الكثير من الحسابات على مواقع التواصل وظيفتها الأولى الترويج والدعاية لحكومة أو لمحور أو لحزب أو لتيار وغيره من تصنيفات، وبالتالي فهي مسخرة للتلميع والتطبيل والترقيع والتسويق لأجندتها. ومن الحكمة متابعة مختلف الرؤى بتوازن وعدم الإدمان على حساب دعائي واحد، حتى يكتمل المشهد ولا ننخدع.
ومن يتأمل الأنظمة الديمقراطية يجدها تقوم أساسا على الدعايات، والتنافس الدعائي الذي يخفي الكثير من الحقائق ويكشف الكثير من الانحدار الأخلاقي، وفي عالمنا الإسلامي يسيطر على الآلة الإعلامية المحلية الحكومات فتتحول لآلة دعائية لهم وتقمع كل الأصوات الأخرى. لتجبر الشعوب على مشهد واحد.
من السهل التحرر من سطوة الدعايات التجارية، فالتجربة كفيلة بحسم الجدال بشأن مصداقيتها، لكن التحرر من الدعايات الفكرية تستوجب عقلا رزينا واعيا يحسن النقد والتقييم، ولا تكتسب هذه الصفات إلا من سعة الاطلاع والتبيّن، والاستعانة بالله وعدم الانجراف لكل ضوء يلمع. ومن لم يتحرر منها تأخر كثيرا.
يمكنني أن ألخص القاعدة التي تعتمد عليها الدعاية الموجّهة، بقاعدة “الاستغفال”. فهي تعوّل أساسا على التأثير في العقول بكل الوسائل الممكنة وإن كانت غير مشروعة، وتوظف الانتقائية فتبرز المحاسن وتتعمد إخفاء العيوب وتصور لك العالم بصورة ساحرة حالمة! فلا تستيقظ من المشهد إلا بمطرقة الواقع!
والحمد لله على مطرقة الواقع!
قال الله تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا).
فلا تنفع الدعايات ولا الأموال ولا الجهود المبذولة في ترويج خادع مدلس ناقص لأن حبله قصير.
(فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة)
والنصر حليف الصادقين.
إن وجدت نفسك تتحايل لنصرة ما تؤمن به، فتلجأ للكذب أو الافتراء أو الفحش في القول أو المدارة والتهرّب أو حتى إقصاء من يناظرك، فاعلم أن ما تنافح عنه ليس بحق، بل هو الهوى الذي يتملكك.
فالحق ليس بحاجة لكل هذه الذنوب والانهزامية والاحتيال لأجل نصرته والغاية لا تبرر الوسيلة.
حقيقة تغيب!
الإعلام سلاح ذو حدين نعم، ولكن له أيضا مفعول عكسي مدمر إن لم يحسن التعامل معه بتهذيبه بهدي الإسلام العظيم.
ويحدث ذلك عندما يكون التصور الإعلامي أضخم بكثير من حقائق الواقع الميداني، فهذا ما يصنع الوهم الذي تحبطه أول معطيات للحقيقة كما هي!
فمن يريد توظيف الإعلام لنصرة قضيته يجب أن لا يكون نسخة فاشلة عن الإعلام المأجور والدولي المحارب! بل يجب أن يتأدب بهدي الإسلام العظيم والمصداقية التي يصنعها صدق النقل وصدق التصوير وصدق الغاية والوسيلة!
وإلا فإن هدم المصداقية هزيمة مثخنة!
ما لم يدركه البعض أن كل علوم الدنيا يجب أن تُهذب بهدي الإسلام العظيم وكل وسائل العمل لنصرة الإسلام يجب أن تكون سليمة غير مهولة ولا مضللة، وإلا فعاقبة الفاسد الفشل!
إن الإعلام وسيلة وليس غاية، وإن شئت الصدق فليس الإعلام الذي يحسم الخواتيم والنهايات في الصراعات والاستراتيجيات، بل واقع الميدان.
لذلك اختفاء العامل أو بروز صوته في الإعلام لن يؤثر في نتائج اجتهاده في أرض الواقع، وإنما يبقى دور التوظيف الإعلامي في رفع صوت هذا الاجتهاد فقط، لأن العمل للإسلام مرتهن بالمعية الربانية ومن نصره الله عز وجل لم يبال بمواقف البشر!
ما يحصل اليوم أن البعض يعتقد أن الإعلام هو أرض الواقع وساحة المعركة، فينفصل عن الحقيقة والميدان.
ويعيش بطولات وهمية فلا يبصر أبعد من أرنبة أمانيه!
الإعلام سحر، وأخطر ما فيه أن يسخر عين من يوظفه.
للابتعاد عن هدي الإسلام العظيم في توظيفه ثم لسهولة استغلال العدو له بكسر المصداقية والهيبة.
فهذه استراتيجية مثخنة أخرى في الحرب الإعلامية تغيب!
عرف التاريخ أشكالًا كثيرة من اللصوص، بمن فيهم لصوص المجد، ولكن في الأخير خلد هؤلاء أسماءهم في صفحات المغفلين والحمقى أو المجرمين.
فصفقات المجد لا تُنال بالخداع والتسلق والأماني، بل بالصدق والمثابرة والاستحقاق.