الانشغال بوسط يستغني عن المصطلحات القرآنية والشرعية، ويعظم مقولات المعاصرين وإن كانت سطحية أو بديهية، ويطيل المسافة بينه وبين المصادر الأولى للعلم، القرآن والسنة وآثار السلف. على اعتبار أنها مصادر “اعتيادية زيادة عن اللزوم” أو “لا توائم العصر وتطور الفكر” أو “تجلب الشبهة والتصنيف”… أو “تصنع “سوء تصور” لواقع جديد بحيثياته وتفاصيله المختلفة… وغيره من معاذير، كل هذا يوصل مع الوقت لحالة من النفور في النفس من المصطلحات الشرعية وميراث السلف، الذي سينظر إليه على أنه “العتيق الرجعي” لا “الحديث المواكب للتجديد”.
وبالتالي سينظر لكل من يتمسك بهذا العتيق على أنه متخلف وأحمق وإن كان يحاجج بالحكمة والحجة وقوة التأصيل والبيان.
ولأن الوسط يؤثر جدا، ومع سرعة التواصل وكمية الضخ في ميدان الفكر الإسلامي للأفكار الرائجة والمقبولة بغض النظر عن مخالفتها لميراث الأولين .. يعني أننا أمام شريحة كبيرة جدا ترى المصطلحات الشرعية تكلفا أو تخلفا وأحكام الإسلام إجحافا أو تهورا.
وينتهي الأمر إلى اعتبار كل من يتمسك بما كان عليه السلف الصالح، منبوذا ومحاربا .. بعيدا عن التبريرات التي تساق للالتفاف على حق أو التفلت من حجة أو بيّنة!
وفي الواقع وجود من يتمسك بالعتيق في زماننا نعمة يجب الحفاظ عليها، لأنه يحقق ثقلا يصنع التوازن في الساحة التي يغلب عليها “التمييع” و”الإرجاء” والأفكار “الإنسانوية” أكثر من العقيدة الإيمانية على نهج السابقين الأولين.
فمن أراد لنفسه الحفاظ على هذا التوازن، كي لا ينجر بلا وعي مع التيارات الجارفة التي تزوّق المعاني بتضليل وخداع، فعليه أن يترك بجانبه صاحبا “عتيقا” ومصادر العتيق قريبة من قلبه.
عليه أن يبقى بالقرب ممن يذكره بما كان عليه السلف الصالح، ويبقي مصطلحاتهم وآثارهم .. حاضرة في مشهد الصراع.
وإلا فإن خسارة هذا القرب وهذا الصوت الناصح، يعني الحرمان المثخن وفقدان البوصلة.
المصطلحات والمرجعيات تصنع فارقا كبيرا جدا في فكر الإنسان وفي أساليبه وتفاعلاته واختياراته.
ومن فرط فيها فرط في جزء كبير من هويته وقوته وانهزم عند أول مواجهة!
وتلك الحالة تفرزها مخلفات الغزو الفكري المحارب الذي دخل في دقائق الإصلاح والتربية والدعوة المضادة له!
وهو أخطر الآثار المستترة لهذا الغزو!
تحصين قواعد وطرق التفكير مطلب مصيري.