النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

قيام الليل: شرف المؤمن .. سلاح المؤمن

قيـام الليل عبادة جليلة، ذكرها الله جل جلاله في القرآن، ودل على عظمتها الكثير من النصوص والآثار.

وهي قضاء الليل أو جُزء منه بالصلاة، أو غيرها من العبادات.

وصلاة قيام الليل هي التطوع بالصلاة ليلًا من بعد صلاة العشاء حتى دُخول وقت الفجر الثاني، سواء كان ذلك قبل النوم أو بعده.

أما صلاة التهجد فهي التطوع بالصلاة ليلًا بعد القيام من النوم.

فليس كل قيام تهجُّد، ولكن كل تهجد قيام.

قال السعدي رحمه الله قال عز وجل: ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ ) [ المزمل:16] أي: الصلاة فيه بعد النوم (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) أي: أقرب إلى حصول مقصود القرآن يتواطأ عليه القلب واللسان, وتقل الشواغل ويفهم ما يقول.

عبادة داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم

وهي عبادة داوم عليها نبينا صلى الله عليه وسلم بل اجتهد فيها حتى تفطرت قدماه وهو أحب الخلق لله تعالى، وكان يقول: أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا؟!

فعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ من اللَّيل حتى تَتفطَّر قدماه، فقالت عائشةُ: لِمَ تَصنعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال: (أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا؟! ) أخرجه البخاري، ومسلم

قال ابن القيم رحمه الله عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل:

لم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً.

وكان يقوم تارة إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل.

من موجبات الفضل

قال الله تعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21)

وقد ثبت فضل صلاة الليل في دخول الجنة ورفعة الدرجات وابتغاء مرضاة الله تعالى ورجاء رحمته. وهي عباده الأبرار عباد الرحمن. وهي من أسباب تكفير الذنوب والسيئات ومن موجبات المعية والفضل.

عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “نِعْمَ الرَّجُلُ عبد الله، لو كان يُصلِّي من الليل” قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا يَنامُ من الليل إلا قليلًا.  متفق عليه.

ولم يفرضه الله تعالى على عباده لكونه باب مسابقة، فجعله سنة مستحبة، ورغب فيه وحرض عليه.

متى وكيف أصلي صلاة الليل؟

ويبدأ وقت قيام الليل من بعد صلاة العشاء إلى طُلوع الفجر الثاني من كل ليلة، ويجوز أن يُصلي المصلي القيام في أول الليل أو وسطه أو آخره، وفضل آخره أكبر. وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يصلي بداية ثلث الليل الأخير؛ لأنه وقت نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا، وهو وقت إجابة الدعاء وقبول التوبة ومغفرة الذنوب.

ولمعرفة بداية ثُلث الليل الآخر يُقسم وقت الليل من غُروب الشمس إلى طُلوع الفجر الثاني من الساعات على ثلاثة والناتج هو الثلث.

وليس للقيام عدد مخصص من الركعات بل هو على قدر استطاعة المصلي فيصلي ما تيسر له.

أما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إحدى عشرة ركعة مع الوتر أو ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، والإحدى عشرة ركعة هي الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم. قالتْ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “مَا كانَ النَّبيُّ ﷺ يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِهِ علَى إحدَى عشرةَ ركعةً”.

وتصلى صلاة الليل مثنى مثى أي ركعتين ركعتين، وهذا يعني أن يصلي المصلي ركعتين ثم يسلم. ويبدأ ركعتين تاليتين.

فيصلي عشر ركعات ويوتر واحد، فيكون قد صلى إحدى عشر ركعة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أو يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، ثم يُصلي ركعتين طويلتين جدًّا، ثم يُصلي ركعتين دونهما، ثم يُصلي ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم يُصلي ركعتين دونهما، ثم يُصلي ركعتين دونهما، ثم يُوتر بركعة. وهي طريقة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كما يمكنه أيضا أن يُصلي ثلاث عشرة ركعة منها ثمانية يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يُسلم إلا في الخامسة.

وليس عدد الركعات على الوجوب إنما الصلاة على قدرِ الاستطاعة؛ لقولِهِ تعالَى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، لذلك إن غلب الإنسانَ النومُ فلا حرج أن ينام بل يجب أن ينام كي لا يخلط في صلاته ويقول ما لا يجب.

وقد أجمع العُلماء على أن صلاة التطوع بما فيها صلاة قيام الليل جالسًا مع القُدرة على القيام، تصح، ولكن أجرها على النصف من صلاة القائم.

كما يصح أيضًا أداء بعض التطوع من قيام وبعضه من قُعود.

ويُستحب لمن صلى قاعدًا أن يكون مُتربِّعًا في حال مكان القيام، والثابت أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل كانت على أنواع أربعة هي:

  • أنه كان يُصلي قائمًا ويركع قائمًا.
  • أنه كان يُصلي وهو قاعد، ثم إذا لم يبقَ من القراءة إلا نحو من ثلاثين آية أو أربعين، قام فقرأ بها ثم ركع.
  • أنه كان يُصلي وهو قاعد ثم إذا ختم قراءته قام فركع.
  • أنه كان يُصلي وهو جالس ويركع وهو جالس.

وكانت أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تطوعا مُنفردًا، وثبت عنه أنه صلى مع أحد آخر أو أكثر. ولذلك يستحب أن يصلي الرجل مع أهل بيته قدر الاستطاعة ولو مرة على مرة.

صلاة بأجر ثابت وإمكانية قضائها

ولأهمية هذه الصلاة ومكانتها فقد أجاز الله تعالى قضاءها في غير وقتها، حيث يُستحب لمن فاته قيام الليل أن يقضيه شفعًا في النهار بعد شُروق الشمس وارتفاعها قيد رُمح أي بعد حوالي ربع ساعة من طلوع الشمس؛ وهذا يعني بدون وتر لأن الوتر يختم به صلاة الليل وقد فات وقت الليل.

ومن فضائل هذه الصلاة الجليلة أن من نواها ثم لم يتمكن من القيام، لنوم أو إرهاق، أو مرض، فقد كتب الله أجر نيته، قال النبي صلى الله عليه وسلم “إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى” متفق عليه.

أسباب تساعد على القيام

3a5f992e0a0458c028d337de292dc976

لتيسير الاستيقاظ لموعد هذه الصلاة، يفضل التزام السنة بالنوم على الوضوء والشق الأيمن وإتمام الأدعية وأذكار النوم. ومنها أن يجمع كفيه ثم ينفث فيهما، ويقرأ فيهما: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1]، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق: 1]، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس: 1]، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات، ويقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سُورة البقرة، ويُكمل بعد ذلك أذكار النوم.

وينصح باستخدام منبه يوقظ المصلي في الوقت المحدد، وعند الاستيقاظ يمسح النوم على وجهه ويؤدي أذكار الاستيقاظ ثم يستاك بالسواك.

وليبدأ صلاته بركعتين خفيفتين، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: ثم يُصلي بعدهما ما شاء.

والأفضل أن يصلي المصلي القيام في بيته فهو أرجى للإخلاص. وهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والأفضل أن يعزم على الصلاة بقدر استطاعته وقليل دائم خير من كثير منقطع، فيمكنه أن يعزم ولو ركعتين كل ليلة ويستمر على هذه العبادة العظيمة، ويُداوم عليها، فإن كان يقدر على إطالتها فعل وإن لم يقدر فلا ينزل عن ركعتين، وإن فاتته قضاها. وبهذا ينال فضل صلاة الليل وبركاتها على قدر استطاعته.

قال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)) سورة المزمل.

حضور القلب

والأفضل أن يُصلي المُسلم ما يستطيع من ركعات ولكن بحضور قلب وخشوع وبتدبر في القراءة وإعطاء آيات الله تعالى حقها في التلاوة، ثم الاجتهاد في الدعاء في مقامات السجود، وما أحوجنا لكثرة السجود! لتسكن نفسه ويرتاح قلبه ويرمي أثقال الدنيا من على كاهله، فليس المهم الكثرة بل الأهم حالة قلبه وأثر الصلاة في نفسه. وأن يجاهد بإخلاص حتى يصل للذة العبادة.

وأما الإسرار والجهر فيعتمد على ظرف صلاته إن كان فيه إزعاج لمن حوله أو كان يتمكن من البقاء يقظا ليتم صلاته دون أن يؤذي أحدا آخر قام يصلي مثله.

ومن أهم الأسباب المعينة على قيام الليل، معرفة فضل هذه العبادة ومنزلة أهلها عند الله تعالى، فهي شرف المُؤمن بل سلاحه لما لمقام الدعاء في جوف الليل من موجبات الاستجابة، فكيف وحال الأمة ما ترى وتسمع من هوان، فإن لم تقدر على قتال أعداء الله بسلاح في يديك، فقاتلهم بالدعاء حتى يأذن الله ويستعملك. ولا يستغني مجاهد عن سلاح الدعاء ولو ملك كل الأسلحة وأسباب القوة، فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم.

احذر هذا الخطر

لا شك أن هناك أسباب تمنع صلاة القيام، وأخطرها الذنوب والمظالم فليجتهد المسلم في تطهير نفسه والترفع عن الظلم بكل أشكاله، وليؤتي كل ذي حق حقه، ويكثر من الاستغفار ليوفقه الله لمقام الصلاة في هذا الموعد المهيب. يقول سفيان الثّوريّ رحمه الله: حُرمتُ قيام الليل خمسة أشهر لذنب أذنبته. قيل له: وما هذا الذّنب؟ قال: رأيتُ رجلاً يبكي فقلتُ: هذا مُرَاءٍ‍‍‍‍‍.

 ومن معوقات القيام، سواء من حيث الاستيقاظ أو إبقاء القلب حاضرا، إهمال الحاجة إلى النوم مبكرًا؛ فليأخذ المصلي قوة ونشاطًا يستعين بهما على قيام الليل وصلاة الفجر.  وليخط جدوله بما يقدر عليه فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

كذلك تصبح مهمته أصعب إن كان ممن يكثر الطعام على العشاء ويثقل معدته، أو كان ممن يقضي نهاره في إجهاد بلا طائل، أو كان لا يريح جسده بقيلولة حين الحاجة لها، فإنها تُعين على قيام الليل.

وما أجمل الهدي في ما رواه الترمذي مرفوعا: “ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة: فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.”

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: “وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات سلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة، وإنما قال هذا لأن أصل كل داء التخم، كما قال بعضهم: أصل كل داء البرَدَة -التخمة ـ وروي مرفوعاً ـ ولا يصح رفعه ـ قال الخطابي: هو من قول ابن مسعود، وقال الدارقطني: الأشبه بالصواب أنه من قول الحسن البصري، وقال الحارث بن كَلَدة طبيب العرب: الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء ـ ورفعه بعضهم ولا يصح، وقال الحارث أيضاً: الذي قتل البرية، وأهلك السباع في البرية، إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام، وقال غيره: لو قيل لأهل القبور: ما كان سبب آجالكم؟ لقالوا: التخم، فهذا بعض منافع تقليل الغذاء وترك التملي من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته”.

كن ممن وصفهم الرحمن!

قال ابن القيم رحمه الله: قال الله تعالى: (تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17] تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاهُ لهم مما لا تعلمه نفس، وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حتى يقوموا إلى صلاة الليل بقُرة الأعين في الجنة.

لقد ذاق من لذة هذا النعيم السابقون، وكم من الآثار تذكر أثر هذه العبادة العظيمة في نفوس المؤمنين، والغرباء اليوم أحوج إليها من كل شيء!

قال الفضيل بن عياض: إذا غابت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي، وإذا طلعت حزنت لدخول الناس عليّ.

وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.

وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث، قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة.

عبادة ممكنة جدًا!

ومن جمال هذه العبادة العظيمة، أنها تتحقَّق بصلاة ركعتين أو أربع، أو أكثر، في أي وقت من بعد صلاة العشاء، وإلى قبل صلاة الفجر، فلا يحتج أحد بانشغاله أو تعبه، بل يمكنه نيل سهم منها في أي وقت يناسبه من بعد صلاة العشاء إلى ما قبل صلاة الفجر، ولو صلى قبل نومه، والله تعالى يعظم الأجر بقدر عظمة الإخلاص وصدق الإقبال، فلا يحرم نجيب نفسه هذا الفضل، وقد روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ». صحيح.

وعن ربيعة بن كعب الأَسلمي رضي الله عنه قَالَ: “كنت أبِيت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيته بِوَضوئِه وحاجته فَقَالَ لِي: « سل ». فقلت أَسألك مرافقتك في الْجَنَّة. قال: “أوَ غير ذلك”، قلت: هو ذاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّى عَلَى نفسك بكثرة السُّجود ” رواه مسلم.
ومثله قال لثوبان رضي الله عنه عندما سأله عن عمل يدخله الله به الجنة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: “عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحَطَّ عنك بها خطيئة”، رواه مسلم.

وصلاة الليل مقام للسجود عظيم فكيف بنية مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم مطلبا!

( واسجد واقترب ) (العلق:19).

لماذا نحث على صلاة الليل؟

لم يقصر أهل العلم في ذكر فضائل هذه العبادة الجليلة ولا تعداد بركاتها في نفس الإنسان ولا في جسده. ولكن الحثّ عليها اليوم يأتي في ظرف نوازل تزلزل قلوب المسلمين، وفتن تتوالى تهدد حصون إيمانهم ثم الكثير من طغيان الكفار والمنافقين والقهر والاستضعاف، وقلة العضد والتلاحم، والذنوب وهشاشة النفوس وسهولة التواصي بالحرام وصعوبة الثبات على الحق والاستقامة كما أمر الله عز وجل! فكان لا بد من لقاء تطهير وتجديد للإخلاص، لقاء يرمم القلب ويصنع حصانة ومحبة وإعدادا لملاحم الارتقاء.

ولأن لقاء الليل بالقرآن له تأثير عظيم في النفس وموجب للفتوحات الربانية، وفتوحات القرآن هي السعادة التي لا تباريها سعادة. وهي البصيرة التي تستوجب البذل والفداء. كان لا بد للمؤمنين من صلاة ليل!

نحن بحاجة لكثير من التوبة والاستغفار والاستدراك والانكسار لله الواحد الأحد، ولكثير من بث الشكوى والحزن والضعف والدعاء للمسلمين والمجاهدين وكل عامل لهذا الدين، وعلى الكافرين المعتدين والطغاة المجرمين! في زمن تداعت فيه أمم الكفر، ويتطلب الكثير من الاستعانة بالله تعالى واستجلاب أسباب اليسر والثبات والنصر والتمكين، ولمطلب الجنة العظيم!

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا .. .. وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد

فقلت يا عــدتي في كل نـائبــة .. .. ومن عليه لكشف الضــر أعـتمد

أشكو إليك ذنـــوبا أنت تعلمها .. .. ما لي على حملها صبر ولا جلد

وقد مددت يــدي بالذل مفتــقرا .. .. إليك يا خــير من مدت إليه يــد

فــلا تردنـــها يارب خــائــبــة .. .. فبـحر جودك يروي كل من يرد

فطوبى لساجد في عتمة الليل يبتغي رضوان ربه ومحبته، ورحمته وفضله العظيم!

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
مجهول

مقال جميل جدا ماشاء الله (ومن أهم الأسباب المعينة على قيام الله. أعتقد تقصد الليل هنا.،ولم ملك كل الأسلحة وأسباب القوة.. أعتقد هنا ولو ملك ) أسف جدا على التنبيه،وأعلم جيدا أنه سهوا” رفع الله قدركم وغفر لنا ولكم

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x