النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

كيف تتعامل المرأة مع جمالها بلا إفراط ولا تفريط؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، د.ليلى هل هناك كتب تتكلم عن موضوع جمال المرأة وما هي مركزيته عند الأنثى وكيف لا يكون محور حياتها؟ بين الإفراط بهذا الموضوع والتفريط فيه؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله وبارك بك،

حين نتحدث عن موضوع الجمال في زماننا، فهذا المعنى هو من المعاني التي تعرضت للتشويه والابتذال والبخس، فأضحى الجمال مرتهنا لمتطلبات الرأسمالية وجشعها، وفساد الذوق وفساد النوايا! وحصل الانفصام بين جوهر المرأة وشكلها، وطالت المسافة بين قيمتها كأمة لله تعالى وبين تفاصيلها الشكلية الخَلقية، وكثر التصنع والتكلّف، وخسرت الكثير من النساء أنفسهن حين لم يحسن التعامل مع نعمة الجمال أو نحرن هذا الجمال في أسواق الشهوات والرذيلة، ومنهن من أضحى الجمال سبب تعاستها وبؤسها وضياعها، إما لابتلاء من الله تعالى يمتحن به صدق إيمانها، وإما بما قدمت يداها ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ )!

وانتقاء الكتب التي تتناول موضوع الجمال، يتعلق بهذا الفهم لمعنى الجمال، فإن كان الجمال مجردا من روح الإيمان ومنساقا بلا عقل لصيحات الموضة وعمليات التجميل والتبرج الشنيع المنتشر في زماننا فهذه ليست مراجع ينصح بها، وإن كان القصد منه حفظ الجمال على طبيعته التي خلقه الله تعالى عليها، وصيانته بالوصفات والطرق التي ليس لها المفعول العكسي مع الوقت.

وليست غايتها الأولى الربح التجاري، الذي يهتم للكسب والمال، وتسويق الماركات العالمية ورفع أرباح شركات أدوات ومواد التجميل على حساب المصداقية والجودة والمنافس بلا تكلفة والنهي عن الإسراف، ثم حفظ جوهر الجمال في ذات المرأة! فهذا مطلوب وفي دائرة اهتمام المرأة المسلمة. لأنه علم ينفعها، فالعناية بالجمال علم واجب على المرأة بغض النظر كيف ترى نفسها وفي أي درجة من الجمال يراها الناس. بل أرى العناية بالجمال من خصوصيات الأنوثة، فهو جزء لا يتجزأ من تركيبة الأنثى، فطرة!

لذلك فكل مسلمة بحاجة لمراجع العناية بجمالها تلخص الوصفات والعادات السليمة لحفظ الجمال ورعايته، بالموازاة مع مراجع لا تُغفل واجب تهذيب الجمال، بتعظيم الله جل جلاله، ونور الإيمان والطاعات. والاستفادة من الخلفية التاريخية والثقافية لكيف كانت النساء في مختلف الثقافات عبر التاريخ يعتنين بجمالهن ويثرين معرفتهن بكل ما يخص الأنوثة ويحفظها، حفظا يراعي بالموازاة ارتقاء وعي المرأة وعلو همتها مع اهتمامها بجمالها.

فلا ينحصر اهتمامها بتفاصيل جمالها الخَلقية، بل يجب أن يرافق ذلك العناية بقلبها وعلو همتها، ولأجل تحقيق ذلك، يمكنك تصفح ما يتوفر من عناوين في المكتبة الإسلامية من هذه المواضيع المتصلة: جمال الشكل والروح والسير، وجني فوائدك والخروج بكناشة خلاصات نافعة لبناء جدول مسابقتك اليومية.

وكل فائدة تحفظينها لكيف تعتنين بجمالك ارفقيها بفائدة أخرى لكيف تُقوي قلبك بنور الإيمان والتقوى.

وقد كنت أرى في وصفات تجميل النساء في عصور مضت نفعا وفائدة، لكونهن يستخدمن موادا طبيعية وآمنة، ولا يتكلفن تغيير خلق الله تعالى – المحرّم- بل يعتنين بإبراز الجمال وتغذيته بدون ضرر رجعي يفسده. ورافق ذلك الاهتمام بالأدب والشعر وفنون رعاية الزوج والذرية والبيت.

فالجمال منظومة متكامل لكل ما ينبض جمالا في المرأة..! في شكلها واختياراتها واهتماماتها وتعاملاتها وآثارها الجليلة على امتداد محور الزمن!

وقفة مع الجمال

87c18c1bc250f95c4f20e3aa3f233b31

يقول مصطفى صادق الرافعي في رسائل الأحزان:”الجمال هبة الله فليس لامرأة فيه عمل،  ولكن العجيب أن أكثر ما يكون من عمل المرأة إنما يكون في إفساد هذه الموهبة، كأن الجمال غريب حتى عن صاحبته. تفسدها بالجهل إذا كانت جاهلة وتفسدها بالعلم إذا كانت عالمة وتفسدها بلا شيء إذا كانت لا شيء”.

وهذه حقيقة نعرفها في واقعنا، فكم من فاسقة ومغرورة وجاهلة، أفسدت عليها نعمة الجمال وتحطمت حياتها بصنع يديها. فلم تحسن حفظ جمالها بما يوجب البركة والتوفيق والسعادة.

والمرأة التي تهتم لحفظ جمالها، يجب أن تبدأ بالعناية بجمال قلبها وروحها وسيرتها، فما أقبح المرأة جميلة الملامح التي لا تخشى ربها ولا تحفظ الحقوق، المغرورة المتكبرة قليلة الحياء، فهذه مجرد التعامل معها يبعث بالنفور في القلوب مهما كانت ملامحها تعتبر جميلة. لأن الجمال الداخلي ينعكس على ملامح الوجه. وبشاعة داخلها تظهر ولا بد على مظهرها وما يخرج منها. فالقبيح قبيح الباطن قبل الظاهر! والجميل جميل الباطن قبل الظاهر.

وفي ذلك يقول الرافعي: “خير النساء مَن كانت على جمال وجهها، في أخلاق كجمال وجهها، وكان عقلُها جمالًا ثالثًا، فهذه إن أصابت الرجل الكفء، يسَّرت عليه، ثم يسَّرت، ثم يسَّرت؛ إذ تعتبر نفسها إنسانًا يريد إنسانًا، لا متاعًا يطلب شاريًا، وهذه لا يكون برخص القيمة في مهرها إلا دليلًا على ارتفاع القيمة في عقلها ودينها، أما الحَمْقاء فجمالُها يأبى إلا مضاعفةَ ثمنِها لحسنها؛ أي: لحُمْقها، وهي بهذا المعنى من شِرارِ النساء، وليست من خيارهن”.

فالمرأة الجميلة حقا هي أكثر النساء إدراكا لقيمة نعمة الجمال التي وهبها الله تعالى، فلا تبتذلها في أسواق المساومة ولا ترى نفسها جارية تباع وتشترى بل تحفظ قيمة نفسها بالتواضع لربها وحمده وشكره والاستقامة كما أمر وبتقدير قيمتها بعيدا عن هوس الماديات الفانية. فتكون الحياة معها جنة في الدنيا، فهي تعف الزوج وتمده بأكثر ما يحتاجه، السكن! ليكتمل وتزدهر رجولته ويؤدي وظيفته في الحياة عبدا لربه، قائما بولاياته وأماناته، مسابقا بالخيرات. وتسكن هي أيضا وتكتمل أنوثتها ويزداد جمالها مع رجل يصونها ويحفظها بحسن عشرة ومودة وعهد، لا لؤم وخبث!

الجمال مفهوم نسبي

ولاختلاف أهواء الناس وأذواقهم وميولاتهم، ولبديع خلق الله جل جلاله، يختلف الناس في الجمال، فقد تكون الفتاة، لا تبدو فاتنة في عين ولكنها جميلة جدا في عين أخرى، لأن هناك انعكاس لروحها في ملامحها وانعكاس لحسن خلقها في محياها، يبعث بالحلاوة في منظرها، ولأن عين المؤمن تنظر بقلبه، وبما يحبه من ملامح الاستقامة والحياء، نجد المستقيم يحب الحياء في المرأة، وإن رأى الجميلة وقحة، نفر منها.

يقول الرافعي:”وكل محاسن المرأة هي خيال متخيل ولا حقيقة لشيء منها في الطبيعة، وإنما حقيقتها في العين الناظرة إليها فلا تكون امرأة فاتنة إلا للمفتون بها ليس غير. ولو ردت الطبيعة على من يشبب بامرأة جميلة فيقول لها: هذه محاسنك وهذه فتنتك وهذا سحرك وهذا وهذا؛ لقالت له الطبيعة: بل هذه كلها شهواتك أنت.

وبهذا يختلف الجمال عند فقد النظر؛ فلا يفتن الأعمى جمال الصورة ولا سحر الشكل ولا فراهة المنظر، وإنما يفتنه صوت المرأة ومجستها ورائحتها.

فلا حقيقة في المرأة إلا المرأة نفسها؛ ولو أخذت كل أنثى على حقيقتها هذه لما فسد رجل ولا شقيت امرأة، ولا انتظمت حياة كل زوجين بأسبابها التي فيها”.

وفي وصف ذكي للجمال يقول ابن الجوزي:”والفرق بين المرأة الجميلة والمليحة: أنَّ الجميلة هي التي تأخذ البصر على بُعْدٍ، فإذا دَنَت لم تكن كذلك، والمليحةَ هي التي كلما كررتَ فيها بصرَك ازدادت حسنًا!”.

وفي ذلك معاني للجمال لا تخفى، فحقيقة الجمال هي الحلاوة التي لا تُمل، والجاذبية التي لا تخمد. وهذه تتطلب تغذية ومددا ليستمر بهاؤها وأثرها الجميل في النفوس، ولا يكون من دون تغذية عميقة، للروح قبل الجسد! فهو سر السعادة لكل مسلمة، وكل مسلمة جميلة!

ثم السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل الجمال هو كل ما يميز المرأة وكل ما يصنع سعادتها؟

يقول الرافعي:” ويا جمال النساء إن كان في الأشياء ما هو أحسن وأجمل فإن في الأشياء ما هو أنفع وأجدى، وقد تكون الجدوى والمنفعة من الجمال في بغضه أحيانًا أكثر مما تكون في حبه”.

وهذا صحيح فالجدوى والمنفعة أهم من الجمال بحد ذاته. ولعل أكثر ما يعبر عن حقيقة جدوى جمال المرأة، ما قاله علي الطنطاوي:” والمرأة مهما بلغت لا تأمل من دهرها أكثر من أن تكون زوجة سعيدة”.

فماذا تبتغي الجميلة غير حياة سعيدة آمنة!

وهذه السعادة وهذا الأمان، لا تصنعه الملامح، بل الروح والعشرة والإخلاص!

وكم من جميلة تعيسة في زواجها، حزينة قد ذبلت روحها، ومن هي أقل منها جمالا أكثر سعادة واستقرارا في حياتها، يقول علي الطنطاوي:” أني لا أبتغي الجمال وأجعله هو الشرط اللازم، لعلمي أن الجمال ظل زائل لا يذهب جمال الجميلة.. ولكن يذهب شعورك به.. وانتباهك عليه.. لذلك نرى من الأزواج من يترك امرأته الحسناء ويلحق من لسن على حظ من الجمال!”.

ويرجع ذلك لكون هذا الرجل لا يسكن لمجرد ملامح! بل يسكن للروح ابتداءً، وأيضا لكون الاعتياد يذهب الانبهار، فإن لم تهتم المرأة بتجديد عطائها وجمال روحها وخلقها وآثار نفسها الملهمة، يمل من يعاشرها. وهذا فقط إن كان هذا الزوج تقيا يحفظ بصره ولا يتعدى حدود الله تعالى، وأما الفاسق والمنحرف فهذا لا يُؤتمن على عرض مسلمة ولا تسعد عنده جميلة مهما بذلت!

الجمال هو الإخلاص

e23bb164c549bca25b43f40716b0141e

يقول علي الطنطاوي: “فإني قرأت كتاباً في تعريف الجمال كثيرة، فلم أجد أحد من تعريف طاغور: “إن الجمال هو الاخلاص”.

إن حقيقة الجمال هي في حقيقة الإخلاص، فلو كانت المرأة ملكة الجمال لكنها خائنة تغدر بزوجها، ولا تحفظه بالغيب، لأصبحت في عينه القبيحة المنفرة، ولو أخلصت المرأة متواضعة الملامح، وأوفت لصيانة رجولة الرجل، لكانت في عينه ملكة الجمال!

وهنا نلمس فارقا كبيرا في جوهر الجمال، وروحه! إنه معدن المرأة وأصالتها..!

وفي ذلك جواب على سؤال: ما هي مركزية الجمال عند الأنثى؟

فمركزيته تقوم على تأمينه بالإيمان وتحصينه بالاستقامة، وبأن يكون محور حياة المرأة ابتغاء مرضاة ربها، فتحسن التبعل لزوجها طاعة لربها، وتحذر من الخروج متبرجة، تفتن الرجال، قد علمت أن نور جمالها يخمد بظلمة المعاصي والابتذال!

ولذلك لم أر أحفظ للجمال من نور الإيمان والطاعات، بصلاة وذكر وصدقة ودعاء! وأداء الفرائض والسنن، والعبادات القلبية والعفة والحياء.

ولو تحدثت المرأة عن كل أسباب الإشراق في وجهها،ٍٍ لن تجد مثل نور قيام الليل ولو ركعتين كل ليلة، فهو من أرجى أسباب حفظ وزيادة جمالها، ولا يمكن لكل وصفات ومساحيق التجميل أن تباري بهاءه! فهو كنور القمر وكبهجة القلب!

جدول الأنثى الخاص

والجميلة اللبيبة تسطر جدولا لاهتماماتها وهواياتها، فيكون لها حصة للتنظيف وتغذية جمالها والعناية به، وأخرى للعناية بحليها وملبسها وتفاصيل أنوثتها، ولا يعني ذلك التكلف، بل بما تيسر لها، كما تهتم جدا لعطورها داخل بيتها وتعطير بيتها، وبجمال بيتها وكل ما تلمسه، فلا يكفي أن تكون جميلة في شكلها بل كل ما يتعلق بها وبمكانها يجب أن ترى أثر لمساتها الجميلة عليه، فهل يعقل أن تكون المرأة جميلة متزينة، وهي تجلس في غرفة مثيرة للشفقة بالفوضى وسوء التنظيم وقلة النظافة، فهذا ينسف مفهوم الجمال ويصنع تناقضا ..!

في الحديث صحيح الذي أخرجه مسلم وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وغيرهم. ونصه كما عند مسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس”.

الله جميل يحب الجمال! جاء في تفسير ذلك “الله جميل أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، يحب الجمال أي التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، والعفاف عن سواه”.

وبالتتظيم تنتظم حياتها، فتقسم يومها على برنامج عباداتها، ونشاطاتها، والعناية بجمالها وأنوثتها، وترقية معارفها وعلو همتها. وهكذا تتجاوز  عقبة الإفراط والتفريط، بإيتاء كل ذي حق حقه. وإن كانت متزوجة فهي تحصل على حسنات من ذلك، لأن حسن التبعل عبادة!

وفي زماننا ابتلينا ببخس هذه العبادة في البيوت والتفاني فيها خارج البيوت!

يقول محمود شاكر:” لشدّ ما اجترأت المرأة في هذا العصر!! وإذا أخذت المرأة أسلحتها -من الزينة والتطرية (المكياج) والجمال والفتنة، وجيَّشت غرائزها- من الحذر والحيلة والضعف والإغراء، لم يبق للرجل إلا أن يستقتل أو يفر. . . وقد أقامت “وزارة الشؤون الاجتماعية” مناظرة بين الأستاذ “محمد فريد أبو حديد” والسيدة “زاهية مرزوق” وكان غرضها هو “كيف ننهض بالأسرة؟ “.

والظاهر أن السيدة الكريمة قد اعتقدت في قلبها معنى “حرية المرأة” بالإصرار والتعصب فأخذت تنتزع رجولة الرجل شيئًا فشيئًا حتى ليخيل لسامعها أنه مخلوق وحشي منطلق من كل قيود النبل، فهو عندها أناني لا يؤثر على نفسه، وهو معنى متجسم للفوضى في بيت الأبوة والأمومة، وهو جاهل متحامل على ضعف المرأة لا يرحمها ولا يحس بآلامها، وهو فاجر متوقح يستجر الأخطاء ويجنيها ثم يرمى المرأة بها وينسَلُّ منها. وأنا لا أريد الآن أن أدافع عن الرجل، ولكني أريد أن أسأل السيدة الكريمة ومن يذهبُ مذهبها من النساء: إذا كانت هذه صفة الرجل في أنفسكن، وإذا تحدثتن بمثله فبلغ الأسماع في بيوت العقائل، فوقع في آذان الأم والزوجة، والفتاة الجاهلة الطياشة، فاعتقدنه ومالت إليه أهواؤهن، فبأي عين تنظر المرأة إلى زوجها والفتاة إلى خاطبها؟

وأيُّ معاملة يلقاها الرجل بعدُ على أيديهن وبألسنتهن! كلا يا سيدتي، إن المرأة هي تجني أكثر الذنب فيما نعلم، ثم تتنصل، وهي كل الأنانية إلا أن يتصل أمرها ذلك بمصدر الأمومة في غرائزها، فهي عندئذ مثال الإيثار والتضحية، وهي صاحبة الفضائل كلها إذا أُثيرت أمومتها وإحساسها بالمحافظة على النوع الإنساني، وأما بغير ذلك، فهي المرأة بضعفها وأنوثتها وحاجتها إلى عون الرجل وتضحيته ورحمته.

وليس للمرأة عمل إلا أن تعمل دائمًا على أن تجعل الرجل في عينيها تمام إنسانيتها، وبذلك تستصلح منه ما عسى أن يكون فاسدًا، وتتم ما وقع إليها ناقصًا، ويبنى البيت -بَيتهما- على أساس من القوة الداعية للبقاء، فمن الرجل الرحمة والإخلاص، ومن المرأة الاحترام والعفاف، ومنهما النسل الجميل المحفوف بالفضيلة من جميع نواحيه”.

وصايا للجميلة

87d323b1a06df22d866016b8dde353df

أحدثك وأعلم أن الكثير من الجميلات قد عشن هذه التجربة المؤلمة، حين تقع بين رجل فاسق أو سفيه، فيعاملها معاملة مزهرية يريد أن يتفاخر بها بين أصحابه قد أعمته دياثته عن حفظ أمانة الزوجة المسلمة، فيزج بها في اختلاط وشقاء قد أسعده أن تفتن زوجته أعين الأجانب فلا يتحرك فيه شعور غيرة رجل! بل انتكست فطرته لفساد في دينه وخلقه.

وما أتعس الجميلة في بيت “رجل” لكنه بيت بلا حائط ولا سقف، تصلها أعين لصوص الأعراض ويتربص بها كل دنيء نفس وخبيث، قد علموا أن لا زوج لها يقوم عليها، فتتكبد تداعيات فقد الزوج وفقد رجولته!

وأمثالها في حالة عزاء، فلا هن في بيوت تصونهن فيتفرغن للسعي لخيري الدنيا والآخرة ولا هن في صبر ورجاء قد أمنّ تداعيات فقد الرجل القوام الشهم البطل!

الوصية الأولى

ولذلك أقول: أول الأمر إياك أن تبخسي إيمانك شرفه، بوضع حياتك بين يدي رجل لا يخاف الله فيك ولا يخشى ربه، ولا يحمل صفات الرجل عزيز النفس غنيها، أو رجل لا يغار على رجولته فينزل لمستوى إطلاق بصره خلف النساء وملاحقتهن في الخلوات يهتك الأستار بلا حياء، عليك باختيار رجل يغار على دينه ومروءته وعليك! همته في مرتبة الشرف، بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين الأولين، وليس في سفاسف الدنيا وهمم الدنايا! فهذا هو الرجل حتى لو عشتما على الكفاف، فالرزق من الله تعالى، وأما فجيعة فقدان الصدق والرجولة، فهذه تأتيك ممن يفقد التقوى والشرف وهي لا تجبر !

ولتسعدي مع مثل هذه الخامة من الرجال، يجب أن تفي للجمال حقه من الحمد والشكر لرب العالمين، وذلك بحفظ جمال قلبك وروحك وصحيفة أعمالك الصالحة، في استقامة وابتغاء مرضاة ربك. بالمجاهدة والمسابقة بالخيرات.

بأداء حق ربك أولا وحق زوجك وحق من في دائرة مسؤوليتك، وحق نفسك، بتغذية قلبك وتقويته، والتزود بالعلم النافع لك، وتجديد إلهامك وتوسيع معارفك التي تخدم سعادة بيتك وعلاقتك الزوجية وذريتك. كوني صاحبة هدف وعزيمة، لا تنظري للعالم نظرة اللهث خلف متع زائلة بل نظرة الحكيمة التي تريد أن تخرج من الدنيا بأفضل سيرة صدق من نفسها في سبيل الله تعالى.

وهذا يعني أن يكون محور اهتماماك تحقيق مقامات العبودية العظيمة، حتى بتفاصيل جمالك، بالشكر والحمد وكثرة الذكر، وسجود وكسر لكل عجب وغرور، دون أن يكون في ذلك إذلالا لنفسك في مقامات الاستعلاء بالإيمان. فإن المرأة التي جمعت بين الجمال وقوة الدين وهيبة الأخلاق وتاج الحياء، أمة لله عزيزة! وهي من نعيم الجنة المعجل لزوجها وأهلها. فكوني كذلك جميلة، بكل ما فيك ويصدر منك وما تحملينه وما تطمحين له. لا تبخسي نفسك ما وهبك الله تعالى فيمضي العمر وتجدين الجمال الشكلي قد تلاشى ولم يبق في حوزتك شيئا تقابلين به ربك راضيا عنك!

فالجمال نعمة مثل كل نعم الحياة، لا تجعليه سبب سخط ربك، ولا فتنة للرجال، ولا ينقلب عليك نقما وعقابا! وصونيه من أعين الأجانب من الرجال، وأخلصيه لزوجك حلالاك، وإياك أن تنخدعي بوعود كاذبة وقسم وعهد لمن لا يطرق الباب كما أمر الله تعالى والتف من خلف البيت!

فإن كسر المؤمنة الجميلة، عظيم، وقد لا يجبر لعزة في نفسها وندم وحياء من ربها لا ينفك يقض مضجعها!

الوصية الثانية

وصيتي الثانية لك، أساس الجمال لدى المرأة، النظافة، نظافة قلبها وجسدها، فلا ينفع وضع طبقات المساحيق ووصفات الجمال، والمرأة لا تتوضأ ولا تغتسل ولا تهتم بنظافتها الشخصية ورائحتها، وهذه أولويات في المحافظة على الجمال الحقيقي. وهذا من المفاهيم التي باتت تندثر لكثرة الارتهان لمساحيق التجميل وخشية أن تفسد طبقات المشهد الخارجي، وللاعتماد فقط على العطور بدون الاهتمام بالنظافة الحقيقية للمرأة. وكل قلب تقي، يحب طهارة جسده وثيابه.

فلتحدوك معاني قول الله جل جلاله ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (المدثر: 4).

وقول الشاعر:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل.

وتذكري أن نظارة بشرتك وجمالها تقوم على ركنين أساسيين من أركان العناية بالجمال: النظافة والتغذية، فحافظي على برنامج تنظيف لبشرتك وآخر لتغذيتها، وتفادي كل ما يجعلها تشيخ بسرعة أو يفسد عليها منظرها الصحي والطبيعي، والأمر نفسه في العناية بالشعر، والوصفات في ذلك لا تعد ولا تحصى فاستمتعي بنعم الله تعالى واحمديه.

  • تغذيتك مهمة لحفظ جمالك، وهذا يعني شرب كميات كافية وكثيرة من الماء، فلا تحرمي نفسك الماء لأنه أفضل الأسباب التي تحفظ نظارة بشرتك وصحتك وجمالك، ولو أضفت قطرة عسل لكوب من الماء فتشربينه على الريق كل يوم ستلاحظين الفرق في قوة جسدك وصفاء بشرتك، كما أنصحك باللياقة والحركة في بيتك، فلا تكسلي وتعجزي عن الحركة، وبعض المشي وتمارين اللياقة تحفظ لك جمال جسدك وتجنبي الإفراط في الأكل الذي يصنع السمنة الزائدة ويفسد عليك التمتع بصحتك. وكما يقول السابقون المعدة هي بيت الداء، فانظري ما تأكلين وابتعدي عن سموم المواد الصناعية والأكل التجاري الدسم، واهتمي بنظام غذائي صحي يكفيك بدون تكلف وبدون إسراف. والاعتدال في كل شيء جميل، فسددي وقاربي وأكثري الذكر والتسبيح والحمد.
  • حجابك الشرعي أخية، حافظي عليه بشدة، ليحفظ الله لك جمالك بهيا مشرقا بنور الطاعات مصانا من مطاردات لصوص الأعراض، كلؤلؤة ثمينة، لا ترخص! فصدقيني هو من أرجى أسباب حفظ جمالك، فتمسكي بعزك ورمز نبلك وهيبتك!
  • القرآن العظيم رفقة تُفدى، يقول الله جل جلاله (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) (الأحزاب: 34)، فاعلمي أن رباطك على كتاب الله تعالى بتدبر ورجاء، من الأسباب الموجبة للتوفيق الرباني والاستجابة للدعاء، فكوني من أهل القرآن وخاصة الله، لينعكس نور القرآن على قلبك وجوارحك وأعمالك وسيرتك واستجابة الله تعالى لأدعيتك! فلا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ونعم الله تدوم بالحمد والشكر وصدق المحبة، ولا أصدق دليل على محبة الله تعالى من ملازمة كتابه والاستجابة لآياته.
  • المرأة الجميلة أخية، هي المؤمنة التقية، التي تسابق لمراتب الجنة المهيبة، وليس لكسب إعجاب الساقطين، فصوني نفسك، عزيزة أبية، واهتمي بكل ما يقوي عزة الإيمان في نفسك، بالقراءة النافعة، والهوايات التي تحفظ أنوثتك وجمالك، ويمكنك صناعة موادك للتجميل بنفسك، وستجدين في ذلك متعة وسعادة، وأفكار هدايا محببة لمن حولك. والكثير من العلم والمعرفة. اهتمي بكل اللمسات الناعمة والرقيقة، فأنت الأنثى، وابتعدي عن الاسترجال وتقليد الانحلال، فأنت تملكين من مقومات السبق ما تغبطك عليه كل نساء الأرض!
  • حافظي على الصحبة التي تحفظ لك أنوثتك وجمالك تقيا، واقطعي كل علاقة تبعدك عن الله تعالى، فهي حياة واحدة إياك أن تهدريها فيما يضرك ولا ينفعك ويضيع عليك أرجى فرص الارتقاء ومراتب محبة الله تعالى.
  • كلما نظرت في المرآة رددي “اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي”، واجعلي لسانك يلهج بالذكر كلما استحضرت جمالك، أو رأيت ثناء الناس عليه!

وفي الختام

لا تفجعي أمة الإسلام بك، فأنت قلعة من قلاع الإسلام وأمل عظيم لفرسان الأمة ورجالاتها ونسائها المؤمنات الصالحات الفائزات، وفي هذا المقام أستحضر رسالةً وجهها الشيخُ أحمد بن محمد بن مري الحنبلي إلى تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكان منها: “ووالله إن شاء الله ليقيمن الله سبحانه لنصر هذا الكلام، ونشره، وتدوينه، وتفهيمه، واستخراج مقاصده، واستحسان عجائبه وغرائبه رجالا هم إلى الآن في أصلاب آبائهم”.

وأقول: لتعملي على ترك أثر لعله يكون في صالح صناعة أولياء الله تعالى الذين لا يزالون في أصلاب آبائهم، لتكن عينك على منازل الخالدين أميرة مهيبة الظل عظيمة الهمة، عزيزة قدوة يقتدي بها المؤمنون، وحجة على القوم الكافرين والمنافقين!

اللهم جملنا بالإيمان والتقوى واجعلنا منارات هدى وجمال عطاء وأثر، اللهم على خطى أمهات المؤمنين والصحابيات، اجمعنا بهن غير مبدلات ولا مفتونات، اللهم اجلعنا فداء لدينك وقدوة لإمائك والأجيال، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أم هارون وفارس

بارك الله فيك د. ليلى ونفع بكِ وجعل كل ما خطّ قلمك في ميزان حسناتكِ، رضي الله عنكِ يا أمَّنا وجمعنا بكِ في الفردوس الأعلى مع النبي صلى الله عليه وسلم و السابقين الأولين، آميين

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x