كلمة لابد منها في هذه الأثناء التي يجمع فيها أئمة الكفر جيوشهم وقواتهم وطائراتهم وأسلحتهم وكل شكل من أشكال الدعم للاستفراد بغزة. ما يجري اليوم محطة تاريخية سيكون لها ما بعدها، ونحن أمام عدة احتمالات، جميعها تقوم على مخاوف ورعب لم يسبق له مثيل في معسكر الصهاينة وحلفائهم ..وهذا ما يفسر قوة ردة الفعل.
يصارع صناع القرار في دوائر الاحتلال والغرب، حسم قرار الاجتياح البري لغزة من عدمه، وهي عملية مكلفة جدا لهم، ويدركون جيدا أنها مستنقع الخروج منه لن يكون سهلا. ويهدد استقرار دولة الكيان الذي يدفع بكل ما يمكنه للتطبيع من أجل ضمان تمدد ناعم وأقل كلفة مادية وبشرية.
خوف الاحتلال على مستقبل كيانه، يوازيه خوف أمريكي شديد من أن تفتح غزة بوابة للمسلمين الذين يحملون شغف الانتقام من الصهاينة، وتحرير فلسطين، ولنا أن نتخيل ما يمكن أن تحدثه فكرة كهذه في الأمة! ولو كانت بعمر الصراعات تستغرق سنوات وعقود، إلا أنها بداية مزلزلة لأحلام التحالف الدولي.
نصائح جنرالات الحرب الأمريكيين واضحة جدا وصريحة، لا يريدون مستنقعا جديدا مكلفا، ولكنهم سيحرصون على هدم ما أمكنهم من غزة لذلك هم يستخدمون قنابل ذات قدرة تدميرية هائلة مخصصة لتدمير التحصينات في المناطق الجبلية لأجل ضمان هدم البنية التحتية في غزة. وثم إجبار السكان على الرحيل إلى سيناء.
ثم يبقى لهم الاستهداف بالطيران لكل هدف يشكل خطرا على أمن الاحتلال، مع حصار خانق على القطاع ومنطقة عازلة شديدة التحصين. وفي حال تهور الاحتلال وقرر التدخل البري، فنحن أمام حرب شرسة، تقوم على قضية موت أو حياة فلم يعد للمقاتلين شيئ يخسرونه، ولا شك أن كل قرار مفاجئ يقلب الطاولة متوقع.
بيد المقاومة ورقة خطيرة جدا، والحديث عنها يتطلب تفصيلا، ليس مقامه، لكن نحن أمام احتمالين خطيرين:
- تغيير كامل لاستراتيجية الحرب بشغل الاحتلال في جبهة الجنوب، واستنزافه الطويل.
- تمكن القوى الدولية من التأثير السياسي والمساومات، وإعادة الوضع لما كان عليه مع شروط جديدة وضمانات أخرى.
خوف أمريكا والاحتلال يفوق خوف أهل غزة من مستقبلهم، ولذلك أقول لأهل غزة، لقد وقفتم موقفا مشرفا نيابة عن كل هذه الأمة، وأحييتم معاني الجهاد والإباء والنصرة، بشكل لم يسبق له مثيل على الرغم من حجم مآسي الأمة في العراق والشام وأفغانستان وغيرها، وذلك لمكانة فلسطين في الأمة التي لا تخفى.
اليوم الأمة كلها تتمنى أن تمد لكم يد العون، وتحترق لكل ما يصيبكم، واجتمعت القلوب والأدعية لنصرتكم، وقد هدم الأعداء كل ما بقي لكم من أملاك الدنيا، فأنتم أمام ضرورة الوحدة صفا واحدا لمواجهة أي اجتياح لغزة، وفي هذه الأثناء لا يجب أبدا أن يغفل البعد الإيماني، فالله جل جلاله له الأمر كله.
فإنما الوقت لهدي (قل لن يصِيبنا إِلَّا ما كتب اللَّه لنَا هو مولانَا وعلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمِنون * قُل هل تَرَبَّصون بِنَا إِلَّا إِحدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحنُ نَتربَّص بِكُم أَن يصِيبكُم اللَّه بعذَاب مِّن عندِهِ أَو بِأَيدينا فَتربَّصوا إِنّا معكم مُّترَبِّصون)
هذه الأرض أرض ملاحم ومواجهة إلى آخر الزمان، وما حدث كان مهما جدا في سنة التدافع وكشف الأوجه الكالحة وصناعة الوعي بطبيعة الصراع ومستقبله لأغلب الناس، وما سيأتي، فإما بداية الفتوحات التي طال انتظارها، وإما شهادة وشرف يكتب في التاريخ لغزة العصية على الغزاة ومقبرة الصهيوصليبية!
وبالنظر للتحولات التي يشهدها النظام الدولي وصراعاتهم التي تستنزفهم في ساحات أخرى، فإن الأمر يتعلق بما يسره الله من فرص للمسلمين وحسن استغلالها. والأمر كله بيد الله سبحانه فلا أحب الجزم بالغيب لكن التخطيط الاستراتيجي يتطلب ربط الجسور مع القوى المسلمة، وصناعة وحدة مهيبة تليق بما سيأتي.
وأقول أقل الواجب من كل مسلم ومسلم الحفاظ على مستوى الوعي والحس والمسؤولية الذي انبعث في قلبه مع أحداث فلسطين، وأن يعد نفسه لمستقبل ستكون فيه الكلمة للمسلمين رغم أنف المغضوب عليهم والضالين. وهذا يعني أن الأسر المسلمة عليها أن تعد نفسها لإنجاب الفرسان والقادة النجباء، المخزون الاستراتيجي من الرجال في الصراع.
وعلى طاقات الأمة الوقوف على كل ثغر ممكن لها، والعمل بشكل متناغم على ضخ معاني التوحيد والسنة والنصرة واجتماع المسلمين حولها، والتمسك بالقرآن والعمل به، والتربية التي هي تربية إيمانية وخلقية مستمرة مع امتداد الصراع، فإنما ننصر بتقوانا وصدقنا مع الله، فما يعلم جنود الله سبحانه إلا هو!!
قال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) هذا ليس مجرد وصف!! هذا حق ويقين، نأخذه كاملا ونلتزم بأمر الله تعالى، لننال معيته ونصره.
لا بد من صبر شديد ويقين أشد! لأننا دخلنا مرحلة خطيرة حقا، ولكنها بإذن الله مرحلة تحرر هذه الأمة وإن كانت ستطول، فلتأخذ منا ما تأخذه من أنفس وأموال وأفكار وأعمال! لأنها في الأخير ، إما أن ننعم بأنفسنا بالفتوحات وإما ستنعم فيها الأجيال التي بعدنا، فكل أعمالنا تراكمية تكاملية لذلك نعمل.
وأقول لمن يضخم من مكر الأعداء ويتحدث وكأن الأمر كله بأيديهم! سنة التدافع ماضية، وما نحن مطالبين به ليس الاستسلام للكيد الذي تصفونه وتكررونه على مسامعنا، بل أصبح مجرد هذا السماع حجة لنا للجمع ودفعه وإحباطه! لذلك فكل محاولة لزرع الوهن والتخذيل والتثبيط بزعم قوة العدو وقدرته فاشلة!
فقم بما عليك من نصرة دين الله ودفع الباطل ولا عليك بالنتائج! فإنما هي امتحانات اصطفاء، (أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَيَعلَم الصَّابِرِينَ).
وكل آية في القرآن لوحدها تربية عظيمة على التأدب مع أقدار الله وسننه وأوامره!
فمن أراد أن يصون قلبه الذي انبعث بالتوحيد يزأر! فما عليه إلا أن يقم نفسه على رباط القرآن ولا يهجره ويحرص على أن يكون القرآن أهم عمل يومي له، ثم يبحث لنفسه عن موطئ قدم في مسيرة هذه الأمة ويسد ثغرا ويجبر ضعفا، فإنما هي أيام قلائل وحين يأذن الله ستشفى جروحك أيها المسلم أيتها المسلمة!
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُون)
فأخلصوا النوايا ولا تبقوا من حجة عليكم، وابذلوا ما أمكن، فإن لذة ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ اﻟﻤﺮاﻏﻤﺔ، لا تنجازها لذة ولا فضل! فاللهم نسألك الاستعمال والقبول.