الخيبات العاطفية .. تشخيص وحل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اطلب منكم مساعده لزميلتي فقد وقعت في الحب وتركت كل ما قد يفيدها من أجله ولكن في النهاية كسر قلبها وهي الآن مجروحه وأيضا خجلة وتريد أن ترمم قلبها وتعود إلى الله وتشعر بالراحه والأمان والاستقرار وتريد أيضا أن تصبح قادرة على تخطي هذه المشكله والزواج إذا كتب الله لها ذلك.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذه الرسالة مجرد عينة من الكثير من الرسائل التي تصلني تطرح المشكلة نفسها، وتطلب الحل الأنسب لانتشال الفتاة من حالة الخيبة العاطفية التي تعيشها. ونقصد هنا الحالات التي تحدث قبل الزواج وليس بعد الطلاق التي تستحق تفصيلا منفصلا نتحدث عنه قريبا إن شاء الله تعالى.

وقبل أن أفصل الحل، أحب أن أسلط الضوء على واقع المسلمين اليوم، واقع يفتقد لنظام شريعة الله تعالى ولهدي القرآن والسنة، أصبح فيه الحلال عسيرا والحرام يسيرا، وانتشرت فيها الدراما والمسلسلات وقصص ما يسمى الحب بشكل مهول، ويكثر الاختلاط ويكثر معه فساده وتداعياته التي أصبحت “عرفا” بين الناس لا تثير الإنكار ولا الاشمئزاز! كل هذا يحاصر حياة الفتاة المسلمة ببضاعة عقدية مزجاة وتربية إسلامية لا ترقى لحد تحقيق الحصانة من الفتن، حتى لا تكاد الفتاة تعيش بدون أن يكون قد وصلها شيء من هذه القصص والأفكار التي تدور كلها حول أن “الحب” أو بالأحرى “أفيون الحب” هو الغاية المنشودة والهدف العظيم الذي لا تكون سعادة المرأة إلا به، والذي لأجله يجوز الحرام وتحلل الخيانة ويصبح كل منتقد مبررا!

هذا هو الواقع الذي تعيش فيه الفتاة المسلمة والشاب المسلم على حد سواء، هما يعيشان في وسط منفتح على كل أنواع الشهوات والفتن ويحرمان في الوقت نفسه الحلال حتى ينهيان الدراسة وحتى يتوفر المستوى المعيشي المرفه، وحتى يحققا أحلام الآباء والأمهات براتب ووظيفة وهلم جرا من حطام الدنيا.

نحن نتعامل مع واقع بائس ظالم يسقط فيه كل يوم ضحايا من الجنسين، ويبتلوا بالفتن والشهوات ثم يعانون آلام الخيبات العاطفية والندم وغصاصة الظلم للنفس والغير.

ولذلك أقول لكل فتاة ابتليت بمثل هذه العلاقات التي أقيمت بخدعة “أفيون الحب”، استيقظي من غفلتك، ما كنت فيه معصية وعلاقة آثمة لا يجوز أن تنظري لها بنظرة عاطفية، مع كل ما عشته من عاطفة فيها ومشاعر مرهفة، فهي علاقة لا تستحق منك أن تتحسري عليها أو تأسي على فواتها بل تحمدي الله تعالى أن نجاك منها ومن رجل أعانك على المعصية وزينها لك وخلا بمحارم الله فانتهكها.

وتأملي الحديث عن أبي عامر الألهاني، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :”لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً”،  قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال:”أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله، انتهكوها” رواه ابن ماجه

هذا الحديث يجب أن تعلقه كل فتاة أمام عينيها حين تستدرج لمثل هذه العلاقات السامة، والمعاصي باسم الحب، وللأسف يقع فيها الملتزمون وغير الملتزمين لشدة الفقد والفتن والضعف وبعد فرص الزواج.

لذلك أول الأمر استقباح ما كنت عليه حتى لا تحني له، وتذكري أن هذا الرجل لو كان تقيا، لما جاء البيوت من ظهورها ولما علقك به بل طلب الحلال مباشرة وتحمل مسؤولية طلبه، كما يحب ذلك لأخواته وبناته، فإن صرفه الله تعالى عنك، فاعلمي أن الله أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصلحتك من نفسك، وقد قدر لك الأفضل، وما يدريك لو أنك أكملت معه لكنت وصلت للزنا وهو كبيرة من الكبائر تجلب سخط الله جل جلاله أعاذ الله المسلمين والمسلمات منه، أو لربما تزوجته وندمت ندما شديدا كما نسمع من قصص فتيات عشن قصص حب طالت لسنوات قبل العقد الشرعي ثم بعد الزواج ما لبثت أن ندمت على كل ما مضى واكتشفت أنه لم يكن زوجا صالحا، ولم يكن ما عاشته إلا صورة رسمتها في ذهنها ترجوها لكنها لم تكن أبدا مطابقة للواقع الذي هو عليه، فليس المهم أن تحبين هذا الرجل بل الأهم والأخطر هل هو مناسب لك كزوج قوام يقوم عليك ويصونك ويأخذ بيدك إلى الجنة؟

فقد يزين لك الشيطان هذا الرجل حتى يجعله أفضل وأجمل وأخلص وأتقى الرجال لكنه هل هو كذلك في الواقع، أم أن حاجتك لمثل هذا الرجل تشكلت في شخصه وأصبحت تحبين ما تريدين لا ما هو في الحقيقة، بل إن كثيرا من قصص الحب المنتشرة هي انجذاب فطري بين الرجل والمرأة جاء في لحظات ضعف وزينه الشيطان ثم أصبح يسمى حبا، ولو أن هذه المرأة تزوجت في حينه، ولم تعرف رجلا غير زوجها لما فكرت في الانجرار خلف رجل وأحلامه “الحبية” التي في أغلب الأحيان ليست إلا شهوة لبست لباس الحب!. وفي الواقع الحب الحقيقي تمتحنه الخطوب والنوازل وميادين الحق!، الحب الحقيقي تكشفه العشرة تكشفه محن الدنيا ولا يعرف إلا بعد زمن طويل، الحب الحقيقي هو الذي يتقي الله فيك ويأخذ بيدك للجنة طائعا لله لا عاصيا له. الحب الحقيقي يكون لله وفي الله وابتغاء مرضاة الله، وهذا الحب لا يقدره ويحفظه إلا الأتقياء.

أما ما عرفته فمجرد إعجاب بخيال في ذهنك تشكل في شكل من تعرفت عليه في وقت كان فيه قلبك فارغا ونفسك تعيش الفقد والحاجة للاهتمام والمشاعر الحنونة. فلا تعيشي الوهم وتحزني على من كسرك وحطم آمالاك وخيّب حسن ظنك به!

وربي نفسك على الرضا بقدر الله تعالى، قال تعالى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) وابحثي عن الحكمة فيما جرى، لعل الله تعالى أراد أن يعلمك درسا ويصرف عنك التفكير الدائم في رجل يشغلك عنه تعالى، ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )

يقول ابن القيم كلاما مهيبا حري أن تستذكره كل فتاة استدرجت لهذه السبل المريبة:

“متى رأيت القلب قد ترحّل عنه حب الله والاستعداد للقائه، وحلَّ فيه حب المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا، والطمأنينة بها؛ فاعلم أنه قد خُسِف به”. (بدائع الفوائد 743/3)

قد خُسف به، وفقد البصيرة وأضاع الطريق والغاية.

وتأتي نعمة الابتلاء لتوقظه!

فهذا مصاب أصابك يمتحن الله فيه صدق إيمانك وتوبتك وثباتك فلا تجعليه سببا للحزن ووسيلة الشيطان لإحزانك وتثبيطك، (إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

ثقي بتدبير الله تعالى لك، واعلمي أن ما أصابك ما كان ليخطئك، وأن تعاملك في هذا الألم برضا بقدر الله وتوبة واستغفار مما كان واستذكار أن البدايات الخاطئة تنتهي لنهايات خاطئة، ستخفف عنك كل ألم وحزن. ولعل ما يعينك أكثر أن تدركي أن ما لم يكن لك فليس لك ولو بذلت كل ما تملكين للحصول عليه، فلا تكثري التأسف عليه.

وإذا كان هذا الشاب قد وعدك وأخلف في الميعاد، أو علقك ولم يكن قدر مسؤولية كلماته ووعوده وتركك في منتصف الطريق وأنت محسنة الظن به لدين أظهره لك أو تقوى كسب بها ثقتك، ومن خدعنا في الله انخدعنا له، فاعلمي أن الله جل جلاله لا يضيع عنده مثقال ذرة، فحسابه على الله سبحانه وتعالى، فأعراض المسلمين ليست لعبة ولا تسلية ولا حقل تجارب، وكما تدين تدان وأقل ما تسألين الله تعالى أن لا يبتلي مؤمنة أخرى به، ويكفي المسلمات شر نفسه وشرور أنفسهن.

والآن كيف نحل هذه المشكلة لتستدركي ما فاتك وترممي روحك وتخرجي من هذا المستنقع الكئيب.

أولا عليك التوبة النصوح لله عز وجل، والتي تعني ثلاثة أمور: الندم الشديد على الوقوع في هذه المعصية من تعريض نفسك لعلاقة لا تجوز.

والإقلاع التام عن قبول فكرة العلاقات من هذا النوع أو تكرارها أو تبريرها أو حتى الحنين إليها.

والعزم والحرص الأكيد على عدم العودة إلى هذه المعصية مرة أخرى .

وها قد تعلمت درسا ثمينا أن “الحب” الذي تنشدين ليس بتعريض نفسك للأذى، أو تقديم مشاعرك على طبق من ذهب لمن يأتي البيوت من ظهورها، إنما بعقد شرعي وفي بيت زوجية بالطريقة الشرعية التي يرضاها الله لك وله، معززة مكرمة، فإن رزقك الله حب زوجك فذلك فضل وإن لم تناليه فيكفيك طاعة زوجك وبره والعشرة بالمعروف، فإنما تقضي هذه الحياة الدنيا بنتائج امتحاناتنا فيها. وما خابت من التزمت شريعة ربها، فطوبى لها في الدنيا والآخرة، ولن تندم أبدا على التزامها لأنها منتهى الحفظ والصيانة لها مما تعرفه وما تجهله.

والبيوت تقوم على النضوج لا على الحب وحده، فما فائدة وجود مشاعر مع رجل غير ناضج غير قادر على تحمل مسؤولية أخطائه، وقلة نضوجك، وهذا يعني أن تتحملي مسؤولية أخطائك وتكفي عن التفكير العاطفي، وتستدركي ما فاتك قبل أن تحين لحظة الموت. فالزواج ليس مجرد مشاعر، الزواج مشروع بناء أسرة وتربية أبناء وفي زماننا الزواج بالثبات على التوحيد والسنة ملحمة! تتطلب إعدادا روحيا وعقديا وخلقيا وصناعة وعي لأن إنشاء أسرة يعني خوض الحروب وصناعة الدفاعات والاستراتيجيات الأفضل للثبات على ما كان عليه السلف الصالح وإخراج جيل هو الأفضل تمثيلا للإسلام.

أما كيف تتخلصين من ذكرى هذا الرجل، فيكفيك ما سببه لك من ألم وأذى، هذا يكفي لاستقباح التفكير فيه، فضلا عن تذكر عيوبه وأقبح ما رأيته فيه، والابتعاد عما يذكرك به، وعن إيجاد التبريرات له أو محاولة تزيين ما كان بينكما، فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل. وانقطاعه دليل على أنه لم يكن لله. فلو كان لله لكانت المسارعة للزواج والتقوى هي دليل الصدق.

وصوني نفسك، ما عشته كان نقطة ضعف لا يجب أن تتكرر أبدا، ولكل فارس كبوة، واعلمي أن المغامرة بالمشاعر للمرأة خسارة مؤلمة وكسر لا يجبر بسهولة! ولا يرحمك عليه أحد، ولكن الله تعالى لا يحاسبك على شعور شعرته لحسن ظن لكن يحاسبك على تعدي حدوده.

وأرى أن على الفتاة أن توطن نفسها منذ البداية مبدأ “الوقاية خير من العلاج” فلا تفتحي بابك لأي رجل مهما أظهر من ملامح الصلاح، وأراد أن يصلك بهذه الطرق الملتوية ويصور نفسه “البطل” و”الفارس” الذي أعجب بك وجاء لينتشلك من واقع الجاهلية الذي نعيشه ليؤسس معك مملكته وأحلامه الإسلامية، هذا الصنف احذري منه بشدة، لأنه يزين الباطل بالحق، ويصل لك من حيث يفتك بك الأشد. فلا تفتحي بابك واحظري من يطرقه ويتجرأ على هتك الأستار.

وحتى لو تزوجت رجلا لا تشعرين اتجاهه بشيء من الانجذاب والإعجاب، لكنك تزوجته لدينه وخلقه، فالعشرة تصنع المعروف بينكما، والدين والخلق يصنع المودة والرحمة، وينصلح الحال بالتقوى، وتكفيك بركة الحلال، فلا تخشي مما هو آت، بل استعدي له مؤمنة تقية واستغفري لذنبك وأخلصي من هذه اللحظة لمن سيكون زوجك بتوبة نصوح ونضوج لائق بأمة مسلمة تائبة.

ولو سردنا أمثلة عن قصص من هذا القبيل لعلمت أن الخير كل الخير في الاحتساب وتعلم الدرس واكتساب حصانة فلا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.

والآن قومي ودعك من قصص الأفلام والانكسار المهين، انفضي عنك غبار القعود، واغتسلي وصلي واقرأي القرآن واحفظي الأذكار وردديها وأكثري من الأدعية، أدعية الكرب والحزن والهم وكل ما يؤذي القلب، لتتطهري وتتخلصي من أغلال هذا الماضي الذي يصبح عقبة أمامك ويحرمك المسابقة كلما أعطيته اهتماما هو بالأساس لا يستحقه. ففي ميادين المسابقة مؤمنون ومؤمنات لم يشغلهم هم دنيا ولا ذنب ومعصية عن السعي لمرضاة الله تعالى، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

قومي وسابقي فإن الموت لا نعلم متى يحين وهو أهم ما يجب أن تعدي نفسك له، وقد يكون هذا الشاب قد تاب وسبقك إلى الله فلا شيء تأسين عليه مثل مرتبتك عند الله تعالى، هذا ما خلقت له، وهذا ما يجب أن تعملي عليه بجد واجتهاد، راضية مسلمة أمرك لله تعالى. املئي قلبك بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بحب العمل الصالح والجنة والخوف من سخط الله وعذابه! ورجاء مغفرته ورحمته فهذا هو سبيل المؤمنين. وحتى لا تتكرر المأساة أغلقي كل أبواب الفتن المشرعة عليك، إغلاقا حازما، فقد تعلمت الدرس الآن، شفاك الله من هذا المرض، وعوضك خيرا كثيرا.

وللتنبيه، كلامي هنا موجه للفتيات الصالحات اللاتي ضعفن لحاجة في أنفسهن ولحظات غفلة واستدراج من رجال يظهر عليهم الصلاح، يلجأن لذلك خشية أن يتزوجن من رجال غير ملتزمين في وسطهن وبين أسرهن الهشة، وليس الحديث إطلاقا للنساء اللاتي ينشدن العلاقات الفاسدة ابتداء ولا اللاتي يستدرجن الشباب ولا اللاتي لا يرين حرجا في بحث زوج عن طريق هذه التواصلات. إنما الحديث عن فتيات لم تصنهن أسرهن وحملن أحلاما جميلة، فتكسرت بين أيدي من لم يتحملوا مسؤولية صيانتهن.

وهذه فرصة لكل مسلمة اليوم ابتليت بهذا الظلم للنفس، أن تتوب إلى الله تعالى من هذه العلاقات السامة، حتى لا تبكي دما وتتحطم وتنكسر حين يقع المحذور ويتخلى عنها في منتصف الطريق وأغلبهم كذلك!

فإن أرادها حقا، فليطرق بيتها بالحلال، وبالتقوى، وليكن على قدر المسؤولية المناطة برجل قوام، وإياكن أن تفتن الرجال، فقد يستدرج الرجال بخضوعكن بالقول واستهانتكن بإظهار مفاتنكن وما يجذب الرجل المسلم في زمن الغربة، احفظن أنفسكن واحفظن الرجال من فتنتكن، فهذا زمان فتن شديدة، أعيذكن من الضعف والظلم.

فاللهم أصلح بنات وأبناء المسلمين وارزقهم العفاف والتقوى وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعنهم على التوبة والثبات وأغنهم بحلالك عن حرامك وأغنهم بفضلك عمن سواك.

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x