النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

كيف تُهدم البيوت؟!

انعكس فقد الأمة لحكم الإسلام كسلطان ومنهاج حياة ينظم حياتها ويضبط أداء جميع منظوماتها، سلبا، على جميع العلاقات بين المسلمين ولعل أكثر العلاقات تأثرا بشكل مباشر هي علاقة الزوجين بين بعضهما البعض.

لقد أصبح الجفاء هو الغالب على العلاقات الزوجية حين أصبحت العلاقة تقوم على المظاهر والماديات ونظرة المجتمع والتماهي مع متطلبات جاهلية العصر. وأخرجت لنا علاقات زوجية مغشوشة أجيالا هشة أشد جفاء، وأضعف بنية وأكثر عجزا في تحمل أعباء حياة أسرية جديدة، وانتقل الفشل بذلك كالعدوى من أزواج فاشلين إلى أبناء يصبحون كذلك أزواجا فاشلين فكانت مشكلة معقدة مركبة لا بد لها من حل!

وفي الواقع، إذا تأملنا في واقعنا، نجد أن العلاقات الزوجية أصبحت تنطلق وتنتهي في أغلبها، لغير الله فكان لذلك تداعيات مدمرة للبيوت والأجيال، فأي بداية لم تكن خالصة لله، ستنعكس على جيل بعيد عن الله أيضا. ويستمر هذا الضعف ويستمر معه تعثر آلة الإصلاح.

نلخص فيما يلي -بدون ترتيب وباختصار مقصود – أهم الأسباب التي تؤدي لانيهار البيوت وتفككها وحتى وإن لم تنته إلى الطلاق فهي مهدمة في داخلها تفتقد للسكينة والسعادة وحضن الأسرة الدافئ، غلبت عليها وحشة الجفاء والغضب والقسوة والتفكك وإن بدت متماسكة من الخارج!

1. فقدان الإخلاص

إن ما نشاهده اليوم من تفكك الروابط الأسرية وهشاشة العلاقات الزوجية، يرجع بداية لضعف الإخلاص فيها ابتداء، فكل مشروع في حياتنا إن لم يكن لله خالصا كان ضعيفا هشا سريع الانهيار، وما يحصل مع الزواج في زماننا أن الكثير من دوافعه مادية شكلية شهوانية، لا تتعلق برسالة الإسلام والعبودية لله جل جلاله.

تترقب الزوجة الرجل الأغنى والأقدر على تكلفة رفاهيتها، ويتطلع الرجل للمرأة لسد حاجاته النفسية والجسدية، لكن أن يفكر كلاهما في تأسيس أسرة في سبيل الله وإنجاب ذرية ناصرة لدين الله، فهذا أمر لا يفكر فيه الكثير من الأزواج بسبب سلطة الثقافة الغالبة.

كيف نعرف أن البداية غير مخلصة؟ من أول تفاصيل الزواج، من مطالب وشروط مجحفة وسوء ظن بالزوج أو الزوجة، من حفل فيه المعاصي أكثر من الطاعات، من أهداف تسطر ونقاشات تدور بين الزوجين لا يذكر فيها اسم الله ولا يذكر فيها هدف في سبيل الله!

والإخلاص يعني الدخول في علاقة زوجية بإخلاص لا غش فيه وصدق نية وسعي، وأمانة ووفاء، ولا يليق أن ندخل علاقة بتخوين ونية غدر! ولتحقيق ذلك يجب أن تبنى العلاقة الزوجية على هدي القرآن والسنة وبأخلاق السلف الصالح، وأن تتجرد من الهوى والظلم والمعصية!

إن أول معول هدم للعلاقة الزوجية علاقة تُبنى بلا إخلاص لله تعالى، والله تعالى يقول (قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ).

فمن أراد أن يدوم بنيانه، فليجعله لله وإن أراد أن يهدم! فليجعله لحظ نفسه أو دنياه! وهذا يعني ضرورة الإخلاص في اختيار الزوج أو الزوجة والإخلاص في عقد نية الزواج والغاية منه، والإخلاص في السعي في تحقيق هذا الزواج وحفظه وصيانته. ولا يخشى المخلص النهايات أبدا لأن الله مولاه!

2. الذهنية الزوجية

لكون الأجيال تربت على اللهث خلف ما يسمى “تحقيق الذات” ذكرا وأنثى، ولأن أسمى الأهداف لا تتعدى الثبات على وظيفة أو مشروع مدر للأرباح، يدخل الزوج والزوجة في علاقة بناء أسرة وهما يجهلان قيمة هذه الأسرة ويجهلان الحكمة منها والأهداف والأدوار التي يتحملانها كلاهما كي تسعد حياتهما، وبكمّ الجهل الذي يحملانه لا يتعدى الإعداد للزواج، التفكير في تفاصيل الحفل والهدايا و”شهر العسل”، ثم ينصدمان بذهنيات متخاصمة في بيت واحد، وهنا تبدأ مرحلة الامتحان، بعد أن انتهت مرحلة التهاني والمجاملات!، وبدأ وقت الجد، وقت استيعاب حقيقة كل منهما للآخر، فمنهم من يفقد الصبر ولا يعجبه ما يراه من عيوب، ومنهم من يألف الثاني لكنه يصبح غير مثير للاهتمام، ومنهم من يجد صعوبة في فهمه ويستثقل بذل جهد في تحقيق ذلك، والكثير من الجهل في إدارة علاقة زوجية كل ذلك لشدة البعد عن هدي القرآن والسنة، ولشدة الانجرار لما يمليه المجتمع من عادات فاسدة وتدخلات مفسدة!

وهكذا بذهنيتين غير ناضجتين وغير قادرتين على تحمل تكاليف العشرة! يصبح الطلاق أول ما يهدد هذه البيوت. ويصبح لفظ “أنت طالق” و”طلقني” كشربة ماء! لا يلقى بالا لتداعياته ولا لكمّ العناء الذي سبق إقامة هذا البيت!

لذلك كان النضوج وصناعة حس مسؤولية بالزواج من أول ما يتعلمه الرجل والمرأة في عصر السلف الصالح، كان إعدادهما يحصل مبكرا لتحمل أعباء الأسرة، فتتعلم الفتاة كيف تكون زوجة صالحة كعلم يلقن لها، ويتعلم الرجل كيف يكون رجلا قواما ومسؤولا منذ صغره، ولكننا نفتقد لهذا التوجيه وهذه الصناعة الحياتية، لذلك بات مهما على الأزواج أن يتعلموا معنى الزواج قبل الدخول في معتركه، يتعلم كل منهما طبيعة الرجل وطبيعة المرأة ويقيم كل منهما نفسه في المكان الذي قضاه الله له، لا يتعدى حدوده، ومن هنا تبدأ مسيرة قارب في بحر الحياة بأمان، يتهادى به ويتهادى بها!

3. علو الهمة ودنوها

إن أكثر ما يهدد البيوت في زماننا هو دنو الهمة وكذلك علوها، فالأزواج بلا أهداف نبيلة وعبادات تجمعهما في الله سبحانه وتعالى، مهددان في أي لحظة بالانفصال، لأن بركة الطاعة فقدت! ولأن الاجتماع لغير هدف في سبيل الله مهدد دائما بأن يهدم بغلبة حظوظ النفس، ولأن الإنسان يطغى! يجب أن تهذّب هذه النفس البشرية بالإسلام وتستقيم كما أمر الله سبحانه، وتكون عاملة ناصبة في هذه الدنيا وهي ترمق منازل الخالدين في الجنة!

كل علاقة زوجية بهمة دنية، تعاني الانكسار والتعثر، وستبقى تعيش التعاسة، حتى تبصر حكمة خلق الله للذكر والأنثى، وهنا تبصر بنور من الله وتعمل في سبيل أن تنجو من عذاب النار وتبلغ الجنة.

وكذلك علو الهمة يكسر هذه العلاقة! حين يكون الزوج عالي الهمة بنفس تواقة! لكن زوجته عقبة في طريقه، كل ما يصلحه تهدمه، كل ما يجمعه، تبعثره، كل ما يتقدم فيه تمسحه! هنا لا يمكن أن يستمر العيش بينهما، وكذلك الزوجة عالية الهمة، كلما طلبت الحلال أدخل عليها الحرام، كلما ربت أبناءها على دين الله، شغلهم بسفاسف الأمور، فتفترق الطرقات وينهار بنيان البيت!

إن علو الهمة حين يكون عنوان العلاقة الزوجية، لا ينتظر الزوجان إلا بركة وتوفيقا وتيسيرا وكفا لشرور الإنس والجن! ومن اقتدى ببيوت الأنصار والمهاجرين والسلف الصالح أبصر الحكمة!

4. الملل

قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: “لا ملل عندي لدابتي ما حملتني، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري، إن الملل من كواذب الأخلاق”.

وهذه قاعدة واقعية جدا، فإن الملل يدب في العلاقة الزوجية حين تفقد معناها، فإن فقدت العشرة بالمعروف وفقدت الإحسان وفقدت المودة والرحمة، أي معنى للحياة الزوجية غير الملل والسأم والاستثقال وقلة الصبر والميل لإنهائها.

هذا أكثر ما يقع فيه الأزواج، فإن فقدان أعظم ركن في “الميثاق الغليظ” وهو العشرة بالمعروف يهدد أركان العلاقة الزوجية ويهدمها في أي لحظة، إن تعلم العشرة بالمعروف، واجب على الزوجين، والمجاهدة عليه فقه وبصيرة لحفظ العلاقة من تسلل الملل وفقدان الهيبة والقيمة!

إن الزوج العاقل والزوجة العاقلة لا يقابلان الإحسان إلا بالإحسان ولا يقابلان التقصير إلا بالإحسان حتى يحييان في بعضهما البعض السكن ويجبران نقص بعضهما البعض ويكتملان تكاملا مهيبا كلّ بطبيعته، هو برجولته وهي بأنوثتها، فإن لم يستوعب أحدهما ضعف الآخر من ينتظر منه أن يستوعبه! إن علاقة الزوج والزوجة علاقة ذكرها الله كثيرا في القرآن لعظم مكانتها ولسموها في علاقات البشر، ولا يليق الاستهانة بمقامها، فحفظها من أولويات الأزواج، لذلك على كل زوجين أن يراجعا فقه العشرة بالمعروف، ويطبقانه في حياتهما ولا يعنيهما أن يفشل غيرهما فهما في سفينة واحدة وغرقها سيكون له تبعات مؤذية لهما. ولا شك أن فقدان الفهم الصحيح للعشرة بالمعروف هو من تداعيات ضعف التربية التي جنينا من ضعفها الكثير والكثير والله المستعان. ومن أصلح بيته يعرف ما تعني بركات الإصلاح وكيف يبقى ممتنا لربه أن أعانه في هذه المهمة!

5. فقدان المرجعية

لا يمكن أن نسير في رحلة بلا خريطة ولا بوصلة، لا يمكن أن نقيم نظاما بلا منظومة تحكمه، وقد اختار الله لنا الإسلام دينا ومنهج حياة!

فكل علاقة زوجية لم تجعل قلبا وقالبا مرجعيتها القرآن والسنة هي كمن تخدع نفسها وتدخل حربا بلا سلاح، وتدخل صحراء بلا دليل، فتنتهي بالهزيمة والتيه والعبث. لأن الله جل جلاله خبير بصير بعباده خبير بالذكر والأنثى، ولا يصلح لهما غير دين الله سبحانه.

ولذلك كل مشاكل الأسرة وكل حق وواجب يحكمه القرآن والسنة وهدي السلف الصالح، وتحديد هذه المعالم مبكرا في العلاقة الزوجية يختصر الكثير من الوقت والجهد ويكفينا الكثير من المشاكل والصدامات، فتسير العلاقة على بركة من الله، بركة الرغبة فيما عند الله وبركة حب الاستقامة كما أمر الله، حتى إن حصل التقصير من الزوجين، تكون نيتهما الحسنة والصالحة منجاة لهما وإنما الأعمال بالنيّات.

وحين نتحدث عن مرجعية القرآن والسنة وهدي السلف الصالح فيعني أن الاحتيال في فهم النصوص منكر لا يجوز، وأن التهاون في الراسخ والتعلق بالشاذ من تلبيسات إبليس لا نطمع أن نحصل معه على بركات الاستقامة، ومن غشنا فليس منا.

ومن كان منهجه (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) لن يخذله الله ولتكونن مسيرته توفيقا وتيسيرا! وتلك صفة المتقين المخلصين، أما المحتال المخادع أو الظالم لنفسه الذي لا يهمه إلا أن يخفف عن نفسه أي تكليف فبحسب نيته يرزق! والجزاء من جنس العمل.

6. التماهي مع جاهلية العصر

إن أكبر نقطة ضعف بل وأخطر خطر يهدد البيوت بالانهيار، هو التماهي مع جاهلية العصر، هو الانجرار خلف ما يمليه الواقع المحارب لشريعة الله والرافض لها، هو الرضوخ لهذه الجاهلية وتهميش الإسلام من حياتنا، كمنهج حياة، وتصبح تلبية متطلبات هذه الجاهلية هي الأولوية، فلابد أن نصنع في بيوتنا كما يصنع الآخرون، ولابد أن نقبل بكل ما يطلبه الآخرون ونغضب لأجله ونقاتل لأجله، وهذا مرض انتشر في زماننا. وهو حال الزوج والزوجة على حد سواء، يطالبان في حياتهما بما لا يصلح لزواجهما بل يهدمه، فقط لأن الآخرين يفعلون ولأن الأكثرية يتبعون، كطلب الزوج من الزوجة الاختلاط، أو طلب الزوجة من الزوج الخروج للعمل بلا سبب ولا حاجة.

ولذلك فإن الانتصار في التمرد على هذه الجاهلية يبدأ من أول مراسيم الزواج، من أول خطوة يتخلص فيها الزوجان من سلطة الثقافة الغالبة وسطوة المجتمع التي تفرض عليهم ما فيه معصية لله أو تهديدا لحياتهما، وكل ما يحرمهما بركات الاستقامة، يبدأ من رفض كل ما يرفضه الإسلام وتثبيت كل ما يثبته!

ويدرك جيدا كل من جرب هذه الطريق، طريق التمرد على جاهلية العصر، بركاته، لذلك هو يفرض شريعة الله في بيته ولا يبالي برضا الجيران والأقارب، إنما يهمه رضا الله جل جلاله، فلا يقبل الاختلاط لأهل بيته ولا يقبل المعصية بحجة الفرح، ولا يقبل أن يرضي الناس بمتطلبات مادية غير ملزم بها شرعا ولا يكسب منها أجرا! وبالتالي لا يبالي بإرضاء متطلبات العامة، إنما متطلبات الاستقامة في سبيل الله ولو سخط كل الناس.

ولا شك أن في ذلك أثرا مضاعفا في نفسه ومن حوله، ففي نفسه يجد قوة ومعية وتوفيقا وهيبة يعرفها الناس فيه، ومن حوله يتحول لقدوة ويقتدي الناس بقوته في تطبيق أمر الله، فإن انتشرت هذه القدوة لنا أن نتخيل مدى تأثيرها في نسيج المجتمع وكيف سيتحول التمرد على جاهلية العصر لواقع نفرضه فرضا ونعود أنفسنا على الثبات عليه، فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونتواصى بالحق ونتواصى بالصبر.

ونشر هذا التمرد يسمح بتخفيف آثار هذه الجاهلية وتحصين الأجيال من حملات الإفساد والسلخ عن الدين الغربية التي تتربص بنا، إلى أن يقضي الله أمر كان مفعولا ويحكم دين الله حياة المسلمين.

7. فقدان الإصلاح وآلياته

إن الضعف واقع تعيشه كل نفس بشرية وتجارب الأزواج لابد أن يعتريها الضعف فهي تجربة بشرية، ولا يمكن أن يكون البيت مثاليا في كل وقت ولا يمكن أن تستمر العلاقة مثالية في كل حين، ولذلك كان الإصلاح من أهم أعمدة البيوت والعلاقات، والإصلاح قد يكون من تطوع أحد الزوجين بنفسه حين يبصر الخلل، فيصلحه بما يقدر عليه بحكمة وبصيرة، أو بمساعدة ناصح أمين، أو من أهل الزوجين (إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) فإن كان في النية سوء وخبث، فلا أمل في الإصلاح، ولذلك معالجة الإصلاح تبدأ بإصلاح النوايا والوسيلة والمرجعية والاستعانة بالله جل جلاله، والله الموفق. ولا أزال أرى الحوار البناء الصادق من أهم أسباب الإصلاح فلا يحرم الزوجان أنفسهما الصراحة البناءة والصدق في إسعاد بعضهما البعض.

8. الحرام والمعاصي

لا يمكن لبيت قام على الحرام وانتهاك محارم الله إلا أن يدفع ثمن ذلك بمحق كل بركة، سواء كان في مصدر مال حرام أو الاستمرار في الحياة على المعاصي والاستهانة بها والمجاهرة بها، فهذه بيوت مهددة بالانهيار وافتقاد بركة الخير والحق في أي لحظة! قد أوكلها الله لنفسها. فكيف تحلم بحياة طيبة وفيها خبث!

والعقلاء يحفظون بيوتهم وذرياتهم بالحرص على كل حلال وحق وتطهير حياتهم من كل حرام وباطل.

9.الحكمة من الزواج

إن افتقاد الحكمة والهدف من الزواج يكون غالبا من أهم أسباب انهيار هذه العلاقة، فالزوج الذي لا تعفه زوجته، والزوجة التي لا يعفها زوجها من أكثر المشكلات التي تهدد صفاء العلاقة الزوجية، وهو ما يهمله الكثير من الأزواج لتراكم الإهمال والأحقاد والمشاكل وتشكل أسوار الجفاء بينهما، فتصبح العلاقة رسمية أكثر منها زوجية، ويفتقد كلاهما إلى المودة والرحمة، ويصبح الحلم خارج إطار البيت وتنهدم أركان الألفة!

والزوجان العاقلان لا يسمحان لأنفسهما بالوصول لهذه المرحلة، فيؤدي كل منهما ما عليه، فالزوج والزوجة كلامهما مطالبان بحسن التبعل والتعامل مع بعضهما البعض بالحسنى وحفظ وقت خصوصية ومودة لا يساوم عليه. ولا يمنع وجود مشاغل ولا أطفال، فهذا جزء من الحياة الزوجية بل هو من روحها وسبب دوامها. وهو جوهر السكن!

10.الخبث والطيبة!

لا يمكن أن يجتمع خبيث وطيب في أي علاقة، لابد أن يحصل الاصطدام ولذلك الكثير من العلاقات تنتهي بسبب هذا الاجتماع غير السوي، والمخالف لطبائع النفس البشرية في الاجتماع والتآلف، ولذلك ليس كل انفصال سيء وليس كل طلاق مذموم، فأحيانا كثيرة يكون الخبيث والطيب لا يجتمعان ولابد من انفصال ولا يعني ذلك أن هدم البيت كان سيئا بل كان سنة من سنن الله! وهذا من رحمة الله بعباده!

11.عدم التوافق!

يحصل كثيرا ألا يتفق الزوجان رغم صلاحهما واجتهادهما لأن هناك حواجز نفسية تمنعهما من الانسجام، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وبغض النظر عن أسباب تنافرهما، وعجزهما عن التواصل ففي العديد من الحالات قد ينفصل صالحان لأنهما لم يتمكنا من التفاعل كزوجان وهذا لا يعيبهما، ولا يعني فشلا بل يعني (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما)!

12. العالم الافتراضي والإعلام

يعتقد بعضهم أن الحياة عبارة عن قصة مسلسل أو حساب على مواقع التواصل ينشر يومياته السعيدة، وقد يهدم بيته في محاولة لمجاراة هذه المشاهد الافتراضية والدعايات الافتراضية والعقلاء لا يجعلون حياتهم تقاس على مقاسات “الافتراض” بل يجب أن نعيش واقعنا بكامل معطياته ونتعامل معها بحكمة وبصيرة لنحول حياتنا لجنة، بما توفر لنا من أسباب لا أن نصاب بهوس “تقليد الغير” و”حسد الغير” ومحاولة تكرار “تجربة الغير” فكيف حين يكون هذا الغير عالما افتراضيا أو مسلسلا صيغت قصته لكسب المشاهدات وحياة الممثلين أتعس مما تظهر عليه في الشاشات.

إن أكثر من يتأثر بهذه القصص هن النساء، تظن الواحدة أن السعادة في تعامل تراه على الشاشات وقد تكون السعادة أقرب لها ويجتهد زوجها ويبذل روحه لإسعادها لكنها لا تراها سعادة لأن مقياسها افتراضي مشوّه بعيد عن الواقع.

لابد أن يحسن الأزواج تقدير البذل والعطاء مهما صغر، وتقدير كل التفاصيل واللحظات لإعطاء قيمة لحياتهما فإن جسر الثقة والأمان إذا انكسر يصعب جبره وترميمه، وهو الذي تقوم عليه العلاقة الزوجية السوية.

13.الثقة

يمكننا أن نعتبر الثقة أحد أهم أسباب الاستمرار أو الانقطاع في علاقة زوجية، فإذا دخل الشك وتسلل لحياة زوجية، فلابد أن يهدم فيها جزءا وأجزاء، ويهدم البيت كله إن لم يحسن التعامل معه، وكثيرا ما يساء التعامل مع هذا الشك وبدل أن تبنى الثقة تهدم وتتهم!

ولذلك الأزواج العقلاء يبدأون حياتهم بصدق وشفافية، وباحترام مكانة كل منهما ومساحته، ويعتنيان بتنمية روابط الثقة، والحرص عليها وعدم الاستهانة بها لأن بنيان علاقتهما يقوم أساسا على هذه الثقة. ويُسهّل هذه المهمة فهم ما يريده الآخر وما يحبه وتقر له عينه، فتطيع الزوجة الزوج ويستوعب الزوج ضعف زوجته ويجتهدان في حفظ علاقتهما كأصدق وأنبل ما يكون.

14.الأبناء

في حين يجب أن يكون الأبناء أحد أهم أسباب استمرار الزواج يحصل في زماننا أن يصبحوا أحد أسباب انهيار هذا الزواج، وذلك حين يختلف الزوجان حول طريقة تربيتهم واستقامتهم، ويخون أحدهما الآخر إن تم الاتفاق على منهجية بعينها، وقد يحصل أن تحب المرأة الأبناء أكثر من أبيهم وإن وقع في نفسها بغض له، أبغضتهم فيه، وهذا خطأ كارثي يهدم الطفل منذ صغره ويعيش بإحساس مضطرب، وكذلك الأب الذي يجد الأبناء يقتربون أكثر من أمهم فينعزل ويبتعد ويتركهم لتربية لا توازن فيها، وبالتالي تصبح لبنات البيت مهددة وهشة وترابط الأفراد فيه لا يبشر بخير وما أسهل طلب الطلاق والاستغناء في هذه الحال، وما أكثر العقوق بعدها!

15. فقه الأولويات في العلاقات

قد يكون أول أسباب الانفصال في علاقة زوجية سوء الفهم لفقه الأولويات في العلاقات، فيصبح أهل الزوجة يتدخلون في كل تفاصيل حياتهما ويصبح أهل الزوج يتحكمون في كل تفاصيل حياتهما وتصبح حياة الزوجين حلبة صراع بين الأهل ! ويروح ضحيتها أبناء وأسرة! وكذلك الأمر بتقريب صديق أو صديقة على حساب هذه العلاقة وإطلاعهما على أسرار البيت! ومن هنا تحصل ثغرات التخبيب أيضا.

والمغفل لا يلومن إلا نفسه والمغفل هو من يهدم بيته وسعادته بيديه.

16.التقصير في الاستعانة بالله والسعي بالخيرات

يتربص بالأسر السعيدة أعداء إنس وجن، ولا بد للمسلم أن يستعيذ بالله من شرهما، وقد يمكرون للتفريق بين الزوجين بكل ما يمكنهم من مكر وتخبيب، لذلك يتحصن الزوجان بالعبادات والأذكار وإعظام التوكل على الله واليقظة، ويبتعدان عن كل شر يتربص بهما ويقطعنا يد كل لص يحاول التفريق بينهما.

17.الجفاء!

إنه لمؤسف بشدة أن نشاهد أسرا كاملة تقوم علاقة أفرادها على الجفاء، بين الأب والأم، بين الزوجين والأبناء، وبين الإخوة والأخوات أنفسهم، إنه مرض خبيث جدا انتشر بين أفراد الأسرة المسلمة ولا يجب أن نسمح له بالانتشار، وأول الجفاء يتشكل بالبعد عن هدي الكتاب والسنة في التعاملات، وفي إهمال معالجة أسبابه مبكرا، وفي التسويف في تحمل مسؤولية الإصلاح وفي عدم تقدير قيمة العلاقات الأسرية والاستهانة بها، في تربية ضعيفة هشة مهملة، في أب وأم لم يزرعا الحب بين أبنائهما وروح الأخوة والتعاون على البر والتقوى، في لهث خلف ملذات الدنيا وإهمال للصلاة والعبادات والقربات، في اضطراب الأدوار، فالأب مهمل، والأم مهملة والأولاد يتربون بطريقة “الصدفة”! إنها كارثة أن تكون بيوت المسلمين تعاني الجفاء، لا يثق الزوج زوجته ولا الأخ أخاه أو أخته! فنسمع عن جرائم يشيب لهولها الولدان، ونسمع عن قصص غدر واقتتال لأجل مال وحظ نفس وجرأة على تعدي حدود الله، والعياذ بالله.

لابد من هزة كاملة لهذه العلاقة وتوبة وإصلاح لمفاهيم الحياة والأسرة، ولن يصلحها إلا عودة كاملة لدين الله وخشية منه ووجل، لن يصلحها إلا حكمها بحكم الله جل جلاله وبشريعته الغراء!

والعقلاء يحاولون كسر هذا الجفاء، فيحفظون نصيبا من المسامحة والإصلاح وصلة الرحم والاستيعاب، وفقه الأقربون أولى بالمعروف وإيتاء كل ذي حق حقه لتكون الأسرة كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص لبنة صلبة قوية في مجتمع مسلم.

وهذا يعكس لنا درجة أهمية سلامة العلاقة الزوجية باحتكامها منذ البداية لشريعة الله تعالى، كي نحفظ الأبناء من هذا المرض وهذا التفكك المرعب الذي يتوعدهم بالبعد عن نور الهداية! فكيف سيكون المجتمع بأسر روحها الجفاء!! والاستدراك بصيرة!

18. القناعة والرضا

مع أن الزواج مساحة من الحلال جعلها الله للرجل والمرأة بكامل حقوقهما فيها التي تكفيهما وتسعدهما وتلبي حاجاتهما النفسية والجسدية والاجتماعية، إلا أن القلة من يعيش هذا الحلال كاملا، بل وكثير من الأزواج لا يرضى بما قسمه الله له، وتراه يعيش أحلام اليقظة، بزوجة بمقاييس إعلانية، وزوج بمقاييس أفلامية!!

فيترك الخير الحلال أمامه وبدل السعادة به، يحرمها لطمعه وجشعه وتفكيره في الحرام، وكم من الأزاوج سعادتهما بين أيديهما لكن كثرة الالتفاف والكبر أفقدهما البصيرة والرضا بما هو بين أيديهما، فبدل أن يقضيان الحياة يسعدان بعضهما البعض، وأسباب السعادة حاضرة بينهما، يبحثان عنها خلف الجدران والأحلام! وهذا غبن ما بعده غبن، وحرمان ما بعده حرمان.

وإن من شكر النعم أداء حقها وقبولها وإيتاء زكاتها، وزكاة نعمة الزواج، العشرة بالمعروف وحسن الصحبة وتقدير المعروف وتقدير النعمة! ومن يتأمل حال الخاطبين قبل الزواج ثم بعده يدرك أن كفر النعم صفة غلبت في مجتمعاتنا، فقبل الزواج يكثرون الشكوى والتأفف من الفقد، وما أن يكرمهم الله بالزواج حتى يبدأ كفر النعمة والتطلع لغيرها، لنعلم أن الإنسان الذي لا يقدّر النعمة يحرمها ولو كانت بين يديه! فهو أعمى بصر وبصيرة والله المستعان.

وما الحياة الزوجية إلا مرحلة في هذه الدنيا يجب أن نسخّرها لبلوغ المراتب العالية في الجنة، وإن تعذر، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فانظر لعظمة هذا الدين! ومن فقه عظمة هذا الدين فلن يشقى أبناؤه حتى لو حصل الطلاق لأنهم أبناء رجل وامرأة يخافان الله ولا يظلمان! وكم نحن بحاجة لترسيخ هذه المفاهيم، “الخشية من الله” في العلاقات الزوجية، سواء خلال الزواج القائم أو بعد انهياره إن انكسر! وذلك الفرق بين المتقين والمغرورين!

19. الاستهانة بالميثاق الغليظ

إن الزواج ميثاق غليظ! ويجب أن يتربى الأطفال على معرفة هذا الأمر من خلال انعكاس علاقة الأب والأم أمامهما، ومن خلال تعلم القرآن والسنة وهدي السلف الصالح. وكلما أدرك الزوجان أن هذا الزواج ميثاق غليظ، أحسنا العشرة وكانت التقوى عنوان علاقتهما، يهمهما رضا الله والخوف من الظلم ومعصيته سبحانه. فيحفظان هذا المفهوم في أعين أبنائهما حتى في قلب الخصام والأذية، يحفظان أعين وأسماع أبنائهما مما يجرّأهم مستقبلا على تعدي حدود الله. فالأسرة مدرسة وحتى إن فشلت في الاستمرارية يجب أن تورث المفاهيم الصحيحة للأبناء، كيف يكملوا مسيرتهم باستقامة لا اضطراب، بحسن أداء لا تكرار للفشل.

لقد حاولت جمع أبرز الأسباب التي تؤدي للطلاق، ولا شك أنها عديدة، لكننا هنا نحاول تسليط الضوء على الأكثر أهمية لمحاولة تفاديها وصناعة وعي لدى الأزواج والمقبلين على الزواج، لحفظ العلاقة الزوجية حيّة نابضة قويّة، فهي رأس مال سعادتهما واستقرار حياتهما، وهي خير كبير يعود عليهما وللأمة برمتها، يجب أن نوليه الاهتمام الأكبر.

منذ أول لحظة اختيار إلى كل لحظة معاشرة بالمعروف، إنها قصة مجاهدة وعبادة، وقصة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وخفض جناح وجبر ضعف وتكامل وتعاون على البر والتقوى واستعانة بالله جل جلاله لإقامة الأسرة على الإسلام فتنعم ببركات رضا الله جل جلاله وتوفيقه، حياة طيّبة!

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x