عندي سؤال مهم بخصوص هذا الأمر.. كيف يمكن الجمع في القلب بين تصديق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق بأنه من أهل الجنة، وبين عدم أمن مكر الله عز وجل؟
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليست تزكية بعينها للمسلم، وإنما توجيها لأسباب دخول الجنة، فمن عمل بها مخلصا لربه، كانت أرجى أعماله التي يطمع أن يدخل بها الجنة.
لذلك العبد يستقيم وهو يرجو رحمة الله وقبوله، وليس يستقيم وهو مغرور ويجزم بأنه من الفائزين، بل يرجو أن يكون منهم وفي ذلك تعظيم لله تعالى وحقيقة الخشية!
أما الأمن من مكر الله تعالى، فعكس ذلك وهو خطير جدا، قال تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
ويحدث غالبا عند من يعاني من الجهل والغفلة أو من ابتلي بتزكية للنفس مهلكة، فيفتقد الخشية من الله، ولا يبال أن يقع في المعاصي والسيئات، لكونه يعتقد الأمان من عقوبة الله، سواء لكونه غافل جاهل، أو لغرور يصيبه لكونه مسلم موحد ولا يضره أن يقع في المعاصي. فيغتر برحمة الله وينسى عذابه، ويسير بالرجاء ويغفل الخشية، لذلك يتساهل بالمعاصي لأنه يأمن العقوبة، وهذا من كبائر الذنوب.
فمفهوم الاستقامة هو في الجمع بين المحبة والرجاء والخشية، في عبادة الله تعالى، ومن ضعفت وانعدمت لديه الخشية من الله تعالى وقع ولا بد في الظلم والانحراف والمخالفة لأمر الله تعالى.
ولذلك هي قضية تعهد للقلب ووجل! وسؤال الله القبول وبذل أسباب رضوان الله تعالى.
فالمسلم يؤدي الفرائض يرجو قبول الله ورضوانه والجنة! ويحذر من معصية الله أو مخالفة أمره، لأنه يخاف الله ويخشاه، وليس كمن أمن مكر الله، فمضى مغترا، “سيغفر الله لي”! بدون أن يعطي لله حق عبوديته وإجلاله وتعظيمه في مقامات الخشية والوجل.
قال الله تعالى في سورة الأنفال في تعريف المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
فحقيقة الإيمان هي في وجل القلب الذي هو الخوف مع التعظيم لله جل جلاله، وهي من أخص صفات المؤمنين حقا.
وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، يبشر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي بالجنة، ومع ذلك لا يركن ولا يقعد ولا يغفل! بل يستمر مجتهدا مسابقا يرجو قبول ربه! ويهتز في مقام خشية ووجل!
فالصحابة رضي الله عنهم المبشرين بالجنة عرفوا الله تعالى وقدروه حق قدره ومن عرف الله أجله وعظمه وأحبه ورجاه وخاف منه، فالخوف والخشية دلالة حاضرة هنا وهي التي تؤمن القلب من الغرور، وكان الصحابة يعلمون أن البشارة توجب الشكر والعمل والصدق، وأن تبدل الحال ليس من الشكر لله، بل يوجب سخط الله، فلذلك لم يغتروا بل سابقوا أكثر، بمحبة ورجاء وخوف.
ونعم من قدر الله حق قدره لم يركن بل زاد محبة ورجاء وخشية، زاد انكسارا وبذلا ووجلا وخشوعا، وهذه صفات المؤمنين حقا. وحقيقة ما يوجبه الإيمان كلما اشتد.
وأما الركون والغرور واللامبالاة بحجة التزكية فدلالة قسوة قلب وقلة حياء من الله عز وجل. نعوذ بالله من قسوة يأمن بها المسلم مكر الله تعالى.
جعلنا الله وإياكم من الذين اتبعوهم بإحسان.