النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

لماذا الاتفاق هزيمة للتحالف الصهيوصليبي ونصر يقطر دما لغزة؟

المحتوى أخفي

تساءل البعض لماذا وصفت ما يجري في غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار “بنصر يقطر دما”، وبين موافق على الوصف، وبين معارض له بحذر، ظهرت شريحة ممن لا يحفظون لمسلم شرفا، تهكما وتحقيرا وسخرية، وطعنا في الدين والعقيدة.

وبعيدا عن هذه المهاترات الصبيانية المراهقة التي ابتليت بها الساحة وكشفت لنا حجم التخلف العقدي والخلقي بين من يزعمون نصرة الإسلام وحمل همّ الأمة المسلمة، سأتحدث في هذا المقال بلغة الحرب والقوانين العسكرية، وتقييم معركة غزة. وهي أمانة، لله وحده لا شريك له وليس لتقديم تبريرات لمن لا يحسن القراءة فضلا عن الإنصاف، لشدة تبلد مشاعره وغلبة هواه وأحقاده. بل لضعف تقواه وخشيته التي تفضحه في مقامات الاصطدام بالحقائق.

فبل غزو الاحتلال اليهودي لغزة

image 3

قبل غزو الاحتلال لغزة بأيام، قال الجنرال الأمريكي، ديفيد بترايوس، في حديثه لبودكاست باور بلاي لصحيفة بوليتيكو، أنه في حال أقدم الاحتلال الإسرائيلي على هجوم عسكري بري على قطاع غزة فإنه “سيستمر لسنوات وينطوي على قتال مروع”.

بترايوس شغل منصب جنرال كبير في كل من حربي العراق وأفغانستان، وتحدث بحصيلة خبراته في الحروب في العالم الإسلامي. ولذلك حذر المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية من أن متابعة حملة القصف التي يشنها الجيش الإسرائيلي بغزو بري “يمكن أن تكون مقديشو بتأثير المنشطات بسرعة كبيرة”، وهو يشير بذلك إلى أحداث الصومال في عام (1993م) حين أسقط الثوار الصوماليون طائرات هليكوبتر أمريكية من طراز بلاك هوك في العاصمة مقديشو، أعقبها قتال شرس في المناطق الحضرية، سحل فيه الجنود الأمريكيون تحت وقع الإهانات والإذلال من الصوماليين، بينما كانت القوات الأمريكية تكافح لإنقاذ الناجين من قواتها.

وقال بترايوس: “إذا كانوا (المقاومة الفلسطينية) مبدعين في الدفاع كما كانوا في ذلك الهجوم المروع والهمجي الذي لا يوصف، فسترى انتحاريين، وسترى عبوات ناسفة، وستكون هناك كمائن وشراك خداعية، والبيئة الحضرية، مرة أخرى، لا يمكن أن تكون أكثر تحديا”.

وقال بترايوس إن “تجربته الشخصية في إدارة الجيوش المشاركة في حملات وحشية لمكافحة التمرد يجب أن تكون بمثابة تحذير للجيش الإسرائيلي إذا استمر في غزو بري”.

وقال بترايوس: “من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل بيئة أكثر صعوبة من هذا المكان بالذات، وكنت أحد الذين قادوا القوات في عدد من العمليات الحضرية الكبرى”.

“أنت لا تفوز بمكافحة التمرد في عام أو عامين. وعادة ما تستغرق عقدا أو أكثر، كما رأينا في العراق، وكما رأينا في أفغانستان”.

إلى هنا نفهم أن تقييم الجنرال الأمريكي قبيل غزو الاحتلال بُني على معرفة بساحات التمرد والقتال، وتحذيره من مستنقع غزة لم يكن لأنه يهول من الأمر، أو يقرأ بعاطفة وسذاجة، ولا بضحك على الذقون! بل لأنه يعرف جيدا معنى التوغل في ميدان حرب عصابات لمن لم يبق له شيئا يخسره.

ثم إن المتابع لحرب غزة يذكر جيدا تصريحان ترددا بشكل متواتر طيلة فترة الحرب: “لا حل كاملا لجيوب المقاومة في غزة”، و”لا يوجد حل عسكري بشأن مصير حماس”، الأول لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، والآخر لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، هذان التصريحان كانا عودة وتأكيدا لتصريحات بترايوس الآنفة!

دوافع الغزو الصهيوصليبي لغزة

من المهم التشديد على أن الحملة التي شنها اليهود لم تكن حملة منفردة غير متصلة بتخطيط وتمويل وتسليح وتوجيه وإدارة أمريكية غربية متفانية، فنحن نتحدت عن غزو يقوده تحالف صهيوصليبي متكامل الانسجام بأهدافه العقدية والعسكرية والجيوسياسية. وبالتالي أي حديث في هذا المقال فهو لا يتحدث عن المعسكر اليهودي منفردا بل عن المعسكر الصهيو صليبي بكل ما يلحقه من أذناب المنافقين والعملاء والصهاينة العرب.

نحن نتحدث عن محطة جديدة للحرب على الإسلام في غزة، وهي حرب عالمية ممتدة تتخذ أشكالا مختلفة وأساليب واستراتيجيات متغيرة إلا أنها في جوهرها وأهدافها، هي الحرب على الإسلام. ولو برز في الصراع في مرحلة ما، جماعة بعينها أو تعلق الخطاب الغربي بإرهاب جماعة محددة. التشخيص العام لما يجري، لا يخرج عن نطاق تداعي الأمم وحرب التحالفات الكافرة على الأمة المسلمة والسعي لتمكين الطغاة والمحتلين في العالم الإسلامي لمنع أي فرصة للاستقلالية والتحرر للمسلمين. فجميع الجماعات في الواقع بغض النظر عن أخطائها واختلافاتها استجابة لحالة القهر التي تعيشها الأمة.

وبهذا الدافع تحديدا انطلق الغزو الصهيوصليبي لغزة، لاحتلالها، وتدمير مقاومتها وفرصها في الاستقلال عن إدارة تل أبيب وواشنطن.

أما الدافع الثاني فهو إرجاع هيبة الاحتلال الذي تمرغ أنفه في هجوم السابع من أكتوبر، وكشف عن تخبطه ونقاط ضعف منظومته الأمنية التي يتفاخر بها. وتدفع كل ذلك بلا شك، شهوة التمدد وإقامة “دولة إسرائيل الكبرى” التي ورد ذكرها بشكل صريح خلال فصول الحرب على غزة. ولعل أعمق من ذلك، كسر جرأة القتال والجهاد وإظهار التمرد على الوهن في المنطقة برمتها. وصناعة الانهزامية في النفوس: هذا مصير من يجاهدنا فإياك أن تغتر أو تجاهد!

ما هي أهداف الاحتلال اليهودي في هذه الحرب؟

منذ أول خطاب له بعد صدمة السابع من أكتوبر حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو هدفين رئيسيين لحربه التي أعلنها، وهما:

  •    محو كل وجود لحركة حماس في القطاع.
  •     الإفراج عن المحتجزين لديها.

ويتوسع محللون في أهداف الاحتلال من الحرب، متحدثين عن 4، وهي:

  • القضاء على قيادة حركة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة.
  • تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية.
  • تحرير الأسرى الإسرائيليين.
  • تهجير سكان غزة إلى سيناء.

وصبت قوات الاحتلال نيران حنقها وأحقادها على القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عاما، فسطرت مجازر يشيب لهولها الولدان وتسببت في حجم دمار وقتل وترويع بلغ حد الإبادة الجماعية المكتملة الأركان.

لكن مع استمرار التدافع وعجز الاحتلال عن إخماد صوت العمليات العسكرية، تراجعت مطالبه تدريجيا وبهدوء، وأُعلن عن هدف آخر هو تغيير السلطة الحاكمة في غزة وإبعاد حماس عنها وليس القضاء عليها تماما وهو ما وصلت له الاستراتيجية الأمريكية في الحرب على الإرهاب، القناعة التامة باستحالة القضاء على الجماعات الإسلامية المقاتلة المتمردة عليها، واستبدلت بذلك استراتيجيتها في القضاء على هذه الجماعات إلى استراتيجية “احتواء” هذه الجماعات أي منع توسع نفوذها وتمكنها وتمددها في الخريطة، وهو ما وصلت له قيادة الاحتلال في حرب غزة بعد رؤيتها لصعوبة الميدان وتحدياته. وهذه نتيجة تتكرر مع كل ميدان حرب عصابات بشكل عام في التاريخ.

نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير قوله إن “هدف الجيش الإسرائيلي الرئيسي هو تدمير هيكل قيادة حماس في غزة، وبمجرد تحقيق ذلك فإن أفراد الحركة سيشكلون تهديدا أقل ويمكن هزيمتهم مع تطور الصراع من مرحلة القتال العنيف إلى مرحلة أقل حدة”.

وقالت صحيفة “واشنطن بوست” نقلا عن مصادر مطلعة أن وجهة نظر واشنطن وكثير من قادة الجيش الإسرائيلي هي أن :”إسرائيل” بعيدة عن هزيمة حركة حماس.

والأكثر صراحة كان تصريح صحيفة “نيويورك تايمز” التي نقلت قول قادة عسكريين إسرائيليين تأكيدهم أن هدفي الحرب -وهما استعادة الأسرى وتدمير حماس- بات مستحيلا تحقيقهما معا، مؤكدين أن المعركة الطويلة الأمد اللازمة لتدمير حماس ستكلف على الأرجح حياة الأسرى، ومشيرين إلى أن استعادتهم ممكنة فقط من خلال الوسائل الدبلوماسية لا العسكرية.

الدبلوماسية لا العسكرية!

وقال هؤلاء القادة الإسرائيليون إن معارك غزة عرقلتها بنية حماس التحتية الأكثر تطورا مما ظنته المخابرات الإسرائيلية، معربين عن خشيتهم من أن يؤدي طول الحملة على غزة من دون خطة لما بعد الحرب إلى تآكل دعم من تبقى من الحلفاء.

ونقلت “يديعوت أحرونوت” أن قوات الاحتلال فوجئت بأن حجم الشبكة أكبر بنحو 600% عما كانت تتوقع.

وبكلمات واضحة، تقول صحيفة هآرتس “من العسير رؤية طريق واضح لنصر عسكري حاسم لإسرائيل”.

نحن هنا نتحدث عن أهداف الاحتلال التي بدأ بها حملته وعن اعترافه بعجزه عن تحقيقها خلال حملته على غزة، ولا نتحدث بلسان الغرور ولا التدليس والكذب، هذه كلماتهم ننقلها بدون إنقاص أو زيادة!

وطول الحرب، والفشل في تحقيق أهدافها بعيدا عن التدمير وتفريغ الأحقاد وحقيقة (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) تسبب كله في أزمة داخلية عميقة، فاشتدت معارك اليهود بينهم (بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)، وظهرت ملامحها على العام، مع ارتفاع الخسائر وارتفاع تكاليف الحرب، ثم انكشاف الأزمة الأخلاقية التي بلغ صداها أمريكا والشعوب الغربية وهكذا أصبح كل يوم يطول بدون تحقيق أهداف الحرب المعلنة، يعني خسارة الاحتلال لهيبته أمام العالم.

ولا يختلف متابعان من أن المقاومة الفلسطينية لا تزال متماسكة تنظيميا، وقدراتها العسكرية لا تزال قائمة، بعيدا عن أخطاء الجماعة والمآخذ عليها وخسائرها الميدانية. هذه حقيقة لا ننكرها.

والسؤال  الآن: هل تمكنت حملة الاحتلال الدموية الوحشية من إيقاف العمليات العسكرية للمقاومة؟

الصادق المنصف يعلم أن العمليات استمرت لآخر لحظة من توقيع الاتفاق! كما يشهد على خيبة الاحتلال في بيت حانون وجباليا والشجاعية وغيرها من محطات أعجزت الاحتلال في القطاع! ويدرك أن بترايوس كان أكثر معرفة بواقع غزة من كثير من المنظرين الذين يتفننون في غمط الحقوق وبخسها، بتأثير دعاوى التعصب والحزبيات التي تسببت في حجم بلادة وظلم وتضييع للفرص في سنة تدافع خطيرة، لا يقل عن ظلم الأعداء لأمة الإسلام. أو بدافع الانهزامية والوهن الذي يتستر بالمبررات المخادعة! إلا من رحم ربي!

مع التنبيه إلى أن القيادة اليهودية افترضت أن تنتهي المعركة خلال أسابيع على الأغلب بتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية المعلنة منذ إطلاق حربها، إلا أن المستنقع في غزة على تعقيدات موقعه الجغرافي، لم يكن يختلف عن مستنقع أفغانستان والعراق!

شعب ومقاومة وجماعات جهادية تريد طرد المحتل، قصة تتكرر في محور التاريخ!

ما كانت تداعيات طول الحرب واستمرار الدمار بلا نتائج ملموسة من حيث تحقيق أهداف الحرب؟

  • الانقسام السياسي الحاد داخل النخبة الحاكمة للاحتلال، سواء الائتلاف الحكومي أو مجلس الحرب؛ ولا يخفى الخلاف بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، ووقع بالفعل تفرق في الرؤى والتقييمات بين القيادتين السياسية والعسكرية.
  • الانقسام داخل النخبة الحاكمة، انعكس بدوره على انقسام حاد في الرأي العام الداخلي للمستوطنين واليهود، بين من يشجع تصريحات وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، لمزيد من الضرب والقتل والتدمير والتلذذ بمشاهد الإبادة في غزة، وبين من يطالب بخيار التفاوض من أجل إنقاذ الأسرى. ووضع نهاية للحرب المرهقة.
  • تعثرت وفشلت مخططات تهجير سكان غزة وفق خطة الجنرالات والتهجير لسيناء بفضل تمسك أهل غزة بأرضهم ورفضهم الخروج منها ولو كان في ذلك مقتلهم.
  • الضغط الشعبي في العالم، وفشل الإعلام الغربي في كسب المعركة الإعلامية، فقد انقلب الملايين على “إسرائيل” وطالبوا بمحاكمتها على جرائمها، وأضحت المطالب تصل للمحاكم الدولية والتهم بالإبادة تلاحق القادة اليهود والأمريكان على حد سواء. ولأول مرة في التاريخ يطالب قادة الاحتلال للقضاء الدولي كمجرمي حرب!
  • رافق ذلك تراجع الدعم الدولي للاحتلال مع ارتفاع نبرة النقد اللاذع للاحتلال من جنوب أفريقيا وإسبانيا وأيرلندا، وحتى فرنسا الموالية بتفانٍ للحروب على المسلمين، أضحت تنادي بوقف إطلاق النار.

أكبر خسائر غزة؟

image 4

استمرت الحرب لأكثر من سنة كاملة، أخرج فيها الاحتلال الصهيوصليبي جمّ غضبه وحقده وخبثه وكل وسائله في التطهير العرقي، فكان الثمن باهظا في الأرواح والأملاك والمصالح وكل ما يتصل بالعيش في القطاع، وارتفع عدد القتلى بشكل أكبر بكثير مما تعلنه الإحصاءات “الخجولة” التي تعتمد فقط على ما تم عده من قتلى وليس من بقي تحت الأنقاض واختفى خبره!

وأظهرت دراسة دولية حديثه أن العدد الحقيقي للضحايا الذين سقطوا بشكل مباشر نتيجة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أكبر من الإحصاء الفلسطيني الرسمي بنحو 41% حتى منتصف (عام 2024م) في ظل انهيار البنية التحتية للرعاية الصحية في القطاع الفلسطيني.

سعى الباحثون لتقييم عدد الضحايا جراء الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية في غزة خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب من أكتوبر 2023 وحتى نهاية يونيو 2024م. وقدرت الدراسة عدد الضحايا نتيجة التعرض لإصابات مفاجئة خطيرة خلال هذه الفترة بنحو 64 ألفاً و260 حالة وفاة، وهو ما يزيد بنحو 41% عن العدد الرسمي لوزارة الصحة الفلسطينية.

وقالت الدراسة إن 59.1% من الضحايا كانوا من النساء والأطفال والأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.

وهكذا سلط الاحتلال والغرب القصف والقتل والمجاعة والنزوح وجرائم الحرب على أهل غزة العزّل بحجة القضاء على الإرهاب وتحرير أسرى اليهود. وهو تماما ما فعله التحالف الدولي في غير مكان في خريطة العالم الإسلامي. وكانت أكبر خسائر غزة في الأنفس والمادة. لكن تمسكهم بحقهم في الحرية لم ينهزم.

قراءة عسكرية لحرب غزة

سأتحدث الآن عن تقييم للحرب في غزة من ناحية عسكرية واستراتيجية.
وسنجيب على سؤال من يقول أين النصر؟ بل هي الهزيمة، وأنتم تكذبون وتدلسون على الناس و”تضحكون على الذقون” كما يدعون، وحجتهم في ذلك عدد القتلى الضخم والدمار الهائل في قطاع غزة.

معركة غزة

الموقف العام

يعيش سكان القطاع تحت حصار متعب منذ أكثر من 17 عاما، تمكنوا خلاله من تطوير قوى المقاومة وتحقيق حد أدنى من المستوى المعيشي.
وتحولت غزة لقاعدة أمنية تجمع وتعد للاحتلال. وكان من نتائج هذا الإعداد والجمع، طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.

التحالف الصهيوصليبي

اليهود

حرص الاحتلال اليهودي منذ نكبته في السابع من أكتوبر على الأخذ بثأره من أهل غزة، وصمم على الاستعداد عسكرياً والحشد عالميا لاستعادة كرامته وهيبته.
وكشفت غزة كوامن حقد تحالف الصهيوصليبية على المسلمين كافة وليس على جماعة “إرهابية”.
وقرر قادة اليهود القتل بلا هوادة والإبادة الجماعية بلا رحمة.

التحالف الغربي والقيادة الأمريكية

القائد لحرب اليهود في غزة فعليا هو التحالف الغربي بقيادة أمريكية، فبعيدا عن التقارير التي تؤكد تمويل الإدارة الأمريكية لأكثر من 70 % من تكلفة الحرب على غزة، كل الأسلحة والخطط والدعم الغربي الأمني والمالي واللوجستي والعسكري والسياسي كان السبب في استمرار الحرب، ولذلك كتب أحد قادة شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” السابقين في مقال من بضعة شهور “نحن نعيش بحبل من الولايات المتحدة” وذلك ما نبأنا به الله عز وجل منذ قرون فقال عز من قائل: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ).
ولذلك حين قرر ترامب إنهاء الحرب، أذعن النتن ياهو وعض على جمرة لسانه.

قوات الطرفين

1- غزة

قوات المقاومة الفلسطينية

ذكرت يديعوت أحرونوت إن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن عدد مقاتلي كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس عشية هجوم 7 أكتوبر الماضي بلغ نحو 30 ألفا. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن تقديرات أمنية إسرائيلية أنه لا يزال هناك ما بين 4 إلى 6 آلاف مقاتل من حركة حماس في وسط وشمال قطاع غزة نتيجة الحرب.
وسبق أن نقل موقع “ميدل إيست آي” عن مصادر مقربة من القيادة السياسية لحركة حماس قولها إن الإحصاءات الإسرائيلية بهذا الصدد “محض هراء، وإن الخسائر في صفوف كتائب القسام كانت قليلة للغاية”.
وقال أحد المصادر للموقع إن إجمالي الخسائر في صفوف كتائب القسام أقل من 10%، موضحا أن “القسام حركة عسكرية ذات بنية مركزية وحلقة تنظيمية فضفاضة، لم نسمع عن معاناة القوات المركزية من خسائر خطيرة”.
وأوضح أنه “في العمليات الخاطفة تكفي الفرق السريعة ذات الأعداد القليلة، هذه الفرق تكون صغيرة أيضا من ناحية الأهداف وتقليل الخسائر”.
وبنقل التصريحات من الطرفين نتفق على أن عدد قوات المقاومة يعتبر صغيرا نسبيا في هذه الحرب.

التحالف الصهيوصليبي

العدد الرسمي الذي دخل به اليهود حرب غزة في السابع من أكتوبر هو نحو 360 ألف جندي للمشاركة في هجومه العسكري على قطاع غزة.
وشاركت قوات النخبة الأمريكية في القتال في غزة بحسب التقارير الأمريكية، ومع بدء غزو بري إسرائيلي لمنطقة جنوب لبنان، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسالها 7 آلاف جندي إلى الشرق الأوسط وقال مسؤولون بالبنتاغون إن القوات الإضافية ستعزز الأمن للقوات الأميركية البالغ عددها نحو 40 ألف جندي، والمتمركزة بالفعل في المنطقة وتساعد في الدفاع عن “إسرائيل.”
وبشكل عام نحن نتحدث عن أكثر من 400 ألف جندي يهودي وأمريكي فقط دون الحديث عن المرتزقة الذين جاءوا حتى من الهندوس وبقية الدول التي تدعم الاحتلال بخبث ومن تحت الستار.
وتؤكد التقارير على أن الجيش الإسرائيلي يجند آلاف المرتزقة الأجانب سنويا، الذين يُجندون للقتال في الحروب، وتنفيذ عمليات استخباراتية وأمنية داخل فلسطين المحتلة وخارجها.

ويخدم المرتزقة في وحدات الجيش الإسرائيلي المختلفة، ويشاركون في العمليات القتالية والدعم اللوجستي وتدريب القوات المحلية، فضلا عن المساهمة في تأمين المستوطنات ومشاركة المستوطنين في أعمال العنف والعمليات العدائية ضد المدنيين الفلسطينيين، واغتيال ناشطي المقاومة.

مع العلم أن العنصر اليهودي لا يتجاوز 20% من المجموع الكلي لمرتزقة الجيش الإسرائيلي.
وفي الواقع لا أثق أبدا الأرقام الرسمية المعلنة عن عدد قوات الأعداء في الحروب، ولا أشك أن الأرقام أكبر مما يتم الإعلان عنه كما يتم دوما التخفيف من عدد الخسائر في الأرواح لتخفيف أثر الصدمة.

أهداف الطرفين

التحالف الصهيوصليبي

  • أخذ الثأر من هجوم السابع من أكتوبر من كل غزة، وقتل ما يمكن قتله وتدمير كل شيء، لاستعادة كرامة الاحتلال وتعزيز هيبته في العالم.
  • كسر جرأة الجهاد وتكبيد من يفكر في هذا الاتجاه الخسائر المثخنة التي تصنع الانهزامية فيه فلا يكررها مرة أخرى. وبالتالي مزيدا من الوهن وتداعيات الوهن. وبلغة أخرى كسر الروح المعنوية في غزة.
  • احتلال القطاع وسحق المقاومة وطرد سكان القطاع الذين نجوا من الإبادة إلى سيناء في خطة تهجير مشهورة على المواقع.
  • تحرير الأسرى وصناعة نصر أسطوري للجيش الذي دمر القطاع لأجل عشرات الأسرى اليهود.

غزة

حين أتحدث عن غزة فأنا لا أتحدث عن المقاومة بحد ذاتها وإنما عن محطة في الحرب على الإسلام، ولذلك الأهداف التي أذكرها ليست أهداف الطوفان! إنما أهداف ما بعد الطوفان وهي التصدي للعدو الصائل على القطاع ومنعه من احتلال غزة، فقد كان أول موقف لأهل غزة رفض العدوان عليهم، ولذلك أتناول محطة غزة بطريقة مختلفة عمن يبنون نتائجها على أهداف الطوفان.
وكنت وضحت من قبل أنها لم تكن أهدافا واقعية ولا ممكنة في تحالف مع الرافضة وحذرت من استراتيجية تعول على إيران بشدة، وقد رأينا ذلك أمام أعيننا وللطف الله جل جلاله كانت تداعيات الطوفان أفضل للمسلمين من نتائج الطوفان نفسه، بكسر شوكة الرافضة في المنطقة وإسقاط النظام النصيري، وتحرير سوريا من محور الخميني، وكشف الوجه الكالح للاحتلال الصهيوصليبي.

لكنني أتحدث عن أهداف غزة في هذه الحرب، عن أهداف صمود الشعب في غزة الذي لم يقبل تسليم أرضه ولا حتى المقاومة على الرغم من الاستياء العام من تكاليف الحرب وما جره الطوفان من عدوان، وهذا ما ساهم في تعثر جهود الاحتلال في القضاء على المقاومة من خلال الجواسيس والاختراقات التي لا تخفى كأساليب حرب في مثل هذه الساحات. ولذلك وصف اليهود غزة كلها بالإرهابيين حتى أطفال غزة، وليس فقط المقاومة.

وأما أهداف غزة، فكانت:

  • الدفاع عن القطاع وصد الاحتلال عنه.
  • إجهاض مخطط التهجير وإفشال خطط الترحيل لسيناء.
  • منع الاحتلال من الإقامة الدائمة في القطاع وبقاء قواته في محاورها وقواعدها الرئيسية.
  • فك الحصار عن غزة وتوفير الدخول الآمن للمساعدات بعيدا عن تسلط اللصوص وقوات الاحتلال.
  • إثبات شرعية القضية الفلسطينية التي تتصدى لطغيان الاحتلال، وحق غزة في العيش الكريم والحرية مثل كل شعوب العالم.
  • كشف الوجه القبيح للاحتلال والسياسات الغربية وإسقاط قناع الحقوق والحريات والأمن والسلام المزعوم.


    ولا أتحدث عن تحرير فلسطين! الذي توهمه البعض وارتفعت أمانيه في انفصال تام عن الواقعية والسنن الربانية. فمن كان يبني مقارنته بناء على أهداف الطوفان من تحرير فلسطين برمتها فهو يختلف معنا ابتداء في نظرتنا وتقييمنا لواقع غزة في هذه الحرب.

    وما ندرسه هنا هو عدوان صائل واجهته غزة، فانتصرت بعد أن ظلمت، ولو كان نصرا يقطر بالدماء إلا أن بانسحاب الاحتلال بتوقيع اتفاقية مع الإرهابيين، فقد دحر وأهين ولم ينفعه تجبره!

قبل المعركة

التحالف الصهيوصليبي

رفع التحالف الصهيوصليبي شعار المظلومية وحق الدفاع عن النفس والانتقام، وحشد لذلك إعلاميا وسياسيا وعسكريا وكل وسيلة وإفك مبينٍ.

غزة

لم تستمر فرحة أهل غزة بهجوم السابع من أكتوبر، فقد كانوا يتوجسون من القصف الوحشي الذي عهدوه من الاحتلال، ولذلك كان الناس في حالة من عدم اليقين وفي الوقت نفسه متفقون على واجب كسر الحصار عن غزة ونجدة المقدسات في القدس وإيجاد حلول لملف الأسرى وكف يد اليهود المعتدين. فلا يختلف أهل غزة في هذه الثوابت.

أعدت المقاومة خطتها لحرب العصابات مبكرا، وبنت لأجل ذلك شبكة أنفاق معقدة كانت من أبرز أساليبها في المواجهة والمناورة.
ومع تقدم القصف الوحشي لم يجد أهل غزة أمامهم سوى الدعاء والصبر وسؤال الله التدبير بأمره!


قد أفجعهم بالموازاة مع شدة الطغيان اليهودي، شدة الخذلان العالمي ووقاحة الحصار!

سير القتال

القصف الوحشي

اعتمد الاحتلال الصهيوصليبي على القصف المدمر الوحشي وسياسة الأرض المحروقة لم يفرق بين حي وجماد ولا بين مدني ومسلح ولا بين صغير وكبير، لقد قتل الجميع بدون أدنى تردد وبكل صفاقة وتهكم.
واعتقل ونكل بالمعتقلين المدنيين أشد التنكيل، وأمعن في أساليب الترويع للمدنيين وكرر سيناريو الغزو التتري لبلاد المسلمين بدعم غربي وأمريكي متواصل وحثيث.


ورغم كمية الصلف والغطرسة والتبجح حافظ التحالف الصهيوصليبي على قنوات تواصل مع المقاومة الفلسطينية التي توعدها بالسحق والإبادة.

غزة

استخدمت المقاومة في غزة تكتيك حرب العصابات، الذي أوجس منه خيفة بترايوس، وقد أبرزت صحيفة “وول ستريت جورنال” مخاوف الاحتلال بسبب عدم قدرته على هزيمة المقاومة الفلسطينية مما يلوح بحرب عصابات تستمر للأبد.

وسلطت الصحيفة الضوء على قدرات المقاومة، التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، والمتمثلة في شبكة أنفاقها وخلاياها الصغيرة من المسلحين ونفوذها الاجتماعي الواسع، وهي العناصر التي لا تستخدمها من أجل البقاء فحسب، بل أيضًا لمجابهة القوات الإسرائيلية.

ونقلت الصحيفة عن جندي احتياطي إسرائيلي من فرقة الكوماندوز 98 التي تقاتل في جباليا، قوله إن حماس تهاجم بشكل أكثر عدوانية، وتطلق المزيد من القذائف المضادة للدبابات على الجنود الذين يحتمون في المنازل وعلى المركبات العسكرية الإسرائيلية يوميا.

ووفقا للصحيفة، استخدمت حماس أنفاقها ومسلحيها ومخزوناتها من الأسلحة للعودة إلى قوة حرب العصابات المقاتلة.

وترى الصحيفة أن هذا التحول يعكس جزئياً العودة إلى جذور الجماعة كمجموعة نظمت المعارضة للاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثمانينيات. وفي الحرب الحالية، يعني ذلك استخدام تكتيكات الكر والفر والعمل في مجموعات أصغر من المسلحين، وفقًا لما قاله محللون أمنيون وشهود في غزة لـ”وول ستريت جورنال”.

وأوضحت الصحيفة أن شبكة الأنفاق أثبتت أنها أكثر اتساعا مما كان متوقعا، وتشكل تحديا خاصا للجيش الإسرائيلي، الذي حاول تطهيرها باستخدام المتفجرات بعد أن حاول في وقت سابق إغراقها بمياه البحر.

ووفقا للصحيفة، تمثل قدرة المقاومة على الصمود مشكلة استراتيجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي يقول إن الهدف الرئيسي للحرب هو التدمير الكامل للحركة.

وبشكل عام، تتبنى المقاومة تكتيكات وأساليب حرب العصابات في معارك الكر والفر والضربات الصغيرة، بما يجعلها غير قابلة للحسم ويطيل من عمر المواجهة بمقياس العقود!

وقال محللون عسكريون وجنود إسرائيليون لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن عناصر المتبقين يختبئون بعيداً عن الأنظار داخل المباني المدمرة وفي شبكة الأنفاق الضخمة التي تمتلكها المقاومة، والتي لا يزال جزء كبير منها سليماً، رغم الجهود الإسرائيلية لتدميرها.

ويخرج عناصر الحركة لفترات قصيرة في شكل وحدات صغيرة لتفخيخ المباني، وزرع القنابل على جوانب الطرق، وتثبيت الألغام على المركبات المدرعة الإسرائيلية أو إطلاق قذائف صاروخية على القوات الإسرائيلية، قبل أن يحاولوا العودة إلى الأنفاق، وفق “نيويورك تايمز”.


وقالت الصحيفة إن المقاومة لا تستطيع هزيمة “إسرائيل” في مواجهة مباشرة، لكن أسلوبها القائم على الضربات الصغيرة والكر والفر مكّنها من الاستمرار في إلحاق الأذى بإسرائيل وتجنب الهزيمة، حتى وإن كانت قد خسرت أكثر من 17 ألفاً من مقاتليها منذ بداية الحرب، وفقاً لإحصاءات إسرائيل غير المؤكدة.



ومع أن قوات الاحتلال كانت تتمكن من تطهير الأحياء في غزة، ولكن ما أن تنسحب منها حتى ترجع المقاومة فيها.

دور أهالي غزة في إحباط خطة الجنرالات

photo 2025 01 16 14 33 15

غزة ليست بالمقاومة بل أيضا بأهالي غزة الذي صمدوا أمام مخططات التهجير التي رسمتها الإدارة اليهودية، وإن لم يكن لهم الخيار.

فما يسمى بـ”خطة الجنرالات” التي وضعها رئيس المجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا أيلاند، تمنح الجيش الإسرائيلي 400 ألف فلسطيني متبقين شمالا أسبوعاً واحداً للانتقال جنوباً قبل إعلان هذا الشمال منطقة عسكرية مغلقة. وبعد ذلك، تمنع “إسرائيل” جميع الإمدادات إلى الشمال في محاولة لإجبار عناصر المقاومة على الاستسلام وإعادة المحتجزين الذين تحتجزهم منذ هجوم 7 أكتوبر.

وخطة إيلاند تتضمن “إيجاد أزمات إنسانية متعمدة كسلاح حرب”. فهي تعتمد على محاصرة منطقة كاملة بساكنيها وليس مجرد عدد من مقاتلي المقاومة. وهي جريمة حرب! إلا أنها كانت تدرس وتقدر في مراكز صناعة القرار.

ومن المفارقات! صاحب الخطة نفسه جيورا أيلاند كتب مقالاً بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، دعا فيه إلى وقف حرب غزة وإبرام صفقة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، محذراً من أن إطالة الحرب يتؤدي إلى موتهم ومقتل المزيد من الجنود الإسرائيليين وتكبيد الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 500 مليون شيكل (133 مليون دولار) يومياً.

خسائر الطرفين

التحالف الصهيوصليبي

قالت وزارة المالية الإسرائيلية إن “إسرائيل” تكبدت ما يصل إلى 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار) منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر.

وأضافت الوزارة أن “إسرائيل” سجلت عجزا في الميزانية قدره 19.2 مليار شيكل (5.2 مليارات دولار) في ديسمبر/كانون.

ويبدو أن هذه تكاليف الحرب المباشرة من دون الأخذ في الاعتبار التداعيات التي تسببت بها الحرب على مختلف مناحي الحياة في “إسرائيل”، حيث قالت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية إن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024.

واستندت الصحيفة إلى تقديرات بنك “إسرائيل”، وأوضحت أن المبلغ يشمل “التكاليف الأمنية المباشرة، والنفقات المدنية الكبيرة والخسائر في الإيرادات، وليس كل شيء”.

ووصفت الصحيفة هذه التكلفة بالـ”ثقيلة” وبكونها تعكس الـ”فشل” في الحرب على القطاع، موضحة أن ذلك يتطلب “الحاجة إلى زيادة كبيرة في ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال العقد المقبل”.

وقُتِل 1538 إسرائيليًّا من بينهم 286 ضابطاً وجندياً و 764 مدنياً، وأُسر 248 خلال الهجوم الأولي على “إسرائيل” من قطاع غزة.

وقال معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إن عدد مصابي الجيش الإسرائيلي خلال سنة من الحرب بلغ نحو 5 آلاف بينهم 695 جراحهم خطيرة.

وتتكتم “إسرائيل” على خسائرها البشرية والمادية بما في ذلك دبابات ميركافا والخسائر المرافقة للحرب.

وخلال الحرب سحب الاحتلال عدة ألوية عسكرية من القطاع. وكان أبرز هذه الألوية المنسحبة، لواء غولاني “جاآش/الغضب” ويعتبر رأس حربة الجيش الإسرائيلي في العلميات البرية تركزت عملياته في منطقة الشجاعية كما اشتبك مع عناصر المقاومة في منطقة شيخ جيلان جنوب مدينة غزة وتل الهوى.

تكبد لواء غولاني خسائر في منطقة الشجاعية قبل انسحابه من القطاع مباشرة، وكان اللواء الذي تكبد أكبر عدد من القتلى منذ هجوم أكتوبر.

كذلك لواء “غيفعاتي” الذي سيطر بداية الحرب على منطقة شرق خان يونس جنوب القطاع ثم جرى سحبه.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية في بداية فبراير قد تداولت أنباء عن رفض العديد من مقاتلي لواء غفعاتي العودة للمشاركة في حرب غزة. واتهموا قائدهم بإهمال صحتهم الجسدية والعقلية.

وليس المقام لسرد قائمة اللواءات المنسحبة لضغط الحرب، إنما الشاهد أن هذه لواءات تكبدت خسائر وانسحب وعانت من وطأة الميدان. وتم سحبها لتخفيف خسائرها وتخفيف خسائر الاحتلال الاقتصادية.

كما وصل عدد المعاقين في الجيش الإسرائيلي في قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلي نحو 20 ألف جريح ومعاق جراء الحرب، بحسب تقديرات وزارة الدفاع الإسرائيلية.

ومنذ بدء الحرب على غزة، خصصت وزارة الدفاع الإسرائيلية 10 مراكز تأهيل في جميع أنحاء البلاد، وذلك بهدف إعادة تأهيل الجرحى وعلاج المعاقين في الجيش الذين يعانون من اضطرابات عقلية.

والحقيقة كانت هذه أكبر خسائر تتكبدها “إسرائيل” منذ زمن بعيد جدا، فلم تذق طعم القتل والرعب والإصابات والتربص بهذا الكم المفجع لها.

وعداد الخسائر في صفوف الاحتلال كما المجازر بحق أهل غزة استمر لآخر لحظة من الاتفاق.

خسائر غزة

تسبب القصف في تدمير أكثر من 75% من القطاع الإسكاني والمستشفيات والمدارس والمساجد.

ووفقا لبيانات أقمار اصطناعية للأمم المتحدة نشرت في ديسمبر، فإن ثلثي المباني في غزة قبل الحرب، أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض. وهذا يعادل حوالي 69 في المئة من إجمالي المباني في قطاع غزة.

وذكرت تقديرات للأمم المتحدة أن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245123 وحدة سكنية. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حاليا إلى مأوى في غزة.

وذكر تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير 2024، وأثرت على المباني السكنية والمحلات التجارية والمصانع والمدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة.

وأظهر تحديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية هذا الشهر أن المتاح الآن من إمدادات المياه أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب، في حين تعرض ما لا يقل عن 68 في المئة من شبكة الطرق لأضرار بالغة.

كما أظهرت صور أقمار اصطناعية حللها خبراء أمميون أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة، والتي تعد حيوية لإطعام السكان الجوعى في القطاع الذي مزقته الحرب، تدهورت بسبب الصراع.

وتكشف البيانات زيادة في تدمير البساتين والحقول والخضراوات في القطاع الفلسطيني، حيث ينتشر الجوع على نطاق واسع بعد 15 شهرا من القصف الإسرائيلي.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي إن 15 ألف رأس من الماشية، أو أكثر من 95 في المئة من إجمالي الماشية، ونحو نصف الأغنام، ذبحت أو نفقت منذ بدء الصراع.

ودُمّرت أو تضررت مئات المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية ودور العبادة، وتُظهِر البيانات الفلسطينية أن الصراع أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجدا.

وتضررت أكثر من 70% من المدارس، التي تدير الأونروا الجزء الأكبر منها، وحيث لجأ العديد من المدنيين هربا من القتال.

وأحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) 408 مدارس لحقت بها الأضرار، أي ما يعادل 72,5 في المئة على الأقل من هذه المنشآت التعليمية التي تفيد بياناتها بأن عددها 563.

ومن بين هذه المنشآت، دُمّرت مباني 53 مدرسة بالكامل وتضرر 274 مبنى آخر جراء النيران المباشرة.

وفي ما يتعلق بأماكن العبادة، تظهر بيانات UNOSAT وOpenStreetMap معا أن 61,5 في المئة من المساجد تضررت أو دُمّرت.

وسلط تقرير لمنظمة العفو الدولية الضوء على مدى الدمار على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة. فحتى مايو 2024م، كان أكثر من 90 في المئة من المباني في هذه المنطقة، بما في ذلك أكثر من 3500 مبنى، إما مدمرة أو تعرضت لأضرار شديدة.

وأشارت الأمم المتحدة في أكتوبر إلى أن إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه القصف الإسرائيلي قد تستغرق سنوات وتكلف 1.2 مليار دولار.

وأشار تقدير للأمم المتحدة في أبريل 2024م إلى أن الأمر سيستغرق 14 عاما لإزالة الأنقاض.

ويذكر أن الحطام قد يحتوي على أشلاء بشرية، حيث قدرت وزارة الصحة في غزة في مايو الماضي أن هناك نحو 10 آلاف جثة تحت الركام.

ودمرت الحرب اقتصاد غزة وقلصته إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022م.

وذكر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية نشر في سبتمبر الماضي أنه في غزة “توقفت عمليات الإنتاج أو دمرت وفقدت مصادر الدخل وتفاقم الفقر وانتشر وسويت أحياء بكاملها بالأرض ودمرت مجتمعات ومدن”.

وتسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية “بأزمات إنسانية وبيئية واجتماعية غير مسبوقة”، وفقا للمصدر ذاته.

وبالإضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة كم أشرنا لها سالفا والتي تتجاوز 70 ألف قتيل، وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين، فإن الخسائر الاقتصادية كارثية. حيث “انخفض بنسبة 81% في الربع الأخير من عام 2023م مما أدى إلى انكماش بنسبة 22% للعام بأكمله”.

ويعيش القطاع برمته في حالة فقر وجوع وفجيعة.

عبرة من التاريخ

أستحضر في هذا المقام قول الجنرال العسكري، خطاب شيت في دراسته لغزوة أحد التي كانت تعتبر فجيعة للمسلمين وأول هزيمة لهم بعد بدر، حيث يقول في كتابه “القائد الرسول صلى الله عليه وسلم”: لا أتفق مع المؤرخين في اعتبار نتيجة غزوة أحد نصراً للمشركين واندحاراً للمسلمين، لأن مناقشة المعركة عسكرياً، تظهر انتصار المسلمين على الرغم من خسائرهم الفادحة بالأرواح في هذه المعركة.

وعلل خلاصته بقول:”لقد انتصر المسلمون في ابتداء المعركة حتى استطاعوا طرد المشركين من معسكرهم والإحاطة بنسائهم وأموالهم وتعفير لوائهم في التراب، ولكن التفاف خالد بن الوليد وراء المسلمين وقطع خط رجعتهم وهجوم المشركين من الأمام، جعل قوات المسلمين تطبق من كافة الجوانب على قوات المسلمين. هذا الموقف في المعركة جعل خسائر المسلمين تتكاثر، ولكن بقي النصر بجانبهم إلى الأخير لأن نتيجة كل معركة عسكرياً لا تقاس بعدد الخسائر بالأرواح فقط، بل تقاس بالحصول على هدف القتال الحيوي وهو القضاء المبرم على العدو مادياً ومعنوياً”.

وتساءل القائد العسكري: “فهل استطاع المشركون القضاء على المسلمين مادياً ومعنوياً؟”.

وأضاف:”إن حركة خالد كانت مباغتة للمسلمين بلا شك وقيام المشركين بالهجوم المقابل وإطباقهم على قوات المسلمين من كافة الجوانب وهم متفوقون بالعدد إلى خمسة أمثال المسلمين؛ كل ذلك كان يجب أن تكون نتائجه القضاء الأكيد على كافة قوات المسلمين، ولا يمكن أن يعد التفاف قوة متفوقة تفوقاً ساحقاً على قوة صغيرة أخرى من جميع جوانبها، ثم نجاة تلك القوة الصغيرة بعد إعطاء خسائر عشرة بالمائة من موجودها، إلا انتصاراً لتلك القوة الصغيرة.

ولا يمكن اعتبار فشل القوة الكبيرة في القضاء على القوة الصغيرة مادياً ومعنوياً في مثل هذا الموقف الحرج للغاية، إلا فشلا لها.

ولم تستطع قريش أن تؤثر على معنويات المسلمين أيضاً وإلا لما استطاعوا الخروج لمطاردتها بعد يوم فقط من يوم أحد، دون أن تتجرأ قريش على لقائها بعيداً عن المدينة، خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج للقاء قريش بقوته التي اشتركت (فعلا) بمعركة أحد، دون أن يستعين بغيرهم من الناس.

إن نجاة المسلمين من موقفهم الحرج الذي كانوا فيه بأحد، نصر عظيم لهم. لأن أول نتائج إطباق المشركين عليهم من كافة الجهات كان الفناء التام“.

ولذلك أقول، إن في غزة واقع نصر يقطر دما، وقد قرأ المعترضون نصف العبارة ولم يكملوا معناها التالي، الذي يقطر دما، لأنهم لم يستوعبوا حقيقة أن الاحتلال لا يمكنه ولن يمكنه إفناء غزة والقضاء عليها. وإن أكثر من القتل والتدمير، لا تزال غزة هنا حاضرة ولا يزال أهلها يكبرون لإعلان اتفاقية وقف إطلاق النار. التي تمت عبر المفاوضات وليس عبر القضاء على المقاومة. فهذه الاتفاقية جاءت لينزل الاحتلال الضخم المتجبر إلى مقاس جماعة أعلن هدف إبادتها! وكل عاقل ومنصف يدرك معنى ذلك!

ما هي أسباب خسائر غزة؟

  • التفوق الجوي العسكري للتحالف الصهيوصليبي
  • الارتهان للمحور الرافضي لتحقيق ضغط على الاحتلال
  • الطبيعة الجغرافية المحاصرة للقطاع والتي لم تسمح بتوفير منافذ للنجاة للأهالي وللإمدادات بعيدا عن سلطة الاحتلال
  • تواطؤ الأنظمة المجاورة وإمعانها في إطباق الحصار لإحداث أكبر مقتلة ممكنة
  • عدم توفر إسناد خارجي يليق من دول الجوار يكسر الحدود ويحطم الاحتلال بدعم خارجي، يشغله.

تداعيات الحرب في غزة

كثيرا ما يسلط النقاد الضوء على حرب غزة بتركيز النقد على المقاومة وأدائها وتخطيطها وتصريحاتها لكن الواقع أن القراءة الحكيمة للحرب لا تبقى أسيرة الطرفين المقاتلين! بل تذهب لأبعد من ذلك وهي في مفهوم قول الله عز وجل (ليقضي الله أمرا كان مفعولا).

فتداعيات الحرب في غزة بكل ما فيها من دماء تقطر تمكنت من فضح إيران وكشف هشاشة التعويل عليها وانتهت بكسر هذا المحور المحارب المتربص بالمسلمين منذ عقود، فكان من بركات ما جرى في غزة، سقوط النظام النصيري في سوريا وخسارة أمل كبير لإيران في المنطقة وذراع بطش لها وقدم احتلال. وهذا ليس بتخطيط الطوفان بل من تدبير الله تعالى وتداعيات الطوفان التي لم تكن تحسب هذا الأمر أبدا. فلا أحد يقول ليته لم يكن! لأن حقيقة كسر احتلال إيران نصر للأمة المسلمة يحمل شرفه أهل غزة بإذن الله. (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)!

ثم إضعاف وتراجع حزب إيران في لبنان يصنع مساحة أخرى لتخفيف الثقل العسكري للتحالف الإيراني في المنطقة والذي بدوره يؤثر على العراق وحتى عن بعد اليمن.

كما كشفت حرب غزة صعوبة تلميع المجرمين ووعي الأمة بأعدائها، فأكثر الناس كانوا ضد إيران وضد مساومتها على قضية فلسطين وتسلقها على دماء أهلها. ولا تزال أبواق الخميني تغرد لسرقة شيء يداري هزيمتها من صمود أهل غزة، إلا أن الوعي العام يتجلى في انتهاء التعويل على إسناد الرافضة ورؤيتهم على حقيقتهم كما هم، مجرد متسلقين إعداء. ومن يصر على تلميعهم فهو يصر على انفصاله عن هذه الأمة. ولم يعد هناك أي مبرر لهذا التلميع! فكفى بها نعمة إطفاء فتنة الرافضة.

لقد كشفت الحرب أن الجماعات ليست إلا محطات في حرب كبيرة جدا على الإسلام، وأن تطويع الصراع الكبير وإنزاله لمساحة جماعة واحدة خطأ فادح وسوء فهم للواقع وحجم المعركة، ولعل في ذلك درسا للمتحزبين أن يخرجوا من سجن الفكرة المتعصبة وينظروا قليلا لسنة التدافع ويستفيدوا من نتائجها لما هو آت، لأن المعركة لا تنتهي بوقف إطلاق النار، ولا بهزيمة الاستراتيجية الصهيوصليبية في غزة والتي يكفي للتدليل عليها، ذكر بنود الاتفاق المذل الذي وقعته تل أبيب مع من توعدت بإبادتهم تحت الأنفاق! ويكفي منه أن أجبرت الغرب الكافر على تغيير استراتيجيته تماما في التعاطي مع غزة وانتقاله للغة التطبيع والسلام العالمي!

ومن الحكمة جمع أدنى الماكسب لتمهيد الأرض لما هو آت!

بنود الاتفاقية

خلاصة بنود الاتفاقية شملت:

  • انسحاب كامل لقوات الاحتلال من غزة ومن كل المحاور.
  • فتح المعابر وفك الحصار عن غزة وإداخل المساعدات بشكل مكثف.
  • تبادل الأسرى بين الجانبين.
  • أ. خلال المرحلة الأولى، تطلق حماس سراح 33 معتقلاً إسرائيلياً (أحياء أو جثث)، بما في ذلك النساء (مدنيات ومجندات)، والأطفال (تحت سن 19 عاماً من غير الجنود)، وكبار السن (فوق سن 50 عاماً)، والمدنيين الجرحى والمرضى، مقابل عدد من الأسرى في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وفقاً لما يلي:
  •     ب. تطلق حماس جميع المعتقلين الإسرائيليين الأحياء، بمن فيهم النساء المدنيات والأطفال (تحتسن 19 عاماً، من غير الجنود). في المقابل، تطلق إسرائيل 30 طفلاً وامرأة مقابل كل معتقل إسرائيلي يتم إطلاق سراحه، بناءً على قوائم مقدمة من حماس وفقاً للأقدمية في الاعتقال.
  •     ج. تطلق حماس جميع المجندات الإسرائيليات الأحياء. في المقابل، تطلق إسرائيل 50 أسيراً من سجونها مقابل كل مجندة إسرائيلية يتم إطلاق سراحها.
  •     د. إذا لم يصل عدد المختطفين الإسرائيليين الأحياء المقرر إطلاق سراحهم إلى 33، يتم استكمال العدد بالجثث من نفس الفئات، وفي المقابل، تطلق إسرائيل في الأسبوع السادس جميع النساء والأطفال (تحت سن 19 عاماً) الذين تم اعتقالهم من قطاع غزة بعد 7 أكتوبر 2023.
  •     هـ. ترتبط عملية التبادل بمدى الالتزام بشروط الاتفاق، بما في ذلك وقف العمليات العسكرية من كلا الجانبين، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة النازحين، ودخول المساعدات الإنسانية.

 لن يتم اعتقال الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم مرة أخرى على نفس التهم التي اعتُقلوا بسببها سابقاً، ولن تبادر إسرائيل إلى إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم لقضاء بقية مدة عقوبتهم.

لن يُطلب من الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم التوقيع على أي مستند كشرط للإفراج عنهم.

ولمن يود الاطلاع على بنود الاتفاق سيجد أن الشروط مذلة لليهود الذين تجبروا في الأرض وأظهرت أن المقاومة في موقع الذي يملي رغم حجم الخسائر التي تكبدتها في هذه الحرب. وهو ما فهمه اليهود وعارضه بعضهم بشدة!

ثم ماذا نقرأ في بنود الاتفاقية التي لا يزال البعض يعتقد أنها لا شيء! مع العلم أن من يوقعها هم كبار الطغاة الذين دمروا غزة وسحقوا معالمها، هم من يوقعها مع الإرهابيين. ولو كانوا حقا منتصرين فما حاجتهم للمفاوضات؟ وما حاجتهم لانتظار موافقة المقاومة؟! لو كان البعض منصفا.

نقرأ منها أن لا خيار آخر لتحقيق مطالب يهود في هذه الحرب غير المفاوضات والاتفاق مع الإرهابيين! وهذا يعني فشل الخيار العسكري في الإخضاع.

وهنا عينة من تعليقات الصحافة العبرية:

يوآف ليمور – يسرائيل هيوم: التنازلات التي قدمتها إسرائيل بما في ذلك الانسحاب من محور نتساريم والانسحاب الجزئي من محور فيلادلفيا، والموافقة على عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، تشير إلى أن نتنياهو فهم حدود مرونته، والأسف الوحيد هنا أن هذه الصفقة كانت مطروحة منذ مايو من العام الماضي، وأن التأخير في تنفيذها كلّف حياة العديد من الأسرى.

الصحفي الإسرائيلي بن كسبيت: – لقد استسلم نتنياهو لأنه تلقى مكالمة هاتفية من فيتكوف (مبعوث ترامب)، الذي جاء إلى إسرائيل يوم السبت وأوضح له ببساطة: “وقع هنا وهناك”. – هناك ضمانة أميركية بأنه إذا لم تخرق حماس الاتفاق، لن تستأنف الحرب. – أنا واثق من أن حماس ستطلق النار أو تبدأ بحفر الأنفاق، وبعد ذلك يمكننا العودة للحرب، أنتم (في اليمين) عارضتم ذلك مسبقًا، والآن انسحبتم للاختباء خلف ترامب”.

الصحفي الإسرائيلي بن كسبيت: لقد أقنع نتنياهو نفسه بقبول خطة ترامب، التي كانت قيد الدراسة بالفعل في شهر مايو/أيار، كل ما تبقى هو الحزن على الوقت الضائع، والأسرى الذين قتلوا في الأسر، والجنود الذين قتلوا بلا داع.

ولذلك أعلن وزير المالية سموتيرتش أن حزبه يعارض الصفقة. وسينسحب من الحكومة إن لم ترجع الحرب بعد المرحلة الأولى.

ولذلك قال المراسل العسكري الإسرائيلي للقناة 14 هليل بيتون روزين:

“من كان يصدق في الأيام التي تلت أحداث السابع من أكتوبر، أنه بعد أقل من عام ونصف سننحني لحماس ونستسلم لها، ونسلمها ما أرادت”.

من انتصر؟ غزة أم تل أبيب؟

GhahurKWYAASGp
“هذا ليس نصرا” لافتة وضعها مستوطنون في القدس تلخص حقيقة رؤيتهم لهزيمة الاحتلال الصهيوصليبي

يجيب على هذا السؤال الأستاذ الباحث: د.محمد الأمين الوغليسي قائلا:”تقول كل الوقائع أن أهداف الحرب التي أعلنها نتن ياهو فشلت، حيث سقط مشروع التهجير سقوطا مدويا بفضل تمسك شعب غزة المؤمن بأرضه.

لم يكرر أهل غزة سيناريو 1948 حين تم تهجيرهم بطريقة مخادعة، وبسبب الوسطاء العرب الذين صدقوا أكاذيب الاحتلال، فكان الوسيط يقول للفلسطينيين: اخرجوا وانسحبوا إلى المنطقة الفلانية وستعودون خلال يومين فقط.

هذه المرة فضل الغزاويون الموت على أن يتركوا أرضهم ومنازلهم، وأبدوا عنادا شديدا على الرغم من تحويل جنود الاحتلال سياسة الإبادة والتدمير إلى (محتوى رخيص في مواقع التواصل الاجتماعي)

. – في 465يوما، لم تلتقط كاميرات الاحتلال مشهدا واحدا لاستسلام ثائر ومقاوم واحد في غزة. –

على الرغم من شدة الحرب لم يسلِّم أهل غزة بشبابها ورجالها الثائرين بالأمر الواقع؛ الذي كان يقول: لا أمل في مقاومة جيش الاحتلال المتوحش.

– لم تكن مقاومة الاحتلال حكرا على فصيل بعينه، بل تحول الأمر إلى ملحمة وطنية: من روح الروح إلى ما تعيطش يا زلمة إلى ابني مات جيعان إلى ينتقموا منا في الأولاد إلى أمي عرفتها من شعرها إلى بطولة د.حسام أبو صفية.

عربد نتن ياهو، فخسر غزة، ووجد سوريا محررة كنتيجة مباشرة لحربه على غزة، وخسر سمعته وكل ما قام به في 465 يوما سقط أمام (فيكتوف) مبعوث ترامب.

لا شك أن تل أبيب خسرت المعركة الكبرى، وهي التي حصلت على دعم سخي من إدارة بايدن وشولتز وبريطانيا. وانتصر فتيان الركام على الترسانة، وفازت روح الخيمة على الجرافة، وهزم رجال الأنقاض أسطورة الميركافاه”.

نعم لقد تمكنت غزة من الصمود في معركة يائسة جداً، وبما توفر لها من أسباب قوة وقتال أن تخضع اليهود للاتفاقية التي جاءت في ظروف سياسية وإقليمة حرجة للاحتلال.

وصمدت غزة ووصلت إلى إخراج الاحتلال من أرضها بعد أن كان يتوعدها بالفناء والإبادة فعلا قبل القول.

ولم تتوقف علميات المقاومة فلا تزل تضرب في جيوب غزة ولا تزال طائرات الاحتلال تنقل القتلى والجرحى.

وقال الاعلامي والمحلل الفلسطيني ناصر اللحام: إسرائيل وافقت على صفقة التبادل لأنها تخسر كل يوم.. لا بسبب ضغوط عربية ولا أميركية ولا إسلامية.. ولا حتى من عوائل الأسرى.. ما جعل نتنياهو يوافق على صفقة التبادل.. فخاخ الموت في غزة.. والتي أصبحت مقتلة للجنود.

تماما كما حذر بترايوس!

واعترفت يديعوت أحرونوت بقول: نتنياهو فشل سياسيا والجيش ورئيس أركانه فشلا عسكريا بعد 15 شهرا من الحرب.

وقومنا يصرون على تحويل هزيمة اليهود إلى نصر على غزة! بينما اليهود أنفسهم غير مقتنعين أنهم انتصروا! ولله في خلقه شؤون، نعوذ بربنا من الانهزامية وجلدة ذوي القربى في البخس!

الأخطاء في استراتيجية المقاومة لا تسقط شرعية الجهاد

إن أكبر سبب جلب الدمار لغزة هو الاستراتيجية التي عولت على الدعم من إيران وهو دعم جاء مضطربا واستعراضيا أكثر منه فتاكا، ولذلك سمح التحالف الإيراني من تمديد عمر المعركة والتسبب في انقسام الأمة بشأن المقاومة، وصنع تصدعا كبيرا في العالم الإسلامي، فلا يوجد مسلم سوي يقبل أن يوصف الإمام الرافضي المحارب للمسلمين في إيران وسوريا والعراق واليمن ببطل وشهيد القدس! مهما حشد لها من التبرير والتسييس!

ولذلك كانت استراتيجية التحالف مع الرافضة وتلميع أكابر مجرميهم من أبرز أسباب الدمار الذي حصل في غزة، لأن لو أن إيران صدقت في نصرتها وضربت بقوة لتوقفت الحرب منذ زمن بعيد. ولكنه ضرب خفيف زاد من غرور الاحتلال.

ولو وضعنا مكان إيران حليفا سنيا أكثر قوة ودعما، لما كانت نتائج الطوفان الآن كما نرى، ولربما وصلت المعارك حدود بيت المقدس! فالحرب في فلسطين يجب أن تحظى بدعم خارجي قوي أما القتال من طرف واحد في الداخل، وحصار خارجي مطبق وخذلان، فهذا حقيقة من المستحيل أن يحرر فلسطين.

ولكن أخطاء المقاومة في التحالف مع إيران وبناء خطتها على أساس الدعم من طهران، لم تمنع استمرار الضرب داخل غزة وإرهاق الاحتلال، وهو ما تحدث عنه بترايوس الذي قرأ مآلات التوغل البري الإسرائيلي. وتلك بركات حرب العصابات والإعداد المبكر والصبور.

والأهم في كل ذلك، أن أخطاء المقاومة، لا تسقط فرضية الجهاد ودفع الاحتلال والعدو الصائل والعمل على تحرير فلسطين من كل الأمة المسلمة وليس جماعة محددة. وبدل تفريغ التقريعات والتهرب من المسؤولية بذم أداء الجماعة الواحدة، ليتحمل كل ناقد مسؤوليته في الإعداد ونصرة المستضعفين واقعيا لا تنظيريا سهلا وهينا. والأصل أن نقوم على ثغور العمل لا الشماتة والشتيمة! فالتحالف الصهيوصليبي لا يفرق بين أحد منا!

القيمة العسكرية

حرب العصابات لها مكانتها في الصراعات ولها فضلها ومن لم يدرك بعد مدى تأثيرها فهذا لأنه يقرأ موازين النصر والهزيمة بحجم الغنائم والأموال وقتل الأعداء ولا يعتبر أن الخسائر ستقع حتما وأن المواجهة والصدام لا مفر منه في صراع وجودي! ولو أن مكان المقاومة كانت فيتنام لربما رأينا لغة إنصاف أكبر مما يتم تداوله اليوم بتصوير المشهد على أنه محض ضلال مبين لا حق فيه ولا عدالة..! وهو جهل عظيم بسنة التدافع!

وفي الواقع مجرد بقاء قوة تقاتل أمام كل هذا الترسانة المتجبرة وعدم قتل الروح القتالية والمعنوية لها، هذا نصر! بالمقاييس العسكرية.

إن الحرب في جوهرها أداة عنيفة من أدوات السياسة.. ومن مبادئ الحرب في صراعات وجودية كما نرى في فلسطين أن يدخل كل الشعب وكل الأمة سواء اختياراً لأجل تحقيق مصالحها أو اضطراراً ضد عدو يريد أن يحرمها حقوقها ويغتصب أرضها ويقتلها.

والحرب بين الإسلام والكفر ووجوب التصدي لتداعي الأمم لا يتوقف إلى آخر الزمان،  لذلك لا مفر من الحروب، فهي جزء من حاضر هذه الأمة ومستقبلها كما كانت في تاريخها.

ولذلك أيضا نحن بحاجة ماسة لأن ندرس الحرب ونفهم الحرب ولا بد أن نفهم أنها مستمرة.

في فلسطين كانت أهداف الحرب ردع الاحتلال وتحجيم طغيانه، وكف حصاره، وهي حرب عادلة، بغض النظر عن الانتقادات لمن يقود الحرب في فلسطين، ولا تسقط شرعيتها لكون هناك مآخذ على المقاومة.

فإسقاط شرعية جهاد فلسطين الذي وقع فيه البعض بسوء فهم للصراع أو بتأثر من حجم الخسائر، هدم كبير لفرص الأمة في التحرر في المستقبل وإعادة لمربع الوهن.

وكل إسقاط لفريضة الجهاد هو كذلك، ولذلك أجمع أهل العلم على مر الأزمنة والعصور أن جهاد الدفع، فريضة وأنه مستمر إلى قيام الساعة مع البار والفاجر. فلا عذر لمن يحاضرنا في كف الجهاد وإيقاف المقاومة. فليس العيب في الجهاد إنما في التخلف عن الجهاد.

ومن المعلوم في مبادئ الحروب أن لكل حرب هدفين: هدف سياسي وهدف عسكري.. فالهدف السياسي هو الذي قامت من أجله الحرب أساسا وفي فلسطين قامت لإجل إثبات وجود فلسطين وحقها في طرد الاحتلال من أرضها.

كما هناك هدف عسكري حيوي، ولو كانت هناك وسيلة أخرى يتحقق بها الهدف دون الحرب لما لجأ الناس للحرب.

والهدف العسكري الحيوي للحرب هو تحطيم قوة العدو المادية والمعنوية.

أما قوته المادية فيعني أن يدمر مواقعه ويفككه ويجبره على الاستسلام ويخمد قوته.

وأما قوته المعنوية فيقضي على رغبته في القتال أي يصنع الانهزامية في قلبه، فلا يكرر فكرة القتال.

وهذه الهزيمة هي الأخطر وهي التي أحاول أن أبين خطورتها للناس، لأن الهزيمة المادية، إن رافقتها الهزيمة المعنوية فهذه الهزيمة الحقيقية، ولكن بقاء الروح المعنوية كفيل بإعادة المكاسب المادية وتحقيق انقلاب في الموازين.

فإذا تحققت الهزيمة المادية والمعنوية، تحقق الهدف السياسي للحرب، وهو ما لم يحققه التحالف الصهيوصليبي في غزة لذلك لا نحسبه انتصارا لليهود!

فالمقاومة لا تزال منظمة ولديها قدرة على العمل والهجوم، وإن ضعفت! كما أن الروح المعنوية القتالية مستمرة، بل وتتوعد بالمواصلة. وها هي تبرم الاتفاقيات مع من توعدها.

وإذا كان هناك أرض تغتصب ولم يتحقق هدف احتلالها للعدو، فخرج بدون أن يبقى فيها ويتحكم في أمرها، فهذا يدخل في هزيمة العدو!

ولذلك انسحاب الاحتلال من غزة وفق مبادئ الحرب، أتحدث، هزيمة للاحتلال ونصر لغزة التي لم تخضع لتقسيمه واحتلاله وتهجيره لأهلها.

قال مسؤول شعبة العمليات الأسبق في الموساد، عوديد عيليم: “يجب أن نعترف بصدق أننا لم نحقق الهدف المركزي من الحرب وهو القضاء على القدرات العسكرية لحماس، وعلينا أن لا نوهم أنفسنا فغالبية الغزيين مؤيدين للمقاومة”

والقتال في الحروب أصلا يقوم بين إرادتين، كل طرف يريد فرض إرادته على الآخر، فالذي عنده الإرادة القوية، والرغبة القوية في الاستمرار في القتال هو الذي يبقى، والذي تنهار روحه المعنوية هو الذي ينسحب.

لذلك فالنصر بالهزيمة المادية دون الهزيمة المعنوية هزيمة!

فإذا نجح العدو في تدمير رغبة القتال في غزة فقد انتصر، لكنه على العكس من ذلك انسحب وفي ذلك دلالة على هزيمته.

وللأسف أولئك الذين يجلسون في مقاعد المتنعمين وينتقدون وجود حرب في غزة من الأساس، لم يزالوا مرهوبين من الترسانة الغربية يخافون الخسائر المادية والقتل، ولذلك تمكنت الهيمنة من بلاد المسلمين واشتد الوهن.

ودفع العدو الصائل يكون بالنفس والنفيس فإن حصلت خسائر في هذه الأنفس وفي هذا النفيس وتمكن الناس من دفعه، فهذا نصر وإن كان يقطر دما، كما أصفه، لأنه تمكن من دفع عدو صائل غاشم، تمكن من دفع نقمة، وإن كان مكلفا دفعه فلا يوجد دفع بدون ثمن! وتكبر تكلفة الدفع بحسب سوء التخطيط أو غرور التنظير أو قلة المعين أو حجم الكيد والعدوان. وهو ما يجب دراسته وتعلمه من هذه التجارب التي تتكرر على الأمة المسلمة. وليس بإلغاء فريضة الجهاد وذمها جهلا وتكبرا.

ولفهم هذا الكلام لنتخيل العكس! أي بقاء الاحتلال وتحريره أسراه وتصفيته الكاملة للمقاومة! هذا هو النصر الذي عجز عن تحقيقه.

ومن لم يراع النصر المعنوي والروح المعنوية وبقي متشبثا بخسائر القتل المادي لا يأتي بشيء. وهذا الذي حدث في فيتنام، لماذا انسحب الأمريكان؟

عندما اكتشفوا أن لا جدوى من قتالهم وأن الأمر لا ينتهي مستمر في حرب العصابات، انسحبوا، وكتبت في مبادئ الحرب هزيمة لأمريكا وإن زينوها بأوسمة البطولة المضللة.

وعقيدة المسلم في الحروب: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)

و(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)

يعلم بأن النصر والهزيمة من الله وحده سبحانه، قال الله عز وجل (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42))

إن نزع شرعية الجهاد عن فلسطين جريمة بحق الدين والأمة، وترسيخ لثقافة الوهن والتنصل، وتحمل مسؤولية مواصلة الجهاد هي التي يجب أن تشغل المرحلة المقبلة، والله يستعمل من عباده من يشاء.

والمسلم يعلم علم اليقين: (وما كان لنفس أن تموت بإلا بإذن الله كتابا مؤجلا) وأن الحروب والجهاد لا ينقص من الأعمار..!

وأن الأزراق بيد الله مكتوبة كما الآجال. وأن التدافع والمراغمة قدر وعقيدة!

ومن يزدري الجهاد وفريضته وواجب دفع العدو الصائل: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)

وهذا ما يحفظ الروح المعنوية في الأجيال ويصحح المسيرة ويستفيد من الأخطاء ليس لإسقاط الجهاد بل لتصحيح الجهاد!

صبرا آل ياسر فإن لكم الجنة. هكذا كان نهج النبي صلى الله عليه وسلم في صناعة الروح المعنوية والثبات في المسلمين وهم بين أحضان الموت!

وليس كما يفعل اليوم البعض بالتسلط على المظلومين وتحميلهم طغيان الكافر المحارب. وهو أساسا عاجز عن نصرتهم ودفع عدو صائل يفسد الدين والأرض.

شبهات المعترضين

photo 2025 01 16 14 35 00

إن أغلب من يعترض على واقع هزيمة الاحتلال في غزة، إما ينتمي لجماعة تعادي المقاومة، لأسبابها المعتبرة وغير المعتبرة، أو لأنه محارب لفكرة الجهاد أساسا فينضم لفريق المعارضين بحجة مصلحة أهل غزة.

وكثير منهم ابتلي بالوهن وبطر الحق!

أما جدوى الجهاد في فلسطين، فهذا أمر قدره الله تعالى على هذه الأرض، هي أرض قتال وملاحم إلى آخر الزمان، وقتال يهود ثابت بنص القرآن قال تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)

فهي أرض صدام ومواجهة إلى آخر رمق، شئنا ذلك أم أبينا لأن عدونا يبني مشروعا يقوم على جماجمنا. فمن داهنه اليوم قتل على يده غدا. ومن أعد له، كان المظفر أو الشهيد إن صدق.

لقد اعترض هؤلاء على اعتبار انسحاب القوات اليهودية باتفاقية مذلة لهم، بعد كل ما فعلوه، هزيمة لغزة، بسبب حجم القتل والدمار في غزة لكنهم لم يدركوا أن كل ما أفجع القلوب من طغيان لم يتمكن من تحقيق أهداف الاحتلال فانتهى للاتفاقية، والحقائق العسكرية تنصف!

لقد كان بإمكان الاحتلال القضاء على قوات المقاومة في غزة لو ملك الاستراتيجية المناسبة لذلك، بعد أن استطاع تدمير كامل غزة تدميرا مروعا.

ومع تفوقهم العسكري الساحق، استمرت المقاومة في حرب العصابات.

 وحققت هدفها الحيوي من القتال، دفع العدو الصائل وإخراجه من أرض غزة باتفاقية ينسحب فيها من كل المنطقة ويخضع لمطالبها في تبادل الأسرى.

إن فشل الاحتلال في القضاء على المقاومة بعد إحاطتها بقواته المتفوقة يعتبر اندحارا لهم. هذا بلغة العسكرية.

وإن نجاح المقاومة في الخروج من حصار الاحتلال وترسانته الضخمة وعدد قواته الهائل، على قلة عددها ولو بخسائر وفجائع، يعتبر نصرا.

لقد تخلصت غزة من الاحتلال الذي كان يهدد مصيرها، واكتشفت المنافقين في العالم. هذا إن تم الاتفاق كما تم التوقيع عليه ودوما نضع احتماليات المفاجآت في أي قراءة للواقع. فالحرب واقع متحرك لا ثابت فيه ولا ساكن إلا عند المغفل!

وبالنظار لتداعيات حرب غزة التي دبرها الله جل جلاله وليس البشر، بقصورهم، فإن كسر الاحتلال الإيراني كان من أبرز انتصارات غزة للأمة المسلمة. ولذلك هو نصر وإن كان يقطر بالدماء.

فالحرب على الإسلام محطات، ومحطة غزة وإن كانت تقطر بالدماء، دحرت احتلالين، الإيراني والصهيوصليبي، ولو بقيت تضمد جراحاتها وتستحضر أحبتها الذين قتلوا، فلم تسمح لهم بأن يبقوا في أرضها على عكس لو أن الاحتلال بقي في القطاع فهنا نتحدث عن الهزيمة!

إن نتيجة معركة غزة فشل للتحالف الصهيوصليبي، بغض النظر عن كمية الإرجاف المرافقة ودوافعها. ولا يعني نهاية الحرب بل الانتقال لاستراتيجية جديدة تتطلب روحا معنوية لائقة وأدبا وإعدادا.

نأتي الآن على النقطة الحساسة التي تمنع الإنصاف

إنها التصنيفات الحزبية والخطابات الجماعتية التي تختزل الصراع العالمي في مساحة الجماعات الضيقة، ولو كان في مقام المقاومة اليوم جماعة أخرى تنتقدها وتذمها، وحصل لها ما حصل، لوجدت لها ألف مبرر لمشروعية قتالها. فكيف بحال غزة اليوم وقد اجتمع عليها أوغاد العالم! ومحاولة التشغيب بقول أن القتال ليس لله، ليس إلا محاولة أخرى لإدامة الاحتلال وتبرير وجوده! مع علمنا أن جميع الجماعات بغض النظر عن أخطائها المنهجية والعقدية والميدانية إنما تسعى لنصرة شعب مسلم وكف العدوان عنه. وهو حق مشروع بسنة التدافع وبالشريعة.

لكن ضيق الجماعات يحرم الخروج إلى فضاء الأمة المسلمة، وفهم سنة التدافع، كما فهمها الصحابة رضي الله عنهم في سورة الروم! وكل جماعة تجاهد بغض النظر عن أخطائها وقائمة الجرح والتعديل في سيرتها، إنما هي الاستجابة لاستمرار الظلم والطغيان والهيمنة والاحتلال في العالم الإسلامي، والأجدر بالوفي الأمين لدينه وأمته أن لا يبخس هذه التجارب حقها من الإنصاف، كما لا يبخل بالنصح والتوجيه بحب الهداية للناس لا التلذذ بانحرافهم وأخطأئهم والشماتة بمصابهم، قد أمن مكر الله عز وجل.

ولابد من الخروج بدرس مهم جدا وهو الحذر من التحالفات والأخطاء المنهجية التي تنقض الغزل وتضعف الصف وتبدد النتائج الواعدة، وتصحيح هذه الأخطاء واجب على كل جماعة حملت السلاح للقتال والجهاد.

وأعيذ كل مقاتل بالله من أن يضع سلاحه ويرجع لحضن الترويض والاستكانة وتبريرات الوهن، بل ليحفظ سلاحه ويرابط مجددا نيته بإخلاص الدين لله وتصحيح المسيرة كما يحب الله ويرضى، لتقدم أقوى وأكثر نضوجا من تجارب النوازل المزلزلة مستحضرا عند ذكر غزة:

(ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ)

توصيات على ضوء حرب غزة

  • الحرب لم تنتهي والصراعي مستمر، وهو صراع أمة كاملة مع تحالفات الكفر والشر مجتمعة، فلا تضعوا أسلحتكم ولا تنزل روحكم المعنوية ولا تهدموا يقينكم، فقد بدأت مرحلة التربص لا التملص! ستتغير الاستراتيجية الآن بعد فشل السابقة، فيجب اليقظة مع كل أسلوب جديد أو مخادعة أو مفاجأة، أو تسلل للأجيال، فلتحرسوا الثغور ولتتواصوا بالعمل والتقوى.
  • ضرورة نشر فقه الإعداد والجهاد والعلم العسكري والحربي، وفهمها، وفهم وسائلها، وكسر أغلال الوهن في الفكر والواقع.
  • ضرورة التصحيح المنهجي لكل أداء منتقد، والانصات للمصلحين والدعاة والناصح الأمين، من الذين يدعون المقاتلين للخير، والابتعاد عن أسلوب المناكفة والشماتة، فلا يفعلها صاحب مروءة في مقام يتلذذ فيه الكافر بقتل مسلم.
  • ضرورة تدوين التجارب القتالية وحفظ التاريخ بأقلام أمينة لا متسلقة ولا منحرفة ولا خبيثة أو كاذبة.
  • ضرورة الاستفادة من نتائج التدافع في غزة بتربية إيمانية مهيبة وحفظ للأجيال بعقيدة قتالية واستقامة تليق، وتعبئة مستمرة بما يتواءم وظروف غزة وكل مكان فيه تواق أمين.
  • ضرورة الخروج من عنق الاقتتال والتراشق والتصنيفات التي يتخلص منها الإنسان من مسؤوليته في دفع الأعداء ونصرة المستضعفين والتحول إلى خطاب مصلح ودعوة تقية، وإيجاد جسور بين الجماعات الجهادية والمقاتلة، لصناعة تحالف إسلامي يقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة.
  • إدامة الوهن إدامة للاحتلال والضعف، فكل ما يدخل في هذه الصناعة ينبذ ويحارب ولا يتلتف إليه، فهو عامل تخلف وانهزام مهما كانت مبرراته، والحذر من أولئك الذين يتمنون انتصار يهود على المقاومة فقط للانتصار على حظوظ أنفسهم والتلذذ بهلاك غزة بحجة أنهم على حق والمقاومة على باطل، وما علموا أن الله جل جلاله ينصر من يشاء بحكمته ومشيئته سبحانه، وغلبت أحقادهم رجاحة العقول! ولا ينفعهم التستر بالمبررات الشرعية لأن الله جل جلاله قد حرم الظلم، وأمر بالعدل والتقوى، فمن يتمنى انتصار يهود على جماعة ينتقدها ويخالفها، ليراجع قلبه وعقيدته فما هكذا تورد الإبل وما هكذا يأمر الدين والخلق!
  • ضرورة حفظ الروح المعنوية في الأمة وحرمان التحالف الصهيوصليبي من التفرد بالساحة والتبجح فيها وكذلك الإيراني الرافضي، يجب أن يكون التواصي على علو الغايات لا على ترف الدنيا الفاني.
  • ضرورة العناية بعلم حرب العصابات والتعمق فيه وتوفير المراجع والداراسات لتطوير فنونه وكل أسباب الجمع والدفع.
  • ضرورة ربط كل ما يجري بالعقيدة والتخلص من أزمة الوعي والتخلف العقدي والخلقي، والتواصي بالاعتصام بحبل الله المتين.
  • ضرورة تنسيق الجهود بشكل تحالف يجمع المسلمين على الأصول ويحفظ مساحة الاختلاف بشرف خصومة في الفروع والاجتهادات وعدم بخس كل حق والتطفيف في التعامل مع مكتسبات التجارب التي يُبنى على حسن توظيفها مستقبل الأمة.
  • ضرورة العناية ببث الهزيمة في نفوس الأعداء وإغاظته ومراغمتهم وصناعة الفشل في أعينهم وقناعاتهم وتخذيلهم، فهذه الأمة لا تموت ولا تزال بمعية ربها منتصرة.

هذا ما تيسر، فما كان من صواب فمن الله وحده سبحانه وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت والإنصاف ما قدرت، ولا أرضى لأحد ظلما أو بخسا، نسأله سبحانه التوفيق والسداد ومقامات الظفر والنصر والشهادة. وصل اللهم على إمام المجاهدين وسيد الخلق أجمعين وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين. وجمعنا بهم غير مبدلين ولا مفتونين ولا ظالمين.

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
محمد الحجي

بحث موفق ومفيد , لكن ما ذا لو ما قامت حماس بخطوة 7اكتوبر هل سيأتي اليهود يقتلون أطفالهم ونساءهم ويدمروا بيوتهم ؟؟ لذلك نريد من حضرتك ومن غيرك أصحاب البصيرة والاسقامة ؛ أن يقولوا لحماس أنتم أختطأتم بفعلكم ذاك , ثم الكلام عن البطولات والصمود لا معنى له أمام الخسائر البشرية التي حصلت . وزوال الدنيا كلها خير من قتل إنسان مسلم .

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x