السلام عليكم
أحب أن أعرف لماذا لا أحد يتكلم عن حقوق المرأة بقدر ما يتكلمون عن ما تسببه المرأة من مشاكل ويجب إصلاحها والخ وكأن الرجل ليسَ بكائن بشري؟
لماذا لا أحد يتكلم عن مدى فعالية تعدد الزوجات بشكل سليم وأنه فعلا له شروط وضوابط غير العدل والنفقة وإن تم استخدام هذه الصلاحية بشكل خاطىء قد يحصل فساد وهنا النقطة لماذا لا أحد يتكلم عن أنواع الفساد الأخرى مثل هدم البيوت أو إهمال المشاعر بحجة قول الله تعالى للرجال بأنه لا يمكن أن تعدل بين مشاعرهم وأن فقط صلاحية التعدد لا يعني أنك تتغاضى النظر عن المشاكل التي قد تنتج بسبب الزواج من الثانية أو الرابعة حتى وبحجة أنه شرع والخ وأن فقط ما يذكرونه هو فقط مشكلة “العدل” وهذي ليست المشكلة الوحيدة فعلا أو الاسوأ حتى.
لماذا لا أحد يتكلم بكثرة وتفصيل عن كيف تتعامل مع زوجتك ولو بدر منها شيء تحاول معها ولا يكون الحل دوما الزواج من أخرى أو الطلاق ولماذا لا يُطلب من الزوج وبكثرة الصبر كما تفعل المرأة رغم أن هذه طبيعتها؟
لماذا لا أحد يتكلم عن مشاكل الرجال وأخطائهم وتعاملاتهم وطريقة تفكيرهم وسيرهم وتعاملهم مع الناس والحياة.
لماذا لا أحد يعطي للأمراض النفسية قيمة في الإطار الديني وأثرها البالغ على حياة الأسرة وأن الزواج هو الحل رغم أن الزواج ليس الحل فعلا وإن كان فسيكون شيء ثانوي ولا يكاد يكون شيء أساسي بسبب أن الزواج والأسرة أساسها المسؤولية والقدرة والنضوج والأشياء الأخرى وليست دار إعادة تأهيل للبالغين ومحل تجارب لقدرات الوالدين على الأطفال إنما هيا موطن لبناء جيل إما على أساس سيء أو جيد.
حين أقول (لماذا لا أحد) ليس قصدي بذلك قول الله أو الرسول أو الصحابة أو التابعين أو السلف أو علماء الأمة.
الجواب:
لماذا دائما الحديث عن المرأة؟
حياك الله وبارك بك،
سأجيب عن كل سؤال بجوابه، وأبدأ بـ “لماذا لا أحد يتكلم عن حقوق المرأة بقدر ما يتكلمون عن ما تسببه المرأة من مشاكل ويجب إصلاحها والخ وكأن الرجل ليسَ بكائن بشري؟”.
أقول بداية صناعة أي تصور أو فكرة يبدأ من خلال ساحة المشاهدة، فإن أنت تابعت الحسابات التي تتحدث عن إصلاح المرأة والرد على النسويات فستجدين بالتأكيد سيلا من المنشورات التي تتحدث في أغلب الوقت والحال عن المرأة وعيوبها ومشاكلها والشكاوى منها وسبل إصلاحها، لكنك لو خرجت قليلا إلى حسابات اجتماعية عامة، فستجدين كل أشكال الشكاوى من الزوج ومشاكل المجتمع المختلفة، وأما إن خرجت إلى ساحة النسويات، فتأكدي أن سيل السب والشتم والتحقير للرجل سيكون الخطاب السائد. فبداية الحكم على وتيرة الخطاب وشدته نسبي ولا يمكن الجزم به، لأنه يتعلق بساحة المشاهدة.
نأتي الآن إلى الحديث عن حقوق المرأة، هل هو مفتقد! في الواقع جميع المنابر الدولية والمؤسسات الحقوقية العالمية والمحلية ووسائل الإعلام الرسمية والعامة، لا شغل لها إلا الحديث عن حقوق المرأة، بل حتى الأطروحات الثقافية والبرامج الإعلامية والأيقونات التي يتم إبرازها وتصديرها تشغل الشاشات بحقوق المرأة ويتولى هذا الدفاع في أغلب الأحيان شخصيات كثيرا ما تكون “تافهة” لتكرر علينا أسطوانة سيادة المرأة وتوسيع صلاحياتها كمشروع وهدف يجري العمل عليه.
ولا أعتقد أن هناك موضوع يحظى بتغطية مزدحمة وتمويل حكومي ودولي وبرامج ترويج ودعوات مثل الذي يحظى به موضوع حقوق المرأة، لكنه للأسف على طريقة الغرب الكافر وليس على طريقة الإسلام العظيم، فأصبح بالتالي الحديث عن حقوق المرأة يرسم مباشرة صورة التحرر من الأخلاق والتمرد على الشريعة ومنازعة الرجل الأمر وواجب الخروج للعمل ولو على حساب الزوج والأبناء وحقوق الأسرة، ونحن هنا نتحدث عن تمويل دولي ومن دول كبرى وليس فقط مجرد حسابات تكتب في مساحة محدودة على مواقع التواصل. بل رؤساء وزوجاتهم ومؤسسات وحجم كبير من الدعم والترويج، لو خرجت قليلا فقط من ساحة الحسابات الشخصية التي تتابعين على التواصل، إلى فضاء ما يجري في الواقع الفسيح، لأذهلك ما ستشاهدين!
ولكل فعل ردة فعل، فالخطاب السائد عن حقوق المرأة وتمكين المرأة ولد مفاسد منها استعداء الرجل ومحاولة زعزعة موقعه في الأسرة فاستكثرت القوانين عليه كل حق وواجب كلفته به الشريعة وأعلنت الحرب عليه، وحولت المرأة لند ومناكف وعزلتها عن دورها الفطري والأسري الذي تكتمل به مع زوجها، فكان لذلك خسائر كبيرة، وآثار ممتدة، وكانت النتيجة ما ترينه في مواقع التواصل، المكان الذي ينفس فيه الناس عن أنفسهم ويتحدثون فيه عن ما يشغلهم ويرعبهم ويزعجهم، فتجتمع الأفكار وتصطف وتحدث حضورا لها وإن كان فوضويا غير منظم.
وهذا التشخيص للواقع لا يعني إنكار وجود أخطاء وأخطاء فادحة في الرد على النسوية وعلى مشاريع إضعاف الرجل وتصدير المرأة على حسابه، فقد نبهت بشدة لبعض هذه الأخطاء التي تخرج الناس من إطار الرد الشرعي وأدب الشريعة وواجب الخشية والتقوى والاستقامة والعدل، إلى مناكفات لا نهاية لها على طريقة غربية مفسدة، لا تنصر حقا ولا تقره. ونحن نتعامل مع ساحة مفتوحة يدخل فيها كل أصناف الناس المتعلم والمتعالم، السوي والمضطرب، المبصر والأعمى، وهي ساحة تجتمع فيها النفوس وتتفاعل فمن الصعب جدا بل من المستحيل ألا يكون هناك ردود خاطئة واستجابات قاصرة تزيد من تأزيم الوضع، وهذا كله من تداعيات العيش لمدة طويلة جدا بعيدا عن هدي الشريعة والتعايش مع أفكار الهيمنة وسلطة الثقافة الغالبة والانهزامية للغرب وعددي ما شئت من أمراض نعاني منها لا تكاد تخلو منها بلاد من بلاد المسلمين.
ولذلك من المهم جدا أن لا ينجر الدعاة والمصلحون إلى فوضى الأفكار والعواطف والأهواء في الساحة وأن يستندوا إلى التأصيل الشرعي وعقيدة التوحيد للإصلاح ولتصحيح المفاهيم وإخضاع الناس لها فتنتظم الحياة عدلا وسعادة، لأن الإسلام منظومة متكاملة لا ظلم فيها، ولا يبخس فيها حق!
ولكن التدافع يشتد! فالنسويات لا يتوقفن عن دفع الفساد في النساء والأسر ولا يخفى خطر فسادهن الذي يضرب الأمة في قلبها، الأسرة! ولا نزال لا نجد تربية إيمانية وإسلامية تنتشل النفوس من حياة بعيدة عن هدي الشريعة وتحصنها بقوة، فأصبح الشاب يتعلق بقشة! وأي قشة، قشة الغرب وأفكاره ونظرياته! كي يحاول استرجاع موقعه وحقوقه! وهذا من التيه والعبث.
وتتراكم المظالم من الطرفين، وتزيد تداعياتها المشهد ظلاما وبؤسا!
وسوء الاستجابة وضعف التحصيل وطبيعة النفوس وخلفياتها، يصنع كل الفوضى التي ترين، ولكن! هذا لا يمنع من أن معالم الحق بارزة في المشهد لمن يبحث عنها وأن القرآن والسنة وميراث السلف الصالح لا يزال يحسم كل خلاف، والفطرة تفرض نفسها في نهاية المطاف، فلا يمكن للمرأة أن تصبح رجلا ولا يمكن للرجل أن يصبح امرأة!
ولذلك أنصح الشباب بالابتعاد عن الحسابات التي تتغذى وتنشغل بالمناكفات بين الرجال والنساء، فهي – ولا أبالغ- أفضل ما يخدم أعداء الإسلام، بشغلهم عن التعلم والعلم الصالح ودفعهم للخوض في حلبات الاستحقاقية والتظلم، فتهدر الساعات والأيام والأشهر والسنوات في محاولة الانتصار لجنس الذكر أو الأنثى، ولو نظرنا في صفحات الأعمال لأفزعنا حجم التفريط في الصلوات وفروض الدين وفرص التعلم والاستنارة بنور العلم وتحقيق أثر للأخلاق والمبادئ في حياتهم. ناهيك عن العمل لدين الله تعالى.
ولو اكتفى المسلم والمسلمة بالقرآن والسنة والسيرة والاستقامة كما أمر الله تعالى دون تكلف، واهتموا بطاعة الله تعالى وأداء الحقوق والوقوف عند أحكام الشريعة بأدب وخشية، لتساقطت كل الشبهات أرضا ولم يبق إلا ما يخدم الفطرة ويعزز العدل في النفوس وواقعها. كل ما يصنع الإحسان وحسن العهد والعشرة والتعاون على البر والتقوى كما يحب الله ويرضى!
فلا تهدري حياتك في مشاهدة المناكفات التي يدخل فيها الكثير من الجهل والتزكية للنفوس والغرور وعمى البصر والبصيرة ويضيع معها الكثير من الحق، فلا تذكر التقوى إلا ما ندر ولا يخشع القلب ولا يرق بل يقسو ويتحول لآلة يهمها النيل ولو بأن تدوس على المروءة وشرف الخصومات وحقوق أقرتها شريعة الله تعالى، فيكفر بها ويجحدونها لأجل الانتصار لحظ نفس. فضلا عن إطلاقات لا تعرف خشية ولا عدلا، وظلم يتستر وحظوظ نفس! نعوذ بالله من كيد الشيطان وفتن هذا الزمان.
ولا شك أن الجدالات تشغل المسلمين عن ساحات التغيير الحقيقية في نفس الفرد بالاستقامة كما أمر الله تعالى ومع من حوله بأداء الحقوق خشية من الله وابتغاء مرضاته ورجاء رحمته.
نحن لا ينقصنا شيء حقيقة إلا الاستقامة كما أمر الله تعالى، ولو استقمنا كما أمر الله وانشغلنا بالاستجابة لأوامر الله وتطبيق حدود الله تعالى، لما رأيت كل هذا الغبار يثار! فالشريعة في حياتنا علاج شامل وحكيم لكل أزماتنا ومشاكلنا. لدينا الحل ولكنه مهمل!
وماذا عن التعدد؟
نأتي الآن إلى سؤالك لماذا لا أحد يتكلم عن مدى فعالية تعدد الزوجات بشكل سليم وأنه فعلا له شروط وضوابط وما يتعلق به،
وهنا نرجع لحقيقة مؤلمة! فمصاب الأمة في الواقع أكبر من معركة بين رجل وامرأة وهذا ما لم يستوعبه الكثيرون للأسف بعد، مصاب الأمة أعمق بكثير يضرب في جذور الاعتقاد والهوية! فهو يتعلق بالذهنيات التي تشكلت في حقبة الهيمنة الغربية والحكم الجبري، ونفوس جبلت على إهمال العقيدة والتربية الإيمانية واللهث خلف الدنيا، أجيال كاملة تربت على مناهج هشة! تعظم الدنيا على حساب الآخرة وتتخذ قدوة كل غربي وكافر! فكيف ستستوعب جوهر الإسلام وجلال حكمته وشرائعه!
هذه الأجيال بحاجة لانتفاضة تعليمية وتأسيس عقدي وخلقي من جديد! يتعلمون خلاله معاني التوحيد العظيمة، ويعملون بها، ويتأدبون بهدي القرآن والسنة، فتتلاشى كل هذه المشاكل التي نرى أمامنا، فالجهل والإهمال والغفلة كانت لها عواقب وخيمة على مستوى العلاقات الأسرية والزوجية، والحقوق والواجبات وانعكس ذلك على المجتمعات برمتها، وهذه لم تكن مشاكل السابقين، لم يكونوا يشتكون من التعدد ولا الرجل والمرأة كما نراه اليوم من قصص يندى لها الجبين، لأن كل من الرجل والمرأة كانا يعلمان دورهما وطبيعة مسؤولياتهما، وكانت أغلب مشاكلهم تحدث جراء اختلاف النفوس وفي حيز الأخطاء البشرية والذنوب التي لا مفر منها ولكن ليس بمثل حال إهمال الأصول الذي فتك فينا. ليس بمنازعة وندية وقلة أدب وحرب على الفطرة يخجل المرء من استحضارها في وصف يصف حال المسلمين!
وأقول لو أن الشريعة الإسلامية رجعت لتحكم حياة المسلمين وتحفظ حقوقهم وتقود واجباتهم ولو أن الأجيال تربت على هدي أنوار القرآن والسنة وتأدبوا بها، خشية وإخلاصا، لما كانت هذه همومنا اليوم بل كانت في انتشار الإسلام وإدخال الناس من الظلمات إلى النور وترسيخ سيادة الإسلام في الأرض، ولكن بحسب همة المرء ينال ما يهينه أو يكرمه!
ولذلك ما زلت أرى الحل لما ترين وتشتكين، هو التعليم من جديد، وفتح بوابات التربية الإسلامية النجيبة لاستدراك ما نقص وتصحيح المسيرة على نور الهدي النبوي العظيم.
وإلا فإن البناء على أعوج وناقص وهش، موجب للهدم، فلنصحح الأصول، ولنرسخ عقيدة التوحيد بقوة، وليتعلم المسلمون دينهم بعلم لا بتوارث أصم لا خشية فيه ولا ومحبة ولا رجاء، لنعيد تأهيل الشباب المقبل على الزواج ولنقدم لهم الحلول كي يؤسسوا لنا أسرا مباركة، تخرج لنا أجيالا واعدة تقية تدفع عنا دنس الهزيمة والجهل والذل! فنستدرك المنظومة الأسرية ولو نصابا مصيريا منها.
وحده الإسلام العلاج الشامل والكافي لنا!
كيف تتعامل مع زوجتك!
وفي ذلك جواب على سؤالك الثالث: لماذا لا أحد يتكلم بكثرة وتفصيل عن كيف تتعامل مع زوجتك،
فمن تزوج امرأة تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحتكم لشريعة ربها، قدوتها أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن، فهذه يتعامل معها بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسرة، وله أن ينتظر بركات الاتباع والسعادة الأوفى إن صدق وصدقت. أما من أبت شريعة الله تعالى فهذه تتطلب مشروع تربية شامل أو استبدال! فما أسهل الإصلاح وفق مرجعية متفق عليها وما أصعبه وفق تعدد المرجعيات.
عملية الإصلاح متكاملة ومركبة، ولا تقوم فقط على رجل يؤدي حقوق المرأة ولا فقط على امرأة تؤدي حقوق الرجل أو صبر كلاهما على بعض، بل هي عملية شاملة من إعادة الرجولة والأنوثة إلى مواقعهما الحقيقية ليحدث التكامل، ويكون ذلك بصيانة هيبة الرجولة وصيانة بهاء الأنوثة، ولا يكون ذلك إلا بتربية إسلامية قويمة. إنها معالجة جذرية لا مخدرات نخدر بها الألم فيرجع من جديد في كل مرة!
وإنما الصبر يأتي بعد ترسيخ الأصول والاتفاق على المرجعية لا قبل ذلك!
فوضع صالحة في بيت رجل لا يدرك قيمة رجولته، وأد لها، وزواج صالح من امرأة لا تصون رجولته، دق لطبول الحرب! إن لم يكن فتنة عظيمة وابتلاء يهدم!
ولا أفضل من زواج صالح بصالحة يبدآن حياتهما على نور من الله تعالى وتستمر على نور من الله تعالى، فإن وفق الله بينهما أحسنا الصحبة، وإن كتب لهما الانفصال كان فراقا تقيا محسنا. وهذا هو الذي نحتاجه اليوم وليس تحويل الأسر لمصحات نفسية أو مراكز إعادة تأهيل لمن يعاني الجهل بدينه وأصوله، أو الجهل بطبيعة نفسه وغايتها الوجودية.
لابد من نصاب علم كافٍ لانطلاقة واعدة. أو تصحيح واجب، وإلا فهي مغامرة محفوفة بالأخطار سرعان من تنتهي بأحزان وخسائر نفسية لا تجبر.
وهذا يقودنا من جديد لأهمية صناعة الوعي في زماننا وتصحيح المفاهيم وإصلاح ما أفسدته التربية البعيدة عن هدي الإسلام الفاخر!
وأعتقد من يبحث يجد! فلا يزال الخير في هذه الأمة، هناك بلا شك مشاريع لتصحيح الانحرافات وما أفسده البعد عن الدين والتقوى، وقد انطلق مؤخرا مشروع كتيبة الأسرة وجيل الخلافة من بين مشاريع فاعلة في الساحة، وكلاهما مؤسستان تعتنيان بتوفير ما يحتاجه الأزواج والمقبلين على الزواج لبناء أسر سوية مستنيرة بهدي الإسلام وتربية جيل مصاغ على أصول وقيم الإسلام كأولوية. وهي مؤسسات تعمل على سد النقص وتكامل الجهود مغ غيرها من مؤسسات تنشط على الساحة، فابحثي عما ينفعك ودعي ما يكدرك ويشوشك ويفوت عليك الفرص المهمة للارتقاء!
وماذا عن أخطاء الرجال؟
وأما سؤالك: لماذا لا أحد يتكلم عن مشاكل الرجال وأخطائهم وتعاملاتهم وطريقة تفكيرهم وسيرهم وتعاملاتهم مع الناس والحياة.
فأقول إن مصابنا جلل في تضييع معاني الرجولة في أمتنا، لقد تعرض الرجال منذ كانوا في أرحام أمهاتهم لعملية تضعيف وحرف عن غاياتهم الكبرى، بتسخيرهم لحياة اللهث خلف شهوات وملذات ومسؤوليات الحياة الدنيا وتقديمها على كل فروض الدين وواجباته وغايات الإسلام وولاياته المناطة بهم، فكان الحال أن لم يصمد إلا القلة ممن منّ الله عليهم بفضله، وأما الكثرة، فكما ترين في ميادين اللهو والتسلية، وتضييع أمانات النفس والأسرة والأمة! ولتصحيح ذلك نحن بحاجة لتأسيس أسر قوية، بعقيدة راسخة ووعي بحجم المسؤولية، يعيد لنا صناعة الأجيال التي تحفظ للرجولة هيبتها ولمعانيها أثرها في الحياة، نحن بحاجة لتصحيح البدايات واستدراك ما أمكن من النهايات حتى نخفف خسائرنا، وإلا فنحن نتعامل مع خسائر متراكمة لعقود من إهمال وتهميش الشريعة في حياتنا وليس ذلك بالهين. فالرجل قائد في أسرته وأمته، وإن لم نعد صياغته كقائد فنحن كمن يبحر بدون مجاديف، يدير مركبه كل هبة ريح! ولا تزال جهود الإصلاح تعمل لاستدراك ما أمكن وصناعة الوعي اللازم لعودة الرجال لمواقعهم أتقياء محسنين. نسأل الله لهم التوفيق.
وإن شئت الصدق، فما كانت هذه حال رجال المسلمين قبل الاحتلال الغربي، وما كانت هذه هممهم، بل كانوا مسابقين في تشييد صروح الإسلام باعتزاز وهمة، حتى في حالات الضعف لم يكن هناك خلاف في واجب وأصل تحكيم شريعة الله تعالى. واليوم ضيعت الأصول والأهداف وحتى الوسائل! فنحن في طور إصلاح عسير يحتاج لوقت وعمل حثيث، ولن يؤتي أكله تماما إلا بعودة حكم الشريعة في حياة المسلمين. ومع ذلك فللوصول لتلك المرحلة يجب علينا العمل وفق مبدأ: ما لا يدرك كله لا يترك جله!
إهمال الأمراض النفسية
وأما سؤالك: لماذا لا أحد يعطي للأمراض النفسية قيمة في الإطار الديني وأثرها البالغ على حياة الأسرة وأن الزواج هو الحل رغم أن الزواج ليس الحل فعلا.
فمن قال ذلك؟ الأمراض النفسية غالبا تتدخل فيها عدة عوامل، من أبرزها الهشاشة النفسية، والطفولة التعيسة، والضعف العقدي، والوسط السام، وغيرها من عوامل، ومعالجتها تتطلب فقها وبصيرة، وصبرا كذلك، ولا أعتقد أنه أمر مهمل، فسجل الاستشارات النفسية مزدحم، والكثيرون يلجؤون لأهل الاختصاص لمعالجتها. وإن حصل وحدثت حالات زواج بأمراض نفسية متأزمة، فيمكن علاجها بإذن الله أو الانفصال، فكثيرا ما يكون الطلاق حلا، وإنما هي أقدار ماضية!
وأعتقد أن دورات التأهيل والتعليم والمراجع المتخصصة بهذا الشأن في الساحة لا تهمل ذلك وهي تسعى لصناعة الوعي اللازم وعلاج الهشاشة النفسية وتحقيق الإعداد النفسي الواعد لتحمل مسؤوليات الزواج. فقط ابحثي عنها.
وإن كان هناك من يهمل ذلك فمرة أخرى لأنه من الصعب أن ندير مجتمعا منفلتا قد فتحت عليه بوابات الفتن من كل حدب وصوب، وطوردت مؤسسات الإصلاح وحورب أئمة العلم الربانيين، إنه مجتمع يقع في مرمى أهداف حملات التضليل والتسفيه وكل ما يهدم الهمة.
نحن نصارع عواصف جارفة جدا، وأزمات معقدة ومتشابكة، وهذا يتطلب الكثير من الصبر والتجلد والتوكل والاستقواء بالإيمان والأخلاق واليقين والاستعانة بالله تعالى.
في الختام نصيحتي لكل من يرى النقص والتناقض في مشاهد الواقع أن يسعى لأن يصلح ويحقق التغيير ولو وقف عند حد جعل نفسه قدوة حريصا على الاستقامة كما أمر الله تعالى، فهذا يكفي! ثم إن فتح الله عليه فلا بأس من الاجتهاد في توفير ما يمكن لمد يد العون لمن ينشد المعونة، ولو بمجرد كلمة طيبة ولو بموقف صدق في مقام يستوجب الثقة والمروءة نحن بحاجة ماسة للتواصي به. ولنخرج من سجن ما يُراد لنا الانغماس فيه على حساب العمل في سبيل الله تعالى، فلا يقبع المسلم والمسلمة في سجن الجدالات وليحلق مستعليا بإيمانه في فضاء التغيير. والبداية:
لا تخذل نفسك، لا تخذل مؤمنا، وأنت المصلح المؤيد!
جزاكِ الله خيرًا، ونفع الله بكِ، أفادني مقالكِ كثيرًا ولله الحمد. 🌻
شكرا اختي على ردك، استفدت من أسلوبك في السرد ونظرتك للأمر ، الله يوفقك وينور دربك ويرزقك من علمًا فاضل على علمك