بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.
إن عملية إخراج الأمة من النفق المظلم الذي طال أمد حقبته لن تكتمل إلا بعودة شديدة التمسك بالكتاب والسنة، واستعلاء مهيب على كل جاهلية في هذا العصر. وهذا ما تشير له أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم”حتى ترجعوا إلى دينكم”، “ثم تكون خلافة على منهاج النبوة”. وغيرها من أحاديث عظيمة في هذا الشأن، وكل خطاب دعوي إصلاحي يجب أن يرسّخ ذلك بين الناس.
ومما تم رصده من سوء فهم لهذه المسألة، والجهل بأهميتها في تحقيق التغيير المنشود، العجز عن الجمع بين المفاهيم والنصوص الشرعية ثم الفهم السليم لعلاقة الدين بالحياة اليومية والممارسات الفردية والجماعية ومكانته في حياة المسلمين بشكل عام.
أين الخلل؟
إننا نعاني مشكلة العجز عن التفريق بين واجب تبيان الحق وتوحيد الناس على المنهج النبوي القويم لتصحيح المسيرة والاستقواء والنهوض وبين تعمد إشعال الفتنة وتفريق الناس بالمذهبية وآراء الرجال، في وقت استضعاف وحصار أمة!.
نعاني من مشكلة العجز عن التفريق بين العلم للعمل، وبين العلم لحدود مساحة الدعوة المتاحة في الرقائق والمواعظ التربوية، فينتقد طالب العلم عند خوضه في القضايا السياسية وكأنها جريمة وتعدٍ سافر لحدود رسموها في أذهانهم! وهذه في الواقع آثار العلمانية في الأفكار تلبس لبوس الدين، إنها عملية “فصل للدين عن السياسة”.
إننا نعاني مشكلة مداهنة مشاكلنا وتفشي ظاهرة “الطبطبة على الكتف” عند الخطأ على حساب تبيان الحق! نعاني الخجل من الصدع بالحق، ونراعي بإفراط هشاشة النفوس بدل أن نبذل الجهد في تقويتها بعظمة هذا الحق.
إننا نعاني من مشكلة العجز عن إبصار معالم الحق التي تُبنى عليها قبة النصر، سليمة لا تتزعزع بضربات الفتن والخلافات لتحقيق تمكين متين.. مشكلة العجز عن الاستفادة من تاريخ الأمة الممتد وميراثها من التجارب الثقيل.
كل هذا وأكثر يدفعنا إلى تصحيح هذه المفاهيم لعل وعسى تتضح الرؤية وتثمر النصيحة!
المنهج النبوي مطلب لا يسقط
جاء في الحديث النبوي الذي رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم” (صحيح أبي داوود).[1]
(إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ)
العينة أي حيلة يحتال بها بعض الناس على التعامل بالربا، فالعقد في صورته: بيع، وفي حقيقته: ربا .
(وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ)
يعني: للحرث عليها .
لأن من يحرث الأرض يكون خلف البقرة ليسوقها .
(وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ)
ليس المراد بهذه الجملة والتي قبلها ذم من اشتغل بالحرث واهتم بالزرع .
وإنما المراد ذم من اشتغل بالحرث ورضي بالزرع حتى صار ذلك أكبر همه، وقدم هذا الانشغال بالدنيا على الآخرة، وعلى مرضاة الله تعالى، لا سيما الجهاد في سبيل الله والعمل على تغيير حالة الاستضعاف.
(وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ)
يعني تركتم ما يكون به إعزاز الدين، فلم تجاهدوا في سبيل الله بأموالكم، ولا بأنفسكم، ولا بألسنتكم .
(سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا)
أي: عاقبكم الله تعالى بالذلة والمهانة، جزاءً لكم على ما فعلتم، من التحايل على التعامل بالربا، وانشغالكم بالدنيا وتقديمها على الآخرة، وترككم الجهاد في سبيل الله، فتصيرون أذلة أمام الناس .
(حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)
أي: يستمر هذا الذل عليكم، حتى تعودوا إلى إقامة الدين كما أراد الله عز وجل، فتطيعوا الله في أوامره، وتجتنبوا ما نهاكم الله عنه، وتقدموا الآخرة على الدنيا، وتجاهدوا في سبيل الله .[2]
وهنا تتجلى لنا أبرز المعالم التي تم التقصير فيها لتحقيق الصعود للمسلمين، إنها قضية تقديم الإسلام على حظوظ النفس والأهواء، إنها قضية العودة لدين الله بشكل كامل في كل تفاصيل الحياة، لا أن يبقى الإسلام في زاوية منقطعة عن مساحة العمل، فلا تنعكس بركاته تغييرا مهيبا في حياة المسلمين. إنها دعوة صريحة للعودة للإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، عودة للكتاب والسنة. وهو مطلب لا يجب أن تفتر الدعوة إليه لأنه السبيل للخروج من هذا النفق المظلم!
وروى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه. فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين – يعني عمر – بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فَسُرَّ به وأعجبه.[3]
والخلافة على منهاج النبوة هي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كما هو ظاهر الروايات. أما الملك العضوض، فالمراد به التعسف والظلم. قال ابن الأثير في النهاية: “ثم يكون ملك عضوض” أي يصيب الرعية فيه عسْفٌ وظُلْم، كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضًّا. والعَضُوضُ: من أبْنية المُبالغة. وفي رواية “ثم يكون مُلك عُضُوض” وهو جمع عِضٍّ بالكسر، وهو الخَبيثُ الشَّرِسُ. ومن الأول حديث أبي بكر “وسَتَرَون بَعْدي مُلْكا عَضُوضاً”. اهـ
وأما الملك الجبري، فالمراد به الملك بالقهر والجبر. قال ابن الأثير في النهاية:” ثم يكون مُلك وجَبَرُوت ( أي عُتُوّ وقَهْر). يقال: جَبَّار بَيّن الجَبَرُوّة، والجَبريَّة، والْجَبَرُوت. اهـ
والراجح أننا في مرحلة الملك الجبري، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، وحتى تكون كذلك هذا يعني أن تجتمع جميع الجهود على توحيد المسلمين على منهاج النبوة وهذا يسنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي نجيح العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال صلى الله عليه وسلم”… فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة”.[4]
“من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا”، صدقت يا رسول الله فدتك نفسي! هذه حقيقة نعيشها اليوم ونعاينها بوضوح في كل يوم، ولذلك الحل الذي يوصينا به النبي صلى الله عليه وسلم حل جذري يختصر علينا المسافات ويقربها، حين يجتمع الناس على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ولا يليق التهاون في الدعوة لذلك لأنها سبب عظيم لاجتماع الناس على كلمة التوحيد، وهذا لا يعني شن حرب على المخالفين وإنما الاستمرار في تبيان الحق، ودعوة الناس لمنهج النبوة والتمسك بكتاب الله وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم فهي بشارة النبي صلى الله عليه وسلم والسعي لنيل سهم فيها من تمام الفقه والبصيرة.
وفي هذا الحديث نرى التشديد على الحذر من البدعة لأن البدعة أخطر من المعاصي فهي تحرف الإسلام عن مساره القويم وتتجاذبه الأهواء والظنون وآراء الرجال وهذا يخرج لنا نسخا من الإسلام كالتي نراها اليوم في تقارير الأمريكان، وفي شاشات التلفاز بعيدة كل البعد عما كان عليه الجيل المتفرد!
أخرج الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة”.
أي أن الإسلام كلما اشتدت غربته كثر المخالفون له والناقضون لعراه أي فرائضه وأوامره ، وهو نفس المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم :” بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء “. أخرجه مسلم في صحيحه .
ومعنى قوله ( وأوله نقضاً الحكم ) أي عدم الحكم بشرع الله وهذا ما نعيشه اليوم بوضوح لا يحتاج لتفصيل.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (وآخرهن الصلاة ) أي كثرة التاركين لها والمتخلفين عنها. وللأسف هذا الواقع اليوم فأغلب الشباب المسلم لا يصلي، والغالبية تهمل صلاتها وتضيعها! ثم كيف نأمل في النهوض..!
العلم للعمل!
ثم من المفارقات العجيبة في زماننا محاولة فصل العلم عن ميدان العمل، عن ميدان التأثير في حياة الناس، عن مناقشة السياسة والأحداث العالمية الجارية!
وهذا مخالف لما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بدين الله، فشقوا الأرض في كل اتجاه وأقاموا الدعوة بفقه وفهم للواقع الذي يتواجدون فيه، لم يكن الصحابة يجهلون السياسة ولا الخوض في تفاصيل الأحداث في ذلك الوقت، وقد شهد لهم الله تعالى بذلك حيث قال جل جلاله ﴿ الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 1 ـ 5).
لقد فرحوا بالخبر لأنهم يحملون هم التمكين لهذا الدين، فيتابعون تفاصيل القوى المنافسة ويستفيدون من صراعاتها الجارية!
لم يكن العلم إلا للعمل، للعمل لهذه الأمة لمصالحها وتثبيت أركانها لذلك كان القراء في الصفوف الأولى في الغزوات وكذلك أئمة العلم في التاريخ كان لهم موقعهم في ما يجري في بلادهم لم يتقوقعوا خلف كتبهم إنما أخرجوا العلم لساحات العمل في مختلف الساحات والميادين. فذاك ابن المبارك وذاك ابن تيمية ضربوا دروسا في “العلم للعمل” أقامت الحجة على من بعدهم.
فما هي السياسة في الأخير إلا سياسة الناس لما فيه صلاح دنياهم ودينهم وكل محاولة لفصل العلم عن العمل وعن السياسة هي جهل عظيم بعظمة هذا الدين ومقاصده في إقامة بنيان الإسلام في الأرض.
والأصل ألا يقوم بأمور الناس إلا من له نصاب من العلم أو يلجأ للعلماء ومشورتهم في تحديد سياساته وتوجيهها.
وللأسف هذا “الضعف” و”الوهن” الذي أفرز الجبن والخشية من خوض المسائل السياسية والنقاش فيها إنما صنعه العيش تحت أنظمة جبرية، تخضع الشعوب للهث خلف لقمة العيش وتحرّم عليهم التطلع لقضايا الصراع والسياسة.
فهل يعقل أن يحمل المسلم العلم ثم يحصره في عباداته الفردية ويقصيه من عباداته الجماعية وواجب إقامة دين الله في الأرض!
إن العالم يجب أن ينخرط في كل قضايا الأمة وكذلك طلاب العلم.. فهذه الترجمة الواقعية للعلم الذي يحملونه عملا.
شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
“وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه، فإن صفتهم: أن بعضهم أنصارُ بعض وأعوانهم”. كما جاء في تفسير الطبري رحمه الله.
على هذه المعاني تربى الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم، كان الرجال والنساء يقيمون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ازدانت بها هذه الأمة بالخيرية.
وإن هذا التكامل في حفظ نسيج الأمة من الانهيار، مهم جدا لاستمرار المسيرة مستقيمة على نور من الله.
من هنا يظهر أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست مطلبا اختياريا، إنها عبادة كلٌّ على حسب استطاعته، لم يهمل فيها حتى مرتبة الإنكار بالقلب وذلك أضعف الإيمان، لما فيها من عظمة الإخلاص لله جل جلاله ومن دليل على صدق العبودية له سبحانه، وبها تسلم الأمة وتصحح وتستدرك وهذا يدخل فيه الإنكار على كل منكر ظاهر وكل بدعة وضلالة.
ولو أقيمت هذه الفريضة في المجتمعات المسلمة بحقها، لكان حال الأمة مختلفا اليوم ولكنها سنين خداعات! فقد المسلمون الحكم بالإسلام فكان لذلك تداعياته حتى في داخل تفاصيل بيوتهم وذهنياتهم.
ومن هذا فإن العودة لمنهج النبوة تتطلب إعادة الحكم الإسلامي لحياة الناس، وهذا مشروع أمة برمتها، يساهم فيه كل فرد حسب استطاعته. أما الرضا بعيش تحت أنظمة وضعية وأحكام تناقض الشريعة والركون له، فهذا مما لا يليق بالمؤمنين والمؤمنات، ولابد من إنكاره ولو بالقلب فذلك من تمام الإخلاص لله سبحانه والصدق في اتباع أمره.
الثغور متكاملة
ومما يجب التنبيه إليه في هذا المقام أن ثغور الأمة متكاملة، فمن يقوم على الدعوة يكتمل بمن يقوم على التربية والتعليم، يكتمل بدوره مع من يقوم بنشر العلم في أبوابه المتخصصة والرد على شبهات المبتدعة والملحدين والنسويات وغيره من دعوات محدثة مع كل زمان ومكان، يكتمل بدوره مع حراس الثغور وكل العاملين في سبيل الله تعالى، كل ذلك يمضي باتجاه التمكين لدين الله على منهج النبوة الخالص وإقامة الناس على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك هي الوحدة المهيبة التي نطمع أن تخرج الأمة من الظلمات إلى النور، الوحدة التي لن تتكرر معها حوادث التاريخ الغابرة والظلم والعدوان، الوحدة التي يستعلي بها المسلمون على كل جاهلية في زمانهم فيوجب لهم النصر والتمكين. الوحدة التي تجعلهم نسخة جديدة عن الجيل المتفرد رغم مسافة القرون بينهما، لأن منهجهم واحد فكان لابد أن تكون نتائج التزامهم به واحدة عظيمة.
إن ضريبة النصر والتمكين كبيرة وليست مجرد كلمات تكتب أو خطابات تذاع، إنها استقامة ومجاهدة وسعي وتضحية وصبر واستدراك، يبذل فيها المسلم كله لا بعضه، في سبيل أن يقيم بنيان الإسلام في الأرض، ثم يحفظه، لأن للتمكين أيضا أسباب استمرارية أو فسنة الاستبدال.
نحن في دار امتحان عظيم يتطلب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وخفض الجناح للؤمنين والتعاون على البر والتقوى والعمل بالعلم بإخلاص لله جل جلاله.
أهمية الاستفادة من التاريخ
إن الجهل بالتاريخ يُفقد الكثير من الفقه والبصيرة ويُحدث ثغرات يستعصي معها الفهم السليم، فيسهل تسلل البدع والانحرافات والدسّ بما يخالف منهج النبي صلى الله عليه وسلم. ما من مسألة بدعية إلا ولها تاريخ يفضح أصلها وتفاصيلها ويكشف حقيقتها. من هنا يجب العناية بالمعرفة التاريخية لاختصار الطريق.
ولا يتوقف استخلاص العبر من الماضي لأن لدينا فقرا لا يزال واضحا في الاستفادة من تاريخنا الثقيل بالتجارب والدروس، ولو عملنا على استخلاص الخلاصات في كل جزئية وتفصيل، لوفرنا على نفسنا الكثير من الخسائر اليوم!
إن كمّ التجارب التي مرت لا يليق أن تقبر كأنها لم تكن، بل يجب التفكر فيها في كل معانيها حتى نبصر مكامن الضعف والقوة فنحن بحاجة لقوة وأمانة ولن نحصل عليها بدون تعب وبذل الجهد في صياغة النفوس على ذلك.
في الختام
إن عملية النهوض عملية مركبة شديدة التعقيد، بعد طول غفلة وتضييع لأمانة هذا الدين، بعد انتكاس الفهم الصحيح لهذا الدين، لذلك سنتحمل تداعيات كل تقصير، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم، فأعيدوا للدين مكانته في أنفسنا وفيما بيننا، أعيدوا للدعوة لله بهجتها وقيمتها، أعيدوا لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مساحتها المطلوبة ودورها المصيري، أعيدوا للساحة العلمية نبضها وعلو مقاصدها، أعيدوا للنصيحة مجدها وأثرها، نحن بأمس الحاجة لكل ما يجبر كسرنا، ويقوي قلوبنا ويعيننا على المسير بيقين لا ينضب أمام حجم الأخطار التي تتهددنا! فكل هذه الأعضاء حين تعمل بإخلاص، سيقوم جسد الأمة قومة الفارس النجيب!
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:”ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻗﺮﻳﻨﺎ ﻭﺷﺎﻓﻌﺎ، ﻭﺷﺮﻓﻪ ﻟﺸﺮﻑ ﻣﻌﻠﻮﻣﻪ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺷﺮﻑ اﻟﻌﻠﻮﻡ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼﻕ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ” [5].
وقال رحمه الله :”من طَلبَ العلم ليُحيي به الإسلام فهو من الصديقين ودرجته بعد درجة النبوّة”. [6]
بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.