النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

طاغوت الهوى والتحزب .. وصنائع الفجور

لا يخفى على متابع منصف الحالة المزرية التي وصلت لها ساحة التواصل، والجدالات التي تفتقد لأدنى أخلاقيات الإسلام في الخلاف ثم ذلك الفجور الذي يكشف في كل مرة عن طاغوت الهوى والتحزب الذي يمكث في الصدور!

أقوام تربوا على تمجيد فكرتهم أيا كانت هذه الفكرة وعلى تعظيم سيدهم على حساب كل حق وعدل، سواء كان جماعة ينصرون أو رمزا له ينتمون. يتحول الهوى والتعلق به، لشريعة يحكمون بها، فمن خالف ولو بحجة وتبيان، أصبح يواجه جيشا من الطغاة المستبدين لا يحفظون شرف إسلام ولا إنصاف ولا خصومة.

في داخل هذه النفوس فراعنة صغار، يخرجون عند مخالفة هواها، نلاحظ ذلك عند أول حالة خلاف واصطدام، ولو كانت بأسلوب مؤدب ورزين، ولو كانت ممن عاش دهرا يحسن إليهم، ويحفظ مكانة الحق والعدل لا ينفك مجاهدا، بل سيذهلك حجم الفجور والانحطاط الأخلاقي والذي تحمل أكبر نصيب منه نساء لم يراعين حق حياء ولا أدب، ولا عجب فهن أكثر من يكفر العشير وأكثر من يتبع الدجال في آخر الزمان.

ولو تأدب المستعجلون بأدب الإسلام في الخلاف لخفت الكثير من الفوضى وتقلصت مساحات الجدال المذموم واشتعلت ميادين العمل والإعداد. ولرأينا مساحات اتفاق واحترام ونماذج رجال ونساء مؤمنين ومؤمنات تقية منصفة تتكاثر وتسود المشاهد فتنير بأخلاقها ونبلها الطريق.

والمؤمن لا يفجر، ولا يتفحش ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يدلس ولا يكذب ولا يعتدي ولا يبغي! تلجمه الخشية ورجاء رحمة ربه تعالى.

قال تعالى

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

وإن كان هناك تفصيل آخر مهم يجب أن لا ينسى حين وصف هذه المثالب، وهو ضعف الاستيعاب وسوء الفهم والخروج التام عن مقاصد المعاني، وقراءتها بعين الهوى والتسرع والجهل والتعالم وقبح النوايا والسطحية والاستعداء!

ثم الخلاف لا مناص منه في هذه الأمة، سنختلف حتما لاختلاف مرجعياتنا وأفهامنا وانتماءاتنا، ورؤانا للأمور، ولكن هذا لا يعني الطغيان والاستبداد بالرأي وطريقة يهود في إنكار الفضل والتطاول على الأفاضل!
لا يعني بخس كل خير والانتقاص بلؤم والاستعلاء بطاغوتية مقيتة!

قال الله جل جلاله

 (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24)) سورة ص.
(وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ)!

نحن نتحدث عن فئات تدعي الصلاح وحب الخير للأمة، تدعي نصرة الإسلام والمسلمين والمجاهدين خاصة، تزعم معارضة الطواغيت، لكنها عند أول اصطدام بخلاف، تخرج أضغان قلوبها، وقيح أحقادها، وتتعامل بجاهلية حيّرت كل لبيب وتتحول لطاغوت صغير يرفع الصوت ويهدد بالبطش.

أيها القوم الاختلاف قائم لا محالة والعقلاء يعلمون أن حسمه لن يكون بطريقة الطغاة، بل بطريقة التقوى فقط.

ولا يعني أن يخالف المرء هواك وما تحب سماعه، لتتحول إلى انفجار عنيف بفجور وتطفيف وسوء قراءة وإخراج للنص عن مقاصده بل أكثر من ذلك، وقاحة ولؤم طبع يتجلى بين الكلمات، فيفضح الله المعادن ثم نتساءل من أين خرجت كل هذه المثالب؟

في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ “

أخرجه رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

تشخيص للحال

لا شك أن لهذه الحال المؤسفة تشخيصا وأسبابا وألخصها فيما يلي، فالتشخيص نصف العلاج وإن كان مؤلما للمتحزبين البغاة:

  • تربية التعصب وصناعة الأتباع المخلصين للمشاريع التي تجعل المرجعية هي الجماعة أو الحاكم أو الرمز، وليس شريعة رب العالمين، يميلون حيث مالت الجماعة وأخطأت هي الحق وكل ما يخالفها الباطل، فصنع ذلك مناصرة عمياء وعصمة لبشر يمكن أن يخطئوا، فلا يمكن أن يتقبل الأنصار المتعصبون أي نقد مهما كان مؤصلا بالشريعة ومحفوفا بالشفقة والإنصاف والنصح، ولا يمكن أن يستوعبوا مساحة أي مخالف بل يسارعون إلى إعلان الحرب! ومن المفارقات أن الجماعات التي تعلن الديمقراطية منهج حكم لديها هي أكثر من يستبد أنصارها بالرأي عند المخالفة، وتتحول لحكم جبري وملك عضوض وطاغوت يبطش، وتتلاشى عبارات الحرية واستيعاب الاختلاف. مستعدون هم لاستيعاب كل كافر وظالم ما دام يتجاوب مع أهوائهم، ولكن استيعاب مسلم يخالفهم فهذا صعب المنال!
  • المشايخ والدعاة المتصدرين، الكثير منهم يفتقد للخطاب الحكيم والبصير الذي يحفظ للحق مكانته وللمسلمين حقوقهم، وينظر في الأفق فيسد كلل خلل وضعف ويصنع حصانة من التداعيات الكارثية على الدعوة والاجتماع، فيتأثرون بموجة المشاعر الشعبية ويرتفعون مع الارتفاعات العاطفية، الأهم عندهم إرضاء الجماهير وتقديم ما يطلبه المتابعون، فيتخصصون في ليّ النصوص وتطويع الحقائق للهوى ولو ظهرت معلومة أو تفصيل يزعجهم، طعنوا في دين المخالف ونيته وربما عرضه وكتموا الحق والتبيان! قال إبراهيم السكران في خلاصة ثاقبة يصف فيها حال العامل للإسلام في زماننا فقال:
    • ” لا أشد على العامل للإسلام من تلك الفتنة التي حذر الله منها نبيه -عليه الصلاة والسلام-وهي فتنة استمالة المدعوين، والرضوخ لهوى المكلفين، والانصياع لضغوط مألوفاتهم، وتوجيه التعاليم الإلهية بالشكل الذي يرتاحون به ويميلون إليه.” [ مآلات الخطاب المدني ص278 ]
  • الإعلام الذي يقود الجماهير، ويضبط موجته على ما يدغدغ المشاعر ويستثيرها ليكسب المزيد من المشاهدات والمتابعات، ثم هو إعلام مضلل، يبرز فقط ما يصنع تصورات محدودة ويمسح من مساحة عدساته كل ما يقلب الخلاصات والمعادلات التي تهدد أجندة أربابه. وما أسهل ما يزرع اليأس والقنوط والفرقة والتهور!
  • الذهنية التي تربت تحت وطأة الاحتلال والهيمنة طويلا، وهي ذهنية مستعدة للتعايش مع الذلة والتبعية، المهم لديها أن لا تعيش بدون تعظيم لطرف ما أو جهة ما، أن لا تحرم التصفيق والتمجيد لرمز من رموزها. وهي الرموز التي يتعاملون معها كنماذج مقدسة معصومة، فهي تعيش بلا شعور وجود إن لم تكن في تبعية لسيد محسوس! ثم هي غير مهيأة لتحمل أي فشل أو خيبة أو خطأ، فهي الأعجز عن التصحيح والاستدراك من جديد.
  • ضعف الحضور للناصح الأمين الذي يقدم الحلول لا ينغمس في الجدالات، الذي يكون شجاعا في تبيان الحقائق بلا تدليس أو تطفيف لا يخشى في الله لومة لائم، وكم فتك فينا الجبن ! وما أحسن ما قال صاحب مآلات الخطاب المدني:
    • “ما أحوج من أراد أن يجمع الوحي کله إلى مقام الصبر، الصبر على تعارض الوحي مع الهوى البشري، الصبر على تثاقل النفوس وتمنعها بحبال مألوفاتها، الصبر على الإلحاح النفسي الرهيب الذي يدفع الداعية إلى تلبية ما ينتظره الجمهور منه وإن كان لا ينسجم مع ما تمليه آيات الوحي.”[مآلات الخطاب المدني ص281]
  • الجهل الكبير بالأحكام الشرعية ودين الله تعالى فالدعاة منشغلون بالخلافات والنيل من بعضهم البعض والشاشات تبرز إماطة الأذى عن الطريق وخطاب التسامح والتعايش السلمي، وتهمش تماما نواقض الإسلام وفقه الجهاد، والمشكلة حقيقة هي في امتهان التأويل البراغماتي للنصوص والتطويع الأهوائي للشريعة. فإن ظهرت القواعد والأصول استاء القوم واعتقدوا أنه التحريف للدين بينما هو جهلهم بالدين وضعف احترامهم لجلال وهيبة الشريعة وأحكامها. لذلك لا تعجب أن ترى ما يفعله المكره المبجل يتحول لشريعة منزلة وإن كان بيّن المخالفة، والويل لك إن اعترضت وصححت فستطعن في دينك وتصبح المتخلف المخالف للإسلام، قد انتكست المفاهيم والمرجعيات، وغلب الاستثناء على العموم وتحول مقام الاضطرار لفريضة! وهذا تخشيص لقصة الانحرافات العقدية كيف تنشأ وكيف تنتهي وهي متكررة في فصول التاريخ فاللهم سلم!
  • تشويش الرؤى والأهداف لغلبة الوسائل على سلامة الأفهام، لقد نسي الناس الغاية من الوجود وبات تحرير الوطن أهم بكثير من إعلاء كلمة الله تعالى، ولا داعي للشريعة إن كانت المدنية تفي بحياة كريمة في الواقع وتجلب لنا مودة المواقع! المهم دعونا نعيش ونزدهر مهما كلف الأمر وبلغ التماهي مع الظلم والباطل والانحرافات!
  • الانبهار بالاستعراضات وغض الطرف عن الجدية والتأثير الواقعي في الأرض، فما أسهل أن يفتتن الناس بالتصريحات وعناوين الأخبار ولحجم الكبت واليأس الذي يعيشون فيه، هم مستعدون للتضحية بالحقيقة على أن يخدش حلم أو أمنية يتعلقون بها! فحتى لو مسحت غزة من الأرض سنبقى نتعلق بأستار المنقذ الإيراني لأنه الأقدر على مسح الاحتلال من الأرض في ظل تقاعس الحكام وخيانتهم! مثل هذه القناعات قد ترسخت ومحاولة إخراجها من مثالية حالمة إلى واقعية معتدلة، تعني إعلان الحرب!
  • افتقاد الحلول التي تنتشل المسلمين من هذا المستنقع من التخبط في بحث المخرج، والتعلق بكل قشة ولو كان فيها الخسة كازدراء دماء المسلمين في غير أرض المناصر والتحقير من مآسيهم والحديث بشعور استحقاقية لا يبارى! ولا يوجد من يقدم حلولا مؤثرة ونتائج مشجعة قد تعايش الناس مع التقليد الأعمى للأفكار والتفكير في دائرة استنساخ والأسوأ من ذلك قد اعتادوا الإخفاق والتبرير للإخفاق!
  • امتهان التبرير والترقيع على حساب معالم الحق، ولو كان في ذلك نحر الحق على عتبات الخصومات فلا مشكلة ما دام عدد الأتباع كبير والوقاحة يتعاونون عليها. الجميع منشغل بالتناصر ولو بفجور وجاهلية، لا بالتواصي بالحق والصبر. وترى بين هذه المعاني كيف تسللت فكرة الديمقراطية لصلب أساليب التفكير فالحكم حكم الأغلبية!
  • الجهل بفقه الخلاف وتخفيف الاحتقان وازدراء كل ناصح أمين بل معاداته والاعتداء عليه بلا أدنى خشية، فكيف يمكن لمصلح أن يؤثر في الجموع! وكيف يمكن لقلة الاحترام أن تسمح لأحد بتقريب المسافات وتقريب الأذهان والاجتماع على الأصول العظيمة دعك من الفروع! ثم هؤلاء أنفسهم من ينددون بحكم الطواغيت والطغاة المستبدين، فيا لمعضلة الزمان!

ماذا يصنع كل هذا التخلف العقدي والخلقي؟

يصنع تسلق الأوغاد، وتصدر الرويبضات كمرجعية ويصنع هوان الحق في النفوس وامتهان التدليس لإرضاء الهوى وطواغيت النفوس.

يصنع الكثير من الفرقة والأذى والبغي بغير حق ويصنع مشهدا من الظلم والانحطاط الأخلاقي الذي لا يمثل أمة دينها الإسلام،

يزيد من المسافات والأحقاد وقد يصل لحد الاقتتال الداخلي فالمساس بالقناعات دونه الموت!
وهو حقيقة ما يخدم مشاريع الاحتلال والهيمنة، سواء الصهيوصليبية أو الرافضية لا فرق بين هيمنة واحتلال إلا من في ذهنه أسمى هدف تغيير اسم المحتل لا التحرر الواعد.

يصنع هذا الواقع عزوف المصلحين واعتزالهم للساحات التي سيعيث فيها السفهاء فسادا وتضليلا وستشتد الغربة، فالأهواء كثيرة، وكيف يمكن للأهواء أن تجمع الناس، وها هم يختلفون على أدنى تفصيل فكيف بأعظم المواقف والواجبات. ولذلك قال الله تعالى:

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ)

ولا شك أن كل ذلك يمنع الإصلاح والاستدراك وتجاوز الضعف والعقبات ويبقي الأمة في مرحلة التردد والتعثر والانحسار. وتستمر الأخطاء وتداعياتها ولا حياة لمن تنادي.

كيف نتعامل مع هذه المعضلة؟

إنها معضلة ضعف الفهم وقوة الفجور وغلبة الهوى وطاغوتية تربعت في الصدور! وهو أمر يتجلى بقوة عند كل رياح فتنة، يتصدر الغوغاء والسفهاء وضحايا العصبية، فيفسدون ولا يصلحون.

وللتعامل مع هذه المعضلة ألخص في نقاط لكل من اعتلى منبرا أو وجد نفسه في ساحة الاحتقان ما يلي:

  • اعلم أن المفتون بهواه المخلص لحزبه، على حساب مرجعية الشريعة وأدب الخلاف، وخفض الجناح للمؤمنين والتقوى بلا فجور أو طغيان، لا يعلم أنه مصاب بهذا المرض ولا يبصر حقيقة نفسه فهو معجب بها ويدافع عن موقفه من منطق صاحب الحق، قال تعالى:
    • (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) لذلك أمثال هؤلاء يربيهم الزمن فقط لا نصيحة ولا توصية!
  • يجب الحفاظ على مستوى الأخلاق والأدب وإن فجر كل الناس وعدم الانحدار لمستوى القوم، فكلّ يعمل على شاكلته وكلّ إناء بما فيه ينضح، فلا ينجر الناصح والآمر بالمعروف والداعية التقي لطريقة القوم في الانحطاط الأخلاقي وليتذكر أنه يتعامل مع الله جل جلاله لا تأخذه في الله لومة لائم. يقول كلمته ودليله وينشر الحكمة، فمن انتفع فالحمد لله ومن أبى فالحمد لله! فما خلق ليكون إمعة!
  • تربية الناس على الحق ويتضمن ذلك تبيان الأصول بلا مواراة أو تدليس أو بخس أو تطفيف أو لؤلم عرض! وتعظيم الله جل جلاله وشريعته فوق كل شيء، فوق الجماعات والرموز وما يحب الناس وإن سخط الناس، فهي المرجعية وهي محور كل وحدة لمن ينشد النصر. بل هي أرسخ وحدة وأدومها وأفضل سبيل لوأد الخلافات. وإبراز معالم الحق إظهار لدين الله وإعزاز لأمره وتلك من عوامل الإصلاح والنصر والتمكين.
  • الابتعاد علن معارك الطعن في الأشخاص ومستنقعات الجزم بالغيب والحكم على النوايا والتركيز على الدعوات لإصلاحها وإقامتها على الاستقامة كما أمر الله تعالى، فكلٌ يقابل الله سبحانه بما اجتهد فيه وما قدمه ولكن الإسلام لا تسقط رايته ولا تُدنس ولا تُحرف، وإن كان يحملها رجل واحد وخذله الجميع فهو يرفعها كما رفعها زيد وجعفر وابن رواحة وخالد رضي الله عنهم أجمعين وحتى يأذن الله تعالى بالفتح والتمكين. لذلك ليكن التركيز على حفظ دعوة الإسلام نقية ظاهرة متحررة من كل لوثة ديمقراطية أو موالاة كفرية. ولا يعني ذلك عدم استيعاب الأخطاء وحالات الاضطرار بل المؤمن يعالج ويربي بحكمة وبصيرة، ويقدم الحلول بثباته لا تراجعه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    • “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”. صحيح. وفي الإسلام كل الحلول لمن صدق حتى في قلب الاستضعاف دين الله كامل شامل بفضل الله تعالى.
  • الابتعاد عن الجدال مع السفهاء والالتزام بالهدي في القرآن، قال الله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، قال القرطبي:
    • هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات. فقوله (خُذِ الْعَفْوَ) دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار. وفي قوله (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزّه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغنياء، وغير ذلك من الأخلاق المجيدة والأفعال الرشيدة”.
  • الفتن يغلب عليها السفهاء بل غلبتهم من أماراتها الأكيدة، والعاقل لا يشغل نفسه بقطيع السفهاء ولكن يثبت قواعد الحق، وينصر الدين بحق وعدل، بلا ركون ولا طغيان فهما شقيّ ضلال يقع فيهما الناس مع كل نازلة، إما يشتد التفريط أو أيشتد لإفراط وكلاهما ضلالة تغذي الأخرى ما دامت قائمة، وطوبى لمن استقام وحكم بين الناس بالعدل. وما أكثر غلبة السفهاء في الفتن ولا يمكن لعاقل أن يغلب السفهاء، لذلك الإعراض هو العلاج حتى يتلاشى غبارهم. قال ابن تيمية رحمه الله:
    • “والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال الله سبحانه وتعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله “. منهاج السنة (4/343) .
  • من المهم نشر العلم عن الفتن وتوعية الناس بأماراتها ومضارها، وهدي السلف الصالح فيها، يقول ابن القيم رحمه الله:”وأصلُ كل فتنةٍ إنما هو من تقديم الرأيِ على الشرع، والهوى على العقل؛ فالأولُ: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصلُ فتنة الشهوة”، وأنصح بالرجوع لمقالتي:
  • التركيز على مفاصل التأثير والحركة في الأمة، على العقول السوية التي تبحث عن حلول لا تقبع في قاع التبعية والانهزامية، وهذه العقول هي التي تملك زمام التغيير والنهوض بالجموع، ليست العاطفية التي تميل مع كل ريح وترميها كل عاصفة، فدوام الحال من المحال والعمل للإسلام يتطلب صبرا وفقها وبصيرة واستراتيجيات مدروسة بعناية فائقة، ومرنة تتأقلم مع العقبات والتحديات التي تواجهها دون أن يهون الحق في قلوب أصحابها، عزيزة هي بإعزاز الإسلام في القلوب، منصورة هي بنصرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والاستراتيجيات التي لا تتحمل الخسائر وتبعات التصادم والقدرة على التصحيح، هزائم محققة ولذلك لا يقدر على الوفاء للاستراتيجيات الفذّة، المتكبرون والمستعجلون.
  • النظر في التجارب التاريخية فكم من موجة فتنة صعدت حتى كاد الناس أن يهلكوا وبلغت القلوب الحناجر، ولكن انتهت ببقاء ما ينفع الناس وزوال ما يضرهم وكل زبد. فالثبات على الكتاب والسنة وهدي السلف الصلاح هو حبل النجاة في الفتن.
  • قضايا الأمة المسلمة مرتبطة بعضها ببعض، وإن كانت هناك بعض الخصوصية في واحدة أو أخرى فهذا لا يمنع القاعدة المهيبة التي يذكرها ابن تيمية:
    • “وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة – علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها – وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم”. مجموع الفتاوى (14/ 482). وهنا معلم حق لا يُبخس ولا يهمش!
  • دماء المسلمين متكافئة في الشرق والغرب في الشمال والجنوب ومن استهان بدم مسلم فهذه عنصرية وفجور لا نقبله، عن مجاهد عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق”. ومن يرجو نصر الله له فلينصر إخوانه في مقامات الحق أو فهو المهزوم.
  • (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)، آية مرهبة، في تفسيرها، يعني: أخذ عليهم العهد والميثاق أن يُبينوا ما في كتابهم للناس، ولا يكتمون شيئًا من ذلك، ولكن كان حالهم على الضد من هذا، فتركوا هذا العهد تركًا تامًا: (فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً)، استعاضوا عن ذلك بشيء من حطام الدنيا القليل، (فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُون) بئس الشراء يشترون في تضييع العهد المؤكد وتبديل الحق بالباطل. فإياك يا صاحب المنبر أن تبيع الحق بثمن بخس أياك أن تخذل دين الله تعالى في مقام نصرة لا نصر لك فيها بدون نصرة الله!
  • الثبات على أوراد العبادات والطاعات والذكر حيث تشتد البصيرة وتقوى الرؤى، وينزل التأييد للعبد الذي يرجو رحمة ربه. ويدخل في ذلك كل عمل صالح وتواصٍ بالحق والصبر والتفكر وجبر الخواطر والتواد والتراحم وخفض الجناح للمؤمنين، فالمعية والبصيرة لها موجباتها التي تقوى بتكامل ميادين السبق.

وفي الختام

من كان يعمل لله جل جلاله لإعلاء كلمته، فسيواجه كل أصناف الأذى والظلم من كل جهة متعصبة وعدو متربص، لكنه يهون كله في سبيل الله تعالى، فميادين المراغمة لها ضريبتها وحين تكون لنصرة دين الله فأنعم بها وأكرم!

قال الله تعالى (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148))

وإن بقيت كلمة فهي لمن يحزن لحال الأمة وكل هذا التفرق والتصدع ينال منها وكل هذا التحريش والفتك بين المسلمين يدمي القلوب ويثخن فيها، أقول لابد من ضريبة العيش الطويل بعيدا عن تربية الشريعة والإيمان والتقوى، لا بد من ضريبة العيش تحت وطأة الجاهلية المعاصرة وتهميش التوحيد والسنة من حياة الناس، لذلك سيستمر التمحيص حتى يميز الله تعالى الخبيث من الطيب والمتواضع من المتكبر، ومريد الحق عن مريد الباطل والصادق من الكاذب والمجاهد من المرتزق! وهكذا تستمر عملية التمييز والتدافع،

 (لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)

حتى تجتمع الصفوف بكل نقي وخالص وهنا يتنزل النصر مهيبا!

إن أمة لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر واتخذت أهواءها أصناما تعبد من دون الله لبعيد عنها شرف النصر.
ولا تُبنى قبة النصر إلا بإخلاص لله جل جلاله وحده لا شريك له. وتلك صفة القلوب الخاشعة الوجلة.

( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x