلاصها، قال تعالى (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
(وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).
فهل بقي بعد هذا الحديث إلا العمل والمسابقة لنيل محبة الله ورضوانه وقبوله ومراتب النجباء!
اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم جل جلالك (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا). وقلت فيهم سبحانك (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
كلام يريح القلب جُزيتي خيراً دكتورة