يجري في ماليزيا الإعداد لحملة انتخابية من المقرر إجراؤها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني. وفي الفترة التي سبقت الاستطلاع عالي المخاطر، قدمت الحكومة الماليزية اقتراحا استثنائيا بأنها قد تغلق مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كوالالمبور، الأمر الذي من المرجح أن يزيل الحماية غير المستقرة بالفعل التي توفرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هناك للاجئين وطالبي اللجوء.
وقال وزير في إدارة رئيس الوزراء عبد اللطيف أحمد، الشهر الماضي إن وجود المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كوالالمبور كان “عامل جذب” لاستقطاب اللاجئين إلى ماليزيا.
وماليزيا، شأنها شأن العديد من جيرانها في جنوب شرق آسيا، ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1371هـ (1951م) أو بروتوكول عام 1387هـ (1967م) ومع ذلك، تستضيف 183,430 لاجئا وطالب لجوء اعتبارا من سبتمبر 1444هـ (2022م)- وهو أكبر عدد من أي بلد في المنطقة. وقد منحت ماليزيا الإذن للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالعمل هناك، حيث تتولى المفوضية في المقام الأول تحديد وضع اللاجئ – وهي العملية التي يتم من خلالها الاعتراف رسميا بشخص ما كلاجئ.
ومن المشاكل المفترضة للمسؤولين الماليزيين أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يمكنها إصدار بطاقات هوية للاجئين دون موافقة مسبقة من الحكومة.
قال رئيس مجلس الأمن القومي الماليزي، رودزي محمد سعد، لوسائل الإعلام المحلية في سبتمبر/أيلول: “عندما لا تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى السلطات مسبقا، يبدو الأمر كما لو أنها لا تحترم البلاد”، وقال إن إغلاق مكتب المفوضية سيسمح للبلاد بإدارة اللاجئين “دون تدخل أجنبي”.
غالبية كبيرة (157,910) من اللاجئين في ماليزيا هم من ميانمار المجاورة، وهي دولة في حالة حرب وحشية مع نفسها منذ إطاحة الجيش بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا في فبراير2021م (1443هـ). معظم هؤلاء اللاجئين من ميانمار هم من الروهينجا – وهي مجموعة ذات أغلبية مسلمة غالبا ما توصف بأنها الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم – الذين يقيمون في بعض الحالات في ماليزيا منذ عقود.
كان وزير الخارجية الماليزي الحالي، سيف الدين عبد الله، منتقدا صريحا بشكل غير عادي للمجلس العسكري في ميانمار، وخاصة داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وحتى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الشهر الماضي، اقترح سيف الدين أن تنشئ منظمة التعاون الإسلامي مؤسسة لتعليم اللاجئين لضمان التعليم الجيد للطلاب اللاجئين.
كان وزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبد الله من أشد المنتقدين للمجلس العسكري في ميانمار
غير أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أدانت ماليزيا في غضون أسابيع لإعادتها قسرا مواطنين من ميانمار إلى أوطانهم. وقالت إنها تلقت تقارير عن مئات الحالات من هذا القبيل. وحذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن هذا يشكل على الأرجح إعادة قسرية – إعادة الأشخاص إلى الاضطهاد المحتمل – انتهاكا خطيرا للقانون الدولي حتى بالنسبة للدول التي لم توقع على اتفاقية اللاجئين.
من جانبها أفادت هيومن رايتس ووتش بأن الهجرة الماليزية أعادت أكثر من 2000 مواطن من ميانمار منذ أبريل/نيسان دون تقييم طلبات اللجوء الخاصة بهم. وقالت شاينا بوخنر من هيومن رايتس ووتش في بيان: “إن إعادة طالبي اللجوء إلى ميانمار يعني وضع النشطاء والمعارضين والأقليات المضطهدة في مرمى الطغمة القمعية”. على الحكومة الماليزية منح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الفوري وغير المقيد إلى جميع المحتجزين في مراكز احتجاز المهاجرين لتقييم طلباتهم المتعلقة بوضع اللاجئ وغيرها من احتياجات الحماية”. وقد وجهت ماليزيا هذا الانتقاد.
وقال وزير الداخلية حمزة زين الدين للصحفيين: “إذا دخل الأشخاص الذين نحتجزهم البلاد بشكل قانوني ثم انتهكوا قوانيننا، فسوف نعيدهم بعد ذلك… لا حاجة للغرباء (مثل الأمم المتحدة) للتدخل”.
ما يوضحه الخطاب الأخير من السياسيين الحكوميين والمعارضة هو ندرة التنفيذ المتسق للسياسات في ماليزيا.
قد تشكل الإعلانات حول وضع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ماليزيا ضجة قومية قبل الانتخابات، والتي سوف تتلاشى. لكن هذه لن تكون المرة الأولى التي يصبح فيها اللاجئون لعبة سياسية في ماليزيا. وواجه رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق تجمعا حاشدا في كوالالمبور في أواخر عام 1438هـ (2016م) داعيا حكومة أونغ سان سو تشي آنذاك إلى وقف “الإبادة الجماعية” ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار. قال نجيب في ذلك الوقت للأمم المتحدة: “من فضلكم افعلوا شيئا. لا يمكن للعالم أن يقف متفرجا على الإبادة الجماعية التي تحدث”،”لا يمكن للعالم أن يقول إنها ليست مشكلتنا. إنها مشكلتنا”.
وبحلول عام 1442هـ (2020م) خسر نجيب انتخابات تاريخية وكان يواجه اتهامات فساد كبيرة، أدين بها لاحقا. وبمجرد أن تغيرت حظوظه السياسية الشخصية، بدأ نجيب يدعو إلى إعادة قوارب اللاجئين الروهينجا المتجهة إلى ماليزيا. أعلن لمتابعيه البالغ عددهم 4.6 مليون متابع على فيسبوك:”لا يمكن لماليزيا أن تستمر في كونها الوجهة الرئيسية لهذه المجموعة العرقية”، “ماليزيا هي واحدة من الدول التي ساعدت أكثر من غيرها. لكن لا تستفد من لطفنا أكثر”. ومع ذلك، وفي تغيير واضح آخر في الرأي، في أبريل/نيسان من هذا العام، لجأ نجيب مرة أخرى إلى فيسبوك للتأكيد على أن الحكومة يجب أن تسمح للاجئين الروهينجا بالعمل بشكل قانوني قبل إعادة توطينهم في بلدان ثالثة.
من الواضح أن سيف الدين يحمل وجهات نظر أكثر تقدمية بشأن ميانمار واللاجئين من زملائه داخل الحكومة الماليزية. ومع ذلك، ليس هناك ما يضمن إعادته إلى منصب وزير الخارجية بعد الانتخابات، خاصة بالنظر إلى الزيادة المتوقعة في دعم الناخبين لأحزاب ائتلاف باريسان ناسيونال الحاكم منذ فترة طويلة، والذي لم يعد سيف الدين عضوا فيه.
ما يوضحه الخطاب الأخير من السياسيين الحكوميين والمعارضة هو ندرة التنفيذ المستمر للسياسات في ماليزيا، والهشاشة الدائمة لحماية اللاجئين في جنوب شرق آسيا.
110 من الروهينجا يفرون من ميانمار ويرسلون على متن قارب في إندونيسيا
وفي شأن متصل بالروهينجا، تم العثور على أكثر من 100 من مسلمي الروهينجا الذين كانوا يسافرون في قارب لأكثر من شهر على طول ساحل إقليم آتشيه الإندونيسي يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2022م (1444هـ)، وهي أحدث مجموعة من اللاجئين يعتقد أنهم يقومون برحلات بحرية خطرة فرارا من ميانمار.
وشاهد صيادون محليون 110 من الروهينجا في الصباح الباكر على شاطئ في قرية موناساه بارو. وكان من بينهم 65 رجلا و27 امرأة و18 طفلا، وفقا لهيرمان سابوترا، قائد شرطة موارا باتو.
وتقوم السلطات المحلية بجمع البيانات من اللاجئين لتحديد ظروفهم. وأفيد بأنهم ضعفاء وجائعون ونقلوا إلى قاعة في القرية لإجراء فحوص صحية إلى أن تقرر السلطات مكان إيوائهم.
وقال محمد أمين، أحد اللاجئين، إنهم قبل أن تتقطع بهم السبل في مياه آتشيه، كانوا يرومون الوصول إلى ماليزيا كوجهة نهائية لهم.
وفي مارس/آذار، عثر أيضا على 114 لاجئا من الروهينجا على شاطئ في منطقة بيروين في إقليم آتشيه.
وفر مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا من ميانمار ذات الأغلبية البوذية إلى مخيمات اللاجئين في بنغلاديش منذ أغسطس 1439هـ (2017م) عندما شن جيش ميانمار عمليات ردا على هجمات شنتها جماعة متمردة. واتهمت قوات الأمن في ميانمار بارتكاب عمليات اغتصاب جماعي وقتل وحرق آلاف المنازل من الروهينجا.
وحاولت مجموعات من الروهينجا مغادرة المخيمات في بنغلاديش عن طريق البحر بحثا عن حياة أفضل في دول أخرى ذات أغلبية مسلمة في المنطقة.
وكانت ماليزيا وجهة مشتركة للقوارب على الرغم من أن العديد من اللاجئين الروهينجا الذين يصلون إلى هناك يواجهون الاحتجاز.
وعلى الرغم من أن إندونيسيا المجاورة ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1371هـ (1951م) إلا أن المفوضية قالت إن لائحة رئاسية صدرت عام 1438هـ (2016م) توفر إطارا قانونيا يحكم معاملة اللاجئين على متن قوارب في محنة بالقرب من إندونيسيا وتساعدهم على النزول في البلاد.
وبين مطرقة الإبادة العرقية وسندان اللجوء القاهر، تستمر حياة اللاجئين الروهينجا نحو مصير مجهول يغلب عليه الخذلان والتآمر والبراغماتية.
_______________________________________________________________________
في الصورة الرئيسية (لاجئ من الروهينجا يعيش في ماليزيا يرتدي عصابة رأس كتب عليها “أنقذوا الروهينجا” خلال احتجاج في كوالالمبور عام 1439هـ – 2017م)
المعلومات الواردة في هذا المقال ترجمة لمقال لوكالة أسوشيتد برس
بعنوان 110 Rohingya flee Myanmar, land by boat in Indonesia
ومقال على موقع the-interpreter
بعنوان Refugees may become victims of Malaysia’s electoral politics