السودان .. المستجير بالغرب حين كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

لم يكن خبر إعلان الحكومة السودانية عن اعتناقها نظام الحكم العلماني لإدارة البلاد، صادمًا بالنظر للتطورات السريعة والعنيفة التي مر بها السودان منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير في عام 1440هـ (2019م). فضلا عن التصريحات الصريحة في تمجيد العلمانية على ألسنة المسئولين الحكوميين.

فقد تعرض السودان لتغيرات جذرية تجاوزت كل التوقعات كان أبرزها إعلان التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد تاريخ طويل ميّز السودان كأبرز دولة مناصرة للقضية الفلسطينية انطلقت من عاصمتها الخرطوم في أغسطس/ آب 1967م (1386هـ) اللاءات الثلاث “لا صلح.. لا تفاوض.. لا تطبيع” مع الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة حزيران.

ولم يكن إعلان التطبيع إلا بندًا من قائمة طويلة من بنود الالتزامات التي جُعلت كشرط لتحصيل الرضا الأمريكي وحذف اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب وفق مقاسات واشنطن. فقد تسللت الإملاءات الأمريكية إلى المناهج التعليمية والسياسات الاقتصادية والشؤون الاجتماعية وما يتعلق بالمرأة والأسرة وتفاصيل حياة الشعب المسلم حتى الثقافية منها، فضلًا عن إبرام اتفاقيات أمنية مع القيادة الأمريكية والاصطفاف في المحور الأمريكي الإسرائيلي الذي ليس إلا “الصهيوصليبية” بهيئتها الدولية، دون الحديث عن دفع السودان لمبلغ 335 مليون دولار لعائلات الأمريكيين الذين سقطوا في حادث تفجير المدمرة الأمريكية “كول” أمام سواحل عدن. وأصبح السودان يواجه عاصفة شديدة من التغيير الذي يستهدف أصول دينه وثوابته التي نشأ عليها. مقابل السماح له فقط بالسعي في حل أزمته المعيشية.

لقد كان خلف هذا المشهد الكثير من الضغوطات والمساومات الغربية وثقل صندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة التي وقع تحت وطأتها السودان على أمل الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة والتي -على الرغم من كل التنازلات التي قدمتها الحكومة للمجتمع الدولي- لا تزال قائمة إلى الآن ولا يزال المواطن السوداني يعاني من نفس المستوى المعيشي المتأزم والوقوف في طوابير طويلة لشراء الخبز والبنزين والشكوى من غلاء السلع وضعف الخدمات وانهيار قيمة عملته “الجنيه السوداني”.

ماذا يعني أن يصبح السودان دولة علمانية؟

أن يصبح السودان دولة علمانية يعني باختصار فصل الدين الإسلامي عن الدولة السودانية وحيادية هذه الدولة في الشؤون الدينية، مع كفالة حرية المعتقدات أيا كانت هذه المعتقدات، وألا تتبنى الدولة أي ديانة لتكون رسمية في البلاد. وبتعبير آخر الانكباب على الدنيا، والانشغال بشهواتها وملذاتها. وفتح الباب على مصراعيه لحرية الاعتقاد، ولحفظ ما يسمى حقوق الإنسان، فيدخل في ذلك حقوق المثليين والشواذ والتحول الجندري، ومعاملة النساء والأسر وفق الشرائع الغربية لا الإسلامية، تماما كما تمليه اتفاقية سيداو التي لقيت رفضًا كبيرًا في الساحة السودانية والإسلامية لمناقضتها أحكامًا صريحة في الشريعة الإسلامية.

وفي الواقع لقد ربط الغرب جميع الحلول الاقتصادية الممكنة لإخراج السودان من أزمته بتحويل السودان المسلم لدولة تكفل حقوق الردة والكفر والانحلال والرذيلة وتحمي دعاتها بحجة مواكبة العالم المتقدم وتحقيق مصالح البلاد. وكأن فرض الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقف عند مجرد الاعتراف بل يتعدى إلى التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين بما فيه فتح المجال الجوي للطيران الإسرائيلي لم يكن  تنازلًا كافيًا لرفع الحصار عن السودان ولا عشرات الملايين من الدولارات التي دفعها السودان كتعويضات للعائلات الأمريكية التي قتل أبناؤها في حرب لم تقدم فيها يوما الولايات المتحدة أي تعويض لأي عائلة مسلمة قتل أيضا أبناؤها عمدًا على يد القوات الأمريكية رغم توثيق جرائمهم من قبل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية.

ما يحصل بكل صراحة هو أن المجتمع الدولي يعرض بل يفرض على السودان مقابل مساعدته في أزمته الاقتصادية، التخلي عن دينه الذي أنار أرضه منذ عام 31 للهجرة. حيث دخل الإسلام بلاد السودان على إثر اتفاقية البقط بين عبد الله بن أبي السرح وعظيم النوبة في دنقلة، ثم تغلغل الإسلام بعدها بشكل تدريجي إلى أهالي دارفور، فانعكس إقبالهم الكبير عليه بإقامة أول سلطنة إسلامية في هذه المنطقة في القرن الثالث الهجري وهي سلطنة “الدايو” نسبة للقبيلة التي أنشاتها، واستمر الإسلام في حياة السودانيين معلما بارزًا لهويتهم وتراثهم وعقيدتهم ترفع رايته الممالك الإسلامية المتعاقبة، مهما اشتدت بها قساوة الظروف وتكالب الأعداء، كل هذا التاريخ الماجد للإسلام في السودان تحاول الحكومة السودانية اليوم طمسه بجرة قلم توثّق توقيعها على اتفاقيات صاغها الغرب وفق معتقداته التي يفرضها على المسلمين بسوط التجويع.

خلفية الانعطافة نحو العلمانية

وبالنظر في التسلسل التاريخي للأحداث التي عاشتها بلاد السودان يتضح جليًا ذلك التمهيد المسبق لإرساء العلمانية في بلد يُعرف عنه قوة الالتزام بتعاليم الإسلام وشعائره ومناصرته لقضايا الأمة الإسلامية ثم موقعه الاستراتيجي في خريطة العالم وثرواته الطبيعية المتعددة.

فما نشاهده اليوم من وضع اقتصادي مزري في البلاد هو نتيجة طبيعية للأثر المتراكم لعقود من الصراع الداخلي والحروب التي استنزفت مقدرات السودان، ثم  بشكل أكبر إلى حادثة انفصال جنوب السودان التي شكلت صدمة كبرى وضربة أقوى هزت الاقتصاد السوداني بخسارة الجزء الأكبر من العائدات النفطية مما أفضى إلى تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة لا تزال تعتمل إلى اللحظة، حيث خسر السودان نحو أكثر من 75% من إنتاجه من النفط، وما يقرب من 55% من عائداته المالية وحوالي ثلثي عائدات النقد الأجنبي،[1] وهو الانفصال الذي حظي باهتمام غربي وإسرائيلي كبير، تجلى باعتراف سريع من الاحتلال الإسرائيلي بدولة جنوب السودان في 10 يوليو2011م (1432هـ)، بعد يوم واحد من إعلان الانفصال. وفي 15 يوليو، أعلنت جنوب السودان عن نيتها إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع “إسرائيل” والتي انتهت بترحيب من الأخيرة وإبرام اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات. تزامنًا مع كمّ الترحيب الدولي والمساعدات التي تم تقديمها لحكومة جوبا.

وفي الوقت الذي كان اقتصاد جنوب السودان ينمو ويزدهر كان اقتصاد السودان شمالًا يتعثر والشارع السوداني يحتقن مع كل يوم تزداد فيه المعيشة سوءًا وضيقًا، تحت وطأة أخرى هي الحصار الأمريكي الجائر، حتى حانت ساعة الصفر، بعد تسبب قرار حكومي برفع سعر الخبز ثلاثة أضعاف قيمته، بإشعال شرار الثورة التي استمرت قوية وانتهت بالإطاحة بالبشير بعد ثلاثة عقود حكم فيها البلاد بسياسته الفاسدة التي هدمت أكثر مما بنت وكان الإسلام منها براء.

ولا يزال التاريخ يشهد على تفاصيل الربيع العربي في السودان وخروج الشعب السوداني في ثورة عارمة في ديسمبر/كانون الأول 2018م (1439هـ) .

فلم يخرج الشعب السوداني لوحده للشارع بل خرجت معه آلام وآمال الأمة المسلمة في كل مكان، وتعلقت القلوب والأبصار بعزيمة السودانيين لاجتياز امتحان الثورات التي باء بعضها بالفشل أو تعثرت مسيرتها وأحاطها المكر من كل حدب وصوب، فكان الأمل معقودًا على ثورة السودان لتنجح.

وما لبثت الثورة أن حققت مرادها بعد إعلان الجيش الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019م (1440هـ)، فانطلقت محادثات مع المعارضة بشأن تشكيل حكومة انتقالية.

إلى غاية هذه المرحلة كان الكثيرون يعتقدون أن ثورة السودان قد آتت أكلها وستنعطف الآن لمرحلة البناء والتصحيح.

لكن الواقع كان مصادمًا للتوقعات، ففي يونيو/حزيران 2019م (1440هـ)، خرج السودانيون من جديد للضغط على العسكر أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم بعد تجلي ملامح استحواذه على الحكم، فاستقبلهم بالرصاص الحي ووقعت مجزرة بحق المحتجين قتل فيها 87 شخصا على الأقل، وكانت هناك وفيات أخرى خارج العاصمة.

كما عمد الجيش إلى قطع الاتصال بشبكة الإنترنت، لعزل القوى المنظمة للتظاهرات عن الجموع الشعبية الثائرة. بيد أن المظاهرات لم تتوقف واستمر الضغط الشعبي على العسكر حتى أجبر الجنرالات في النهاية على الموافقة على تكوين حكومة تشمل المكوّن المدني.

وتشكلت حكومة انتقالية جديدة في سبتمبر/أيلول 2019م (1440هـ) برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، كجزء من اتفاق لتقاسم السلطة لثلاث سنوات بين الجيش وممثلين مدنيين وجماعات المعارضة.

وعبد الله حمدوك الأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة. حصل على درجة الماجستير من جامعة مانشستر في بريطانيا. ويحمل الجنسية الكندية، رجع للبلاد بعد 30 عاما في الشتات، رئيسا لوزرائها، وينحدر حمدوك من خلفية يسارية سابقة وبحسب تعريفه بنفسه فإنه رجل برغماتي فيما يتعلق بالحكم ومصالح البلاد.

وحتى الآن، ما زال للجيش الكلمة النافذة فيما يسمى بمجلس السيادة الذي يتولى رئاسته الفريق أول عبد الفتاح البرهان. بدليل إعلانه التطبيع والاتفاقيات الأمنية وإعلان الحكم العلماني على الرغم من رفض أغلبية المكوّن المدني لذلك.

ومما يجدر تسليط الضوء عليه في هذا المقام هو أن الحكومة السودانية الجديدة تضم في مكونها العسكري نفس أعضائه الذين شكلوا أذرعًا قوية لحكومة البشير السابقة،  لذلك لا يزال الكثير من السودانيين لا يقبلون بهذه الحكومة التي يرون أنها ليست إلا صفقة تسوية ملطخة بالدماء. ويتساءل بعضهم لماذا يحاكم البشير لوحده بينما رفاقه يستمرون في حكم البلاد!

مستقبل السودان

لم تهدأ تمامًا البلاد رغم كل ما مر عليها من محاولات التهدئة وإبرام اتفاقيات السلام، حيث شهدت محطات لها دلالاتها المستقبلية، منها محاولة اغتيال حمدوك في آذار/مارس 2020م (1441هـ)، التي نجا منها بعد تعرض موكبه لتفجير قنبلة وإطلاق النار، مما أثار جدلًا في الساحة السودانية بين مصدق ومكذب يعتقد أنها حركة من حمدوك لاستجداء تعاطف الشعب السوداني.

ومنها أعمال العنف التي تندلع من حين لآخر بين القبائل في دارفور والتي أجبرت عشرات الآلاف على الفرار من منازلهم.

ومع أن محادثات السلام وصلت لاتفاق نهائي لتقاسم السلطة مع حركات التمرد المسلحة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إلا أن الاتفاق لم يشمل جميع الحركات المسلحة حيث لا يزال جزء منها يحمل السلاح.

ثم يبقى أبرز معلم  في المشهد السوداني هو حقيقة أن الشعب السوداني يعارض قرارات حكومته في تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي باعتباره موالاة لليهود، وقراراتها في تطبيق القوانين العلمانية المخالفة للدين الإسلامي، يتجلى ذلك في الاحتجاجات التي تندلع من حين لآخر في شوارع البلاد وتحرق خلالها أعلام الاحتلال الإسرائيلي وفي بيانات العلماء والدعاة والمؤسسات التي أعلنت رفضها للقرارات الحكومية المعادية للإسلام، كان منها الاتحاد السوداني للعلماء والأئمّةِ والدُّعاة الذي أصدر بيانًا للرد على قرار الحكومة في التحول لنظام الحكم العلماني، يحمل عنوان “تجاوز البرهان حدود ما أنزل الله”. حيث أكد فيه الاتحاد على أن قرار العلمانية، “فيه تجاوزٌ وطغيان وبغيٌ وعدوان، وانتهاكٌ لإرادة الغالبية العُظمى من شعب السودان المُسلم الذّي له هُويته وخصوصيته!”.

كما أكد أيضا على “أن الإتفاقية الأخيرة باطلةٌ ومنبوذة لأنّها تقوم على مبدأ يُصادم هوية وثوابت الغالبية العظمى من أهل السودان ويفرض باستبداد فكرةً مُناهضةً للإسلام ومصادمةً لنصوصه الواضحة الصريحة وهي خروج على الدّين وحرب علية جهرة وسعي في الأرض المسلمين بفسادٍ لا يحل السكوت عليه أبداً”.

وطالب الشعب السوداني بإعلان رفضه لهذا القرار، و”أن يتحمل مسؤليته أمام الله فيقوم بدوره لإبطال هذه الإتفاقية ومناهضتها والوقوف ضدّها”، ليختم بيان الاتحاد السوداني للعلماء والأئمّةِ والدُّعاة خلاصاته بإشارة جادة لما قد تتجه نحوه الساحة السودانية في قابل الأيام حيث جاء فيه:”إذا رضي البرهان بالتمرد على الله ارضاءً لقلة قليلةٍ حاملةٍ للسلاح. فإنّنا ندعو الأمّة للتمرد عليه والانتفاضة على سلطانه ليعلم هو ومن معه أنً الأمّة لا تفرط في شيء من دينها وأنّها قد بايعت اللّه على نصرة شريعته وإعلاء كلمته، ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ثمّ قتل فهو شهيد ، والله غالب على أمره وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا”.

إلى هنا تتضح لنا الخطوط العريضة للمشهد السوداني بين حكومة مكوناتها مضطربة، قد أذعنت للغرب وقبلت بجميع شروطه وإلزاماته المجحفة التي تهمّش الإسلام وتفتح الباب لحرية غيره من ديانات ومعتقدات في أرض تعد قلعة حصينة لهذا الدين منذ قرون، كل ذلك على أمل أن ينعكس هذا التنازل على معطيات الاقتصاد وتجاوز الأزمة الاقتصادية، وبين شعب أصبح يواجه سيلًا من دعاوى التصالح مع الاحتلال الإسرائيلي ونسيان الماضي وتيارات شغلها الشاغل التخلص من أحكام الشريعة بما فيها التي تتعلق بحفظ الأسرة والمرأة، وكل ما يدخل في تزيين ما كان بالأمس مستهجنًا وقبيحًا جدًا وحرامًا في عقيدة  السودانيين. والشماعة مرة أخرى تحسين الوضع المعيشي.

لقد شكل هذا الوضع المعيشي المتأزم نقطة الارتكاز التي يرتكز عليه الغرب في دفع السودان إلى تقديم القربات له بالتنازل عن الإسلام وتاريخ السودان وثقافة شعبه وتراثه ليتحول إلى نسخة ترضي الأمريكيين واليهود وتجعله تابعًا ذليلا لسياساتهم خادمًا لمصالحهم، يخشى غضبهم وعقابهم.

وفي المقابل لم تتحقق بعد مطالب الشعب الذي خرج ثائًرا طويلًا، لاستعادة كرامته وحريته، فلم تتحقق بعد الانفراجة الاقتصادية ولم تتحقق بعد العدالة بحق أولئك الذين قتلوا في الثورة على يد المجلس العسكري الذي يحكم البلاد اليوم أو الذين ظلموا خلال ثلاثة عقود من حكم البشير، في وقت يبدو مستحيلا تحقيق هذه المطالب بينما يحكم البلاد الجنرالات أنفسهم في مقدمة المشهد السياسي.

الخلاصة في المشهد السوداني

من كان يعتقد أن الغرب سيسمح بصعود السودان قويًا اقتصاديًا وقوة متنامية في المنطقة التي يتم إعدادها لسيادة اليهود فهو واهم، فكل ما يحدث هو عملية ترويض، لأجل أبشع استغلال ممكن لهذه البلاد المسلمة، ترويض بدأ العمل عليه منذ إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب بحسب التصنيف الأمريكي، ثم بانفصال جنوب السودان وتصاعد النبرة التغريبية داخل المجتمع السوداني تقودها شخصيات تربت في أحضان الغرب وتشربت من فساد أفكاره.

وأما عن وعود هذا الغرب بشأن الاقتصاد السوداني فإن الدول الكبرى تكافح ليصمد اقتصادها فلن تقدم أكثر من فتات للاقتصاد السوداني مقابل تنازلات عظمى تمس وجوده وكينونته.

نعم قد يقدم الغرب للسودان بعض الفتات لإنعاش الاقتصاد بعد فصل الدين الإسلامي عن الدولة لكن مقابل ذلك سيتم ضخ الأفكار الغربية المريضة في المجتمعات السودانية بمعية حركة التغريب التي تعمل على قدم وساق وتسخّر لأجلها الخزائن والوسائل والخطط والعملاء والإعلام والأبواق، لتتحول السودان تدريجيًا، لبلاد الإلحاد والشذوذ والتحول الجندري والبيدوفيليا والبهيمية التي لا قاع لها ومحطة لتجارة المخدرات والجنس وما يهدم المجتمعات، ومركزًا لدعوات التنصير والتهويد تدعمها دول كبرى وتمويلات ضخمة تتربص بالفقراء والمحتاجين، ستتحول البلاد لمستنقع رذيلة وكفر، لكنها لن ترى أبدًا اقتصادا قويًا كما يزعم الغرب.

فتأمل كيف تتم مقايضة العقيدة بتحسين المعيشة، وكيف يجعل الغرب التنازل على الإسلام شرطًا أول لأجل كف حصاره الجائر، وكيف يروض السودان فينسلخ من عقيدته وتاريخيه ومقوماته بسوط التجويع والإذلال. مع أن أصل المشكلة في الاقتصاد!

قال تعالى ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ).

ولن يكون السودان الأول ولا الأخير الذي يقع في فخّ العلمانية والإلحاد، بل كل دول المنطقة مستهدفة، سواء أعلنت التطبيع المخزي أو لا تزال تُسرّه أو يجري استدراجها بطعم الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية، إنه الفخ الذي تبيّن بوضوح أن وظيفته الأولى هي تهميش الإسلام من حياة المسلمين وسد فراغه بكل ما حط من معتقدات وأفكار هدامة ثم إجبار الجميع على تقبيل يد اليهود طاعة ورهبة وطمعًا، لأجل أن تتهيأ المنطقة لاستقبال مشروع دولة إسرائيل الكبرى، من الفرات إلى النيل!

والمستجير بالغرب حين كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

وختامًا، إنها معركة عقدية في أصلها، فنهضة الشعوب المسلمة وازدهارها لا يكون بحرمانها الإسلام الذي هو سر قوتها وتفوقها، بل بتنحية الفاسدين من مراكز صنع القرار وتسليم القيادة للقوي الأمين الذي يقود سفينة البلاد لشط الأمان تحدوه التقوى، فليس الإسلام هو الذي يحول دون خروج الدول من أزماتها بل عدم الحكم بالإسلام هو السبب في بقائها في ذيل الأمم، ولن يخرج السودان من أزمته بتعرية نسائه وبيع الخمور في أسواقه، بل بقطع حبال الهيمنة التي تمنع تعافي البلاد ورقيها، ونيل حريته للتصرف في ثرواته ومقوماته بعدل ورشاد، وبعيدًا عن كل المبررات فإن قطار العلمانية الذي ركبه السودان اليوم يضع الشعب السوداني المسلم أمام امتحان وجوده وكينونته، فإما أن يكون أو لا يكون.

قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله إِنْ شَاءَ).

ومن ابتغى العزة بالغرب أذله الله.

[1]   دراسة بعنوان : خارطة الطريق نحو سياسة وطنية للتشغيل في السودان (2014)

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x