مما يجب التنبيه إليه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، أن أقواما، لطالما أنكروا على خصومهم وأعدائهم إنكارا شديدا فيما أضحوا يسيرون إليه بأقدامهم وبتبريرات لم تكن حاضرة في زمن مضى. حين اقتضت الأهداف الترفع عنها، يتسببون في فتنة.
فخطورة هذا السير ومبرراته التي تبدلت، -بغض النظر عن كل اعتبارات- أنها تصنع فتنة عظيمة في نفوس الناس التي تشاهد وتجد نفسها في مقام تناقض تهتز فيه المبادئ وتختل فيه البوصلة، ويصبح كل ما مضى من تضحيات لا قيمة له ولا جدوى، إن كنا سنصل للنقطة التي تمردنا عليها ابتداء.
ولذلك من المهم تربية الناس على حقيقة أن السياسات ليست المرجعية، وتبدل الناس ليس القضية! وإنما الاستقامة كما أمر الله تعالى بحفظ المعروف وإنكار المنكر، ولو بالقلب. فليست تجارب الأفراد والجماعات المقياس الذي يتبع، بل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو خالفه كل من في الأرض.
ولكل من تضيق نفسه وتشتد غربته، اعلم أنك لست مجبرا على التبرير لمنكر بيّن ولا على اتخاذ مواقف التصفيق ما دمت تنكر ما تراه ويؤلم قلبك ويعارض عقيدتك ومبادئك.
قال ابن القيم رحمه الله:
“لا تَستصعِب مخالفة الناس والتحيُّز إلى الله ورسوله ولو كنتَ وحدك؛ فإن الله معك، وأنت بعينه وكَلاءتِه وحفظِه لك، وإنما امتحن يقينَك وصبَرك”.
وقال ابن تيمية رحمه الله:
“فكل من اتبع الرسول ﷺ فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه، وله نصيب من (لا تحزن إن الله معنا)”.
لست مسؤولا عن تبدل الناس وعن تبرير مواقفهم المخالفة فهم يجادلون عن أنفسهم يوم القيامة والله أعلم بحالهم ومآلهم، وإنما أنت مسؤول عن نفسك عن صفاء الحق وبقاء هيبة قوته في قلبك، على الاستقامة كما أمر الله تعالى.
وتلك هي سبيل النصح وبقاء معالم الحق بارزة للأجيال. وتلك هي السبيل الموجبة للإعذار ورجاء رحمة الله تعالى وقبوله. وتلك صفة أهل السبق والفضل، كما رواه البخاري ومسلم عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ”.
وفي رواية لمسلم:”لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ”.
قال ابن تيمية رحمه الله: “هذا الحديث حديث ثابت متواتر من جهة استفاضة ثبوته عند الأئمة، ومخرج في الصحيحين من غير وجه وفي غيرهما. وهذا الحديث فيه تقرير لكون الأمة سيدخلها افتراق واختلاف في مسائل أصول الدين، ولهذا وصف عليه الصلاة والسلام هذه الطائفة بأنها الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة ، وأنهم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ” “شرح حديث الافتراق”(1/31).
﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 3)
والصبر على تكاليف الثبات .. محك الإيمان ..
فاثبت وإن تبدل كل من حولك، فإنما هي حياة واحدة لتكن خالصة لله تعالى.