السلام علیکم
ماذا أفعل في قسوة قلبي اتجاه والدي خاصة والدتي.. أنا والله أبرهما قدر المستطاع وأساعد في المنزل لكن لا أشعر بالحب والاهتمام اتجاهما، أشعر وكأنني أفعل ذلك فقط لكسب الحسنات ورضا الله وليس حبًا فيهما، وحاولت أن أغير من نفسي وأحبهما لكن لا جدوى.. وعندما أرى كيف يتعامل أصدقائي مع أمهاتهم بحب وتحكي الفتاة لأمها كل شيء وتعانقها وتقبلها وأنا لا أفعل ذلك مع أمي ولا أجد في قلبي تلك اللهفة والحب أتحسر وأبكي وأعلم أن الخطأ بالتأكيد في، لكن لا أعلم ماذا أفعل..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حسنا، هنا حالة تتكرر في واقعنا وهي لم تأت من فراغ، ومن فضل الله على السائل أنه يجاهد نفسه على بر الوالدين خشية من الله تعالى ورجاء الأجر، وهذا من عظمة الإسلام، فالحقوق محفوظة لا تعتمد على المشاعر بل على الواجبات، وعلى الخشية والرجاء.
بداية: الله سبحانه لا يحاسبك على مشاعرك بل أفعالك.
فالمحبة والاطمئنان والاهتمام مشاعر وأرزاق، لا يمكننا أن نجبر الابن على ذلك، وهي تجعل من صناعة البر بالوالدين ثقيلة، وله أجرها بقدر المشقة فيها والمجاهدة لنفسه.
ثانيا: هذا الجفاء له أسباب وعوامل هي التي صنعته، وفي مقدمتها، خلل في التربية، بوجود مسافة بين الأبناء والآباء، مسافة باردة!
حين ينشغل الآباء بتربية الأنباء على أساس التلقين والتوجيه ويهملون جانب النفس، والإشباع العاطفي والرحمة والمحبة، وما يصنع الود والثقة، فهذا خلل في الميزان، وتصبح العلاقة طاعة واستجابة بدون استفادة من مشاعر الأبوة وحنان الأمومة وما تتطلبه علاقة أسرية سوية! إهمال هذا الجانب يصنع الجفاء!
ليس دائما هذه الحال، بل هناك أيضا الذكريات السيئة والمعاملات القاسية التي يصعب تجاوزها، فالخذلان والظلم وسوء المعاملة، وغيره، تحفر في النفس ومع استمرارها وتراكمها وإهمال علاجها، يتشكل لنا جفاء يصعب علاجه بين يوم وليلة!
ثم هناك عامل آخر، وهو التصورات الخاطئة وسوء الظن بالآباء.
ويرجع لسوء قراءة نفسيات الآباء وبناء الابن تصوراته وأفكاره وأحكامه عن أبويه، على الوهم والتشويش والمعطيات الناقصة وغيره، فتتشوه صورة الوالدين في عينه، ويضعف حبل المودة ويتشكل الجفاء!
ليس هذا فقط! بل أيضا المعاملة غير العادلة بين الأبناء، وتفضيل أحدهم على الآخرين وإيغار الصدور بغفلة!
ويصنع الجفاء مع الأبناء، افتقاد أدب الشكر والتحفيز والتشجيع، يقدم الابن لوالديه ولا يسمع كلمة من الدعاء بالخير! بل قد يسمع ما يجرحه ويؤذيه! وما يشعره أنه مهما قدم فهو غير بار، مع الوقت يصنع هذا الشعور برودا، في القلب واليد!
تعددت الأسباب، ولاشك أن الجفاء له عوامل تصنعه، والوقاية خير من العلاج.
لذلك تفادي هذه الأخطاء في التربية، وقاية، وأما العلاج، فيكون بخطوة للأمام من الابن نحو أمه وأبيه، خطوة قراءة الأب والأم كإنسان وليس كقدوة ومثال أو سلطة ومكانة. حين ينظر الابن لهما كإنسان، تتلاشى تلك التحاملات والتركمات النفسبة التي أثقلت قلبه من تصرفاتهما أو تعاملاتهما غير المرضية له.
سيضع نفسه مكانهما ويدرك أنهما بشر، يخطئان ويتعثران ويضعفان ولكنهما في الأخير والدان!
تساعد هذه النظرة في إخفات صوت الحاجة منهما، والاستيعاب لهما، والاعتدال في المشاعر. ثم يكون الحديث المختلف عما عهده معهما، كأن يتوجه بالحديث عن ذكرياته في الطفولة بتوجيه أسئلة تعطيه إجابات عن طفولته.
ليستخرج من ذاكرتهما مواقف طريقة، جميلة محببة، لا يمكن أن تخلو منها علاقة ابن مع والديه! فقد ربياه صغيرا. وليحاول أن يتودد بطريقة مختلفة، ليبحث عما يسعدهما وليفعله بنية إدخال السرور عليهما، في مقدمة ذلك الهدايا، والرحلات والمفاجآت التي تثير اهتمامهما، لينعم ببركة “تهادوا تحابوا”.
وعليه أن يحفظ كل هذه الجهود بالدعاء، فالله سبحانه يغير حال القلوب من حال إلى حال في طرفة عين وانتباهتها، وكل الأمر بيده جل جلاله، فبر الوالدين ليس عبادة جافة، بل عبادة تدفعها مشاعر إنسانية نبيلة تتطلب العناية والحفظ بمراعاة ضعف الإنسان وحاجاته، وسعة إحاطته وفقهه.
ولعل من أكثر ما يعينه على ذلك هو الاشتراك في الطاعات والعمل الصالح، كالصلاة جماعة، والاشتراك في صدقات أو عمرة او اقتراح مشاريع عمل صالح يتشاركون فيها معا، سيكون لذلك بركة عجيبة على العلاقات، ذلك أن العلاقات التي بنيت لله وكما يحب الله واجتمعت لمرضاة الله تنال بركة “الحب في الله”.
نحن بحاجة ماسة لاستدراك أخطاء التربية، وسد القصور الذي يعاني منه هذا الثغر كثيرا، نحن بحاجة لضخ الكثير من العلم والوعي والفقه في باب الأسرة والعلاقات الأسرية، لإصلاح أهم خلية في المجتمع. فلا يبخلن أحد في المساهمة في ذلك نشرا للعلم ومبادرة للعمل، يرجو الإصلاح ما استطاع والله الموفق.