بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.
لا تزال المجتمعات المسلمة تدفع الثمن الباهظ للبعد عن حكم الشريعة في حياتها، وتدفع معه ثمن الغفلة والاستهانة بنتائج الحملات التغريبية التي تستهدف المرأة والأبناء بشكل مركز، فضلا عن ثمن إهمالها لمسؤولية التصدي لهذا الفساد العظيم الذي يهدم الفرد والأسرة هدمًا خبيثًا وكذا الجهل بعلم التربية وفنون الإصلاح.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه الناس بتوفير مستوى من العيش مقبول، ويجعلون أولى أولوياتهم هذا العيش، أجيال من الأبناء والبنات تدوسها الآلة التفسيقية التي تعمل بهدوء وراحة، يُسهّل مهمتها ضعف وعي الآباء والأمهات بخطر هذه الآلة وإهمالهم لأسباب الوقاية والحصانة لأبنائهم فكان لذلك خسائر كارثية.
أعترف أن الكتابة في هذا لموضوع مؤلمة، مؤلمة بشدة لحجم المشاهدات الدامية التي رأيت وسمعت من ألسنة ضحايا هذه الفتن، لم أكن أتوقع أن يكون حجم الدمار قد بلغ هذه المستويات لأننا نتعامل مع فتيات من أسر في مجتمعات مسلمة، أسر أفنى الآباء والأمهات أعمارهم لتوفير كل شيء لأبنائهم وبناتهم، ويعبرون عن محبتهم بمزيد إكرام وإعطاء مساحة من الحريات – بحجة الثقة- انقلبت إلى خنجر في خاصرة الأسر.
الاستدراج إلى الزنا والفاحشة والإباحية والاستغلال الجنسي البشع بسبب سهولة الوصول للأبناء وخاصة البنات من وراء ظهور أهاليهم.
الاستدراج إلى الشذوذ والبهيمية ويكون ذلك بالتدرج بعد توريط الأبناء في المنكرات ويحصل ذلك غالبا بين أبناء الجنس الواحد، أي الصديقة مع صديقتها والصديق مع صديقه.
الاستدراج لإدمان الخمر والمخدرات، وهي وسيلة للتحكم في الضحايا بأقوى ما يكون حيث يصبح المدمن عبدًا لسيده الفاسد.
الاستدراج للعمل في شبكات الفساد واستهداف المزيد من الضحايا بالابتزاز بالمال والتهديد بالفضيحة.
الإلحاد وتشكيك الأبناء في دينهم وعقيدتهم وتزيين الكفر لهم والمعصية.
التفكير في الانتحار بعد أن تتم عملية الاستغلال الكاملة، حيث يصبح الانتحار الوجهة الوحيدة في ذهن بعض الأبناء.
هذا بشكل عام أكثر الحالات المشاهدة وهي على درجات، تبدأ من درجة “التلطخ بهذا الفساد” إلى درجة “الغرق في هذا الفساد”، أي من مجرد حالة مشاهد بدأ يتأثر به إلى حالة منغمس إنغماسًا يصل إلى حد الإصابة بالأمراض الخطيرة كالإدمان والأيدز، والأعمار المستهدفة تبدأ من سن صغيرة منذ 6 سنوات إلى ما بعد سن البلوغ، وغالبا هذه الشريحة تستغل بسهولة لسذاجة فيها.
نحن نتحدث عن شريحة لا تدرك أن الزنا حرام أو تدرك أنه حرام لكنها تذهب إليه بملء إرادتها فضولًا أو استدراجًا أو فتيات يجدن أنفسهن متورطات في مستنقعاته بأربعة طرق:
الأولى: “أكذوبة الحب”: وهو الأفيون الذي يستعمله لصوص الأعراض للفتك بالضحية وتخديرها والتحكم فيها تحكمًا بشعًا، فتسلم الفتاة نفسها لهذا اللص تسليمًا مجانيًا بلا أدنى محاسبة فيعيث فسادًا ويدمر الفتاة تدميرًا ويمضي لغيرها منتشيًا! وتحت هذا الشعار “الحب” تتعرف الفتاة على الزنا وتجيزه لنفسها وتجيز معه هتك الأستار والخيانة وتعدي حدود الله وتتحول من مجرد ضحية في أحيان كثيرة إلى مجرمة وقد تتحول هي إلى راصدة للهدف ومدمرة لحياة شاب غافل! تحت هذا الشعار “الحب” تسطر كل يوم جرائم يندى لها الجبين، يروح ضحيتها أجنة ورضع! وتستمر الآلة الإعلامية والدراما في تزيين هذا “الحب” وتربية الأجيال على التعلق به ومناشدته بشكل متهور، وتبرير معاصيه، وكل ما يتعدى على الدين والخلق والعرف، بل يتعدى الحقائق البينة التي تظهر للناس عيانًا، كل شيء يصبح مباحًا! ثم النتائج ندم شديد وخسائر فادحة ولعنات تترى!
الثاني: “أكذوبة المساعدة”: كثير من الأبناء يعيش وحشة وغربة في البيت ويتولد له شعور أن أهله يكرهونه ولا يفهمونه، فيبحث عن المحبة والاهتمام في الخارج، ويقع بين أيدي “ضباع” و”شياطين إنس” يستغلون هذا الضعف فيه أشد استغلال، فكيف إن كانت فتاة، فهم يوهمونها أنهم أقرب لها وأحرص على مصلحتها ويشعرونها بالاهتمام والمحبة التي تفتقد ثم تبدأ عملية الاستغلال الجنسي والتوريط، ومما أذكره في هذا المقام تعليق فتاة تقول: “كنت أبحث عن الحب لكنه صدمني بحديثه عن الجنس، انزعجت منه بداية لكنني كنت قد تعلقت به، وبدأ يعلمني هذا الأمر حتى أصبحت متورطة فيه!”.
الثالث: “شبكات إجرامية”: وهي شبكات تعمل على استدراج الفتيات بالصحبة الفاسدة والشللية ثم بالمخدرات والخمر والإدمان والإباحية والشذوذ والجنون الغربي البهيمي المعروف، وما أن تدخل الفتاة هذا المستنقع حتى تصبح تحت سلطة هذه الشبكات يتحكمون فيها كما يريدون ويوظفونها في حلقاتهم وأذرعهم لتجلب لهم المزيد من الفتيات وغالبًا من تدخل هذه الشبكات تكون “مستغلة” لأبعد الحدود استغلالًا لم تعرفه الجواري في عصر الرق، ومع ذلك تعمل جهدها لأن تخفي ذلك وقد يحصل ولا يشعر بها أحد من أفراد أسرتها ولا يكتشفون حالها إلا حين تمرض وتسقط نهائيًا! ومنهن من تهجر أهلها وتستقل بحياتها وتستمر في العيش أمة للفاسدين وتعتقد أن مجرد محاولة الخلاص من هذه الشبكات يعني الموت، فتستمر خاضعة لهم في ذلة! ومن يطلع على رسائل التهديد التي ترسل للفتاة التي تحاول أن تنجو يدرك عن أي نوع من الأمساخ نتحدث!
الرابع: فساد مستشرٍ في الأسر: فوجود أب أو أم يجيز لنفسه الإباحية والزنا، أو خال أو قريب فاسق، يعتدي على الأبناء منذ الصغر، وتضمن له “الثقة” أن يعيث في الأرض فسادا، ويكبر الأبناء وهم يشهدون على هذه المعاصي والتعديات ويخفون هذا العار، وينتقلون من مصيبة إلى أخرى، فمن أسرة فاسدة إلى صحبة فاسدة والتي قد يصطدمون بها حتى حين ينشدون المساعدة والنجاة، والكارثة أن يكون المعلم أو المعلمة هو سبب الإفساد، فنحن نتحدث عن واقع بشع جدًا يتطلب الكثير من العقل لاستيعابه!
وأجدني أركز على الفتيات في هذا الطرح لأنهن أكثر المشاهدات التي وصلتني، وأكثر من يعاني من تداعيات الفضيحة. وهذا لا يعني تجاهلنا لما يقع فيه الأبناء الذكور من فساد، ولكن أثر الفضيحة لا يظهر في الرجل كما المرأة. وخسارة الابن والابنة خسارة فادحة، من هنا يجب عدم الاستهانة البتة بجريمة تضييع ثغور التربية!
كيف تصل الفتيات لمثل هذه المستنقعات
في الواقع الإجابة على هذا السؤال مؤلمة فنحن إما أننا نتحدث عن فتيات تربين في أسر منفلتة لا قيمة للدين فيها ولا للخلق، خرجن من بيوت فاسدة ابتداء، وهذا الصنف مع أنه منتشر إلا أننا شاهدنا حالات من الاستقامة خرجت منه وهي حالات مبشرة تذكرنا بحالات الهداية للكافرات للإسلام، والله يهدي من يشاء ويخرج من الطالح صالحا. فالفتيات اللاتي خرجن من مثل هذه الأسر غالبا يكن ثمرة فساد الأسرة، ثمرة من الحنظل يصعب التعامل معها لأنها تربت في الفساد وعلى الفساد وكل من حولها فاسد، إلا من نجاها الله تعالى وطهرها واصطفاها لسبيل المؤمنين فكان فضل الله عليها عظيما.
ثم فتيات من أسر مسلمة، تربت منذ صغرها وهي تشاهد والديها يصليان، وتسمع للقرآن وتعلم الحق من الباطل، فهي بالتأكيد تحمل وعيًا تربويًا كافيًا لتدرك أنها تمشي في الطريق الخاطئ، ولكن الذي يحدث هو أن هذا الصنف من الفتيات لم يدركن قيمة كل ذلك، لم يستقر الخوف من الله تعالى والخشية من تعدي حدوده في قلوبهن حقيقة، لم يتحقق الآباء من أنهن فعلا يدركن قيمة الإسلام وأهمية الاستقامة ويحاسبن على ذلك، فقد توارثن الدين كعادات وتقاليد لا كعلم وفهم وتعظيم! فضلا عن أن الفتاة تعرض للفتن بلا عدة ولا إعداد، فتجد الكثير من الأسر تتهاون مع مسألة الحجاب الشرعي والاختلاط، وتغض الطرف عن تمادي بناتها في هذا الباب، ثم يعتقدون أن مجرد توفير حاجيات الفتاة يضمن ولاءها لأهلها وحفاظها على سمعتهم عند إعطائها الحريات، بينما هم يرمون بها لمستنقع من الفتن الخطيرة وبدون أدنى عدة وهي غير معصومة بل “مستباحة”! وينتظرون منها البطولة كفتاة صالحة تقية!، ترسل للمدارس والجامعات متبرجة، وبدون وعي عقدي وديني كافٍ ولا تربية خلقية تجعلها تفر من الاختلاط والتعامل مع الرجال الأجانب بلا حياء، بل كل ما تملكه، قصص المسلسلات والأفلام والدراما الهدامة المفسدة، والأنكى أن يكون رجل أحلامها ممثل أو مغني أو تافه وتقتحم هذه الميادين بقلب ضعيف هش، وقد يكون بالفعل رجل أحلامها رجل صالح لكنها تستغفل باسم الدين وتجد نفسها في مستنقع فساد دخلته بحسن ظن في خبيث!
ثم تقدم مساحات من الحرية عجيبة لمثل هؤلاء الفتيات، فالآباء والأمهات لا يبالون بعلاقات ابنتهم ولا ينظرون في قائمة اتصالاتها والشخصيات التي تتعامل معها، يرسلونها كل يوم لمواجهة هذه الفتن وينتظرون منها أن ترجع ناجحة بمقياس الحي والمنطقة والمدينة! ولا يعلمون كم خدش خدشت وكم ألم اعتصر قلبها وكم مصيبة كادت أن تفتك بها!
هناك الكثير من الأسر لا يعلم الأب والأم مع من تتحدث ابنته التي بلغت للتو، لا يعلم أصلا مع من تمضي أغلب وقتها وكيف تفكر وما تحمله من أفكار، كل ذلك بحجة الثقة! ثم حين يظهر لهم أدنى غلط منها يعاتبونها: لماذا لست مثل البنات الصالحات؟!
ثم هناك عامل آخر هو تنوع أبواب الفتن والفساد أمام البنات، فصحبة فاسدة ووسط فاسد كافيان لأن تنحرف وتفقد رشدها، وببضاعة مزجاة من الدين والتربية، نصنع نماذج للفسق والضلال يحار العقل فيها! ولا تجد فتاة دخلت هذا المستنقع إلا وهي تنكره في نفسها وتعترف بحجم الدمار الذي أوصلت نفسها له وأنها لم تجد السعادة التي كانت تنشد! لكنها عاجزة عن الخروج منه ملصقة التهم في أهلها ومجتمعها!
الخلافات الأسرية عامل هدم
نحن أمام حقيقة أن كل إهمال وتهميش لعامل من عوامل التربية والقوامة في الأسرة، نشاهد نتائجه في هذه الحوادث المؤلمة. والخلافات التي تحدث بين الأزواج تنعكس أيضا إهمالا للأبناء، وكل ذلك لفقدان الأسر لفقه الأولويات، فالأولوية عندهم لا تتعدى المطعم والملبس، أما التربية فمهملة وتهميشها وتبرير هذا التهميش يخفف من تقريع الضمير! وإذا وقع الخلاف بين الزوجين، يصبح الأبناء مسرح الانتقام والنيل من بعضهم البعض أو يصبح الأبناء آخر ما ينظر له! وكأن الطلاق يسقط مسؤولية التربية وكأن الخلافات الزوجية ترفع القلم عن الأب والأم في رعاية الأبناء وتربيتهم! وكثير من قصص الأبناء والبنات الذين فسدوا، كانت بدايتها أب وأم مختلفان كل الوقت، ويتطلقان ويرجعان ويفجران وغيره من تفاصيل لا تغيب عن متابع.
وبعد كل ما مضى يتولد دائمًا شعور نفور وكراهية من الأبناء لأسرهم فيستمر الوسط الفاسد في استقطابهم والنيل منهم.
أفيون ما يسمى “الحب”
تخرج فتيات وشبان من أسر مهملة للتربية، وبجفاف عاطفي خطير، في مجتمعات جعلت الحلال عسيرًا والحرام يسيرًا، في مجتمعات تدق طبول الحرب لمطالب الزواج قبل إنهاء الدراسة وفي وقت تنفتح كل أبواب الفتن على الجيل الصاعد!
في مجتمعات جعلت الشريعة خلفها ومضت تلهث لتحقيق مقاييس الرأسمالية وتركت الأجيال الهشة تواجه كل هذه الفتن التي يضخها الغرب بآلاته الإعلامية وأذرعه التغريبية فأضحى الحال ما ترى!
تخرج الفتيات في “غابات” تمتلئ بضباع الأعراض! وهي تحلم بأفكار “الحب” ورجل الأحلام، ومشاهد الدراما التي لخصت الحب في جواز الخيانة والزنا وهلم جرا من معاصي وذنوب وكبائر!
نحن نقدم هؤلاء الفتيات للنار حين نرسلهن بحجة “الثقة” في مثل هذه الأوساط بدون تحصينهن وحمايتهن ووضعهن في وسط آمن، ولذلك الكثير ممن يشتكين البدايات المتعثرة أول شكوى تسمعها: “لم يكونوا يبالون بما أفعل”، “كانوا يثقونني ثقة عمياء” بل هذه الثقة هي السبب في أن تمنع الفتاة التي تعرضت للاستغلال من أن ترجع لأهلها تنشد مساعدتهم لأنها تخشى دائما أن تتمزق صورة الثقة والنتيجة خسارة البنت! ويحدث أيضا أن تحاول الفتاة الاستنجاد بأمها أو أبيها بطريقة غير مباشرة فلا تلاقي إلا الصراخ والتقريع وأشكال من “إلقاء المسؤولية” الكاملة عليها لأنها الوسيلة الأسرع للتخلص من تأنيب الضمير، فتزداد نفورًا منهم وتزداد تعمقًا في الفساد!
كارثة التهوين
ومع أننا نسمع ونرى قصص انهيار فتيات وشبان في كل يوم، وتفاصيل صادمة لانحرافات ممن كان آباؤهم وأمهاتهم يثقونهم ثقة كبيرة، لا يزال هناك من يهون من هذا المصاب، ويزهد في تفعيل حس “الرقابة” لتوفير الجو الآمن لأبنائهم، إنهم يثقون عقول “مراهقين” لم يدركوا بعد خطورة ما ينهون عنه، فالأبناء في هذه السن، يجذبهم الفضول تارة، والهروب من واقعهم تارة أخرى لمستنقعات الفساد، وكل ذلك ينتهي بآثار نفسية جسيمة، ثم لا يزال هناك من لا يدرك أين الخطر، ولا يعلم أن خسارة ابن واحد أو ابنة واحدة لهي خسارة عظيمة بمقياس الإسلام!
الحديث في هذه السطور ليس مع آباء وأمهات يزهدون في مهمتهم في التربية ويطمئنون أنفسهم أن كل شي بخير، إنما الحديث لآباء وأمهات يعلمون أن الأجيال المسلمة اليوم كلها باتت تحت مرمى أهداف الحملات التغريبة التي لم تتوقف عن محاربة الدين بل وتحارب الفطرة حربًا شرسة، وتتسلل ببطئ ونعومة، لكنها فتاكة.
إن الأمراض الخطيرة التي تتسلل فيروساتها للجسم لا تُظهر الأعراض المنذرة إلا بعد أن تتمكن من هذا الجسم، وما يحصل أن بعض الأسر مطمئنة لكون أبنائها وبناتها لم يظهروا انحرافات لافتة وهم في بحر من الحريات بدون رقيب، لكن الكارثة أن يؤسس أمثال هؤلاء أسرًا جديدة وهم أيضا لم يدركوا بعد قيمة الرقابة وأهمية الحفظ لأبنائهم، فتتكرر ثغرات الضعف ويستمر التقصير متوارثًا، والتهوين مبررًا واستصغار الشرر واقعًا ويطلق الحبل على الغارب ويسلم الأبناء للفساد بكل تعاون.
ولا أحد يلتفت لمعدلات اللقطاء التي ترتفع في المجتمعات فضلا عن الإصابات بالأمراض الخطيرة النفسية والجسدية ونسب الطلاق بسبب الخيانة ونسب الإدمان والانتحار التي تزداد في كل يوم مع افتقاد سلطان إسلامي يطهر المجتمعات من شبكات الفساد ويحصن الأفراد والمجتمعات بإقامة حدود الله تعالى!
ومن لا يرى النار في بيته ويغض عينيه عن النيران في محيطه لا يضمن أن يحترق بيته في يوم آت!
العلاج في إعادة الهيبة لثغور التربية
إن الاستشارات التي تصلني تتفق في أغلبها على أن الأسر التي وقع أبناؤها في هذا الفساد، ليست آمنة، وثقة الأبناء في الآباء والأمهات محطمة على الرغم من حجم الحريات المتاحة، وأن الأبناء مخيرون بين طريق فاسد أو بحث من يعينهم على التوبة وكل ذلك خارج الأسرة! وهذا يطرح تساؤلا: لماذا يا ترى لم تعد الأسرة ملجأ آمنًا!؟
لم تعد آمنة لأنها تخلفت عن دورها الحقيقي في التربية، فسلبت المهابة والقيمة، سلبت النعمة والأمان! ولذلك ما لم ترجع الأسر للاستقامة كما أمر الله تعالى، بأب رجل قوام، وأم صالحة مصلحة حريصة على صلاح أبنائها، واحتكام وتربية على نور الإسلام العظيم، فخسائرنا مستمرة وأجيال مضيّعة مهملة!
أيها الآباء والأمهات إن أكبر فشل هو الاستمرار في تضييع ثغور التربية والتبرير لذلك بأفكار غربية مهترئة لم تنتشل أبناء الغرب من بهيميته، فكيف ستنتشل أبناء الإسلام وهم في مرمى أهداف الغرب.
فاحفظوا ثغوركم وتعلموا أساليب التربية الإسلامية النجيبة، وتناصحوا وتواصوا بحفظ الأمانات وبحث أسباب الثبات لأبنائكم، فإنما هم أمانة وإنما هي مساءلة ومحاسبة! ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه)؛ متفق عليه.
الحلول المقترحة
من الصعب أن ألخص جميع أساليب التربية النجيبة في هذا المقام لكنني أركز على جزئية مهمة مهملة في زماننا، هي جزئية الرقابة، وإن كانت التربية متكاملة الأركان تعتمد على منهجية شاملة ومتكاملة، إلا أن الرقابة بذكاء تبقى حزام الأمان الذي يحفظ الأبناء من الانجرار لمستنقعات الفساد، وحين نتحدث عن الرقابة فهذا لا يعني أن يتحول الأب والأم لنماذج شديدة القسوة تتعامل بفظاظة بل يتم ذلك كله برضا الأبناء وتعاونهم.
فالأبناء حين يدركون أن آباءهم وأمهاتهم يقدمون لهم صلاحيات – مشروطة بسلامتهم- يتعاونون معهم، ويكون الأمر واضحًا منذ البداية أن يعلم الأب والأم عن جميع علاقات الأبناء، ليطمئن عليهم لا ليضيق عليهم!
والأمر عبارة عن اتفاقية تجعل من الابن والابنة إذا راسلهما خبيث نفس يلجآن ابتداء للأم والأب، لا يستمران معه وينجران إلى خبثه!
ما نريد أن نلخصه في هذا الحل أن الرقابة تتخذ طرقًا متعددة تبدأ بصناعة الوعي لدى الأبناء وصناعة صحبة معهم وحوار بناء لكسب ثقتهم، والاطمئنان على حساباتهم وهواتفهم التي لا يجب البتة أن تكون مستقلة بشكل كامل، فحتى الموظف في وظيفته يخضع لشروط رقابة الشركة فهل يعقل أن يحرم الآباء من رقابة أبنائهم وهم محاسبون أمام الله عنهم!
وفي الواقع أكبر مستفيد من كسر خط الرقابة هي الحملات الغربية الهدامة ودعاة الانحلال الغربي والمنسلخون عن هويتهم ودينهم من عبيد النسوية، فهؤلاء يتبعون الفكرة الغربية بدون أدنى مسؤولية ولا يهمهم إلا إطلاق العنان لأهواهم وشهواتهم وآخر ما ينظرون له ضحايا تهورهم ولا مسؤوليتهم.
ويدخل في الرقابة معرفة أفكار الأبناء وما يشغلهم وما هي الشبهات التي قد يتعرضون إليها، وأيضا تبيان حقوقهم وواجباتهم وتوفير جو آمن من الفتن لهم في البيت على أقل تقدير.
ومن المهم تحذيرهم من مستنقعات الفساد قبل أن يصطدموا بها، وبلغة يفهمونها بدون تهويل أو تهوين، وبإعطاء قصص لنهاية أبناء لم يلتزموا بنصائح آبائهم وقصص قدوة لجمال الالتزام والصدق مع الله تعالى.
كل ذلك مع اللجوء إلى الرقابة السرية التي تكون بدون أن يعرف الابن والابنة، وهذه تكون حين يظهر ما يريب من انغماس مبالغ فيه أو تغير عادات أو عصيان غير مطمئن وغيره من أمارات، ببحث علاقاتهم ومسالكهم، وقد يتطلب الأمر مواجهة مباشرة بحوار بناء أيضا مع التشديد على ضرورة تعظيم التوبة في أعين الأبناء والاستدراك وأن يكون الهدف الإصلاح كمنقبة وليس بجلد الذات والتعنيف لمجرد التعنيف!
فالخطأ وارد ووقوع الأبناء فيه وارد جدًا، فالأصل التعامل مع الأبناء بانتشالهم منه لا مجرد تفريغ شحنات غضب فيهم.
كل هذا مع التأكد من حفاظهم على صلاتهم وأدبهم وأخلاقهم ووعيهم. فإقامة الأبناء على الاستقامة في زماننا، ملحمة! تتطلب التعامل معها كأولوية لا كوظيفة هامشية!
وفي الأخير الأجيال هي المخزون الاستراتيجي لنهضة كل أمة فمن يسلمهم ليد الغرب الكافر أو ليد آلة العلمانية المجرمة، فلا يلومن إلا نفسه.
والهدي كل الهدي في تربية على هدي القرآن والسنة وما كان عليه السلف، وبصناعة نماذج من الأبناء والبنات الأتقياء الأفضل فهما وتمثيلا للإسلام. وبالسعي للإصلاح مهما كانت درجة تورطهم في الفساد، لأن الإصلاح يبقى مهمة الآباء والأمهات الأولى مهما كانت الخسائر كارثية!
فليكن الهدف القليل من الخسائر قدر المستطاع.
واجب جماعي
ونحن أمة متلاحمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكون الآباء والأمهات غفلوا أو قصروا في ثغور التربية فمهمة حفظ الأجيال لا تسقط عن كل مسلم ومسلم، فكل من رصد انحرافًا أو فسادًا يقع فيه الأبناء فعليه أن ينصح وينبه ويحذر ويبلغ أهل الشأن، ولا يتوارى كأن الأمر لا يعنيه، فإن هذا من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن حفظ أبناء غيره حفظ الله أبناءه.
فافتحوا المنابر والقلوب للشباب التائب ويسروا لهم التوبة بعيدًا عن التقريع وجلد الذات، صححوا لهم البدايات والمفاهيم وحببوا لهم العودة إلى طريق الاستقامة، فهذا واجب على كل مسلم ومسلمة ولا يتوقف على الآباء والأمهات.
أطلقوا المشاريع المؤسساتية البناءة التي تحمي الأجيال وتعدها لحمل الأمانة، فضعف الآباء يجبره الدعاة والعاملون لدين الله تعالى. كمشروع المربي ومشاريع صناعة الأجيال. لا مجال للتنصل من المسؤولية أو الاكتفاء بالمشاهدة! وحملات الحرب على الإسلام لا بد أن تواجهها مشاريع نصرة للإسلام. وإن كانت قليلة فبالصدق والإخلاص والإتقان تؤثر، (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
انشروا علوم وفنون التربية الإسلامية المهيبة، اصنعوا الوعي بطرق الإصلاح والتعليم الجاد الهادف. وفروا المراجع والأفكار الملهمة للآباء والأمهات، فهذا ميدان مسابقة بالخيرات.
وفي الختام، رحبوا بكل ابن وابنة ضلوا وتاهوا عن الطريق، بكل شاب وفتاة يرجو كل منهما أن يبدأ من جديد بداية صحيحة، ساعدوهم ليبصروا من جديد بنور من الله تعالى، فإنما وظيفة المؤمنين إخراج الناس من الظلمات إلى النور..
وعلى كل من ابتلي بمسالك الفساد من أبناء المسلمين وبناتهم، بغض النظر عن خلفياتهم وطبيعة أسرهم، راسلوا الدعاة والمصلحين، ورمموا معهم تلك الأرواح المنهكة وأعيدوا لها إشراقتها وبهجتها، بتوبة نصوح وصناعة للجد والهمة، وليكن ذلك سريعًا عاجلا، فكل لحظة تأخير هي خسارة كبيرة في العمر والموت لا يتأخر عن موعدها! وباب التوبة لا يزال مفتوحًا والفساد كلما استمر كانت له تداعيات وآثار مستعصية، فلا تترددوا ولا يعيقنكم عائق فما عند الله خير وأبقى ومهما كانت خسائركم فالإصلاح والتصحيح هو الحل لا الاستمرار في ضلال وظلام.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)
هذا غيض من فيض ولا بد من الاستمرار في التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فكثير من القصص لم تظهر للعلن وكثير من القلوب كتمت جروحها وآلامها خشية الفضيحة، وكثير من الفساد نصلحه بالتقوى والدعوة إلى الله جل جلاله وما كان عليه السابقون الأولون.
فالحمد لله على نعمة الإيمان والحمد لله على نعمة الإصلاح والحمد لله على نعمة التعاون على البر والتقوى.
النشرة البريدية
بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.
واصلي دكتورة ليلى، وفقكم الله إلى كل خير.
جزاك الله خير جزاء ربي يهدينا ويهدي ابناءنا ويصلحهم يا رب ويغفر لنا كل تقصير في حقهم