ومن دلالات حب الله جل جلاله لعبده أن يبتليه بأكثر ما يزهده في الدنيا وينزعها من قلبه وإن فتحت له أبوابها ..
سيزهد هذا المبتلى في كل ما تأتيه من عروض مغرية مزخرفة بفتن الدنيا بعد ابتلاء واحد يهدم أكثر رجاء من الدنيا بقي له .. فيشعل فيه الشوق لربه ويعظم حبه تعالى في قلبه ..
ومثل هذه الابتلاءات منح لا تبارى .. فلولاها ما اشتد الحب لله والإيمان وما اشتدت المسابقة ..
لولاها ما أبصر العبد بنور من ربه يمتد لمراتب لا ينشدها إلا مشتاق للقاء ربه عز وجل عظيم التقدير لخالقه ..
كل شيء ما خلا الله باطل!
حب الله جل جلاله ليس مجرد عبارات ومشاعر ولا عبادات واجتهاد وتوبة وإن كانت عظيمة!
حبك لله عز وجل هو الرضا بما قدره لك ورضيه لك .. هو الرضا بالابتلاءات وما يصيبك في سبيله ويزلزل قلبك في الطريق إليه عز وجل ..
هو التسليم الكامل لما اختاره لك وإن كان في ذلك الأذى والألم والموت في كل حين!
فحقيقة حب الله جل جلاله لا تبلغ عمقها العبارات إنما الفداء!
ومن أحب الله وأحبه الله تعالى فقد بلغ!
اللهم اجعلنا ممن أحبوك وأحببتهم .. ممن رضيت عنهم ورضوا عنك!
حب الدنيا قد طغى في زماننا وليته كان بلا تداعيات!
فتداعياته ممتدة في الأجيال التي تربت على تقدير كل شيء قبل الله جل جلاله!
تربت على تقدير كل شيء قبل دينها ورسالتها في الحياة!
تتعذب كل يوم أرواح لم تجد سكنها في الدنيا ونبذت لما يعتبرونه فشلا بمقاييس هذه الدنيا!
ولأنها لم تتربى على معرفة ربها فكانت معاناة بين مطرقة جاهلية وسندان جهل!
مشكلة المسلمين اليوم أنهم جعلوا الدنيا غاية لا وسيلة
فمنتهى النجاح هو الشهادة والوظيفة والزواج!
والحياد عن هذا التصور فشل وذم!
ثم يزدرى من لم يحصل شهادة أو وظيفة أو زواجا ولو كان أتقاهم وأشدهم حبا لله تعالى!
وهو بدوره يستسلم لأحكامهم ويذبل ويتقوقع مستسلما للفشل
هذه المقاييس فاسدة جائرة وآن الأوان لهدمها
إن أكرمكم عند الله أتقاكم
الشهادة والوظيفة والزواج وسائل لا غايات والوسائل غيرها كثير إن لم يقدرها الله عز وجل!
بل الدنيا برمتها وسيلة لا غاية
والغاية هي التقوى والجنة!
أصلحوا القلوب والوسائل والغايات بوصال السماء!
لقد سخر السابقون العلم والمال والقبيلة والجاه والنفس والنفيس وكل ما يملكون في سبيل نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمته فكان الجزاء ملكا وتمكينا مهيبا في الأرض ودانت لهم الأمم خضوعا طوعا وكرها!
واليوم سخرنا كل شيء في سبيل هذه الوسائل حتى دين الله عز وجل فقبعنا تابعين تداعت علينا الأمم على كثرتنا!
الخلل عظيم في الذهنيات والتصورات وتصحيحها فريضة اليوم
فلن نقوم بذهنيات ترضى الهيمنة والاحتلال وتلهث خلف الدنيا هدفا بل بذهنيات قدوتها الجيل المتفرد هدفها الإسلام!
لا تسمح لأحد أن يمنعك أو ينسيك المسابقة لله تعالى ولو كنت أفقر الناس وأقلهم نصيبا في العلم وزخرف الدنيا وزينتها!
الطريق إلى الله تعالى نقطعها بقلوبنا وأعمالنا لا بما قدره الله لنا من ملك وأرزاق ومراتب الدنيا!
ومراتب الآخرة تختلف تماما عن مراتب الدنيا وهي التي تستوجب كل الفداء!
فإياك أن تغفل أيها المؤمن .. أيتها المؤمنة.
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ × وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا صح مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ × وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ