إلى أولئك الذين اختاروا طريق الالتزام فاصطدموا بمعارضة أقرب الناس إليهم! هذا جهادكم اليوم، فقد عارض دعوة النبي ﷺ أقرب الناس إليه من قبيلته وبلده، وتلقى العروض المغرية ليتراجع ويتنازل ثم الحصار والعدوان، فلم يزدد إلا ثباتا ﷺ ليعلمنا الدروس الجليلة.
فاصبروا كما صبر ﷺ فإن العاقبة للمتقين.
إعظام التوكل على الله جل جلاله والاستعانة به سبحانه، عبادة ترابط عليها القلوب التي هاجرت لربها. فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم! ومن كان الله مولاه فمن يجرؤ على هزيمته أو أذيته! والله ما خاب ظن متوكل على ربه! (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) مفتاح من مفاتيح النصر والفوز.
في هذا الزمان أشد ما يجب أن تحرص عليه الذكر “لا إله إلا الله”، و”الاستغفار” و”لا حول ولا قوة إلا بالله” و”الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم”. وكل ذكر يحيي قلبك وتشد به أزرك وتثبت به أقدامك! وبحسب درجة تعظيمك ومحبتك لله تنال من الفتوحات والمعية والتوفيق! إنها حقائق يعرفها المؤمنون.
حدثوا الناس عن حب الله ورسوله ﷺ! حدثوهم عن اليقين وحقائق الإيمان ماذا تفعل بالقلب! حدثوهم عن سعادة المؤمن، عن سكينة قلبه، حدثوهم عن قوته وجماله! فقد حاربت الدنيا فيهم كل إحساس وذوق سليم! وسلبتهم جوهر الحياة مع كمّ التضليل الذي تضخه مصادر الباطل.. يكفي أن نبقي نور الإيمان ليتلاشى الظلام!
المسلم في صراع الحق والباطل لا يكون إلا مهاجرا أو أنصاريا ! تلك النماذج البشرية المهيبة هي مدرسة العطاء التي لا تُبارى! احفظوا سيرهم تطبعوا بطباعهم تعلموا منهم كل أمانة وصدق كل وفاء وخلق! أولئك السابقون الأولون على خطاهم نمضي، مهما اشتدت العقبات وتوالت النكبات، وبلغت القلوب الحناجر! ربح البيع.
أعد نفسك لتلك اللحظة التي تجتمع فيها بجموع المسابقين في الله في جنات الخلد! حين تلحق بهم وقد بذلت قصارى جهدك في الصدق والمجاهدة كما يحب الله ويرضى وأنت متوكلا عليه مستعينا به محسنا الظن به جل جلاله!
لقد جعل الله ذلك الرباط الوثيق بين المؤمنين لحكمة عظيمة، فأنت تبصره في كل آية وسنة من سنن الله جل جلاله، تبصره في قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقوله سبحانه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقوله جل في علاه (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) وقوله عز وجل (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ومواقف السيرة والتاريخ وكل فضل ناله المؤمنون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وهذا الرباط هو الأجل والأعظم من كل رباط دم ووطن! إنه رباط العقيدة والإيمان والتوحيد، رباط الولاء للمؤمنين.
وهذا جوهر البنيان المرصوص، فالمؤمن، يشد المؤمن، ويبني معه وحدة مهيبة من الولاء لله ورسوله والمؤمنين والبراءة من الكفر والشرك وأعداء الدين.
فاحفظوا هذه الوحدة في كل كلماتكم وأعمالكم، ليباركها الله فتنعكس خلافة على وجه الأرض، تداوي جراحات نزفت كثيرا، وتغيظ الظالمين والمنافقين كثيرا.
إن هذا الدين العظيم جاء ليعلم البشرية العبودية لله، وما دمنا نعبد الله كما أمرنا ونتبع نهج نبيه صلى الله عليه وسلم، سنبصر آيات الله وسننه في الأرض تنصرنا وتبلغنا الأماني السامقة، فسبحانه لا يعجزه أمر!.
أيها الناس لننشر الإيمان بيننا، للنشر اليقين ومحبة الدين، لننشر ما يقوي القلوب فإن معاركنا في هذه الدنيا أساس النصر فيها تلك القلوب السليمة الخاشعة لربها والمنيبة إليه سبحانه، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”؛ متفق عليه.
ولو اجتمعت جميع قوى الأرض على كسر هذا الرباط الوثيق بين المؤمنين لعجزت أمامه مهما تباعدت المسافات واشتدت العقبات وعلا صوت الباطل، سيبقى هذا الرباط هو نواة خلافة آخر الزمان، وسيتحقق معه كل أحلام المسلمين وكل آمالهم وستتحطم عليه كل المؤامرات الخبيثة وكل مكر كبار.
احفظوا إيمانكم واحفظوا ولاءكم، والله يفتح بيننا وبين القوم الظالمين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم :”إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسْألُوا اللهَ تعالَى أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ”. (صحيح الجامع).
ليكن دأبنا “لنؤمن ساعة” فقد روى البخاري في صحيحه معلقا، فقال: “وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَل: اجْلِسْ بِنَا نؤمن سَاعَةً”.. يَعْنِي: نَذْكُرُ اللَّهَ.
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أنه كان يَأْخُذُ بِيَدِ النَّفَرِ من أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: “تَعَالَوْا نُؤْمِنُ سَاعَةً، تَعَالَوْا فَلْنَذْكُرِ اللَّهَ وَنَزْدَدْ إِيمَانًا، تَعَالَوْا نَذْكُرُهُ بِطَاعَتِهِ لَعَلَّهُ يَذْكُرُنَا بِمَغْفِرَتِه”.
وروى البيهقي في “شُعب الإيمان” من طريق عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ: تَعَالَ حَتَّى نُؤْمِنَ سَاعَةً. قَالَ: أَوَلَسْنَا بِمُؤْمِنَيْنِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّا نَذْكُرُ اللهَ فَنَزْدَادُ إِيمَانًا.
قال ابن رجب: وقد رُوي مثله عن طائفة مِن الصحابة، فَرَوى زبيد، عن زر بن حبيش قال: كان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه: “هَلِمّوا نَزداد إيمانا، فيذكرون الله”.
قال تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ).
روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال: “ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين.
من هنا البداية ثم حدثني عن بركات العمل بالإيمان ..
فاللهم جدد الإيمان في قلوبنا واجمعنا عليه وبه وانصرنا كما نصرت المؤمنين في كل عصر وزمان.