النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

كيف تنصر المسلمة اليوم أهل غزة؟

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

نجتمع اليوم للحديث عن موضوع يشغل بال الكثير من المسلمات، المتحرقة قلوبهن لتقديم شيء لأهل غزة، والخروج من مرحلة المتفرج إلى مرحلة العامل المؤثر. وهذا موضوع يتطلب تفصيلا وإبانة، وتأصيلا كذلك، نستمد الحكمة فيه والهدي من كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم كما أرادها الله أن تكون، ونقتدي في تطبيق ذلك بنماذج السلف الصالح، أصدق تجربة بشرية حملت رسالة الإسلام للعالمين.

فاللهم يسر وأعن واهدنا سبلك ربنا ..

خلفية تاريخية عن دور المسلمة في صدر الإسلام الأول

photo 2025 04 12 13 32 17


اعلمن أنه ما من فصل من فصول ملاحم الإسلام في التاريخ إلا ووقفت فيه المرأة المسلمة على قدر المسؤولية، تسد ثغرها وتؤمّن دورها، كما تقتضيه فطرتها وعقيدتها، فكل مجد سطر كان للنساء المؤمنات سهم فيه ودور لا يخفى. ومن يتأمل كيف كان دور نساء السلف الصالح، في فترة الإسلام الأولى، حين كانت الحرب على الإسلام الأشد والأنكى والحصار لفرصه في الصعود الأشرس والأخبث، يدرك دورها العظيم في نصرة دينها وإمداد الرجل بأسباب القوة والسيادة!

لقد كانت المؤمنة تخفي إيمانها وتُقتل لإيمانها! وفي ذلك حكما ودروسا نحتاج أن نتدبرها.

📌 أمنا خديجة مدرستنا الأولى

قدمت أمنا خديجة رضي الله عنها المثال الأوفى لحال المؤمنة الأبية في صدر الإسلام الأول، كيف كان دور زوجة النبي في بداية دعوته التي يكذبها أغلب الناس، ويعرض عنها أكثر القادة والقبائل، بل وتحارب ويحارب لأجلها ويرمى بالإفك والبهتان، كانت خديجة المثال الحقيقي للمرأة السند التي يكتمل بها الرجل في مسيرته لإعلاء كلمة الله تعالى.

يقول الرافعي عن خديجة وصفا جميلا جدا:
“أما خديجة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت في هذه المحنة قلبا مع قلبه العظيم، وكانت لنفسه كقوله “نعم” للكلمة الصادقة التي يقول لها كل الناس “لا”؛ وما زالت المرأة الكاملة المحبوبة هي التي تعطي الرجل ما نقص من معاني الحياة، وتلد له المسرات من عواطفها كما تلد من أحشائها.
فالوجود يعمل بها عملين عظيمين: أحدهما زيادة الحياة في الأجسام، والآخر إتمام نقصها في المعاني.” وحي القلم – الجزء الثاني.

لقد علمتنا أمنا خديجة كيف يكون أول دور للمؤمنة، سندا وتأييدا لزوجها، كيف تكون له عونا على مهمات الأنبياء، كيف تكون نعم الزوجة للرجل! كيف تكون الصادقة، لا تتأخر في مقام صدق ولا تخذل صادقا!

وهنا أول حكمة ودرس: أول دور للمسلمة هو أن توفي دورها حقه كاملا، فدور الزوجة أن تعطي زوجها كل ما يمده بأسباب القوة والثبات في سبيل الله عز وجل.

📌 المرحلة المكية

يمكنني وصف مرحلة مكة، بمرحلة إرهاصات التمكين، مرحلة ابتلاء التعذيب والقهر والاضطهاد التي أعقبتها منحة الهجرة. مرحلة الإعداد لتكاليف السيادة.

فما أن أظهر الله رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى وثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم فذاقت المسلمات كما المسلمين ألوان الظلم والطغيان، من الضرب والتجويع والتحقير في رمضاء مكة، مما يعجز القلم عن وصف وحشيته، ولعل مشهدا واحدا يلخص لنا كل ذلك، مشهد مقتل سمية أم عمار على يد عدو الله!

لقد قتلت مكبلة اليدين يحيط بها ضربات الكبر والغطرسة لطاغية متجبر ولا تنهزم! لقد كان هذا مقام بلاء أبلت فيه سمية البلاء الحسن، واستشهدت ولم تنطق كلمة الكفر! فكان نصرا عظيما لها وهزيمة مخزية للطاغية!

سمية لم تكن الوحيدة التي لقنتنا هذا الدرس، درس الثبات على العقيدة في أوج الاستضعاف والاضطهاد فقد عذب الرجال والنساء بأقسى وسائل التعذيب وطرقه، ولكنهم جميعا ضربوا لنا المثل الأوفى في الثبات والجهاد من أجل العقيدة والمبدأ، فتحدوا العالم بما يملكونه من قوة إيمان ويقين لا ينهزم.

وهنا حكمة ودرس آخر: الثبات على الإسلام مهما كلف الثمن، وفداء الدين مطلب شرف والأولوية الأولى في حياة المؤمن والمؤمنة..!

وأنقل هنا اقتباسا من كتاب الكامل في التاريخ عن حقبة الاستضعاف يذكر نماذج عن صبر وإباء المؤمنات في ذلك الوقت:

“ومنهم : لبينة جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي بن كعب ، أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب ، وكان عمر يعذبها حتى تفتن ثم يدعها ، ويقول : إني لم أدعك إلا سآمة ، فتقول : كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم ، فاشتراها أبو بكر فأعتقها .

ومنهم : زنيرة ، كانت لبني عدي ، وكان عمر يعذبها ، وقيل : كانت لبني مخزوم ، وكان أبو جهل يعذبها حتى عميت ، فقال لها : إن اللات والعزى فعلا بك . فقالت: وما يدري اللات والعزى من يعبدهما ؟ ولكن هذا أمر من السماء وربي قادر على رد بصري ، فأصبحت من الغد وقد رد الله بصرها ، فقالت قريش : هذا سحر محمد ، فاشتراها أبو بكر فأعتقها .

( زنيرة بكسر الزاي ، وتشديد النون ، وتسكين الياء المثناة من تحتها ، وفتح الراء ) .

ومنهم : النهدية ، مولاة لبني نهد ، فصارت لامرأة من بني عبد الدار فأسلمت، وكانت تعذبها وتقول : والله لا أقلعت عنك أو يبتاعك بعض أصحاب محمد ، فابتاعها أبو بكر فأعتقها .

ومنهم : أم عبيس ، بالباء الموحدة ، وقيل : عنيس ، بالنون ، وهي أمة لبني زهرة ، فكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها ، فابتاعها أبو بكر فأعتقها .” الكامل في التاريخ: 665

📌 المعية الربانية حاضرة دوما

ومما يجب التنبيه إليه أن الله تعالى لم يسلم المؤمنين والمؤمنات ليد الكافرين، وهذه من أهم الفوائد التي نحتاج لتسليط الضوء عليها، فرغم أن الطغيان كان في أوجه إلا أن الله تعالى سخر لعباده ما يعينهم على الثبات، وهداهم سبل النجاة..! فإن مع العسر يسرا، في كل كرب وضائقة مهما بدت دامية ووحشية، هناك رحمة الله تتنزل وإن لم نستشعرها نحن فإن من هو في قلب المحنة وقلبه مؤمن سينعم بفضائلها!

وقد سخر الله تعالى لهم قوة الإيمان في قلوبهم التي هونت عليهم كل مصاب وأمدتهم بأسباب الصبر والجلدة! وحب الشهادة!! وسخر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “يطعم جائعهم ويعلم جاهلهم” كما وصفت ذلك أسماء بنت عميس، رضي الله عنها، ثم أبو بكر الصديق يفك قيد الأسرى المكبلين في رمضاء مكة، كبلال الحبشي وعامر بن فهيرة. وسخر لهم التواد والتراحم الذي خفف من عبء المرحلة!

ثم فتح لهم باب الهجرة، قال صاحب الرحيق المختوم:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن، وفي أول رجب هاجر فوج من الصحابة إلى الحبشة كان مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان ومعه السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتتمة للفائدة، فإننا نذكر لك عدد المهاجرين في الهجرة الثانية، وهم كما ذكر أهل السير ثلاثة وثمانون رجلاً وثماني عشرة امرأة أو تسع عشرة امرأة. والله أعلم”.

وهنا حكمة ودرس آخر: أن للثبات على الإيمان والمبدأ، فضائل وموجبات ويسر وتأييد ومعية ربانية لا تباريها معية، وأن الله تعالى يسخر لعباده من نفوسهم وخلقه ما يشاء،

وأن المرأة كانت حاضرة في مرحلة الثبات هذه وأبلت البلاء الحسن، فمنهن من استشهدت ومنهن من هزمت عدوها بثباتها، ومنهن من هاجرت، مع من هاجر إلى الحبشة، وقصة الهجرة إلى الحبشة لوحدها، قصة عظيمة.

📌 الهجرة إلى الحبشة، مراغما كثيرا وسعة! ومدرسة عظيمة ودرس يحفظ ويتدبر!

كان للنساء في الهجرة للحبشة، الأولى والثانية، الدور الذي قلما يذكر، ولنا أن نتأمل كيف أن نساء وصلن أرض بعداء وبغضاء كما تصفها أسماء بنت عميس، يبدأن من لا شيء بناء حياتهن وتربية أبنائهن وتحمل تكاليف الغربة!

ومن يتدبر سيرة أسماء بنت عميس رضي الله عنها – وإن لفي تدبر سير الصحابيات أرتال العلم والحكمة والأدب – نجدها قد بدأت حياتها في أرض الحبشة بمواجهة كل ما تحمله هذه الأرض من اختلاف عن موطنها، فالبعد عن أرضها وعن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كان ألمه كبيرا، وتحمله عسيرا، وصبرت أسماء التي أنجبت أبناءها الثلاث في هذه الأرض، ولنا أن نتخيل حملها وولادتها وتعبها كل هذه الفترة كيف كانت تعيشه وتتحمله في سبيل نيل رضوان الله والمرتبة السامقة في الجنة ونصرة الإسلام!

تعلمت أسماء خلال هذه السنوات الكثير في أرض الحبشة، فقد تعلمت من طرق علاجهم وعاداتهم وحملت هذا العلم معها إلى المدينة، فأفادت المسلمين به، ومن ذلك التداوي بالأعشاب، ومن ذلك فكرة النعش، قال الشعبي: أول من أشار بنعش المرأة – يعني المكبة – أسماء، رأت النصارى يصنعونه بالحبشة .

لقد حملت أسماء كل ما عاشته في الحبشة معها إلى المدينة من مشاعر وعلوم وتاريخ!

خرجت أسماء بنت عميس مع أول فوج من الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة، وكان هذا الفوج مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، كان في مقدمتهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رحيلهم تسللاً تحت جنح الظلام حتى لا تشعر بهم قريش، فخرجوا إلى البحر عن طريق جدة، فوجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، ولما علمت قريش بخبرهم خرجت في إثرهم، وما وصلت إلى الشاطئ إلا وكانوا قد غادروه في طريقهم إلى الحبشة، حيث وجدوا الأمن والأمان المنشودان.

قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (النحل:41) قال قتادة – رحمه الله -:”المراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين “

📌 صفات النساء المؤمنات

خلال هذه المرحلة، مرحلة الإسلام الأولى، أظهرت المؤمنات صفات مهيبة حري التطبع بها والتأدب بها وتهذيب النفس عليها، على رأسها:

  • قوة الحق في النفس، وقوة المبدأ ووضوح الرؤية والهدف، فلا شيء يحرف المؤمنة عن مسارها نحو الجنة!
  • الصبر على البلاء والشدة والاحتساب والتصبر وإعانة المؤمنين على ذلك.
  • القدرة على حفظ الأمانة والسر، والكتمان، لم يكن يخرجن أسرارهن في التحرك والخروج في حفظ تحركات الزوج وأخبار دعوته، كان لحفظ الأمانة والسر دوره العظيم في نصرة الإسلام في تلك الحقبة وكل حقبة.
  • القدرة على التخفي والتحرك بأسباب أمنية، كانت المؤمنات ملتزمات بالتوجيهات، فلم يخرجن عن أمر الرجال ولم يتصرفن بتهور، بل كن حيث يجب، وفي صيانة لأنفسهن.
  • الثبات عند المواجهة حين تقع، فلم تبحث سمية عن كشف سرها، ولم تبحث عن المواجهة مع الطاغية، لكن قدر الله أن ينكشف، وحين انكشف، كانت الصحابية الجليلة الأوفى لإيمانها، والأصبر على تكلفة الثبات عليه في زمن الطغيان! وكانت الشهادة خاتمة الشرف الأرجى!
  • العمل على تسهيل مهمة الرجال، فكن يقمن بأدوارهن في حفظ الأسرة وتربية الأبناء في خضم كل هذه الأهوال التي مر بها المسلمون، في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. وفي الوقت نفسه عشن الشوق الكبير لكل آية تتنزل ولكل حديث ودعوة حق وهداية، لقد كنّ متعطشات لتعلم دينهن والعمل به وفدائه!

واستمر حال المسلمات بهذا الشكل. علم وعمل، صبر وفداء!

إلى أن أذن الله جل جلاله بالهجرة في سبيله إلى المدينة، مستقبل الأمة الواعد، فكانت مرحلة لها فصولها المهيبة.

📌 كيف كانت المسلمة في مرحلة الهجرة إلى المدينة؟

أول ملاحظة عن واقع المسلمة آنذاك هي استجابتها لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بسرعة وبلا تردد أو لجلجة، لقد استعدت المؤمنات للهجرة، وللتضحية، لم يكن يثنيهن على الفرار بدينهم شيء من زخرف الدنيا أو ذكريات الوطن أو روابط عائلية وقرابات ولا حتى مصالح تجارية وأعمال.

ومن أروع الأدوار التي شهدتها هذه المرحلة دور أسماء بنت الصديق، وكان دورا يمكننا أن نلخصه في كلمات “الأمانة والثقة بوعد الله” هكذا كانت ابنة الصديق، أمينة على ثغرها، أمينة على سر نبينا وأبيها، متقنة لدورها، في إعداد الطعام، الذي قد تزدريه بعض النساء، بينما إطعام الرجال من أولى الثغور إتقانا، فكيف حين يكون النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الأب، ويكون المهاجر والمجاهد!

ومن الأدوار التي قامت بها المسلمة في هذه المرحلة، تولي مسؤولية تربية الأبناء على حمل راية الإسلام وفي ذلك أمثلة جميلة، لأمهات الصحابة وحرصهن على إخراج فرسان ينصرون الإسلام ويرفعون رايته، هذه الجهود يكفي الدلالة على عظمتها وحيويتها في حركة الإسلام وصعوده وسيادته، النظر في ما فعله هؤلاء الصحابة الصغار الذين تربوا في كنف أمهات مؤمنات موقنات، حارسات لثغور التربية، ماذا فعلوا في تاريخ الأمة، وحجم الإنجاز يغنيك عن كل شرح!

لقد كانت المؤمنات قوام الدين وركائز في بناء دولة الإسلام، ولم يتركن ثغورهن مهملة، فكان لهذا التفاني بركاته الجليلة.

لقد استمرت المؤمنة تحفظ زوجها في عرضه وماله إذا خرج للجهاد والغزو، وقلة منهن يخرجن للتطبيب والإطعام في الحروب والمعارك، ويصبرن أزواجهن وأولادهن على تكاليف الجهاد.

لقد كن مثالا واقعيا جميلا لوصف النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأل عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي المال نتخذ؟ قال صلى الله عليه وسلم (ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة تعينه على أمر الآخرة). صحيح الترغيب,

فلتقارن الحال بين نساء اليوم ونساء ذلك الجيل؟ نساء اليوم أغلبهن عالقات في شراك الأنانية وحب الذات والتنافس المذموم على الدنيا! بل بعضهن غائبات بل غارقات بالمحرمات، وأصبحن معول هدم في يد أعداء الدين ضد الأمة من عقر دارها بما سموه دعوات وأهداف تحرير المرأة، ولم يسلم من هذا الكيد إلا من رحم ربي.

كيف كان دور المرأة المسلمة في العصور المتقدمة وفي ذروة الاضطهاد والجهاد؟

photo 2025 04 12 13 36 19

📌 المسلمة في العصور المتقدمة

يزدان تاريخ الأمة في مراحل الجهاد والدفع للظلم والطغيان بنماذج النساء الوفيات لدينهن وأمتهن، ويصعب علي حصر كل الأمثلة ولكنني سألخص لمحات سريعة كافية لنبصر قيمة الدور وهيبته.

كان دور الإنفاق بارزا جدا في فصول التاريخ للجهاد، كانت المسلمات في الصفوف الأولى للإنفاق في سبيل الله، فأقمن الأوقاف وبعثن الأموال والمصاغ ولم يزلن يأخذن بوصية نبينا صلى الله عليه وسلم “تصدقن”.

ولعل أبرز دور أراه كان مصيريا في استمرار الإسلام في الأجيال، هو دورهن في التربية، لقد كانت المسلمات قائمات على تعليم القرآن وتعاليم الإسلام وإن اقتضى الأمر أن يكون ذلك تحت الأرض في الملاجئ التي خصصت لذلك.

كان ذلك بارزا في تاريخ الإسلام في وسط آسيا، لقد تولت المسلمات تعليم الأبناء تحت الأرض خشية الاضطهاد الشيوعي المسعور، واستمر تعليم الإسلام بالسر سنين طويلة وبقي الإسلام رغم كل خطط إبادته الوحشية..!

ومن يدرس تاريخ الجهاد الكشميري ضد الاحتلال الوحشي والطاغي الهندوسي، يدرك كم فرطنا في تدريس هذا التاريخ للأجيال المسلمة التي لم تتعلم من التعليم النظامي إلا ما يناسب مصالح الرأسمالية والهيمنة الغربية!

من المواقف المشرفة، في هذا التاريخ، دور النساء المسلمات الكشميريات اللاتي اتخذن من التزام الحجاب الشرعي وسيلة لجهاد الاحتلال الهندوسي، فقد جعلن ثباتهن على الحجاب الشرعي وسيلة للجهاد وإغاظة الكافرين المعتدين.وأرى في نساء الروهينجا اليوم هذا الدور، فرغم ما يتعرضن له من إبادة وظلم وعدوان نرى المسلمات لا يفرطن في لباسهن الشرعي، ويلبسن النقاب في السفن وخلال رحلات المطاردة بين الحدود، وهذا في الواقع من المناقب التي يجب أن تحفظ لهن.

ثم لا ننسى التلاحم بين مختلف فئات المسلمين بإعلان مقاطعة وكلاء الاحتلال في الإقليم كما حدث في كشمير.

كذلك في جهاد إفريقيا شغلت النساء دورا كبيرا في حفظ أسرار الرجال المجاهدين وتحركاتهم وتحريض المؤمنين، ولدينا في قصة زوجة عمر المختار مثالا جميلا عن كيف تحرض المؤمنة زوجها وتثبته، ومما يُروى أن عمر المختار بكاها عند وفاتها بحرقة وهو الذي عرف عنه الصبر والتحمل والجلدة في المراغمة، وحين سألوه: ما يبكيك؟

قال: كنت كلما جئت إلى خيمتي ترفع باب الخيمة لأدخل، فسألتها: لِمَ تفعلين ذلك؟
فقالت: لكي يظل رأسك مرفوعاً ولا ينحني إلا لله!

هكذا أبصرت هذه المرأة الحكيمة عامل تحريض وتثبيت لزوجها القائد المجاهد، فكان له أثره الذي لا يخفى في سيرته.

ولا ننسى دور المسلمات في جميع بلاد المسلمين من صبر وتجلد وأمانة وتحمل أعباء التربية والخوف! ولو تفرغت لرصد قصص التضحية والإيثار والبذل في الجهاد المعاصر، لأبكيت القلوب، ولكنه تاريخ لا يخفى عن ربنا وفضل يرفعهن الله به,

وأكتفي بالاستدلال على شيئ من فصول هذا الجهاد، دور المسلمة في معركة الفلوجة، وأنقل وصفا وشهادة من كتاب يوميات مجاهد من الفلوجة، صـ64. يقول فيه:

“لا يسعنا هنا أن نُغْمِضَ العين وأن نطوي الصفحة قبل أن نُشيد بالحرائر الصابرات على الدوائر والمُخَدَّرات في بيوتهن .. فقد ثَبَتَ عددٌ كبير من العوائل وتآزرَ رجالها ونساؤها وكانوا نِعْمَ العون لنا. فأمورُ الطعام والشراب وغَسْلُ الثياب إلى غير ذلك من المستلزمات الضرورية والمدد الأساسي لمسيرة الجهاد قام بها أولئك الجنود المجهولون، وهكذا تظل المرأة المسلمة حَجَر الأساس وقاعدة البناء في كل جهاد .. وهكذا فلتكن النساء”.

وأحياناً قد يكون دور المرأة أكثر تخصصا وتطلبا حين تملك معرفة أو خبرة قد توظف في العمل الجهادي. وقد ثبت ذلك في الجهاد في العصر الحديث. لعبت النساء أدوارا في الإعلام الجهادي وجمع البيانات والبحث والرصد والدراسات والدعم اللوجستي وغيره من ثغور يغفل عن أهميتها الناس.

والخلاصة في هذا كله، أن المسلمة لم تتخلف عن ميادين الجهاد والظفر لكنها شغلتها بما يناسب فطرتها وبما أمرها الله تعالى وبما توفر لها من أسباب وفرص. والله يستعمل من عباده من يشاء.

ولو أن أمة الله حين تغيب عن حضور هذا الصراع، تغيب لوحدها لكان الأمر هيناً، ولكنك المصاب جلل، فغياب إماء الله، في هذا الصراع يعني غياب الأمة كلها، فمن يربي الأبناء لتلك المعركة؟ ومن يقف وراء الرجال لخوض تلك المعركة؟، ومن يعد أمهات الجيل القادم ليكملن الطريق بعدك؟

إن حضور المرأة في الصراع ليس اختياريا بل واجبا وعقيدة تفديها بنفسها، إن حضورها بكل إمكانياتها وعواطفها، ركيزة من ركائز النصر ومدد الإسلام في معركته مع الباطل والكفر. وأي انحراف أو انحياز لمعسكر الكافرين يعد معول هدم وهزيمة!

لذا لا بد أن تعي المسلمة أن مهمتها أعظم مما تتصوره أو تستهين به، فهزيمة الإسلام اليوم تتحملها النساء كما الرجال، لأنهن جزء كبير منها.

ويكفي للدلالة على أهمية هذا الحضور والدور، ما تحشده مؤسسات الغرب الكافر لحرف المسلمة عن ثغرها، وما تصرفه من أموال وبرامج ومكائد لتفسيقها وسلخها عن دينها ودفعها لمنازعة الرجال ولاياتهم وأدوارهم والاسترجال، ثم ما تظهره من حنق وبغض للمسلمات المؤمنات المحسنات.

لقد مجدوا الراقصة والمتاجرة بجسدها في كل ميدان، والمغنية والعارضة بلا خجل، وحاربوا الأم في مملكتها، حاربوا الثابتات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات السائحات التي بهن تنتصر الأمة.

تشخيص واجب

photo 2025 04 12 13 38 35

📌 تصحيح مفاهيم خاطئة

مما يجب تصحيح مفاهيمه الخاطئة ابتداء، ولأني أرى انتشارها مؤخرا بين شريحة من النساء، وهي اعتقاد أن على المرأة إعداد نفسها للقتال باليد ومصارعة الرجال ومواجهة جيوش الأعداء، وهنا يجب تبيان قواعد راسخة في الشريعة:

إن المرأة ليست مكلفة في الأصل بالقتال كما كلف الرجال؛ لأن الجهاد من شروط وجوبه الذكورة.

وقد يجب الجهاد على المرأة إذا فاجأ العدو القوم، ولم يستطيعوا الدفاع دون مشاركة النساء. وهو حال أم عمارة رضي الله عنها، فقد اضطرت لموقف القتال ولم تبحث عنه ابتداء إلا في حال مسيلمة الكذاب لنذر نذرته لقتله ابنها ولم تكن وحدها. جاء في الإصابة 4/ 418 من أخبارها قال “ذكر الواقدي أن نسيبة بنت كعب لما بلغها قتل ابنها حبيب بن زيد على يد مسيلمة عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتله، فشهدت اليمامة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعها ابنها عبد الله رضي الله عنه، فقتل مسيلمة وقطعت يدها في الحرب”.

وكذلك موقف صفية رضي الله عنها يوم الأحزاب اضطرت لقتل اليهودي في وقت حرب وخوف. جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم النساء والأبناء في حصن وفصلهن عن مكان الخطر.

وكذلك فعلت أم موسى اللخمية زوج نصير اللخمي والد موسى ابن نصير الذي فتح الأندلس، جاء في الإصابة 4/ 501 “أنها شهدت مع زوجها اليرموك فقتلت حينئذ علجاً وأخذت سلبه، وكان عبد العزيز بن مروان يستحكيها ذلك فتصفه له وتقول: بينما نحن في جماعة من النساء إذ جال الرجال جولةً، فأبصرت علجاً يجر رجلاً من المسلمين، فأخذت عمود فسطاط – والفسطاط بيت من الشعر – ثم دنوت منه فشدخت به رأسه، وأقبلت أسلبه، فأعانني الرجال على أخذه” أ. هـ.

وكما نرى هي مواقف معدودة جدا لقتال المرأة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده، في حالة ضرورة فقط، وليس واجبا وفرضا أو مطلبا تقاتل له المرأة كما تعتقد بعض النساء. بل قام الجهاد لصيانة النساء وحفظهن وحمايتهن، وليس للرمي بهن في ميادين الخطر.

ولا حرج أن تتقوى المسلمة بسلاح أو بأداة للدفاع عن نفسها، وهذا ما فعلته أم سليم فقد جاء عنها أنها دخلت أرض المعركة يوم حنين فداءً منها لدين الله وكان معها خنجراً “فجاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم فقال يارسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تصنعين به يا أم سليم؟) قالت: أردت إن دنا أحد منهم مني طعنته وفي رواية قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك” أهـ.

وليس علي المرأة أن تتمنى ما أوجب الله على الرجال، كما ذكر الله تعالى في قوله: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء:32)

قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله؛ يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث. فأنزل الله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض). رواه أحمد والترمذي.

فكما أن للرجل أبوابا من الخير والأجر، فإن للمرأة أيضا أبوابا من الخير التي تتناسب وفطرتها وإمكانياتها النفسية والجسدية والتي لا تتعارض مع واجباتها المصيرية الأخرى كإعداد المجاهدين، والعلماء العاملين فمن سيزرع حب الإسلام في قلوب الأبناء غير الأم، الأقرب لهم والتي تزرعه فيهم من أول ما يفتحون أعينهم على الدنيا، كما فعلت الصحابيات؟

وإذا استحضرت المرأة نية التقرب إلى الله في هذه الأعمال، فهي في جهاد عظيم.

وميادين الجهاد، والدفاع عن الإسلام التي للمرأة المسلمة فيها دور عظيم، كثيرة، ولا تقتصر على ميدان المعركة.

ومن هذا الهدي القرآني في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195

فالمسلمات ليس عليهن جهاد، لكن إذا شاركن لمصلحة المسلمين عند الحاجة، مثل إطعام المجاهدين وسقياهم، مثل الإنفاق في سبيل الله ومد أهل الثغور، مثل حفظ المتاع والأمانات، مثل حفظ الأسرار وما يضر المسلمين خروجه. مثل توفير الصناعات والمعدات التي يحتاجها أهل الثغور، وهكذا.

روى أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معه نساء فأرسل إلينا فقال (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟) فقلنا خرجنا نناول السهام ونسقي الناس السويق ومعنا ما نداوي به الجرحى ونغزل الشَّعر ونعين به في سبيل الله قال (قمن فانصرفن) فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجل، قلت يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت تمراً.

وفي البخاري وسنن النسائي وللفظ له عن عائشة أنها قالت قلت يا رسول الله ألا نخرج فنجاهد معك فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال (لا ولكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور) وفي رواية أحمد والبخاري قال (لا جهادكن الحج المبرور وهو لكن جهاد).

فمسألة أن تقوم المرأة بالإعداد للقتال لمصارعة الرجال مسألة للأسف انتقلت من الأفلام التركية والنسوية المتأسلمة، التي تعتقد أنها بتدريب جسدها يمكن مصارعة الرجال والانتصار، وما علمت المسكينة أن نساء اوكرانيا يتم سبيهن في وضح النهار! بل والمجندات الأمريكيات يتم اغتصابهن داخل قواعدهن وعلى أيد قياداتهن والجنود! نسأل الله العفو والعافية.

📌 نماذج قدوة

حين يكون حب الله جل جلاله والرسول صلى الله عليه وسلم، فوق كل شيء سنرى قصصا عظيمة مثل قصة أم حرام، جاء في الإصابة 4/ 441 قال “قال رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم في بيت أم حرام بنت ملحان – قال من القيلولة أي نام في الظهيرة – فاستيقظ وهو يضحك وقال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة) قالت فقلت: يارسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟، فدعا لهم، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله .. ) كما قال في الأولى، قالت فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟ قال (أنت من الأولين) فركبت أم حرام بنت ملحان البحر فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رضي الله عنها.

قال ابن الأثير: وكانت تلك الغزوة عزوة قبرص، فدفنت فيها، وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في خلافة عثمان رضي الله عنه في سنة سبع وعشرين” أهـ.

📌 ونماذج الصبر وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك قدوة

ومن ذلك صبر صفية رضي الله عنها على المصيبة واحتسابها لها قال في الإصابة “وفي السيرة من رواية يونس بن بكير قال: قتل حمزة فأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى أخيها فلقيها الزبير فقال أي أمة إن رسول الله يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أنه مثّل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله فجاء الزبير فأخبره فقال (خل سبيلها) فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن” أهـ.

وكم لنا من أمهات وزوجات وأخوات ابتلين في فلذات الأكباد والأزاوج والأحبة، وهن صابرات مصابرات يحتسبن، وهذا جهاد!

📌 وهذه صحابية أخرى قدوة

صحابية لا تعد المصاب شيئاً إزاء سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء في البداية والنهاية 4/ 47 “قال ابن اسحاق عن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله؟ قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟ قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل، قال ابن هشام: الجلل يكون من القليل والكثير، وهو هاهنا القليل قال امرؤ القيس لقتل بني أسد ربهم ألا كل شيء خلاه جلل، أي صغير وقليل”.

📌 والاحتساب عبادة وجهاد

جاء في سير أعلام النبلاء 4/ 508 قال “معاذة بنت عبد الله السيدة العالمة أم الصهباء العدوية البصرية العابدة زوجة السيد القدوة صلة بن أشيم، ولما استشهد زوجها صلة وابنها في بعض الحروب اجتمع النساء عندها فقالت مرحبا بكن إن كنتن جئتن للهناء، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن، وكانت تقول والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الشعثاء وابنه في الجنة”.

ولا يخلو زماننا من القدوات ومما ذكر ونقل، أن الشيخ عبد الله عزام أراد أن يعزي أما استشهد ابنها واسمه سراقة، في أفغانستان، فإذا بها لا تحتاج إلى عزاء، وردت على الشيخ برد أبي وقالت له: الحمد لله على قتل سراقة وسأرسل لكم بعد أسبوع أخاه ليحل محله.

ونماذج القدوات كثير، لا يسعنا نقلها كلها، وكلها تزدان بقوة الصبر والاحتساب، والتجلد، وحسن الظن بالله العلي العظيم.

🔴 نظرة تشخيص عاجل

واقعنا معقد جدا وساحة المعركة فيه واسعة جدا، والعلاج فيه يكون شموليا لا مجتزأ، ومما يجب الاتفاق عليه:

  • الأمة في حالة وهن شديد وركون للدنيا مذل وفاقد العزة والعزيمة لا يصنع مجدا.
  • المسلمون متفرقون، فرقتهم الوطنيات والعصبيات والجاهليات وحتى الأحزاب والجماعات. والجهل والتعالم!
  • إخلاص الدين لله تعالى لايزال بعيدا عن المستوى المطلوب لتحقيق نصاب النصر والتمكين.
  • كمية الجهل بالدين مفجعة في كل حادثة ونازلة.
  • الانهزامية والتبعية حتى بين النخب مثخن وتتطلب صيحة نذير فكيف بالعامة!
  • السطحية في معالجة قضايا الأمة والاجتزاء المطفف، لا يزال رائد الحلول المقترحة، الحلول العاجزة.
  • قلة الصبر وضعف اليقين وسهولة الانهيار، سمة بارزة في المشاهد.
  • لا يزال الإسلام لا يمثل أولوية المسلمين نصرة وجهادا إلا من رحم ربي.
  • المرأة أكثر المغيبات عن ساحات العمل في سبيل الله، قد أثخنت فينا دعوات التغريب بشدة.
  • التعامل مع ذهنيات تجرعت القعود والوهن والتعايش من الضعف يعني تكبد خسائر أخرى لسوء الاستجابة لدعوات الانبعاث وموجبات الدفع للطغيان. وتلك معضلة أخرى.
  • افتقاد المعرفة الوافية بحقيقة الأدوار المناطة بالمسلم والمسلمة والبوصلة ووضوح الرؤية والهدف من أكثر ما أضعف عملية الإصلاح.
  • الجهل بعوامل القوة وتعزيز الانبعاث، والعمل بعاطفة لا بعلم. من أسباب التخلف. وينقصنا الكثير من المعرفة بعلم النهضة والانبعاث.
  • كثرة التأويل والتبرير والتعصب لآراء الرجال، حرم المسلمين حسن التدبر لآيات الله تعالى والاعتبار.
  • الإمبراطورية الإعلامية المهيمنة لا تزال تشتت الجهود وتشوه الوعي.
  • افتقاد التصور العام والشامل وبخس كل جهد وبذل وسوء توظيف الفرص والطاقات.
  • التنظير الحالم والانفصام عن الواقع والميدان، وكثرة الكلام وقلة العمل.
  • الجهل بطبيعة الأعداء والجهل بعمق المصاب في زماننا.
  • حالة عجز تتعلق بأسباب كثيرة في مقدمتها، هوان قيمة المبدأ في النفوس. وتغييب القدوات بل محاربتها وشيطنتها واغتيالها إعلاميا.
  • سهولة الانجرار والتحزب، وضعف الخشية وتفشي أمراض القلوب.

كل ما لخصته فوق جزء من تشخيص مؤلم لحال الأمة، وعقبة في مسيرتها.

والحلول المقترحة في حال النساء هو ما سنتناوله في ما يلي بعون الله تعالى.

كيف تنصر المسلمة غزة؟

photo 2025 04 12 13 42 05

✍️ كيف تنصر النساء غزة؟

يتعلق الجواب على هذا السؤال بمفهوم النصر وسبيل تحقيقه في الإسلام، ويجيب على ذلك قول الله جل جلاله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[ محمد: 7]
فكل خطة للنصر لا تنطلق من هذا الأصل الأول والمفهوم العظيم لموجبات النصر هي هزيمة ومجازفة خاسرة.

ولذلك بداية الأمر أختي المسلمة، بإقامة نفسك على الاستقامة والاستجابة لأمر الله تعالى، فكيف ستنصرين أهل غزة وأنت مفرطة في أهم سبب موجب لنصرها، وهو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. كيف نرفع الأكف نسأله النصر ونحن نعصيه ونتفلت من أوامره ونقع في ما نهى عنه بل ونجاهر بذلك ونقدم كل حق على حقه جل جلاله! مع أن استجابة واحدة كافية لتغيير مصيرنا للأبد!

وحتى تكون الإجابة على هذا السؤال: كيف ننصر غزة؟ عملية ولا نكثر الحديث بدون أن نقدم توجيهات مباشرة يمكن للمسلمة اتباعها، سألخص الآن قائمة ما على المسلمة فعله لنصرة غزة:

1-التوبة إلى الله تعالى من كل تفريط وتضييع لحق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودين الله فيما سبق، والعزم على جعل مسألة إعلاء كلمة الله تعالى أولوية وهدفا.

2-الاجتهاد في الاستقامة كما يحب الله ويرضى والبداية بأداء الفروض كالصلاة والحجاب الشرعي، والإخلاص فيها، والتقرب لله تعالى بما تيسر من الذكر والنوافل والإنفاق والقربات.

3-التزود، فالصراع طويل والمسيرة مرهقة ومكلفة، وقطاع الطرق كثر، فلابد للمسلمة المجاهدة من إعداد للقلب وتزود لملاحم الارتقاء، وهذا يعني تعهد القلب بالعبادات القلبية والخشية والوجل، ووضع نفسها في وسط تستقوي فيه وتشرق نفسها وتجد فيه صحبة تقوي هذا الحق وتنصره ولا تشتتها وتشغلها بسفاسف الأمور وما حط من الاهتمامات أو تحرفها إلى مرتبة الحرب على الدين.

4-تعلم ما لا يسع المسلمة جهله في دينها وتاريخها وواقعها، بفهم السلف الصالح وأن تبتعد عن الابتداع والتنطع والتعمق الذي لا طائل منه، وتجعل قدوتها أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن وتستحضر دوما، أنها ستعود خلافة للمسلمين رائدة ولكنها خلافة على “منهاج النبوة” فهو المنهاج الذي تقيم نفسها عليه وتنشره وتدعو إليه.

5-حين يتحقق هذا النصاب فقد حققنا نصاب الإخلاص لله تعالى، وإخلاص الدين لله تعالى يبنى عليه كل ما سيأتي من بذل لقضية غزة التي هي قضية متصلة بقضية فلسطين الكلية وعلى رأس قضايا الأمة المهمة.

6-على المسلمة أن تبث اليقين وتحرض المؤمنين وتواسي المنكوبين وتذكرهم في دعواتها ووسائل بذلها، والنصرة تتوزع على الميادين التالية:

  • نصرة إعلامية، وتقتضي رفع صوت المستضعفين وجعل قضيتهم بارزة في العالم، بحسب ما تملكه المسلمة من إمكانيات وخبرات إعلامية، وكل ما أتقنته يمكنها أن توظفه، فمثلا بفضح جرائم الإبادة والظلم الواقع على أهل الغزة بترجمة الأخبار للغات أخرى، ونشرها، بإبقاء التدافع الإعلامي حيا، ومستمرا، كي لا تغلب الرواية اليهودية رواية الحق والواقع. وكل وحسب اجتهاده الأهم هو إبقاء صوت غزة مرتفعا لأن لذلك تداعيات لا تخفى لمتدبر. ومن أسباب إقبال المنفقين وإحياء القلوب للعمل.
  • النصرة بالمال، وهذا يعني البحث عن أبواب الإنفاق، وأشدد على أن تكون أبواب ثقات ولا تهدر الأموال في سبل تجار الحروب والمرتزقة الذين تتضخم جيوبهم على حساب آلام ومآسي المسلمين، ومن بحث بصدق وجد. ويمكن البحث عن الشخصيات الموثوقة التي توصل لقنوات الإنفاق، وأهل غزة متواجدون على التواصل، فيمكن التواصل أيضا بمن يعيش النكبة في الداخل ومواساة المال، باب جهاد وتفريج كربات، من أرجى الأعمال في كرب ونازلة غزة.
  • توفير كل ما يمكن أن يساعد أهل غزة للثبات واستدراك نقص المرحلة، مما يقوي القلوب، وما يعلم الجيل ويربيه، بكفالة الأيتام وبتسهيل حصول الآباء على وظائف على الشبكة، إن أمكن، وبتسهيل سبل الحياة لهم بتوفير المعلومة المفيدة وكل ما يخفف عليهم المعيشة القاسية. وما أجمل عبادة المواساة للمسلمين.
  • البراءة من الكفار والطغاة والظالمين وهذا يعني التطهر من كل مساعدة لهم في سفك الدماء المسلمة، فلا تعين المسلمات الظالمين في ظلمهم ولو بكلمة ولا تمكنهم من رقاب المسلمين ولو بتغريدة! فلتكن حذرة من موالاة الكافر والظالم في حرب على الإسلام وليكن واجب نصرة الإسلام حاضرا في كل مشهد.
  • المقاطعة للمنتجات الغذائية وما يدعم اقتصاد اليهود والأمريكان أراها مؤثرة وبالوقت نفسه تدعم الإنتاج المحلي والإسلامي، ووسيلة للتخلص من التبعية لعادات الغرب، فلتغير المسلمة من عاداتها الشرائية ولتكن القناعة والرضى وسيلة ومنهجا. والزهد موجب للحكمة والفتح!
  • الدعوة للتقوى وهجر المحرمات وخاصة سب الله جل جلاله، يجب أن يكون من أهم رسائل المسلمات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم إهمال هذا الجانب، فإن تضييع حق الله تعالى من أعظم أسباب الهزيمة وإثخان العدى، وكلما عظمنا الله في دعواتنا، أيدنا وأرانا من فضله ما تبكي له القلوب المؤمنة.
  • جهاد التربية، وهذا يعني انخراط الجيل في الصراع بفهم ما يجري وتأسيس قواعد وعي عقدية وخلقية وتاريخية ومستقبلية، هذا واجبك أيتها المسلمة، سواء كنت أما أو مربية أو حتى خالة أو عمة، فلا يليق بالمسلمة أن تبكي أمام شاشات المشاهدة وابنها وصغير يشاهدها، لا يعلم ما قصة غزة ولماذا يقتلون وما هو الوهن وتداعي الأمم، وغيره من مفاهيم يجب أن يفهمها الصغار بصفتهم من يحمل الراية غدا! وهذا يعني أن بعد غزة لم يعد للنساء من عذر في التخلف عن تربية جيل مجاهد محب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو فلا عبرة بالتباكي!
  • تعلم عبادة تحريض المؤمنين فقه وبصيرة، والتذكير بحقيقة أن فلسطين وأرض الشام كلها أرض ملاحم والجمع والإعداد من أوجب الواجبات في زماننا. وأول الجمع الصبر واليقين الممتد الذي لا ينهزم أبدا. والدعوة لللتوحيد والسنة.

7-التحصن من الفتن والابتعاد عن العصبيات الجاهلية كالتجمع تحت لواءات الأوطان والأحزاب والتريندات بإخلاص الدين لها، وهذا مما يفقد المؤمنة البصيرة، بل تعصبها يكون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وغير ذلك ميزان حق وعدل، تنصف في مقام الإنصاف وتنكر في مقام الإنكار لا تأخذها في الله لومة لائم، وتلك سبيل إعادة الهيبة لمرجعية الإسلام وجمع الناس على التوحيد والسنة لا الرايات العمية. وتلك سبيل العدل والإنصاف.

8-أم الولد، عليك أن تساهمي في إعداده لمهمات الرجال، وتعلم كيف تحققين ذلك بصبر وتفانٍ وإياك والاستعجال، فمعركتنا طويلة، ومن يروم نتائج سريعة فلم يدرك بعد حقيقة الصراع.

9-أم البنت، عليك أن تساهمي في إعدادها لمهمات النساء، وتعلم كيف تحققين ذلك بصبر كذلك وتفانٍ بلا استعجال، فإن إعداد قلعة للأمة نصر مؤزر!

10-حب الجهاد وأهل الجهاد والثغور والإحسان إليهم وأول الإحسان عدم الانجرار للدعيات المشيطنة لهذه العبادة والنصح لهم بالتقوى والاستقامة. ويدخل في ذلك الوفاء للأسرى بالدعاء وببذل سبل فك العاني. بالمال إن وجد، وبتخفيف حال الأسرة المتضررة إن تيسر.

11-للزوجة التي منّ الله عليها بزوج صالح، إن شد أزره للقيام بمهام ولايته جهاد، وطاعة لله تعالى، وإن كنت ابتليت بزوج ظالم لنفسه، فإن إصلاحه جهاد، وإن تعذر فإن الصبر على هذا البلاء جهاد، والله يجعل لك مخرجا. ولكن لا تجعلي من زواجك محطة انكسار وانهيار وتراجع، فالله يرزقك بقدر استقامتك وتقواك. بقدر صدق إقبالك عليه جل جلاله. ولك في سير الصحابيات مثال وقدوة لعلو مطالب الزوجة، الجنة، لا تتراجعي.

12-لزوجة المجاهد والشهيد، تحملين أمانة عظيمة، أمانة حراسة بيت مجاهد وشهيد، وذريتهما، فلا يهزم الإسلام من قبلك، لا تضيعي الأمانات وتزودي بما يقويك في ثغرك. واحذري الانتكاس أو التراجع فأنت قدوة.

13-العمل المركز والمنظم يقدم نتائج أفضل بكثير من الفوضوية والعشوائية في ردود الأفعال، فمن أرادت أن تجد لنفسها موطئ قدم للعمل في سبيل الله فلا تعمل في اختلاط أو بدون وجهة وليكن العمل المؤسساتي خطتها، وجمع الطاقات منظمة لتحقيق الأهداف المحددة وسيلة، ومن رامت الشرح تراسلني أقدم لها الخطوات والقواعد والأدوات. فهذا لوحده يتطلب جلسة خاصة!

14-لا بد من تطوير وعي بمكائد وخطط العدو، يجب على المسلمة أن لا تنجر كالساذجة لكل صيحة وهذا يعني الاقتراب من منابر العلم والتقوى، التي تفضح مخططات الأعداء وتتابع تطورات الحرب على الإسلام، ولتنتظر للخريطة بشمولية وتكف عن نظرة الاجتزاء، فلسطين لن تتحر من طرف مقاتليها وحدهم بل يجب لها مدد الإسلام الذي سيفتحها فتحا جديدا بإذن الله تعالى. وعد حق!

15-ربي نفسك على اعتبار أن ما تفعلينه الآن بيعة مع الله تعالى لا تنتظري أن تري النتائج سريعة ولكن تأكدي أن الله سيريك من بركات مجاهدتك وجهادك وسعيك واستجابتك لأمره، قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [ العنكبوت: 69]

16-قد تقول قائلة هذا فقط وماذا نفعل الآن لأهل فلسطين، أقول الله جل جلاله لا ينس أحدا وهي سنة تدافع والأمر كله بيد الله لا يمكن لامرأة واحدة ولا جمع من النساء أن يتحملن ثمن تغيير أمة كاملة لوحدهن وبهذه السرعة بل هي جهود متكاملة ومتراكمة على امتداد محور الزمن التي تحقق التغيير, لكن ما يجب أن تعدي نفسك له، بعد الدعاء بصدق وأدب مع الله تعالى وتضرع، هو أن تكوني في المكان الصحيح لحظة الخطب ولحظة الحدث، لا تكوني في صف مخذل ومرجف، ولا كافر ومنافق، ولا عاصٍ مجاهر، كوني لله تعالى ولدينه وللمسلمين ناصحة في الله باذلة بوعي وإخلاص. فالواقع متحرك ومتغير ولن يدوم على حال، فأعدي لتلك اللحظة المقبلة لا محالة التي ستنقلب فيها الموازين وتتهيأ الأرض لفرسانها، وحينها لك فيما سبق ولخصنا، قدوة ودليل لكيف تسد المؤمنة ثغرها بنظام ووجل. أبقي قلبك متأهبا، وعينك على فرصة الارتقاء القادمة لا محالة. وأطمئنك لست الوحيدة التي تعمل، فهذه الأمة لا تموت وفيها ما يسر القلوب قادم، لكن الاستعجال يحرم الخير.

17-كلمة موجهة لصاحبات الاختصاص والمهارات ومن تملك همة لتعلم فنون العمل في سبيل الله، وكل وسيلة يستقوي بها المسلمون مهمة ومن الإعداد، وهذا يتطلب نصائح متخصصة يحسب كل فن، لكنني أوجزها هنا بكلمتين: كل ما يمكنك أن تقدمي فيه من خبرة وعمل وتأثير ليكن في وجهة واحدة، إعلاء كلمة الله تعالى، ثم لا عليك بالنتائج! فإن الله قادر على نصر عباده بين يوم وليلة وقلب موازين الأرض كلها لصالح المسلمين! فإياك أن تعتقدي أن النصر يأتي من بطولاتك ومهاراتك واندفاعك! بل يأتي بالتقوى والعمل بعلم وأدب مع الله تعالى، بصبر ويقين وتركيز، حتى يتحقق الهدف. واستحضري الآية ﴿ وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (التوبة:121) والحديث عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَع النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في غَزَاة فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ) وَفِي روايَةِ: (إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر) رَواهُ مُسْلِمٌ. ورواهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: (إِنَّ أَقْوَامَاً خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ). فالأجر على قدر صدق النية! وطوبى لمن أورثت علما وعملا. وعلمت بنات المسلمين ما ينفعهن.

18-نصرك لغزة وفلسطين يكون بحفظ شعلة الجهاد والتقوى مشتعلة في القلوب، فتلك هي السبيل للظفر ودونها تفرق سبل!

19–الاستعمال فضل! ولا ينال فضل الله بدون سعي له ودعاء وصدق بذل وقبول منه سبحانه، فقدمن لأنفسكن هذا ميدان عمل، ومن النساء من استعملهن الله بدون أن يظهرن ولا حتى يرتفع لهن صوت وهن ركائز في الحركة الجهادية وفي ميادين البذل والعمل، ومن اعتبر مما يجري علم أنها صفقة مع الله تعالى مهرها الصدق في الخلوات وفي ميادين الامتحان، وليس رفع الصوت والتشكي!

﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [ إبراهيم: 12]

وصايا وهمسات للمؤمنات

photo 2025 04 12 13 44 16
  • أخية، نصرة الإسلام منظومة متكاملة من الصدق، صدق النوايا والإخلاص، صدق الاتباع والاستقامة، صدق المبادرة والصبر على امتداد محور الزمن. صدق الوسيلة والمجاهدة والهدف، مشروع حياتك كله يقوم على هذا الصدق، بل على منظومة الصدق كاملة. لذلك لا تنتظري أن تكون مسألة الاستعمال لنصرة دين الله تعالى مجرد قرار تتخذيه يقلب بارد، بل يجب أن يهتز قلبك ويشتعل صدرك وتتقد عزيمتك فلا تموت! بل تبقى سهما منطلقا إلى أن يصل الجنة.
  • أخية الحياة متحركة والظروف متغيرة، فسددي وقاربي واجعلي لك وردا في كل عمل صالح، لا تنزلين عنه، وما لم تجعلي الإسلام بين عينيك في كل ما تذهبين إليه ستطول بك الدروب وتتعقد مسيرتك وتتشابك، بل اجعليها مباركة، على الصبر والتوكل وعلو الغاية والهدف، تتيسر..! ويذلل لك الله العقبات ويكفيك كل هم وغم!
  • أخية ستسمعين الكثير من دعوات الانهزام والتثبيط والإرجاف وجلد الذات والتهويل وما يقتل الهمة في داخلك، لكن الله تعالى لم يكلفك بما لا تقدرين عليه ولم يحملك ما لا قبل لك به، أنت لن تتحملي مسؤولية تضييع المسلمين لشريعة ربهم وأمانة دينهم لأكثر من قرن من الزمان، لكنك تتحملين مسؤولية لحظتك ومرحلتك، وأهدافك وجهدك المبذول. والله تعالى يدبر الأمور بحكمته، حين تزرعين بذرة، وتسقيها وترعيها بهمة، وتحميها مما يفسدها ويكسر مراحل نموها، تشعرين بسعادة، وحين ترينها أزهرت وأثمرت وأشرقت نفعا وجمالا، تدركين أن السعي يتطلب الرباط والجهاد، لنيل الغنائم والفتوحات، أما الاستعجال، فيضرك ولا ينفع.
  • أخية، لا تكوني مجرد ظاهرة صوتية وما أكثر ظواهر الصوت، ما أكثر التريندات والتفاعلات الجوفاء، وسرعة الانجرار، وكثرة الزبد، ما أكثر الكذب على النفوس ولكن ميادين الجد والعمل، ثغور العمل الحقيقية التي تعمل بصمت، من وراء ستار، هي الجند الحقيقية للإسلام، لا يعرفهم الناس لكن يعرفهم رب الناس، فلا تبهرك التجمعات الصاخبة، نحن قوم نعمل برجاء رحمة ربنا، ونعمل لنترك خلفنا ما يشهد لنا، ويكفينا شهادة ربنا! فكوني لبنة بناء تدوم، لا إيقاعا يختفي سريعا!
  • مسألة الفتوحات مسألة عظيمة جدا لا يدرك عظمتها إلا من عاش المراغمة بكل جوارحه وصبر حين ملّ الناس، واشتدت عزيمته حين وهن من حوله، وأبقى يقينه غلابا، فلحظة فتح واحدة بالدنيا وما فيها، ولا ينال ذلك إلا موفق مرابط باع والله اشترى! فاستحضري هذه المعاني كلما انفض الناس وانشغلوا بالدنيا.
  • الرباط عبادة تتطلب التزود والصبر، ومعرفة بالسنن! والكثير من الأدب مع الله تعالى، وتتطلب صحبة صالحة تشد الأزر، وتتطلب استيعاب من يعمل معك، لكي نكون عونا لبعض ونكتمل، ونكفي بعضنا ضعف بعض. لذلك العمل في الفريق في سبيل الله والصبر فيه، لهو من القربات لله تعالى، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [ الصف: 4] وتلك عبادة لها موجباتها المباركة.
  • أخية أحذرك من الوقوع في فتنة الرجال، صوني نفسك وتحصني ولا تفتحي بابا إلا بالحلال، ولا تضعي قلبك المرهف بين يدين تخون وتتبدل، وبين نزوات تتلاشى مع أول فرصة تظهر، ومراهقة تفتك ولا تفي ولا تعتبر، وخطوات الشيطان هلاك استدراج، وخسران سكن وأمان، واشغلي نفسك بالحق ونصرته بما يرضي ربنا، وبضوابط الشرع، والله يتولاك ويرزقك، ويسخر لك الخير يصلك، وأحذرك من كل صحبة مثبطة وانحراف عن سبيل المؤمنين. وتذكري نور الله لا يهدى لعاص ولا محتال ولا ظالم لنفسه!
  • أخية يتعذر علي أن أخط لك خلاصات عشتها بروحي وكل ذرة في، يصعب علي أن أكتب المعاني المهيبة التي اهتزت لها نفسي وتصدع لها قلبي إجلالا وتقديرا لله جل جلاله، في ميادين المراغمة، لكنني أقول لك، ولا أغشك، إياك والارتياب، إياك!! والتراجع، ونقض الغزل والانتكاس، فبقدر رسوخ التوحيد في قلبك وتمسكك بالسنة والاستقامة، تنالين من فضائل الإيمان ما يكفيك ويغنيك وينصرك نصرا مؤزرا، كوني شوكة في حلوق الكافرين وبشرى سعادة للمؤمنين. أوصيك وصية، أخيرة، مصحفك وقلبك نابضا بالتوحيد وحب النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والسماء! وسلام الملائكة موعدك، وسلام من الله لتذهب النفوس والأملاك وكل مصائب الدنيا له الفداء.

كلمة أخيرة

photo 2025 04 12 13 46 24

فقط الموقنون المرابطون على ثغورهم بلا كلل ولا لملل، من بين أعينهم الإسلام وفي أفق مسابقتهم الفردوس الأعلى ولقاء الله جل جلاله، من يحققون الأثر الأرجى! هذه سنة يشهد لها التاريخ وتشهد لها النوازل والخطوب.

في صحيح مسلم، عن يسير بن جابر : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بالكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ ليسَ له هِجِّيرَى إلَّا: يا عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ! قالَ: فَقَعَدَ، وَكانَ مُتَّكِئًا، فَقالَ: إنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ حتَّى لا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قالَ بيَدِهِ هَكَذَا، وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ، (وهي الآنَ تَشمَلُ: سُوريَةَ، والأُردنَّ، وفِلسطينَ، ولبنانَ) فَقالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإسْلَامِ، وَيَجْمَعُ لهمْ أَهْلُ الإسْلَامِ، قُلتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قالَ: نَعَمْ.

قفي عند كلمة “يجمع لهم أهل الإسلام“، هذا ثغرنا .. وهذا عملنا، الجمع حتى الاستقواء والإثخان والدفع ورفع راية الفتح!

أسأل الله أن يمتعكن بفضائل الإيمان والرباط والجهاد في سبيله تعالى، وأن يقر أعينكن بثمرات سعيكن وجهودكن ويغيظ بكن الأعداء ويعلي بكن راية الدين. وأن يجعل منكن القدوة والمثل، ويجعل لكن حديثا جميلا رفقة أمهات المؤمنين والصحابيات في يوم لقاء يشفي الصدور..!

لا عيش إلا عيش الآخرة.

اللهم فاغفر للأنصارة والمهاجرة وكل مجاهد ومجاهدة.

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
سارة

رضي الله عن قلبك دكتورتنا

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x