النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

تربية الانحياز العاطفي على حساب قواعد التربية المسؤولة


كل تشخيص وخلل، نجد له الحل والعلاج في القرآن والسنة.

في الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى والطبراني وغيرهم ولفظ أحمد:

“إن الولد مبخلة مجبنة”.

واللفظ نفسه عند البيهقي والحاكم في المستدرك بزيادة:

“محزنة”. وفي الطبراني زيادة: “مجهلة”،

والحديث صححه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح.

والمتأمل فيما يفسد تربية الأبناء اليوم يجده في مواقف المبخلة والمجبنة والمحزنة والمجهلة.

وفي ذلك معاني ممتدة، ليس في نفوس الأولياء فقط بل وفي نفوس أبنائهم.

فالآباء والأمهات الذين يحملون مشاعر محبة كبيرة لأبنائهم تمنعهم من تربيتهم وتأديبهم كما يجب في مواقف التربية، ينشئون أجيالا هشة، ضعيفة، ومتفلتة.

وأمثال هذه الأجيال لا يمكنها أن تصمد في معركة أو تقود جهادا أو تنصر الحق في ملاحم الصدع والمواجهة.

لأنها تربت على التهوين والتطبيب والدلال وكل شيء مبرر.

فإن اختلف الأبناء في مساحة حي أو بيت، انبرى الآباء والأمهات في اقتتال كلّ يحامي على ابنه وسمعته بين الناس، وينال هذا من ذاك، وتوغر الصدور وتضيق النفوس وتكبر الأحقاد!

ولا أحد يتساءل كيف سيتربى الأبناء على حل خلافاتهم بتعظيم الحق لذاته والحكم بالعدل، إن انبرى الآباء والأمهات كمحامي الدفاع الذي يهون من وقع الظلم أو الخطأ؟ ومتى سيتعلم هؤلاء الأبناء تحمل مسؤوليات أفعالهم؟ بدون أن يكون في ذلك هضم الحقوق وبخسها.

وما أكثر ما يحصل هذا ويصنع في نفس المظلوم حرقة، ويصنع في نفس الظالم غرورا. وفي كل صناعة تداعيات بحسب طبيعة النفس والظروف المرافقة.

فإما تُقبر عبقرية، أو يُصنع الغش والفساد. وينجو من رحمه الله تعالى ولطف به.

نحن هنا نرصد خطأ تربويا، ينتقل، من الأبناء إلى منازل هؤلاء الأبناء حين يكبرون، وتنتقل تربية “الانحياز العاطفي” على حساب “التربية” إلى أجيال أخرى، وتستمر دائرة الهشاشة والتفلت!

بينما الأصل في الآباء والأمهات الذين يحملون صدقا مسؤولية التربية وإنشاء جيل وقاف عند حدود الله تعالى، أن يعلموا أبناءهم شجاعة التصحيح للأخطاء والتعلم منها وإرجاع الحقوق وتعظيم الله جل جلاله، قبل أي شيء آخر. وتلك حقيقة المحبة لهم وتلك أيضا سبيل إصلاح ذات البين وتحقيق الانسجام والتآلف في المجتمعات.

ولو تربى الجيل على هذه المفاهيم، لما خشي ابن الجيران من ظلم الجار المنحاز لابنه، ولأمنت المجتمعات، ولتربت الأجيال على تعظيم الحق وهيبته فأنشأنا جيلا سويا تقيا منصفا محبا لإخوانه.

ولبلغنا مرتبة توجب الإحسان. وما أكثر ما نفتقدها في زماننا.

هل يقف الأمر عند هذا الحد؟

لا، بل ينتقل إلى ذهنيات وطرق تفكير الأبناء.

فإهمال هذه القواعد التربوية المهمة وتربية الدلال الذي يقدم مشاعر الأبناء وآراء الناس على أهداف التربية، يصنع في الأبناء ذهنية التبرير والتهوين والتفلت، بل وحتى النفاق!

ومن أبرز ما يتجلى في هذه الذهنية: منهجية “المناكفة” التي تتشبع بها النفسيات والردود والمواقف، وتزيد الوضع تأزيما.

وترصد هذه الذهنية بشكل لافت جدا عند صنفين من الناس:

1- الأطفال، ولذلك تسمى المناكفة لديهم بالمناكفة الصبيانية، وتتحول لتفكير مناكف صبياني، وهو بحد ذاته مرحلة طبيعية في عمر الطفل في بداية حياته لكنه يتحول لنتيجة “خلل تربوي” حين ينضج ويصبح أبا ومسؤولا عن أسرة وعائلة عند إهمال معالجته. وهو ما تعاني منه اليوم أسر كاملة: “المراهقة الفكرية” لدى الأزواج، وفقدان النضوج في مهمات التربية.

2- النسويات، فكل فكرة النسوية تقوم على المناكفة، لذلك تترعرع الفكرة النسوية في الذهنيات المناكفة بسهولة جدا وتجد لها مرتعا وقبولا وتنمو وتتطور.

وبهذا نحن نرصد كيف تؤدي أخطاء التربية لتعميق الأزمات في المجتمعات والأسر، وكيف تحتضن بذور الانحرافات والضعف، وكيف تفسر أيضا الكثير من مواقف التصادم والخلافات، وهو ما يستوجب عناية عاجلة بميدان التربية بحس مسؤولية وبعد نظر.

فإن تربية الصدفة، وتربية الدلال، وتربية المبخلة والمجبنة والمحزنة والمجهلة، تربية الانحياز العاطفي على حساب قواعد التربية المسؤولة، تصنع جيلا تفكيره صبياني ومناكف، أو نسوي، عبء!

وفي كل الأحوال هو جيل سطحي أجوف، يهتم للمظاهر أكثر من الصدق في جوهره.

وهي تركيبة الجيل العاجز عن القيام بأعباء الجهاد والتمكين، يعيش حياته تابعا يبرر قعوده والوهن وكل مثلبة وخطأ وتخلف! يهتم بما يُقال عنه أكثر مما يفعله في الواقع ويرضي ربه تعالى!

مشاكلنا عميقة، والمعالجة مركبة ومعقدة، وتتطلب علما وإحاطة وصبرا عظيما.

ومن يعالجها بدون علم وبصيرة، يفسد أكثر مما يصلح.

فاللهم سخر لهذه الأمة الأقوياء الأمناء.

اللهم وأفرغ علينا صبرا ورحمة.

النشرة البريدية

بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.

Subscription Form

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x