العلم الذي يورث قلبك القسوة ويطفئ فيك نور الخشية ويدفعك للظلم والعدوان ويحرمك الرحمة وخفض الجناح للمؤمنين ويصنع منك مجادلا بالباطل ليس علما، إنما جهل!
قيمة طالب العلم هي في سلوكه، في ترجمة علمه لعمل، في تمييزه للحق ونصرته لهذا الحق وفق هدي النبوة. وإلا فليس إلا متعالما ينشد حظ نفسه!
لا تغرك قوائم الكتب المقروءة ولا العناوين المجرودة ولا كثرة الردود والتأليف فكل ذلك ليس دليلا على شيء إن لم يقترن بالخشية من الله في مواقف الامتحان، ومن بصيرة تتجلى عند كل عمل يُنشد وغاية تُبتغى، صدق ابن مسعود رضي الله عنه نحن في زمان يكثر فيه طلبة العلم ويقل فيه العمل بالعلم!
لا بد أن يصلح العلم حالك أنت قبل أي حال، لا بد أن ينير قلبك وينعكس نوره على جوارحك وأعمالك، لا بد أن يقومك ويجعل حاضرك خيرا من ماضيك وهمتك لما هو قادم أعظم! فإن لم يفعل وحزت الشهادات والألقاب والإجازات! فاعلم أنك تخدع نفسك.
العلم الذي لا يصنع أثرا في حياتك حجة عليك لا لك! فاستدرك.
قال مالك بن نبي: “عانت مجتمعاتنا في عصور الضعف مشكلة الأمية والجهل ولكنها عندما حاولت النهوض أصيبت بمرض مستعصي وهو التعالم”.
هذا مبحث مهم جدا “التعالم”، نحن بحاجة لسبر أغواره وبحث أسبابه وعوامل انتشاره وبقائه والسبيل لتخفيف آثاره المدمرة!
والجهل أرحم من التعالم! والاستعاذة من كلاهما فقه.
قال مالك بن نبي في إحدى خلاصاته: “قبل خمسين عاماً كنا نعرف مرضا واحدا يُمكن علاجه، هو الجهل والأمية،ولكننا اليوم أصبحنا نرى مرضا جديدا مستعصيا هو التعالم”.
هذا التشخيص قبل 73سنة من تاريخ نشر كتابه “شروط النهضة” لأول مرة، فتأمل كيف تطور مرض التعالم مع تطور وسائل الاتصال في زماننا!
وقال مالك بن نبي: “الجهل الذي يلبسه أصحابه ثوب العلم، فإن هذا النوع من العلم أخطر على المجتمع من جهل العوام لأن جهل العوام بيّن ظاهر يسهل علاجه، أما الأول هو متخفّ في غرور المتعلمين”.
هذا يدفع بشدة للاعتناء بالجوهر أكثر من القشور، وبالقلب أكثر من الظهور وبالجودة أكثر من الكثرة!
ألف الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله كتابا عنوانه “التعالم”، قال عنه الشيخ إبراهيم السكران: “رسالة اسمها “التعالم”، وهي في نظري من أكثر كتب الشيخ بكر (أبو زيد) التي ظهرت فيها حرارة الغيرة والحفيظة، حتى كادت صفحاتها كلها أن تكون زفرات تنقصف لها الأضلاع على ما آل إليه حال العلم وطلابه”.
وقال ابن تيمية رحمه الله مسلطا الضوء على هذه المعضلة:
“وقد قيل: إنما يفسد الناس نصف متكلم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب، هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد اللسان وهذا يفسد الأبدان، لا سيما إذا خاض هذا في مسألة لم يسبقه إليها عالم ولا معه فيها نقل عن أحد ولا هي من مسائل النزاع بين العلماء فيختار أحد القولين بل هجم فيها على ما يخالف دين الإسلام”. [الرد على البكري: 2 / 731]
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}
[سورة الزمر:9]
● عمل الجوارح: {قانت ءاناء الليل ساجد وقائما}
● عمل القلب: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}
لذا لا عجب في مدحهم بالعلم {قل هل يستوي الذين يعلمون}، فاحرص على صفاء نيتك في الطلب.