الإسلام منظومات متكاملة، تشد بعضها البعض..! فإن فرط في منظومة منها خسر من فضائل الإسلام بقدر تفريطه.
وكلما ترسخت الأصول العقدية، أثمرت في نفس المسلم خلقا واستقامة وظهرت آثار التقوى في تعاملاته وكل ما يصدر عنه، فأمن الناس من حوله وعرفوه بصدقه وأمانته.
وكلما ترسخت هذه العقيدة أصبح الحلال والحرام، وحب الله وخشيته ورجاؤه، معالم تحدد مسار هذا المسلم، فلا ينحرف لحرام ولا معصية، ولا يتعدى حدود ربه. لا يزال مجتهدا في تحري الحلال والصدق والاستقامة وما يوجب محبة ربه في كل تفاصيل حياته.
ما ينتشر في زماننا، التنظير البعيد عن العمل، والغرور الذي يفضح المدّعي.
تجد مسلما موحدا نعم، لكنه متفحش في القول، وباغٍ وظالم وقد يحمل على عاتقه وجوب إقامة الحد فيه في بعض الاعتداءات بلا حق، وقد يجيز لنفسه ما لا يجيزه لغيره، وهذا يتنافى مع التقوى التي هي دلالة الإيمان.
وقد ربط أهل العلم ضعف التقوى وفحش القول والظلم بنقص الإيمان، فالمؤمن تقي عفيف اللسان منصف، يعلم أن الله يحاسب على ذرة الشر كما الخير! ولا يحصر هذه التعاملات مع صنف محدد من الناس لأنهم متفقون معه في ما يحب ويهوى. بل هي حق لكل مسلم.
وأكثر من يقع في هذه المخالفات للإسلام:
من تعلم الإسلام بالصدفة، فأخذ من هنا ومن هناك دون أدب طلب ولا صدق طلب. وأهمل العمل بما تعلم، أو ركز على جزئية في الإسلام واعتقد أنها تكفيه عن كل ما يوجبه الإسلام.
ثم منهج التطفيف المغرور، الذي يعتقد أن المسلم ما دام موحدا فيجوز له كل شيء! حتى لو فجر مع خصومه أو بخس وغمط الحقوق، أو تعدى ودلس وكذب وافترى وسار بالإفك والبهتان لينتصر لفريقه، كل هذا تجيزه الحزبية المقيتة، ولا يعلم أن الظلم ينقض غزله كالنار في الهشيم! ولا يعلم أنها من جنس الجاهلية التي حرمها الله تعالى وإن تسترت بالدين! فالإسلام لا يجيز الظلم والغاية لا تبرر الوسيلة الفاسدة الخبيثة!
إن معالجة الخلل في فهم الإسلام والتزامه مهم جدا، فلا يكفي أن يطمئن المسلم أنه موحد، يجب أن يرافق ذلك الخشية والوجل ودلالة صدق الإيمان في كل ما يصدر عنه وإلا فإنه يبخس عظمة التوحيد.
نحن بحاجة للجودة والصدق، لا للكثرة والغش!
نحن بحاجة للأنصار بحق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا لأنصار النفوس والذوات والكيانات! وهو أكثر ما طغى في زماننا.
فلا بارك الله في كثرة تجعل خشية الله آخر اعتباراتها.
وأكثر الله من التقي الشهم الذي تمنعه عقيدته ومروءته أن يظلم ويتعدى حدود الله جل جلاله ولو مع أحب الناس لقلبه.
ولذلك لا تزال سنن الله ترسم مسار هذه الأمة، وتميز الخبيث من الطيب، ويسقط في أثنائها من لم يتزود للفتن وشاب إخلاصه الدخن! ليجتمع الناس في نهاية المطاف على منهاج النبوة المؤيد.
استقيموا يرحمكم الله وربوا أنفسكم على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، فلم يفتك فينا الحكم الجبري فحسب، بل كذلك ما رافقه، تلك العصبيات التي لا تزال تصنع الجفاء والحرمان وتديم حقبة الظلم والظلمات.
عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا).
بارك الله فيك دكتوره