أظهرت نازلة الزلزال خللا عقديا عند شريحة من الناس، فبين مستنكر وقوع الزلزال بعبارات من قبيل “ما ذنبهم” وبين مستنكر دعوة الناس للفرار إلى الله والتوبة والكف عن المعاصي بحجة “ليس مقامه”. وهذه نتيجة متوقعة جدا لحقيقة ضعف المعرفة بعقيدة الإسلام وفقه الابتلاء ومنهج السلف في التعامل معه.
الابتلاء حين ينزل فهو أمر الله النافذ، تقبض فيه أرواح كتب لها الموت، قال تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون)
هذه الدنيا دار امتحان وليس خلود والناس تنسى.
كان السلف يفزعون لعباداتهم ولأدعيتهم وللتوبة حين يصيبهم البلاء،وهم خير من اتبع نبي الله ﷺ، ونحن في زمن ضيعنا فيه ديننا وانشغلنا بالدنيا فحين يصيبنا البلاء يجب أن نفر إلى الله ونتوب إليه بغض النظر من أصاب البلاء، فآيات الله تذكرة ودرس لجميع المسلمين في الأرض، إنما هم كالجسد الواحد.
الابتلاء تطهير ورحمة من الله لأمة الإسلام وحتى إن كان عذابا فهو رحمة لها، قال رسول الله ﷺ: “أمتي هذه أمةٌ مرحومةٌ، ليس عليها عذابٌ في الآخرةِ، عذابُها في الدُّنيا، الفتنُ، والزلازلُ، والقتلُ” (صحيح أبي داود). وجعلت مرتبة الشهادة الجليلة ليبلغها المسلم من عدة أبواب منها الموت بالهدم.
نحن بحاجة لبث معاني اليقين وترسيخ عقيدة التوحيد وإفهام الناس سنن الله في الأرض وتعظيم الله جل جلاله والرضا بقدره خيره وشره والصبر والاحتساب والتخلص من التعلق بالدنيا والانكسار لله، نحن بحاجة لحب الله ورسوله والجنة! بهذه المعاني نتجاوز كل ابتلاء مهما بلغت شدته، بالإيمان واليقين نعتصم.
أولئك الذين يبثون الشك في نفوس المكروبين هم جند الشيطان، ولا بد من صدهم بآيات الله، بالقرآن والسنة، وآثار السلف في الابتلاء، لقد ابتلي من هم أشد إيمانا وحبا لله ورسوله منا، أم يعتقد الناس أن الله خلقنا عبثا، وخلقنا لنقول آمنا ونحن لا نبتلى ونمحص ونجاهد ونتواصى بالحق والصبر! سلعة الله غالية!
عن أبي عبدالله خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: “قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”. (رواه البخاري).
في الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “مثلُ المؤمن كمثلِ الخامة من الزرعِ، من حيث أتَتْها الريح كَفَأَتْها، فإذا اعتدلَتْ تَكَفَّأُ بالبلاء، والفاجرُ كالأرزةِ، صمَّاء معتدلة، حتى يقصمَها الله إذا شاء”،
والمقصود: الابتلاءُ بالمصائب المكفِّرة، إذا قُوبِلت بالصبر؛ كما في الحديث: “إنَّ عِظم الجزاءِ من عِظمِ البلاء، وإنَّ الله عز وجلَّ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رَضِي فله الرضا، ومَنْ سَخِط فله السُّخْط”؛ رواه الترمذيُّ، وابن ماجه.
في الصحيحَين عن أبي سعيدٍ: أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “ما يُصيب المؤمنَ من وصبٍ ولا نصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا غمٍّ ولا أذًى، حتَّى الشَّوكة يُشاكُها – إلاَّ كفَّر الله بها من خطاياه”.
فالله الله في عبادة الاحتساب، في عبادة الصبر والرضا بقدر الله، في التوحيد!
(انظر كيف فضلنا بعضهم علىٰ بعض ۚ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبَّره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه”. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني،
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها”. رواه أبو يعلى والحاكم وغيرهما، وصححه الألباني.
فالمؤمنون يصيبهم البلاء للتمحيص ورفعة الدرجات، والله إذا أحب عبدا ابتلاه، والعصاة يكون الابتلاء بالمصائب بسبب الذنوب والمعاصي، ليفروا لله ويتوبوا ويرجعوا عن طريق الشيطان. والآيات تأتي لنعتبر ونتعاون على البر والتقوى.
سيسأل الله كل منا كيف كانت مواساته للمسلمين كيف كان عمله!
قال تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)، وقال تعالى: (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم) (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ..
فاعتبروا يا أولي الألباب ..