كيف أستطيع القراءة لوقت طويل وأيضا القراءه بفهم. من قبل سنتين كنت أقرأ الكتاب يومين أو 3 أيام والآن أقرأ كتاب منذ شهرين ولم انته من قراءته. ممكن تدليني على طريقه أستطيع من خلالها القراءة أكثر مع الفهم والتركيز وأيضا ما هي الكتب التي تنصحيني بقراءتها..؟
حياكم الله وبارك بكم،
في الواقع هذه المشكلة تتكرر اليوم بين شريحة كبيرة جدا من المسلمين، وقبل أن أقترح الأسباب المعينة لمعالجتها، ألخص في نقاط سبب تفشي فقدان الشغف بالقراءة وفقدان حضور الوعي والعقل حين القراءة.
- أول سبب هو أساليب التربية التي تهمل صناعة اهتمام الأبناء بالقراءة، فأكثر الأسر لا تهتم بالقراءة إلا لأجل الامتحانات الدراسية، لكن القراءة لأجل جني الفوائد بشكل مستقل عن هدف العلامة الدراسية، فهذه لا يهتم لها أغلب الأسر، فتنشأ أجيال لا تقرأ إلا لأجل تحصيل علامة للنجاح، وأما القراءة لبناء الذات وتطوير المعارف فهذه يتجه لها من كان يحمل همة واكتشف أهمية ذلك مبكرا بجهده الخاص وليس بجهد التربية. ولذلك تربية الأبناء على حب القراءة لفوائدها بعيدا عن سطوة العلامة الدراسية مهم في صناعة الشغف بالقراءة التي تعد من أهم أبواب تحصيل العلوم في الحياة.
- الحالة النفسية، فالظروف التي يعيشها المسلم اليوم من ضغوطات الحياة والتفكير في لقمة العيش والتصادمات التي يعيشها مع واقع ومجتمع قاسٍ يغلب عليه الجفاء لبعده عن الشريعة، كان له تداعيات على نفسيات يغلب عليها الحزن، أو الإحباط أو الشعور بالظلم، فتنطفئ فيها شعلة من النور تميزها، لذلك الخروج من هذا الوسط مهم لمن يريد أن يدير حياته بطريقة مختلفة عما هو سائد، فالصحبة التي يغلب عليها طرح المشاكل بتذمر وإحباط ويأس أو الانشغال بسفاسف الأمور للهروب من هذه المشاكل، والعلاقات التي تستنزف المسلم في ما لا ينفع ولا يضر بل يضر! هذه يجب تنظيفها من جدول حياتك اليومي، لست بحاجة لمثبطات إنما لوضع نفسك في وسط يراعي احتياجاتك للازدهار والنبوغ. هذا الوسط تصنعه أنت بنفسك بتنقية اختياراتك وعلاقاتك، ويدخل في ذلك اختيار برنامج اهتماماتك اليومي من حيث المجالس والقنوات والتعاملات فتسدد وتقارب وتحدد وقتا قصيرا لهذه المهمة ووقتا أطول لتلك، وتتجنب ما يفسد عليك صفاءك، ويعكر مزاجك، وتقبل على ما فيه انشراح صدرك وقوة تزودك وفي مقدمة ذلك القرآن العظيم والصلاة في جماعة وبمجاهدة للخشوع وغيره من أبواب العبادات الجليلة، بقلبك وجوارحك، وبتركيز أكثر على الذكر لكونه مصدر البركة في كل يومك وقوة جسدك، فتخفف بذلك عن قلبك ثقلا إضافيا يعرقلك. وكلما تخففت من هذه الأثقال كانت مسيرتك أفضل وأسرع.
- فقدان حس المبادرة، فكثيرا ما يكون سبب العزوف عن القراءة النافعة هو الكسل أو التسويف أو العجز عن المبادرة لسبب وبدون سبب ولو أن المرء همّ بوضع موعد محدد يناسبه للقراءة سيجد نفسه قد تعودت على الحزم، ويصبح موعد القراءة محببا كلما وجد نفسه يستفيد ويرتقي بين السطور. لذلك يجب أن يحدد المقبل على القراءة موعدا وكتابا ليبدأ به كي لا يستغرق وقته في التفكير بدل الإقبال الموجب للفتح.
- نوعية الكتب التي يقرأها القارئ، وللأسف أكثر اهتمامات المسلمين اليوم هي قراءة الروايات أو ما يصنع دنو الذوق! ولذلك تداعيات على نفسية القارئ من حيث إدمان القراءات التي تثيره ولا تثريه! فيغرق في الشهوات ويترك عنه مهمات الرجال! أو أن تكون القراءة مملة بكتب كثيرة الحشو قليلة الفائدة، أو كتب أسلوبها مرهق لا يوصل المعاني بسلاسة وجمالية نثر، وربما لأن المواضيع التي بين يديه غير مثيرة لاهتمامه! فلا تقرأ ما يريد أن يقرأه الناس بل ما تحتاج إليه وينفعك ويلبي احتياجاتك. وما هو بعيد عن التنمق والتنطع وكثرة الثرثرة بلا جدوى. وفي الواقع حتى الكتب تتأثر ببركة نيات كتابها وبذلهم، فتجد كتابا عتيقا تقرأه بدمع العينين، وآخر مزخرفا جديدا لا تزال تتعثر بين صفحاته قد سئمت التكلف! القضية قضية صدق وتوفيق أيضا!
- التشويش يؤثر جدا في أداء المهمات، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولا يمكن أن تطالع مواقع التواصل وأنت تقرأ كتابا تاريخيا في الوقت نفسه ولا أن تكون منشغلا في دردشة وأنت بين يديك كتابا للرقائق! الانفصال عن التشويش من أهم أسباب انبعاث الشغف واشتعال العقل! وهذا يعني أن يخصص القارئ مساحته الخاصة وجوه الخاص ويختلي للقراءة.
- سوء التقدير والحماسة المحبطة، فتجد القارئ يتحدى نفسه بقراءة كتاب من 1000 صفحة، وهو في الواقع عاجز عن قراءة مقالة من 7 صفحات، فالقضية ليست بالحماسة بل بالقدرة والجدوى وأرى دائما أن المسلم الذي يستعين بالقاعدتين العظيمتين: ما لا يدرك كله لا يترك جله، وقليل دائم خير من كثير منقطع أكثرهم إنجازا وتوفيقا في مشاريعه. لذلك لا داعي لرفع سقف الأهداف ولتكن معقولة ومناسبة، وحقيقة أحيانا كثيرة، كتيب صغير وحتى مقال واحد يصنع في النفس من التحريض وعلو الهمة أكثر من موسوعة ومجلد من الكتب.
- القراءة في غير ما يستهوي القارئ، عقبة أخرى، فمن غير المعقول أن يفتح القارئ كتابا عن موضوع لا يثير اهتمامه بينما المواضيع التي تجذبه لا يبحث عنها، مثال على ذلك، غالبا ما يقضي القارئ وقتا يعارك نصوصا لا يحتاجها أو لا يستوعبها، بينما لو قرأ سيرة من سير الصحابة رضي الله عنهم لخرج منشرح الصدر متزودا وأكثر سعادة وشوقا! فاختيار المواضيع التي لها الأولوية لنفسك في القراءة وأيضا المراوحة بحيث لا يكون هناك انكباب على نوع تأليف مرهق أو لغة وأسلوب يستعصي على القارئ. فحاول أن تقرأ ما ينشرح معه صدرك لأنك تستفيد وتتطور. فكل معلومة جديدة تصنع مزيد إحاطة وسعادة!
- القراءة لأجل أن يقال عن المرء قارئ، هذه مشكلة تتشكل مع انتشار الإعلان عن نوع القراءات وكمياتها في مواقع التواصل فصنعت نوع مسابقة محبطة، فقد ينكب المرء على القراءة فقط لرفع عدد الكتب التي قرأها بدون حضور قلب ولا فهم، وربما اختار كتبا فقط لأن غيره قرأها مع أنها لا تستهويه، وإنما لشهرتها. لذلك ليخرج الإنسان من سجن هذه المنافسات الهدامة، وليفكر في نفسه وحاجته ويقوي جوهره وعوامل انبعاثه وقوته، وليبتعد عن ساحات التصدر والتباهي فهي تنقض الغزل وتضر لا تنفع.
- افتقاد الجو المشجع والناصح الأمين، كثيرا ما يكون الإقبال على القراءة بسبب وجود شخص ملهم في حياة القارئ، يحفزه ويثير اهتمامه بالفوائد التي قرأها فيشعل شغفه ويحب القراءة منه.
وقد تختلف الأسباب من مرض إلى حرب! من ضعف إمكانيات إلى كثرة مسؤوليات وغيرها من أسباب، يعرفها القارئ بنفسه لكن:
كيف السبيل لاسترجاع زمام المبادرة والقراءة بصناعة وعي جميل وبناء؟
ألخص ذلك في خطوات لكي تكون دليلا عمليا ينفع الباحث عن متعة القراءة.
- البداية من سؤال الله التوفيق والسداد في قراءة ما ينفعك وما يفيدك، وأن يهديك الله تعالى لخير الكتب وخير الفوائد.
- اعرف قدراتك وقيم ظروفك، وبناء على ذلك اختر موعدا للقراءة تنفصل فيه عن هاتفك وعن ما يشوشك، وليكن في مكان هادئ.
- لا بأس من أن تدلل نفسك بشيء تحبه مثل كوب شاي أو قطعة شكلا، أو أي شي يصنع فيك الطاقة ويبدد النعاس.
- انتقي من الكتب ما تجد فيه قوة في نفسك، وحتى تصل لذلك عليك أن تقوم بجولة تتعرف فيها على ما يتوفر من عناوين وتسمع آراء القراء فيها للمقارنة لا للتأثر بها.
- ليس المهم كم تقرأ بل ماذا استفدت مما قرأت، لذلك أرفق قراءتك بكناشة للفوائد سجل فيها أكثر ما يشد انتباهك أو تود حفظه لا نسيانه وانشره صدقة للعلم في حسابك، ففي ذلك بركة تخفى عن كثير من القراء وسبب دوام للشغف محبب.
- اصنع لنفسك مكتبة قدر الاستطاعة سواء من رف واحد أو عدة رفوف، واقتن كل مرة كتابا وضعه في مكتبتك وأنت سعيد به، فهذا رأس مال وهذا علم يضاف لرصيدك، تقدره بامتنان. وإن لم يتيسر لك، فلا بأس من مكتبة إلكترونية تنظمها وتضع العناوين مصنفة بحسب الاختصاصات والمواضيع. ستجد في ذلك متعة وعلما كثيرا.
- إن كنت ممن ينشغل كثيرا فتعلم استراق اللحظات أثناء تنقلاتك أو في استراحتك أو أثناء انتقالك من مهمة لأخرى، اجعل لك حظا من القراءة ولو صفحة واحدة وضع معلما يذكرك أين وصلت.
- إن كنت ممن يمل الوحدة اشترك مع صديق أو رفيق في قراءة كتاب وتذاكرا معا صفحاته واستحضرا أكثر النصوص تأثيرا، سيكون في ذلك مدارسة ممتعة.
- لا تبدأ بالكتب الضخمة، بل تدرج، وابدأ بالمقالات الزاخرة ثم الكتيبات ثم الكتب وهكذا حتى تتعود نفسك ويشتد شغفك.
- أحيانا كثيرة لست بحاجة لقراءة كتاب بل تكفيك فوائده المستخلصة يمكنك أن تستفيد مما ينشر من فوائد القراء في الشبكة.
- ملخصات الكتب تختصر عليك الكثير من القراءة إن كنت قليل العناية بها، أو تستعصي عليك لشدة مشاغلك لذلك متابعة جديد هذا النوع من الكتابات يساعدك على تحصيل إحاطة شاملة وسريعة وأحيانا تضطر لأن تقرأ الكتاب بنفسك لأن الخلاصات لا تكفي، وهذا باب آخر من أبواب صناعة الشغف.
- راوح بين القراءة للعتيق والجديد لكن لا تحرم نفسك قراءة العتيق أبدا، لأن فيه ذخائر تؤسسك وتغنيك وما يأتي بعدها يزينك ويسد الثغرات.
- إذا رأيت نفسك لا تتمكن من التركيز حاول أن تتناول أطعمة تقوي ذاكرتك، مثل زيت الزيتون وإكليل الجبل والعديد من الأغذية الطبيعية تصلح من نظامك الغذائي.
- إن كنت ممن يعاني النعاس كثيرا فخفف من وجباتك ولا بأس من تناول بعض القهوة والشاي لتنبيه جسدك. ولتقرأ قبيل النوم فصيد اقتباس خير من ضياع صفحة!
- قد تجد صعوبة في التركيز بداية لذلك اقرأ لأوقات قصيرة لا تجهد عقلك، ثم زود الوقت بالتدريج حتى تألف القراءة بالتركيز، وإذا رأيت نفسك تشرد، توقف لا تقرأ، وحاول مجددا. ولا بأس من الخروج من جو القراءة قليلا ثم العودة إليه.
- تجول بين عناوين الكتب وانظر ما تحتويه الفهارس فأحيانا كثيرة هذه الجولات تغنيك عن كثير تركيز في كتاب واحد، ولنقل هذه طريقة لإيجاد الشغف في نفسك، فقد يحصل أن تتجول بين الكتب فتفتح فهرسا فيشد انتباهك عنوانا فتقرأه بنهم! وتلك من بركات الغزو في ميادن الكتب! وكم من صيد ثمين تحصل عليه في جولة عابرة لم تكن تنوي منها مكوثا.
- التوفيق من الله تعالى، كثيرا ما تكون قراءتك محدودة لكن استيعابك عظيما لأن القلب حي والضمير متأهب، لذلك ركز على جودة المعاني ففيها الانبعاث! واقرأ لمن يكتبون بضمير وروح ملهمة وابتعد عن الأقلام المأجورة ففيها نقمة وفقدان بركة.
- لا تعجز! إن لم تتمكن من القراءة فاستمع، يتوفر اليوم الكثير من الكتب الصوتية يمكنك سماعها أثناء انتقالك أو سكونك أو عملك، فهي تكسبك الوقت وتوفر عليك الجهد وإن كنت لا أعتبرها منافسة للقراءة المباشرة والناس تتباين في اختيار ما يناسبها.
- ارسم لنفسك جدول احتياجات، ماذا تريد أن تقرأ؟ في التاريخ؟ أم في الرقائق؟ أم في السير؟ أم تريد القضايا الإعلامية وما يتعلق بالصراع؟ أم تفضل القراءات العلمية والفقهية؟ أو غيره من مواضيع وأطروحات رحالة العلوم، ثم حدد شغفك بترتيب الأولويات ثم ارسم جدولا يتناول من كل بستان زهرة، فقليل من الرقائق لا بد منه! وقليل من التاريخ وجبة دسمة. وهكذا، ترسم جدولا منسجما واحتياجاتك ويشبع شغفك.
- قد يتعذر عليك الإحاطة بكل ذلك فتابع الحسابات النهمة في القراءة التي تنشر صدقات ما تقرأ ستجد في ذلك خيرا كثيرا وتوفر عليك الجهد والوقت، ذلك أن الغوص في بطون الكتب لا يجيده ولا يصبر عليه الكثيرون، فهناك من يقدم ذلك بطيب نفس، فالحمد لله على نعمة التواصي بالحق والصبر، وعلى نعمة التعاون على البر والتقوى.
يحتاج هذا الموضوع إرفاق قائمة بأكثر الكتب التي أنصح بقراءتها، التي تقدم إحاطة وافية وتغنيك عن الكثير من القراءات الاستهلاكية وأرى أن مثل هذا الموضوع يتطلب مقالا منفصلا أسأل الله أن ييسره قريبا.
وفقكم الله وفتح عليكم وأذاقكم لذة وبركات الإقبال على الكتب ورحلة القراءة وصدقات الفوائد.
من اروع المقالات التي قرأتها اشكرك دكتوره شكرا جزيلا