السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي يزني ويجاهر بذلك ويشرب الخمر ولا يصلي وشاذ أيضا، قد حاولت معه في كل السبل ليرجع لربه ولكن دونما جدوى لو تفيديني في هذا الموضوع وأتمنى لو تضعي لو تغريدة واحدة عن خطورة العلاقات المحرمة وكيف أن الإنسان لا يصبح إنسانا عند اللهث وراء شهوته بل يصبح مسعورا وكيف أن الطرفين نسيا النار وعذاب القبر والله يجزاك خير.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إنه لمؤسف بشدة أن يكون الأخ أو أحد أفراد العائلة يجاهر بالمعصية بل وبالكبائر ولا يخشى أحدا، وفي ذلك دليل على خلل كبير في منظومة الأسرة التي هي بالأساس قائمة للتربية وصيانة الأجيال وإقامتها على الاستقامة.
وبعيدا عن الحديث كيف وصل ابن في أسرة مسلمة لهذه الحال، نحن هنا نتعامل مع نتائج الفشل في ضبط هذا الابن بشكل يحسب فيه حساب المجاهرة على أقل تقدير.
فالمجاهرة توجب عقاب الله تعالى، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه”. صحيح البخاري.
وواضح من خلال رسالتك عدم استجابته لنصائحك ودعواتك، وأنه لا يخفى عليه أنه قد اقترف منكرًا عظيمًا، وأتى كبيرة من شرِّ الكبائر؛ بل أكثر من كبيرة، مع ما زاده من شذوذ وشرب للخمر فقد اختار لنفسه سخط الله وعقابه، وإنما هو يمضي بقدميه إلى مصير كل من سلك هذه الطريق المهلكة ﴿وَسَاءَ سَبِيلًا﴾؛ قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: 68، 69].
ومن حارب وأبى ﴿ فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ﴾ فلا يلومن إلا نفسه.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن”؛ متفق عليه.
وهي كبيرة موجبة للعذاب في البرزخ إلى قيام الساعة، روى البخاريُّ في حديث المعراج، أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “رأى رجالًا ونساءً عُراةً على بناءٍ شبه التَّنُّور، أسفله واسع، وأعلاه ضيق، يوقد عليهم بنار من تحته، فإذا أوقدت النار، ارتفعوا، وصاحوا، فإذا خَبَت عادوا، فلما سأل عنهم؟ أخبر أنهم هم الزناة والزواني”.
وما أنصحك به هو إرسال رسالة أخيرة له، فيها التحذير والوعيد الشديد لسلوكه هذه الطريق وفيها إنذار له بأنك ستهجرينه ما دام على معاصيه ومجاهرا بها.
واستعملي معه أسلوب التدرج في الشرح، فهو فعال إن شاء الله تعالى، في مسند الإمام أحمد (أَنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِي الزِّنَا؟ قَالَ: فَصَاحَ الْقَوْمُ بِهِ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَقِرُّوهُ وَادْنُهْ ” فَدَنَا حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ ” فَقَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ” قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ ” قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ” قَالَ: ” فَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ ” قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ” – ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ كَذَلِكَ – قَالَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ” اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ” قَالَ: فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ بَعْدُ “.
وانظري في عائلتك من له وزن وثقل وتأثير لعله ينصحه أو يؤثر فيه فيردعه. وأرى أن هذا الأمر يكون عليه الرجال أقدر، فلو لم يكن هناك رجل في البيت أو في العائلة قادر على ردعه وإعادته لجادة الصواب، وإخراجه من وسطه الفاسد، فسيكون الأمر صعبا عليك خاصة مع ما وصل إليه من معاصي ومجاهرة بها.
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
ومع ذلك يبقى لديك بعض الحلول كحل الهجر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
“وأما هجر التعزير فمثل هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه الثلاثة الذين خُلِّفوا، وهجر عمر والمسلمين لصبيغ، فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر : فهي [ يعني : عقوبة الهجر ] مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب، فليست مشروعة” [1]
والذي عليه السلف وأئمة أهل السنة أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
ولكنه يجوز لأكثر من ذلك في حالات، قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: “أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية”.
وهذا لا يمنع من أن تواصلي الدعاء أن يهدي الله تعالى أخاك وتتحيني الفرص المناسبة من انكساره أو تعثره لدعوته للتوبة وأنت بذلك تقومين بحق عظيم من حقوق أخيك عليك وهو حق النصح في الله والإنكار للمنكر يقع فيه والأمر بالمعروف يهديه، لإعادته إلى جادة الصواب وإلى طريق الهداية.
ولا يفوتني في هذا المقام التنبيه إلى أن هناك فرق بين مرتكب الزنا ومستحله، فمن يزني أو يدعو للزنا على أنه لا بأس به وأنه يجوز وحلال، فهذا يكون كافرًا، وأما الذي يفعله، ولا يستحله، ويقر أو يعلم أنه عاصٍ، ولكنه فعله طاعة للهوى، وحبًا للشهوات والرذيلة، فهذا عاصٍ، وليس بكافر.
فإن كان الزاني مستحلا للزنا، فقد كفر ويعامل معاملة المرتد.وليس المسلم العاصي.
أما طلبك الأخير، فإن العلاقات المحرمة التي أضحت من باب التفاخر والاقتداء في زماننا بين المرأة والرجل الأجنبيين عن بعضهما البعض، يجاهر بها ويثنى عليها بلا خجل، هي مما أصيبت به هذه الأمة من التفريط بحكم الله تعالى وتربية الأجيال على الخشية والتقوى، وهي من نتائج تفكك الأسر وتعسير سبل الزواج ومحاربة الفضيلة والتشجيع على الاختلاط والتبرج ومحاربة الستر والحجاب، فكلها ميادين متشابكة وتداعيات متصلة، بعضها ببعض، والتقي والتقية، ممن يرجون رحمة الله، لا يرضيان لنفسيهما هذه الحال، وأمامهما الزواج بالحلال، فهو الخير والبركة ودليل صدق العلاقة، لمن يحتج بالحب والتعلق، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)). وغير ذلك سبيل ضلال وانتكاس وفشل.
فكون المسلمين يعيشون في مجتمعات تزدحم بالفتن وبالاستهانة بحدود الله تعالى وبالأز على الخطأ والغلط فهذا لا يعني اتباع خطوات الشيطان وما تمليه الشهوات، بل يعني التصدي لذلك بسد الذرائع وبالزواج. ويمكن للشباب اليوم فرض شروطهم لزواج تقي، حتى لو رفضه الأهل، ذلك أننا نشاهد كيف يتمردون على الأعراف والدين فكيف لا يتمردون على عادات جاهلية رجاء الستر والحلال، والقضية هي حقا في إرادة الخير والتخلص من بذور الانحراف في كل مرء. والله يعين شباب المسلمين على الاستقامة والطاعة والعفة. وأنصح بملازمة الدعاء والإلحاح عليه فهو سلاح المؤمن:
(اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك).
(اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي، وكره إلي الكفر والفسوق والعصيان، واجعلني من الراشدين).
وفي الختام أسأل الله أن يهدي كل مجاهر بالمعصية لتقوى الله وخشيته، وللاستقامة كما يحب الله ويرضى، كما أسأله سبحانه أن يثبتنا جميعا على دينه، وفقك الله وحفظك من كل سوء.
[1] مجموع الفتاوى ” ( 28 / 216 ، 217 ) .