أخت ليلى كنت قد طلبت منكم قديمًا – فضلا – أن تكتبوا حول عمل المرأة والطلاق، ومدى صحة العلاقة بينهما.
بارك الله فيكم.
حياكم الله، وفيكم بارك الله،
خلاصات الدراسات في هذا الشأن
للإجابة على هذا السؤال، دعونا نلقي نظرة على آخر خلاصات للدراسات في هذا الأمر، وأختار من ذلك مقالة نشرتها مجلة “إيفي“، تسلط الضوء على حقيقة أن معظم حالات الطلاق نتجت عن قيام الأمهات العاملات بكل شيء بينما الزوج لا يفعل شيئًا!. ووفقًا لمحامي الطلاق الذي تعرض المجلة ملاحظاته، سئمت النساء من كسب المال ورعاية الأطفال ودفع تكاليف المنزل. فكانت النهاية الطلاق.
وتشير المجلة إلى أن معدل الطلاق في الولايات المتحدة يصل إلى 40-50 % من إجمالي عدد الزيجات وفقًا للبيانات الحديثة. هذا يعني أن ما يقرب من أربع حالات من كل عشر حالات زواج في البلاد لا تدوم. وعلى الرغم من اختلاف معدلات الطلاق حسب العمر والعرق ومستوى التعليم، فإن هذه الإحصائية ترسم صورة واضحة لطبيعة انتشار الطلاق في أمريكا.
ويقول محامي الطلاق بحسب المجلة، إن معظم حالات الانفصال ناتجة عن “قيام الأمهات العاملات بكل شيء” بينما يرتاح الزوج. ويكشف محامي الطلاق أنه في معظم الحالات التي يستشيرها، فإن الأمهات العاملات يتحملن في الواقع غالبية المسؤوليات المنزلية والأعباء المالية فيحدث الاختلال في الأسرة.
ووجدت دراسة سابقة أيضًا أن الأزواج هم أكثر عرضة للطلاق عندما تكون الزوجة معيلة بينما يبقى الزوج في المنزل.
وتعلق المجلة تعليقًا مهما في مقالها فتقول:”من المستحيل تجاهل حقيقة أن هذا هو بالضبط ما أرادته النسويات بطريقة ما. لقد أردن أن تصبح المرأة مثل الرجل – أن تقدم، وأن تكون معيلة، وأن تكون مديرة أعمال. قالت غلوريا ستاينم ذات مرة: “لقد أصبحنا الرجال الذين أردنا الزواج منهم”. ليس هذا هو السبب الوحيد لانتهاء هذه الزيجات بهذا الشكل، لكنه بالتأكيد جزء كبير منه. يمكن للمرء أيضًا أن يجادل بأن الرجال أصبحوا أضعف وأكثر تأنيثًا على مر السنين، مما يؤدي إلى كونهم كسالى في المنزل وعدم اتخاذ زمام المبادرة لرعاية أسرهم”.
ونشر موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي تقريرًا، تحدث فيه عن بحث أظهر أن النساء اللاتي حصلن على ترقية حديثًا كن أكثر عرضة للطلاق مقارنة بزملائهن من الرجال.
وقال الموقع،إن بحثًا حديثًا شاركت في تأليفه الأستاذة في جامعة ستوكهولم السويدية، جوهانا ريكن، كشف أن النساء اللاتي حصلن على ترقيات هائلة في العمل كن أكثر عرضة للطلاق.
هذه خلاصات دراسات ومشاهدات من الواقع جاءت لتؤكد خلاصات سابقة في هذا السياق، وأعرض هنا خلاصات بحث لـ”وليام ساندر”، بعنوان ” المرأة والعمل والطلاق” الذي نشره في المجلة الاقتصادية الأمريكية.[1]
حيث يسلط الباحث الضوء على الاتجاه التصاعدي في معدل الطلاق في الولايات المتحدة وكونه يرجع إلى زيادة قدرة النساء على الكسب، وإلى حد ما فإن الزيادة في قدرة النساء على الكسب هى نتيجة لارتفاع معدل الطلاق، وهذا يعني أن المطلقات تميل إلى زيادة الاستثمار في الخبرة العملية وبالتالي الحصول على أجر أعلى.
وبحسب الباحث فإن الاستثمار في عمل المرأة يعكس، ربما، زيادة في الرغبة في العمل وانخفاضًا في الرغبة في الزواج.
وفي ورقته البحثية قدم ويليام دليلًا يضيف دعمًا للنهج الاقتصادي للفرقة.
حيث يبين أن معدل الطلاق يتأثر بشكل كبير وكبير بقدرة النساء على الكسب في سوق العمل، أي أن زيادة قدرة المرأة على الكسب تمكنها من ترك أرض الزواج .. فإما أن تظل مطلقة أو تتزوج مرة أخرى.
وقد ثبت بحسب الباحث أن التأثير المستقل لأجر الذكور على معدل الطلاق سلبي.
وفيما يتعلق بقطاع المزرعة (الريفي)، كان معدل الطلاق أقل بكثير من معدلات الطلاق في المناطق الحضرية والريفية غير الزراعية.
كما لاحظ الباحث أن عدد النساء المطلقات اللاتي يعشن في المناطق الحضرية كان أكثر من عدد الرجال. ربما يعكس هذا الجاذبية الاقتصادية للمناطق الحضرية للمطلقات مقارنة بالرجال المطلقين.
وبحسب بحثه، تشير النظرية الاقتصادية للطلاق إلى أن الأسر الزراعية (الريفية) يجب أن تكون نسبة معاناتها من “عدم استقرار زوجي” أقل من نظرائها غير الزراعيين (الحضريين). وهناك سبب مهم لذلك، وهو أن زوجات المزارعين يتخصصن أكثر في المنزل نسبيًا.
وبناء على كل ما فات وغيره مما لم أنقل خشية الإطالة، نلاحظ أن ارتباط نسب الطلاق بعمل المرأة أضحى حقيقة متعارف عليها في الغرب.
ماذا عن مجتمعات المسلمين؟
لا ينكر عاقل حقيقة الارتفاع الملحوظ في معدلات الطلاق في العالم العربي، وقد كشف تقرير نشرته مجلة (الإيكونومست) البريطانية أن أكثر من ثلث الزيجات في دول مثل: الأردن ولبنان وقطر والإمارات تنتهي بالطلاق،
بينما تصل النسبة إلى النصف (50%) في دولة مثل الكويت وهو معدل أعلى بكثير من نظيره في الولايات المتحدة.
وتضاعفت حالات الطلاق في مصر منذ عام 1421هـ (2000م) وهي تحتل المرتبة الثانية بنسبة أعلى معدلات الطلاق، حيث ترصد أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر، زيادة هائلة في عدد حالات الطلاق في البلاد، خلال العام 1442هـ (2021م) مقارنة بالعام الذي سبقه 1441هـ (2020م) بلغت نسبتها 14.7 في المئة، ويشير الإحصاء الجديد، إلى أن حالات الطلاق خلال العام 1442هـ (2021م) سجلت ارتفاعًا وصل إلى 254 ألفا و777 حالة، مقابل عدد حالات الطلاق المسجلة في 1441 (2020م) والتي بلغت 222 ألفا و39 حالة.
وتشير الأرقام الصادرة عن محكمة الأسرة المصرية في عام 1437هـ (2016م) إلى أن نسبة طلاق النساء العاملات ارتفعت لـ 49%.
وبحسب أجهزة الاحصاء، سجلت السعودية 7 حالات طلاق كل ساعة بمعدل 162 حالة يوميًا، وفي تونس يتم تسجيل 940 حالة طلاق شهريًا، بمعدل أربع حالات كل 3 ساعات.
ويرتفع عدد حالات الطلاق في الجزائر إلى 64 ألف حالة سنويًا أي بمعدل حالة كل 12 دقيقة، أما الأردن فيصل عدد حالات الطلاق إلى 14 ألف حالة طلاق سنويًا.
وتشير الإحصائيات في المغرب إلى أن المحاكم تصدر أكثر من 100 ألف حكم بالطلاق سنويًا، أي ما يفوق 30% من عدد حالات الزواج السنوية.
ولفتت التقارير إلى تراجع تأثير الدعاة والعلماء وأفراد الأسرة على قرار الطلاق، حيث أن مشاركة الإناث في سوق العمل منحت الاستقلال المالي لملايين النساء وشجعتهن على الانفصال بدون تردد.
ونصل من خلال التقارير المنتشرة، إلى أن حالات الطلاق ترتفع في المجتمعات المدنية، وتتراجع في المجتمعات الريفية، ويتعلق ذلك بواقع المرأة والدور الاجتماعي الموكل إليها باختلاف البيئات الاجتماعية، عدا اختلاف المنظومات الثقافية، فكلما حافظت العائلة على عاداتها وتقاليدها تستبعد فكرة الطلاق، ويتدخل الفاعلون الاجتماعيون والوجهاء والمؤثّرون لتسوية النزاعات وتقديم حلول للمشكلات. وكلما استقلت المرأة ماديًا وجعلت أولويتها عملها، انخفضت عندها الرغبة في التضحية والصبر على العلاقة الزوجية وتنصلت منها سريعًا، هذا ناهيك عن الاختلال الوظيفي الذي يسببه التمسك بالوظيفة خارج البيت بفقد الرجل لدوره كقوام ورب للأسرة. في حين يبقى ثغر الأم فارغًا وضعيفًا. والكثير من الرجال لا يتحمل هذا الاختلال، وكذلك النساء، لأنه معارض لفطرتهن، فيصل الأمر بشكل مباشر إلى الطلاق.
ولا يعني ذلك أن عمل المرأة لوحده سبب الطلاق، ولكنه عامل بارز من عوامل الطلاق، والتقارير تتفق جميعها، الغربية والعربية، على أن الطلاق يرتفع في الحياة المدنية التي تخرج فيها المرأة للعمل وينخفض في المناطق الريفية والزراعية حيث تقوم المرأة بواجباتها كربة بيت ويستقل الرجل بوظيفته، قوامًا على الأسرة، لا تنازعه المرأة هذه القوامة لا ماديًا ولا معنويًا.
وكلما شغل المرأة وظائف خارج بيتها وقدمتها على واجباتها في الأسرة، شعر الرجل باختلال دوره الوظيفي، ولم يعد قادرًا على الالتزام بهذا الدور، وهذا يفسد العلاقة بينه وبين زوجته، ويهدد السكن والمودة والرحمة تدريجيًا، لطغيان حب المادة والاختيارات الأنانية والجشعة، وينعكس هذا الاختلال داخل البيت نفسه. وأكبر خاسر في كل ما نرى، هم الأطفال، فهم يتربون على يد الجدة أو المدرسة النظامية أو الجيران أو الخادمة أو حتى الشارع دون رقابة! ويكبرون في اضطراب ويحملون أخطاء التربية معهم لأسرهم الجديدة، فيصبح لدينا هنا تقصير يتعدى أثره لما بعد أجيال، وهنا مكمن الخطر!
اختلال الأدوار منذر بالانهيار
لا يجادل عاقلان في أن دخول المرأة مجال العمل يعد أحد أسباب الطلاق الأبرز في المجتمع، ومهما احتجت العاملات فمن الصعب أن توازن المرأة بين العمل خارج البيت وبين العمل داخل البيت. فلا بد أن يكون عمل المرأة خارج بيتها على حساب كفاءة وجودة عملها في داخل بيتها وخاصة تربيتها لأبنائها. ومع ما تمر به الأمة من حملات تغريب واستضعاف يصبح ثغر التربية بحاجة ماسة لحراسة وعناية مضاعفة، وبخروج الأمهات لأسواق العمل، يترك الأبناء لمستقبل غامض، تتخطفهم الدعوات الضالة والأفكار الهدامة، ويدارى كل ذلك بالتبرير والتسويف، ونحن نخسر كل يوم أجيالا وأجيالا!
فالأم ترجع للبيت مرهقة، وتحتاج للراحة وليس لديها صبر ولا عدة ولا معرفة كافية لاستيعاب الطفل الذي بحاجة لخطة دراسية وتربوية ومراقبة واستيعاب لحاجاته النفسية والعقلية والعقدية والأخلاقية، والتعامل بحكمة وبصيرة في حالاته وأزماته الاستثنائية، وهكذا قد تصب الأم العاملة غضبها فيه، وقد تتنصل من أي مسؤولية وترمي بها على غيرها أو تسلمه الأنترنت والأجهزة الإلكترونية وتخلد للراحة لأنها بحاجة لاسترجاع أنفاسها لليوم التالي من الوظيفة.
وتتحمل أسرتها سخطها من إساءة المدير أو الموظفين معها، ومن مشاكلها اليومية، بل وتنقل هموم العمل إلى داخل أسرتها.
وكل امرأة تنكر حقيقة أن عملها يؤثر في حياتها الزوجية هي تكذب على نفسها قبل أن تكون تكذب على الناس، فقد رأينا الموظفات وكيف يكافحن لأجل القيام بكل مهامهن ولا بد أن يقع التقصير لا محالة.
فضلا عن أن الخروج اليومي، يجعل الأبناء يبحثون لهم عن ملجأ جديد، وكم من استشارة وصلتني من تائبة أغلبهن يشتكين من أمهات عاملات أو أمهات لم يكن هنا في الوقت المناسب ليستمعن لهن، أو ليحرسنهن من المخاطر التي تحيط بهن، فتلجأ الفتاة إلى صديقة فاسدة أو جارة مفسدة أو رجل غريب، وهلم جرا من قصص يندى لها الجبين بنهايات بائسة.
سيكون هناك دائما شريحة من النساء اللاتي يدافعن عن فكرة عملهن، وأقول هنا حالة واحدة نعذرها، هي حالة الأرامل والنساء بدون معيل واللاتي اضطرهن الظرف المعيشي للخروج للعمل، فظرفهن قاهر، ولا داعي للتذكير بضوابط هذا الخروج كيف يجب أن تكون من التزام تام باللباس الشرعي والنأي بالنفس عن مواطن الاختلاط والخضوع بالقول، وغيره من ضوابط تصون المرأة وتحفظها من أن تُفتن أو تَفتِن.
وليست كل الوظائف مناسبة للمرأة بل فقط خيارات محدودة يمكنها العمل فيها تلائم فطرتها وطبيعتها البشرية، وهذا يدخل في إطار الضوابط الشرعية التي ترافق جواز عمل المرأة.
بعيدًا عن مناقشة هذه التفاصيل ولكي لا نبتعد عن سياق الإجابة على السؤال، فإن الخلاصات التي نبني وفقها قناعاتنا، هي خلاصات من أرض الواقع ومن التجربة، وسعي الغرب لإخراج المرأة من بيتها وإقحامها في سوق العمل وتحريك عجلة الرأسمالية، كان له الثمن الباهظ في أبنائنا وأجيالنا التي تركت بلا تربية راقية تلبي حاجات الأمة لجيل عاقل أمين وقوي!
قد تجادل امرأة عاملة وتتهمنا بتهويل الأمر، وتؤكد على أن زوجها معها يساعدها وليست مطلقة، فنقول، الدراسات الاجتماعية لا تقوم على الحالات الفردية المنفصلة عن سياق واقعها، فوجود عاملات غير مطلقات لا ينفي حقيقة أن عمل المرأة كان من أبرز أسباب وعوامل الطلاق، في العالم وليس فقط العالم الإسلامي. وبالتالي نحن أمام تعرية لحقيقة لا يجب التهرب منها، إننا أمام عامل يهدم للأسر والمجتمعات والأجيال، بهذه الطريقة نبصر أبعاد القضية والعالم لا يقاس على حالة فردية شاذة أو استثنائية! ولا يقاس بشهادات التزكية للنفس! واستمرار المرأة متزوجة وهي عاملة لا يعني أن أسرتها أمنت وأبناءها اجتازوا امتحانات الخطر، بل هي أكثر الأسر المعرضة للتفكك والضعف والهشاشة التربوية لا تزال.
والأسرة تقوم على زوج قوام ينفق عليها ويحفظ لها مصالحها الدينية والدنيوية، وعلى زوجة تقوم على ثغرها بهمة ومسؤولية، فتحفظ البيت من داخله وترتبه وتنظمه وفق نظام مهيب، يجد فيه الزوج والأبناء سكنهم ومستقرهم وراحتهم، وتشارك زوجها عملية التربية بعلم وفقه.
فعملية إخراج أجيال جديدة لا يجب أن تقوم على تربية الصدفة! بل أن تكون تحت مسؤولية أب وأم واعيان بدور كل منهما في هذه العملية المصيرية للأمة.
وليس في ذلك أي منافسة بين الرجل والمرأة فهما يكتملان معا ولا يقتتلان معا! ولا يتسابقان على أدوار خصصت لكل واحد منهما، قال تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
التحقير لوظيفة المرأة في بيتها
في الواقع إن إخراج المرأة لأسواق العمل لم يكن فقط مجرد تحريض من باب “تحقيق الذات” والمساواة مع الرجل، ومحاكاة واقع المرأة الغربية، بل رافقه “شيطنة” وتحقير متعمد لوظيفة المرأة في بيتها، وفي ذلك ظلم واستهانة وجهل إن لم يكن عدوانًا سافرًا يستوجب دفاعات مضادة قوية.
فالمرأة في البيت منارة ومدرسة وحضن وعطاء، لا يمكن أن يوصف عملها بالتحقير أو التسخيف أو الازدراء إلا من جاهلة منهزمة وعدو لنفسه ولأمته، لذلك على كل ربة بيت حين تجلس في مجلس فيه عاملات وتلاحظ ازدراءهن لكونها ربة بيت، أن تحسن الإجابة عليهن، وتوضح لهن أنهن من انحرفن عن وظيفتهن الفطرية والإسلامية والأخلاقية، وأن خروجهن للتسابق المحموم على الراتب ومنافسة الرجال، هو في الواقع انهزامية للفكرة الغربية التي تقحم النساء في دعوات “المساواة” التي لم ولن تتحقق أبدًا بين الذكر والأنثى (وليس الذكر كالأنثى). وأن أنبل وظيفة للمرأة، أن تكون زوجةً وأمًّا، والخروج للعمل والتهميش والإهمال لقيمة هذه الوظيفة كزوجة وأم وما تتطلبه من علم وعمل ومسؤوليات وعناية وحفظ، يدل على فساد فطرة وذوق ودين.
وأزيد على ذلك، فإن خروج المرأة يحرمها من مملكة من الجمال والارتقاء والتعلم وعلو الهمة في بيتها، ويعلقها بسراب بقيعة، تقضي حياتها وصحتها وأعصابها في عمل خارج البيت، ثم تنظر في ما قدمت يداها، فتجد الكثيرات قد سبقنها بالعمل الصالح والبر بالزوج والطفل، والبر بالأمة! منهن من أتمت حفظ كتاب الله ومنهن من أخرجت لأمتها عالمًا ومجاهدًا! ومنهن من حفظت زوجها في قلب الملمات من الانزلاق أو التراجع، ولا يدرك دور الزوجة والأم في بيتها إلا بصير وعاقل!
إن حياة المرأة لدينها وأمتها تفرض عليها أن تقوم على ثغرها في أسرتها، وتضييع هذا الثغر ليس مجرد تقصير يرد عليه بمجرد عتاب، بل هو جريمة بحق الأسرة والأمة ومساعدة للأعداء في هدمها وإضعافها -وهي لبنة أساسية في بنيان الأمة- يتطلب محاكمة لو شئتم الصدق!
هذه الأمة لا يليق بها الرضوخ والاستضعاف بل يليق بها الريادة والسيادة، وكيف سنسود بأمهات خارج البيوت يلهثن خلف دينار ودرهم وأبناء في مهب الريح! كيف سنسود بأمهات ينفذن أجندات الغرب فينا طوعًا وكرهًا، كيف سنسود وأمهات وعيهن في الحضيض واهتماماتهن في الدنيا الدنية لا تنفك تتعلق بها وتلهث خلفها.
والمرأة المتزوجة والأم وربة البيت هن أكثر النساء مطالبة بسد ثغورهن والقيام بمهامهن ولا يعني ذلك أن تجلس في البيت على شاشات التلفاز وحديث الغيبة والبهتان! بل أن تؤهل نفسها وتعدها للقيام بمهمتها، وقد رأينا أمهات لبيبات ما أن تزوجت حتى تفرغت تماما لثغرها وتدريس أبنائها وتربيتهم فرأينا نتائج ذلك مهيبة! ورأينا أمهات قدمن الشهادة والراتب على أبنائهن، فخرج لنا جيل جبان هش منهزم لكل دعوة غربية بائسة. ولا يعني ذلك أن كل قارة في البيت ناجحة، بل فقط التي أدركة أهمية هذا القرار وقيمته والهدف منه فنهضت وقامت لتسد ثغرها بتحمل المسؤولية وإعداد وعمل، بخشية من الله وابتغاء مرضاته سبحانه.
هذه القضية أبعادها بعيدة جدًا وتحقير وظيفة الأم والزوجة في بيتها جريمة كبرى بحق الأمة بأسرها، فليحذر الذين يتخذون من ذلك حديث تسلية وسخرية!
العمل الذي نحن بحاجة له
نحن بحاجة لمنصات لعلم التربية، لمؤلفات وتجارب تدون، لأمهات واعيات ينقلن أفكارهن ويثرين أطروحات أخواتهن، لنجعل من ثغر التربية أولى أولوياتنا كأمة مسلمة، كُتب لها الظفر والنصر.
وأن نعظم من اهتمامات النساء في بيوتهن، في كل الاختصاصات والميادين، كل وظيفة تقوم بها الأم والزوجة هي علم وفن وثغر يتطلب إعدادًا وتعليمًا يليق بها، فلتكن اهتمامات النساء، من فن رعاية الزوج وبره ومعاشرته بالمعروف، إلى فن تربية الطفل وفهم نفسيته وصناعة قادة وجند يشهد لهم التاريخ. إلى فن حل المشكلات وإيجاد الحلول لمسيرة أكثر نجاحًا واستقرارًا. إلى فن إدارة البيت إدارة ذكية، وصناعة للجمال والحب والتفاني صناعة بهية. لتكن أولى أولويات الزوجات والأمهات.
لتتحول المنازل لجنات وسكن، وأنهار من العطاء والإيثار، لتتحول البيوت إلى مدارس إعداد وصناعة للأجيال المنتصرة! للتحول المنازل إلى قلاع ومستودعات خير وبركات.
هذا النوع من العمل الذي تحتاجه الأسرة والأمة والأجيال اليوم، وليس أعمال يهدر فيها العمر ثم تتحول لسبب من أسباب دخول النار وحرمان المسلمة مراتب الجنة العالية. ناهيك عن تبعات التقصير بحق زوج وطفل وأسرة وأمة برمتها!
وكل زوج يحرض زوجه على العمل عليه أن يراجع نفسه مرتين، وينظر في حجم الخسائر التي ترافق هذا القرار، ويكون مسؤولا عن أسرته بحفظ هيبتها واستقامتها، ولا يخشى فقرًا (إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فهناك ألف حل وطريقة بإذن الله غير إخراج زوجتك لغابة من الفتن والأخطار وتحييدها من وظيفتها الأساسية ودورها المصيري.
ومن يحتج بالحاجة للمعلمة والطبيبة والممرضة لمنع الاختلاط وتوفير وسط للنساء المسلمات، فلدينا الكثير من الأيامى والنساء غير المتزوجات، ولدينا الكثير من الطرق التي لا نعرض بها الأسر للخطر، فما فائدة أن تعالج الطبيبة نساء المسلمين وتدرس المعلمة أبناءهم وأسرتها مهدومة وأبناؤها في خطر!
بل فقه الأولويات، فرض العين، أسرتها ومسؤولياتها المباشرة، ثم فرض الكفاية.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه)؛ متفق عليه.
ستسألين أيتها الزوجة وأيتها الأم!
وأكثر الحجج التي تتوارى خلفها المنهزمات للغرب الكافر، هي الراتب وضمان المستقبل، وأقول، والله لو دخلت المرأة مشروع الزواج مخلصة تمام الإخلاص ومحسنة الظن بربها تمام الإحسان لما أصابها شيئ ولظفرت بزوج صالح وفيّ ذي مروءة وإحسان، ولظفرت بذرية تصونها وتبرها وتصلها، ولو لم تظفر بكل ذلك، لظفرت بتأييد الله جل جلاله لها، ومن ظفرت بتأييد ربها استغنت عن كل الناس ولن تجد إلا كل خير وفتح.
لكنه سوء الظن بالله تعالى والدخول بنية فيها دخن! فكيف نطمع بعطاء صادق تقوم عليه علاقة لا تزهر إلا بالصدق وبكامل الإقبال والإيثار!
وكل امرأة تنصح أختها بضرورة أن تضمن مستقبلها وألا تثق الزوج، هي مُفسدة مُرجفة تحاول سلبها أجمل ما في الحياة، الأمان والطمئنينة والسكينة، تجعلها تعيش الخوف والترقب والتخوين، ولا يوجد رجل عاقل يضحي بامرأة صالحة تسنده وتكمله وتحفظ له بيته وذريته، ولكنه الغش والحسد والظلم للنفس والغير.
والدخول في مشروع بنية فاسدة وتخوين وسوء ظن تكون نتيجته الفشل وسلب النعم. (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ).
فاحذرن يا أيتها المسلمات من الغششة والمرجفين، فنصيحتهم غش وخداع، وهدم للأنفس والبيوت والأسر وحرمان لنعم الله تعالى على عباده وقطع لطريق الارتقاء!.
ولتكن البداية إعظام التوكل على الله تعالى والقيام بمهمة الزوجة الصالحة أتم القيام، ابتغاء مرضاة الله وما عنده سبحانه، ولا تبالي المسلمة بعد ذلك أبدًا ولا تخشى فقرًا ولا ظلمًا .. فإما نصر أو شهادة.
قال أبو الحسن الندوي في خلاصة واقعية: “قد شهد التاريخ بأن كل أمة أصيب رجالها في رجولتهم وغيرتهم، ونساؤها في أنوثتهن وأمومتهن، وطغى فيهن التبرج، ومزاحمة الرجال في كل شيء، والزهد في الحياة المنزلية، وحبب إليهن العقم، أفل نجمها وكسفت شمسها، فأصبحت أثراً بعد عين”.
وفي الختام فإن العمل الذي يجب أن يشغل المرأة هو العمل الذي تسعد به في دنياها وآخرتها، أما عمل يجلب الشقاء لها ولزوجها وأبنائها، فهذا أخشى أن يدخل في قول الله تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
[1] المجلد 75، العدد 3 (حزيران/يونيه 1985)، الصفحات 519-523 (5 صفحات)