بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.
تقع سريلانكا جنوب الهند، وهي جزيرة تشبه في شكل حدودها الدمعة، لذا أطلق عليها لقب “دمعة الهند”، كما تسمى أيضا “الأرض اللامعة”.
عانت سيريلانكا من حروب أهلية استمرت لربع قرن. وتنبع أهمية هذه البلاد في كونها البوابة الأولى السهلة لدخول منطقة جنوب آسيا، إلى جانب دورها في تجارة التوابل والقِرْفة والشاي.
جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية، جزيرة تقع في شمال المحيط الهندي على السواحل المقابلة لجنوب الهند في جنوب آسيا، لها حدود بحرية مع الهند من الشمال الغربي، والمالديف من الجنوب الغربي، ويحدها خليج البنغال من جهة الشمال الشرقي.
عاصمتها كولومبو، وهي مركز تجاري حيوي منذ عمق التاريخ، حيث كان يرتادها الرومان والصينيون والعرب.
اللغة الرسمية والوطنية في البلاد هي السنهالية ثم التاميلية وهي لغة وطنية أخرى ثم الإنجليزية التي تستعملها الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية ويتحدثها أغلب السيريلانكيين، ولغات محلية أخرى.
وتنقسم سريلانكا إلى 9 محافظات وتنقسم بدورها إلى 25 مقاطعة، وتعد المراكز الوحدات الأساسية للحكم المحلي في البلاد.
يحكم البلاد نظام ديقراطي، يعد فيه الحزب الوطني المتحد “يو إن بي” (UNP) أكبر حزب سياسي في البلاد، تأسس عام 1365هـ (1946م) بالإضافة إلى أحزاب أخرى مهمة، مثل حزبي الحرية والتاميل الليبرالي المتحد الذي تأسس عام 1371هـ (1951م).
تصدر سريلانكا بعض أفخم أنواع الشاي في العالم، ومنها انطلقت أشهر شركة شاي “ليبتون”، قبل أن يشتريها تاجر بريطاني، كما تنتج ملابس ومواد صيدلية، بالإضافة إلى التوابل والمطاط والمجوهرات والأحجار الكريمة والأسماك وجوز الهند.
السكان والدين
يعيش في سريلانكا 22.04 مليون نسمة حسب إحصاءات 1445هـ (2023م).
يشكل السنهال نسبة 81.9%، فيما يشكل المور 7.9%، والتاميل الهندي 4.3%، والتاميل السريلانكي 5%، ويشكل الباقون 0.75%.
ويرجع أصل التاميل إلى العنصر الدرافيدي وقد هاجروا من شمال الهند الى سريلانكا منذ زمن بعيد وسكنوا النصف الشمالي من الجزيرة، ويجمع التاميل بين حضارة الهند القديمة وحضارة الغرب الحديثة، فمن آثارهم المعابد الكبيرة والتفوق التجاري، وكذلك يشتغلون بالإدارة والصناعة والمهن المختلفة.
أما جماعة السنهاليين فيرجع أصل معظمهم إلى العنصر الملاوي الجاوي ويسكنون في النصف الجنوبي من الجزيرة ويشتغلون بأعمال مختلفة.
وأما الهنود فهم من المهاجرين إلى سريلانكا في الأزمان القريبة ويمتازون بنشاطهم الكبير في التجارة والصناعة، وقد نقل هؤلاء معهم إلى الجزيرة بعض عقائدهم الهندوسية والبوذية.
ثم هناك المسلمين ويرجع أصل معظمهم إلى العرب وبعضهم إلى الملاويين الجاويين والفرس والهنود.
يمثل المسلمون قرابة 10 في المئة من سكان سريلانكا أي أكثر من 2 مليون مسلم.
الوضع الاجتماعي والديني لمسلمي سريلانكا
كما وصف ذلك الشيخ “منصور أبو صالح”؛ مؤسس ومدير كلية القرآن المفتوحة في سريلانكا:
“أولًا: مسلمو سريلانكا اقتصاديًّا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ طبقة الأغنياء: وهم قلة. 2 ـ متوسطو الدخل: وهم الأكثرية. 3 ـ الفقراء: نسبتهم بين المسلمين كبيرة، تزيد عن 40% من تعداد مسلمي البلاد.
ثانيًا: المهن والأعمال: 1 ـ مجال التجارة: معظم المسلمين في سريلانكا يشتغلون في التجارة؛ فمنهم: أ ـ التجار الصغار: وهم الذين يشتغلون بالبيع والشراء، ويمثلون أكثر من 80%. ب ـ الشركات المساهمة العامة: ففي سريلانكا 283 شركة مساهمة عامة؛ منها ثمانية فقط يملكها المسلمون، أي نحو 3% من هذه الشركات. ج ـ الشركات الكبرى المتميزة: في سريلانكا توجد حوالي 100 شركة كبيرة، ولا يملك أحد من المسلمين شركة بهذه الدرجة. ولكن نشير إلى أن التجار المسلمين متواجدون بكثافة في معظم مدن سريلانكا، وفي قرًى كثيرة جدًّا. 2 ـ مجال الصناعة: المسلمون في هذا المجال قليلون جدًّا، نحو ثلاثة في المائة فقط، وهم من يشتغلون في مجال الصناعة والتصدير. 3 ـ الزراعة: قليل جدًّا من المسلمين يعملون في الزراعة، ولكنهم يملكون أراضي خصبة، خاصة في الشرق والشمال، إلا أنهم يقومون بتأجير أراضيهم. 4 ـ الموظفون: في الدوائر الحكومية أو في المهن الحرة؛ مثل الطب والهندسة والمحاماة، نسبتهم قليلة، ولكن مهنة الطب والمحاماة يشتغل بها عدد لا بأس به من المسلمين.
ثالثًا: التعليم: التعليم عند مسلمي سريلانكا قسمان: 1 ـ التعليم الحكومي: للمسلمين مدارس خاصة حكومية، والتعليم فيها جيد إلى حدٍّ ما، ولكن عندما نقارنها بالمدارس الحكومية في المجتمعات الأخرى، فهي متخلفة جدًّا. كما أن دخول الطلاب المسلمين في الجامعات الحكومية لا يبلغ مستوى نسبتهم العددية. 2 ـ التعليم الديني: لمسلمي سريلانكا حوالي مائتين من المدارس الدينية يُنفق عليها المسلمون، ولا تعاونها الحكومة ولا تعترف بشهادتها، والمنهج الدراسي في هذه المدارس منهج تقليدي تراثي.
رابعًا: حالتهم الدينية: مسلمو سريلانكا في السابق كانوا أهل سنة مائة في المائة، والآن بدأت تدخل الشيعة تدريجيًّا شيئًا فشيئًا، وبلغ عددهم الآن ـ كما يقولون هم ـ نحو عشرين ألفًا، ولكن هذا عدد مبالغ فيه، والحق أنهم أقل من ذلك بكثير، ولكنهم يسعون بجد ونشاط لتكثير عددهم، وفتحوا جامعة باسم جامعة المصطفى، وينشرون كتبًا ومجلات، وقد نشروا مائة كتاب تقريبًا إلى الآن. والمسلمون شافعيون مذهبًا، وبينهم تعمل كل الحركات الإسلامية التي تعمل في العالم الإسلامي. كانت هناك خصومات وشقاق بين هذه الحركات في أول الأمر، ولكن الآن خفت تلك الخصومات، وإن كان هناك تنافس شديد بينها، ومع ذلك هناك بعض التفاهم والتنسيق بين بعض هذه الحركات”.
خلفية تاريخية
عرفت سريلانكا باسم لؤلؤة المحيط الهندي، وقديما باسم “تاروبان”، وأطلق عليها العرب القدماء الوافدون من الجزيرة العربية اسم “سرنديب” كما أطلق عليها الاحتلال البريطاني اسم “سيلان” من قبل حتى عام 1392هـ (1972م)، وسكنتها قبيلتا باليسكا والناجا في البداية، واللتين تعدان أسلاف الفيدا.
واسم “سرنديب” الذي أطلقه عليها العرب، يعني في اللغة “السنهالية” التي هي اللغة الرئيسية في سيلان: “جزيرة الياقوت”؛ فـ”سرن” معناها: ياقوت، و”دي” معناها: جزيرة.
وقيل: بل اسم “سرنديب” مستنبط من الكلمة السنسكريتية Simhaladvipa، التي تعني “جزيرة السكنى بين الأسود”، وهو المصطلح الذي تم تبنِّيه في اللغة الإنجليزية لتوصيف مفهوم السرنديبية.
أما اسم “سريلانكا” فهو من اللغة السنسكريتية أيضًا، واستعمل في الملاحم الهندية القديمة لوصف الجزيرة بطريقة تبجيلية تعني تقريبًا: “الجزيرة الجميلة والمشعة”.
في إحدى الروايات قيل إن الأمير فيجاريا -الذي يعود أصله لشمال الهند- هو من قاد مؤسسي الحضارة السنهالية إلى سيلان (سريلانكا) الذين أنشؤوا وسائل الري الحديثة دعما للزراعة، ومن وقتها توافد السنهال في القرن الخامس قبل الميلاد وأقاموا في شمال الجزيرة.
كانت مملكة مملكة أنورادهابورا (تسمى أيضا أنورادابورا) أولى ممالك الشعب السنهالي وأقدمها في سريلانكا، وتعد مركز الحضارة السنهالية في الفترة بين القرن الثالث قبل الميلاد و993 م.
في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد هاجمت قبائل التاميل (سلالة حاكمة هندية) جزيرة “سيلان”، ومنذ القرن الخامس الميلادي وحتى وصول البرتغاليين عانت الجزيرة صراعا بين ملوك السنهاليين وملوك التاميل.
استطاع التاميل السيطرة على النصف الشمالي، وانتقل السنهال إلى النصف الجنوبي من الجزيرة، في حين استمر توافد المور أحفاد العرب في القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري).
في القرن الـ16 بدأ الاحتلال الأوروبي للجزيرة حينما أبحر البرتغاليون إلى “ميناء كولومبو” عام 911 هـ (1505م) وبسطوا سيطرتهم على المناطق الساحلية الرئيسية في الجزيرة ما عدا “مملكة كاندي” بقصد التجارة.
تمكن الهولنديون من أن يحلوا مكان البرتغاليين من عام 1096 حتى عام 1230هـ (1685 حتى عام 1815م) لتأمينها كقاعدة تجارية في المحيط الهندي.
بين عامي 1210 و 1211هـ (1795 و1796م) تمكن الإنجليز من السيطرة على المستعمرات الهولندية، وجعلوا الجزيرة مستعمرة بريطانية عام 1217هـ (1802م)، واستولوا عام 1230هـ (1815م) على مملكة كاندي بعد انهيارها، ليكونوا أول الأوروبيين الذين حكموا الجزيرة بأكملها.
طور الإنجليز في سريلانكا زراعة البن وجوز الهند والمطاط وأدخلوا زراعة الشاي.
في عام 1334هـ (1915م) أثار السريلانكيون اضطرابات في البلاد بعد مرور 100 عام على سقوط مملكة كاندي، مطالبين بالمشاركة في السلطة.
في عام 1344هـ (1925م) شكلت المملكة المتحدة لجنة خاصة للإصلاحات الدستورية مما ساهم في وضع سيلان “كمقاطعة تابعة” لبريطانيا.
وفي عام 1363هـ (1944م) وافقت المملكة المتحدة على مشروع دستوري يعطي الفرصة لـ”سيلان” في تشكيل حكومة دستورية.
حصلت الجزيرة على الحكم الذاتي في القرن العشرين، وعرفت بدولة سيلان المستقلة في ربيع الأول 1367هـ (4 فبراير 1948م).
تبنت البلاد حكما برلمانيا برئاسة رئيس وزراء، وأول رئيس وزراء لسيلان كان دادلي سينانايكا.
التاميل والحرب الأهلية
أجازت حكومة ريدجواي دياس باندرانايكا في 1375هـ (1956م) قانونا يجعل السنهالية اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد، وعارضت قبائل التاميل هذا القانون.
اندلع الصراع بين التاميل والسنهال بعد الاعتراف بالسنهالية لغة رسمية، فتم الاتفاق على جعل لغة التاميل سائدة في عدة مناطق بالبلاد. ولم تكن المعركة الوحيدة فلطالما اندع الصراع بين التاميل والسنهال في سريلانكا.
ونتيجة مطالبة التاميل الهندوس بحقوقهم في مواجهة السنهاليين البوذيين، وأمام استمرار الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين العِرْقينِ، تصاعدت المطالب التاميلية أكثر؛ مما أدى إلى نشأة حركة “نمور تحرير إيلام تاميل”، وهي حركة مسلحة هدفت إلى تحقيق استقلال “إيلام تاميل” عن سلطة “كولومبو” المركزية.
وتمكنت منظمة “نمور تحرير تاميل إيلام” الانفصالية من تنفيذ بعض الاغتيال كان منها الرئيس راناسينغ بريماداسا في ذو القعدة 1413هـ (مايو 1993م).
وفي عام1421هـ (2000م) ازدادت فيه حدة المعارك التي تقوم بها جبهة نمور تحرير تاميل إيلام في شبه جزيرة جافنا.
وأبرمت اتفاقية وقف إطلاق النار مع حركة نمور التاميل عام 1423هـ (2002م) بوساطة نرويجية.
في عام 1440هـ (2019م) تولى منصب الرئاسة غوتابايا راجاباكسا الذي قاد القوات المسلحة السريلانكية في مواجهاتها مع نمور التاميل والتي انتهت بهزيمتهم وإنهاء الحرب الأهلية السريلانكية، حيث تعده السنهالية بطلا قوميا.
واستمر الوضع السياسي في البلاد مضطربا تتخلله حالات الطوارئ وتغلب عليه الأزمات الاقتصادية، ولا يزال يترنح.
ومما يجدر ذكره أن بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي باعوا معدات عسكرية بملايين الدولارات للحكومة السريلانكية خلال سنوات الحرب الأهلية الدموية مع نمور التاميل.
وبحسب سجلات رسمية فقد أقرت بريطانيا مبيعات تجارية لسريلانكا بأكثر من 22 مليون دولار من المعدات شملت مركبات مدرعة ومكونات رشاشات ومسدسات نصف آلية.
ووفقا لوثائق ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي أيضا باعت سلوفاكيا 10 آلاف صاروخ بقيمة 1.78 مليون دولار وأقرت بلغاريا مبيعات بنادق وذخيرة بقيمة 2.83 مليون دولار.
وتمكنت الحكومة بفضل الدعم الأوروبي والأمريكي أيضا من وضع نهاية للحرب الأهلية السريلانكية التي دامت 26 عاما.
وطُبِعَ تاريخ سريلانكا ابتداءً من عام 1403هـ (1983م)، بالعمليات المسلحة لنمور التاميل، وأدت المصادمات إلى جرائم حرب من طرفي النزاع، وتقدر خسائر هذه الحرب الأهلية بخمسين ألف قتيل و1.1 مليون لاجئ حتى بداية القرن الحادي والعشرين.
علاقة الاحتلال الغربي بالحرب الأهلية
لقد كان للاحتلال الغربي أثره في إشعال الفتن في أرض سريلانكا، فإلى جانب الكاثوليكية التي نشرها البرتغاليون، نشر الهولنديون المذهب الكالفيني (مذهب مسيحي بروتستانتي يُعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جون كالفن)، ومع نهاية الوجود الهولندي بالجزيرة نجد أن كلًّا من الاحتلال البرتغالي والهولندي قد زرعا بذور الشقاق والتطرف بين الفرعين: الهندوسي (التاميليين) والبوذي (السنهاليين) داخل الجزيرة، بينما انزوى المسلمون في عزلة فرضها عليهم احتكار قوى الاحتلال تجارةَ التوابل بالمنطقة.
وحين أسقط الإنجليز إمارة “كاندي” Kandy التي استعصت على قوى الاحتلال البرتغالي والهولندي سنة 1230هـ (1815م)، قام البريطانيون بإرساء إدارة موحدة على سائر الجزيرة، وبتطوير زراعات الهيفيا والشاي، وقام البريطانيون بجلب عمال تاميليين هنود من شبه الجزيرة الهندية؛ وهو ما أدى إلى ظهور صنفين من التاميليين في سريلانكا: الهنود والأصليون.
وكانت سياسة البريطانيين تجاه العرقين الرئيسيين بالبلاد تقوم على تفضيل التاميليين على السنهاليين، ويعزي كثيرٌ من المؤرخين إرهاصات الحرب الأهلية التي دمرت البلد في نهاية القرن العشرين إلى تلك السياسة التفريقية المقصودة. [4]
الاتجاه نحو الاستقلال
ثم نتيجة لتمييز البريطانيين التاميل الهنود، وإعطائهم حق السيطرة على مفاصل الدولة، وحيازة المناصب السياسية بنسبة تفوق بكثير ثقلهم الديمغرافي (الذي كان 15%)، أوجد هذا التمييز شعورًا قوميًّا تحرريًّا لدى السنهاليين، وكراهية تجاه الإنجليز والتاميل على حد سواء.
وقد ولدت حركة وطنية مقاومة سنهالية الهُوِيّة، دفعت الحكومة البريطانية في 1349هـ (1931م) إلى منح سيلان حكمًا ذاتيًّا.
واستقلت سيلان عن بريطانيا في ربيع الأول 1367هـ (فبراير 1948م)، واحتفظت بريطانيا بحق حكومتها في اقتراح قوانين تطبق في الجزيرة، وضم أول برلمان 58 سنهاليًّا، و29 تاميليًّا، و8 مسلمين.
وقد سيطر السنهاليون بسرعة على مراكز القرار السياسية والقضائية والاقتصادية والعسكرية، وساعد على هذه الهيمنة أن وضَعَ البريطانيون البوذيين بعد الاستقلال عناصرَ مناوئة للمسلمين والهندوس بالمنطقة.
المسلمون بين شقي الرحى
رغم حركة الصحوة الإسلامية في الجزيرة مؤخرًا، فإن البوذيين استخدموا المسلمين كعنصر داعم للحكومة ضد حركة “نمور التاميل” على الرغم من كون “التاميلية” هي اللغة الناطقة للمسلمين بالجزيرة، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، تغيرت نظرة الحكومة للمسلمين منذ هزيمتها للنمور، ولم تَعُدْ ترى المسلمين على أنهم من أصل البلاد، وقد تزايدت المضايقات التي يتعرض لها مسلمو سريلانكا، من الأغلبية البوذية الحاكمة.
وهكذا على الرغم من تاريخ الحضور الإسلامي الكبير في المنطقة إلا أن الاضطهاد قوض فرص المسلمين في تحقيق وجود يليق بتاريخهم.
تاريخ الإسلام في سريلانكا
ارتبط وصول الإسلام إلى هذه المنطقة بوصوله إلى الهند وجزر أندونسيا، بسبب صلات العرب التجارية بجزيرة سرنديب قبل ظهور الإسلام، فدخل التجار المسلمون هذه الأرض مبكرا في القرن الهجري الأول، غير أن الانتشار الفعلي للإسلام في جزيرة سيلان بدأ بنهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، حبث انتشر الإسلام في سواحل الجزيرة، ثم وفد إلى الجزيرة مسلمون من التاميل الهنود، ومسلمون من الملايو وأندونسيا.
واتخد ملوك جزيرة سيلان مستشارين لهم من العرب والمسلمين في فترات سابقة على الاحتلال الأوروبي.
الاختلاف في بداية الإسلام
وفي الواقع تعددت الروايات بشأن دخول الإسلام إلى سريلانكا، وإن كان المتفق عليه أنه دخل بجهد فردي من الدعاة، إلا أن الاختلاف يكمن في تحديد وقت دخولها بشكل واضح، حيث ترى روايات أنه دخل على يد العرب في زمن “الحجاج بن يوسف” فأقاموا فيها، وكان ذلك بداية دخول الإسلام إليها الذي حملته أخلاقهم ومعاملاتهم المحببة.
وفي رواية أخرى فإن الإسلام حملته طائفة من المغاربة جاءوا إليها في وقت مبكر ونزلوا عند مَلِكها البوذي في منطقة “كندي” في الهضبة الوسطى، وأصبح أحدهم طبيبًا للمَلِك.
وتوطدت علاقة الملك ومن بعده بهم حتى صاهروه، وبقيت ذريتهم هناك، وقد أصبح اسمهم “المور” عندما دخل البرتغاليون إلى سيلان؛ لأنهم كانوا يسمون المسلمين من أهل المغرب “المور” كما هو معروف، ولا تزال لهم بقية في الجزيرة ذات كيان شبه مستقل، وبعض أفرادها لهم ملامح خاصة، وقد أسسوا لهم جمعية ثقافية إسلامية أسموها “دار الثقافة المورية”.
ويربط بعض الباحثين هذه الرواية بقصة إسلام أهالي “جزر المالديف” المجاورة لسيلان على يد الشيخ “أبي البركات البربري” الذي وصل إلى هذه الأرض يدعو للإسلام.
كما أنه يوجد ميناء في سيلان يقولون: إنه أول موضع دخل منه المسلمون إلى هذه البلاد، وكان يسمى “بربرين”، ويرجح البعض أنه يحمل اسم الشيخ “أبي البركات البربري” الذي كان مجيئه إلى “المالديف” في عام 548هـ، أو إلى أناس آخرين من البربر أو المنسوبين إليهم.
وهناك رأي آخر يربط بين انتشار الإسلام في سريلانكا بوجود المسلمين العرب الذين استوطنوا الساحل الجنوبي الشرقي للهند، حيث كانت لهم هجرات منظمة إلى سريلانكا، يدعون إلى دين الله تعالى ويتفقدون أحوال المسلمين في سريلانكا، ومما يدل على قوة الأواصر بين المجموعتين الهندية والسيلانية المسلمة أنهم كانوا يتكلمون لغة واحدة.
من جانبه يرى “القزويني” أن الملك السنهالي السريلانكي “أكربودي الثاني”- الذي حكم البلاد ما بين عامي: 1 و12هـ (623 و633م) أرسل وفدًا مكونًا من رسولينِ إلى جزيرة العرب؛ للتحقق من الخبر الذي وصل إليه عن ظهور دين جديد هناك، وحينما وصل الوفد إلى جزيرة العرب (المدينة المنورة) وجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى، ثم آلت الخلافة الإسلامية إلى عمر من بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، والتقى الوفد بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة وأخذ منه تعاليم الدين الجديد، وكتب الله أن يلقى أحدُ الرسولينِ حتفَه أثناء عودتهما إلى سيلان وهما يحملان رسالة الإسلام من المنبع الصافي في مكان يسمى”مكران”، غير أن صاحبه أوصل الخبر إلى الملك.
ويُذكر أن الخليفة العباسي “هارون الرشيد” أرسل “خالد بن أبي بقية” إلى سيلان لتعليم أحكام الدين الإسلامي للسيلانيين استجابةً لطلب المسلمين في ذلك العصر، وكان ذلك في عام 300 هـ، ووافت المنية “خالدًا” عام 317هـ في العاصمة “كولومبو”، وهو يواصل دعوة وتعليم المسلمين في الجزيرة، ويشهد لذلك الحجر التذكاري الذي أرسله الخليفة لإقامته على ضريح المتوفى، والذي تم نقله فيما بعد إلى “المتحف الوطني السريلانكي” في “كولومبو”.
كما اكتُشِف كذلك عدد من الأحجار التذكارية والعملات العربية في أرجاء البلاد وفي عصور مختلفة، وكلها شواهد واضحة لتوافد العرب وانتشار الإسلام في ربوعها بشكل مستمر ليصل عددهم في الوقت الراهن إلى مليوني مسلم.
ويُعتَقد أن الانتشار الفعلي للإسلام في جزيرة سريلانكا بدأ بنهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني الهجري (القرن الثامن الميلادي) ، ونتيجة لذلك كانت سريلانكا دولة إسلامية بكاملها، ولكن من بداية القرن السادس عشر الميلادي بدأ نفوذ المسلمين في سريلانكا بالانحسار والاضمحلال بقدوم الاحتلال البرتغالي، وكان ملوك جزيرة سريلانكا يتخذون من العرب والمسلمين مستشارين لهم في فترات سابقة على الاحتلال الأوروبي.
انحسار الدعوة للإسلام
وعندما خضعت جزيرة سيلان للاحتلال البرتغالي ثم الهولندي، وأخيراً البريطاني، واجه المسلمون تحدياً من البعثات التنصيرية طيلة أربعة قرون، حيث دعم الاحتلال هذه البعثات التنصيرية وأمدها بنفوده، وأمام هذا التحدي لجأ المسلمون إلى المناطق المنعزلة، وتسبب ذلك في انحسار الإسلام، وتوقف الدعوة، تزامنا مع إثارة الاحتلال الصليبي النزاعات بين العرقيات المختلفة. وتأليبهم الجميع ضد المسلمين.
واحتكر البرتغاليون الذين احتلوا الجزيرة ما عدا منطقة “كاندي الجبلية” تجارة التوابل والقِرْفة، ورافق احتلالهم حملة تنصير كاثوليكيّة، حتى بين السكان الهندوس، وقسموا الجزيرة إداريًّا إلى جزأين موافقين للمنطقتين التاملية والسنهالية، أرسوا فيهما نظامين للإدارة والقضاء.
وقد قام ملك “كاندي” بالاستعانة بالهولنديين، المنافس الأبرز للبرتغاليين بالمنطقة، والذين بسطوا سيطرتهم على الجزيرة بداية من سنة 1047هـ (1638م)؛ حيث استولوا على باتيكالوا في الساحل الشرقي الأوسط، ثم ترينكومالي في الشمال، ثم كولومبو (الساحل الغربي)، ثم جفنا سنة 1068هـ (1658م)، لينهوا الوجود البرتغالي في الجزيرة في سنة 1078هـ (1668م).
وشن البرتغاليون الحرب على المسلمين في الجزيرة، وتمكنوا من انتزاع زمام التجارة، الذي كان أسياده المسلمون منذ قدومهم الجزيرة، حيث قاموا بسياسة الترويع والتهجير للسكان المسلمين الآمنين، وأباد البرتغاليون قرى مسلمة بأكملها، وحاولوا إزالة أي أثر للوجود الإسلامي في الجزيرة؛ مما دفع أعدادًا كبيرة من المسلمين للنزوح من المدن الغربية والجنوبية المطلّة على المحيط، وانتشروا في وسط البلاد، وفي المناطق المرتفعة منها، والتي كانت آنذاك تحت سيطرة ملوك “كانديان”، وتقع هذه المناطق حاليًّا شمال العاصمة “كولومبو”.[1]
واستمر الهولنديون في إرساء حملات التنصير ومنع الصعود الإسلامي. إلى نهاية حكمهم واستبدالهم بالاحتلال البريطاني للجزيرة عام 1128هـ (1716م) والذي خفف قليلاً من سياسة البطش والتعذيب التي مارسها البرتغاليون، ومن بعدهم الهولنديون، إلا أن البريطانيين اتبعوا السياسة التنصيرية نفسها لأسلافهم، فأنشئوا عدداً كبيراً من المدارس بين عامي 1144 و1159هـ (1732 -1746م) وفتحوا باب التعليم لكل الطوائف والطبقات في سيلان، ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن ينسوا بسهولة الأيام التي عاشوها تحت وطأة الاحتلال الهولندي، وارتبط في أذهانهم التعليم الغربي بالأهداف التنصيرية الكنسية، ولذا قابلوا السياسة التعليمية البريطانية بحذر شديد، ورفضوا هذا النوع من التعليم، واكتفوا بمدارسهم الخاصة التي كانت ملحقة بالمساجد، وتقتصر على تعليم القرآن ومبادئ الإسلام الأولية.
وبالرغم من أن عزوف المسلمين في الجزيرة عن التعليم الغربي كانت له مبرراته القوية فإنه جعل المسلمين متخلفين من الناحية المادية، إذا ما قيسوا بالفئات الأخرى التي استفادت من هذا النوع من التعليم، ولكن شيئا واحداً يجب أن نذكره، وهو أنه عن طريق هذه المؤسسات التعليمية البريطانية هجر كثير من أتباع الطوائف الأخرى ديانتهم واعتنقوا النصرانية ديانة الرجل الأبيض، ولكن الله سلم المسلمين من ذلك.[2]
وعلى الرغم من دور الاحتلال الخبيث وكيد البعثات التنصيرية، لم تتجاوز نتائج مكائدهم نصف مليون نصراني، وظل الإسلام ينتشر بجهود فردية دون دعم مادي أو سياسي. ولا يزال صامدا رغم حالة الاضطهاد التي تحاصره.
مناطق تواجد المسلمين
ينقسم المسلمون في سيريلانكا إلى مجموعتين كبيرتين هما: المورو، والملايو، ويشكل المورو أكثر من 96% من إجمالي نسبة السكان المسلمين.
ولفظة “مورو” كانت في الأصل خاصة ببعض الأفراد إلا أنها في الآونة الأخيرة اكتسبت مفهوماً عاماً، فتمَّ استعمالها للدلالة على ذوي الأصول العربية والهندية من المسلمين[3]. أما شعب الملايو فهم من الأصول المالاوية الذين استقدمهم الهولنديون إلى البلاد إبان احتلالهم لماليزيا.
يعيش المسلمون في عدّة محافظات في البلاد منها: جزيرة جفنا، مانار، ترينكومالي في الشمال، وفي الوسط: بوتالام، ماتالا، كاندي، وفي الجنوب: العاصمة كولومبو، جالي. ولكن أغلبيتهم في المنطقة الشرقية.
ويُعاني المسلمون بشدة من الصراعات الهندوسية البوذية، والتي أصبحوا أهدافًا لها، لأنهم رفضوا أن يكونوا تابعين للمتمردين الثائرين ضد الحكومة.
وتشير الإحصائيات إلى أن 1.8 مليون مسلم راحوا ضحية الحرب الأهلية، كما تتعرض منازل المسلمين بشكل مستمر إلى القصف أثناء هذه الصراعات، مما نتج عنه وجود 300 ألف مسلم في سريلانكا بلا مأوى، مما دفع الكثير من المسلمين إلى الإقامة في مخيمات للإيواء.
ومع ذلك فإن المسلمين يتمتعون بحرية دينية ولو جزئية في البلاد، وهم أحسن حالاً من المسلمين في الهند، حيث يتمتعون بحرية تامة في بناء المساجد والمدارس الإسلامية الخاصة، وهناك ستة وزراء مسلمين وأعضاء في البرلمان، وهناك وزارة للشؤون الإسلامية لرعاية المساجد.
يتكلم معظم المسلمين في سيريلانكا “اللغة التاميلية” والتي هي أيضا لغة مسلمي جنوب الهند، وتوجد العديد من المؤلفات الإسلامية لعلماء سريلانكا وجنوب الهند بهذه اللغة، ولكن أصبحت “اللغة السنهالية” الآن وهى لغة الغالبية في سريلانكا، هي اللغة الرسمية للدولة، ومن هنا فإن كثيراً من المسلمين هجروا اللغة التاميلية وبدءوا يتعلمون اللغة السنهالية التي أصبحت لغة الحياة بالنسبة لهم، وتكمن المشكلة في أنه لا توجد مؤلفات إسلامية باللغة السنهالية، ولهذا أصبحت الحاجة ماسة إلى تأليف كتب عن الإسلام باللغة السنهالية، حتى يمكن نشر الوعي الإسلامي والعلوم الإسلامية من خلالها.
النشاط التعليمي والدعوي
للمسلمين العديد من المساجد والمدارس والمراكز الثقافية الإسلامية، فيوجد في سريلانكا ما يقرب من 400 مدرسة لتحفيظ القرآن، و600 مدرسة ابتدائية مشتركة، بالإضافة إلى الجامعة النظمية الإسلامية والتي تأسست في (19 رجب سنة 1393 هـ أغسطس 1973م).
كما تضم العاصمة السريلانكية “كولومبو” مركزاً إسلامياً كبيراً، ومدرسة لتخريج الأئمة والوعاظ للعمل على نشر الدين الإسلامي، و25 معهدًا إسلاميًا، وكذلك مراكز لرعاية الأيتام، ومكتبة إسلامية كبيرة تحتوي على مئات الكتب الإسلامية، فضلاً عن وجود محكمة إسلامية تُطبق الشريعة الإسلامية وقوانينها على مستوى الأسرة والتعاملات.
ولهم عدّة جمعيّات دعويّة تقوم بواجب الدعوة والتوعية وسط المجتمع السيريلانكي، منها الجمعية السلفية والتي مقرّها مدينة بوتالاما والتي تقوم بدور وجهد كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية، ومساعدة اللاجئين المسلمين في المناطق المختلفة في سريلانكا.
وأصبح المسلمون في سيريلانكا يميزون باعتبارهم الفئة الأكثر تعليمًا، بعد أن كانت مشهورة في السابق بأنها الأكثر ممارسةً للتجارة، وتشير بعض المصادر الإعلامية إلى ارتفاع عدد الطلاب المسلمين الذين يلتحقون بالمدارس والكليات المختلفة بالجامعات، وأنهم استطاعوا عن طريق التركيز على التعليم اجتياز عقبة توفير المدرسين الذين يوفرون لأبنائهم العقيدة السليمة وسط مجتمع يموج بالتيارات، وذلك بعد أن أصبح هناك مدرسون مسلمون من الجنسين، كما أصبح بينهم متخصصون في المجالات المختلفة، مثل الهندسة والطب والمحاسبة والإدارة، بالإضافة إلى أعضاء هيئة التدريس في مختلف الكليات بالجامعات السيريلانكية.
غير أن أوضاع المسلمين ما زالت مع ذلك دون المستوى المطلوب والمأمول، رغم وجود وزراء من بينهم ووجود ممثلين لهم في البرلمان، وتتمثل أكبر المشكلات التي يعاني منها المسلمون حالياً في كيفية الحفاظ على الهوية الإسلامية في مجتمع يتصف بتعدد الديانات والثقافات، إضافة إلى الاضطهاد الذين يعانونه من الأغلبية البوذية التي تساندها الحكومة، والتي تمارس التنصير بين المسلمين.
المساجد والمؤسسات الإسلامية
مسجد بيرولا
يوجد في سريلانكا مساجد كثيرة وبعضها مساجد مميزة من حيث هندسة البناء والتنسيق ولعل (مسجد بيرولا) أبرزها، وأيضاً (جامع كولمبو) الكبير الذي يقع وسط حدائق القرفة والأزهار الجميلة، وهناك مساجد أخرى صغيرة حسب مواقع المسلمين في سريلانكا.
(جامع كولمبو) الكبير
وبحسب بعض الدعاة، “فإن عدد مساجد سريلانكا أكثر من ألفي مسجد، وفي القرى الكبيرة هناك أكثر من مسجد، وكذلك توجد مصليات وتسمي التكايا، وفي المدن الكبيرة كذلك يوجد أكثر من مسجد، مثلًا في مدينة “كاندي” بوسط البلاد، وهي مدينة تاريخية للبوذيين، يوجد أكبر وأقدس معبد لهم.. في هذه المدينة توجد سبعة مساجد تقام في جميعها الجمعة”.
وكذلك توجد بعض جمعيات إسلامية أهمها (رابطة مسلمي سري لانكا) و(الرابطة الملاوية) وهما تتبعان منذ عام 1365هـ (1946م) للحزب الوطني الموحد في جزيرة سري لانكا، وتشرف هذه الجمعيات الإسلامية على تدريس العلوم الإسلامية لأبناء المسلمين في مدارس خاصة بالرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة، وتقوم أيضاً بتوضيح تعاليم الإسلام لكل من يريد معرفتها حتى يبقى الإسلام وينتشر.
وجاء في جواب الداعية الشيخ “منصور أبو صالح”؛ مؤسس ومدير كلية القرآن المفتوحة في سريلانكا، في لقائه مع جريدة “الأمة” الإلكترونية، وذلك على سؤال: هل يوجد في سريلانكا جمعيّات دعويّة تقوم بواجب الدعوة والتوعية وسط المجتمع السريلانكي؟:
“أولًا: الدعوة داخل المجتمع الإسلامي: الحركات الإسلامية تقوم بواجب الدعوة، وهي: جماعة التبليغ، والجماعة الإسلامية، وجماعة السلفية، كما أن هناك جمعياتٍ أخرى، مثل جمعية العلماء، التي تنتشر في أنحاء سريلانكا، ولكن هذه الحركات ظهرت متأثرةً بالحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، خاصةً العالم العربي؛ فأخذت اهتماماتِها وتنظيماتِها، وذلك غيرُ مناسب لمثل بلدنا ـ بلد نحن فيها أقلية ـ والآن تشعر هذه الحركات بذلك، فيحاولون أن يُحدثوا بعض التعديلات في بنية حركاتهم واهتماماتها.
ثانيًا: الدعوة خارج المجتمع الإسلامي: هناك جمعيات دعوية تعمل بين البوذيين والسنهاليين والهندوس، وهناك أربع جمعيات هامة تعمل في هذا المجال، ولكن بغير تخطيط جيد ولا تنظيم كافٍ؛ ولذلك نجد أن المسلمين الجدد رعايتهم وتعليمهم من أصعب الأمور في سريلانكا، ومع ذلك هناك صعودٌ لا بأس به في اعتناق الإسلام، والبوذيون هم الأكثر اعتناقًا للإسلام.
هناك إحصاء عند من يعمل في هذا المجال يقول: إن أربعة من غير المسلمين يعتنقون الإسلام يوميًّا. وهذا إحصاء مبالغ فيه على ما أظن، وإن قيل: أربعة في كل شهر، فذلك عدد معقول.”
كما سلط الداعية السريلانكي الضوء على تأثير حركة الدعوة في حياة المسلمين في البلاد، فقال وهو يعرض بعض عادات المسلمين في سريلانكا عند الزواج، حيث يأخذون من أسرة الزوجة مالًا وأرضًا، وربما بيتًا، وهذه العادة دخلت من قِبل الهندوس، ويعطون مع ذلك شيئًا قليلًا كمهر، وهذه العادة تتلاشى حاليًّا، وإن كانت سطوتها ما زالت كبيرة في شرق البلاد. ثم يذهب العروس/الزوج إلى بيت المرأة في نهار الزفاف أو ليلة الزفاف، وتُعِدُّ أسرة العروسة حفلة لذلك، ثم يقيم الزوج في الأيام التالية الوليمة. وكانت هناك عادات كثيرة لرمضان، وللزواج، وللمولود الجديد، وعند دخول بيت جديد، ولكن هذه العادات انقرضت؛ فقد حاربت الحركة السلفية هذه العادات كلها باعتبار أنها بدعٌ وضلالات”.
مسجد كولمبو الكبير
جاء في كتاب “رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين” لمؤلفه محمد بن ناصر العبودي الذي زار بنفسه سريلانكا وصفا لمسجد كولمبو الكبير، حيث قال فيه: “كان موعد صلاة الجمعة قد أزف وقد طلبت أن تكون الصلاة في أهم جامع فيها فقالوا: إنه مسجد كولمبو الكبير أو جامع كولمبو الكبير. وحدثونا عن تاريخه فقالوا: إنه أول مسجد في كل جزيرة سيلان وإن الذين بنوه هم العرب قبل أكثر من أربعة قرون وأن من الأدلة على ذلك أن البرتغاليين عندما وصلوا إلى هذه البلدة وضعوا خريطة لها أثبتوا المسجد وكان هو المسجد الوحيد فيها. إلا أن بنايته حديثة لم يمض على إتمامها إلا أربع سنوات أما البناية القديمة فلم يبق منها إلا بعض الحيطان الخارجية وأصول بعض الجدران في الفناء الخارجي”.
وعن هندسة المسجد قال الرحالة الكاتب:”أما بناء المسجد وهندسته فهي غريبة جداً إذ بني على شكل مسجد رئيسي تعلوه قبة مدورة كبيرة تشبه القباب العربية أي: الفن العربي في البناء تحملها مع باقي المسجد أعمدة عالية ترتفع إلى مستوى أربعة طوابق أو خمسة من طوابق العمارات السكنية غير أنهم أقاموا في جوانبه الثلاثة: أي ماعدا الجانب القبلي أروقة واسعة فوقها أروقة فكانت جوانب المسجد من ثلاث طوابق أما المسجد الرئيسى نفسه الذي تعلوه القبة فهو طابق واحد. وبعبارة أوضح يمكن أن يقال إن هذه الطوابق الإضافية على جوانب المسجد الثلاثة شبيهة بالأروقة في دور السينما وقاعات البرلمانات في العالم التي يكون فيها الصحفيون أو من يراد له أن يشرف على الاجتماع ولا يشترك فيه وإضافة إلى ذلك جعلوا في هذا المسجد طابقاً أرضياً إضافياً للمصلين للصلاة عند الحاجة. هذه السعة فقد لاحظت أن المسجد كاد يضيق ومع بالمصلين وسألت الامام عن العدد التقريبي فأجاب: أن المسجد يتسع الخمسة عشر الف مصل. وأظن هذا أن الذين صلوا فيه على كثرتهم لا يبلغ عددهم المقدار”.
“وكل هذه الأعمال والجهود والنفقات تولاها أهل البلاد فالمهندس الذي صممه وأشرف على بنائه هو وطني مسلم اسمه سيد محمد عبد الرحيم والنفقات كلها من الأهالي جمعوها بالكد والتعب وقد ظلوا مدة طويلة يجمعون منها بعد صلاة الجمعة في أنحاء البلاد حتى وفروا ما بنوا به هذه البناية العظيمة وقالوا: إنهم لا يزالون بحاجة إلى المزيد من الجمع لإكمال المسجد وبخاصة إكمال مرافقه. كما أنهم بحاجة إلى شراء فراش له إذ لاحظت أن المصلين يصلون على البلاط بدون فراش ما عدا بعض أركانه التي لم تبلط بعد يوجد بها فراش قديم. كما أن دورات المياه تحتاج إلى إصلاح. وهذا المسجد هو أول أول مسجد أسس في كل أنحاء جزيرة سيلان ولذلك كان له مقام كبير عندهم فإمامه هو في الوقت نفسه مأذون أنكحة وهو قاضي صلح في المسائل الزوجية ويتسلم مرتبه من الجمعية الإسلامية التي تشرف على المسجد. ومن هذا المسجد يعلن دخول شهر رمضان وأيام العيدين لجميع أهالي سيلان”.
ومن ألطف ما رأيته في فنائه أنني رأيت مدفعاً هناك فجعلت أفكر في مغزى وجود هذا المدفع في فناء المسجد وقلت ربما كان هذا مدفعاً أثرياً كان المسلمون قد دافعوا به عن أنفسهم في وقت من الأوقات غير أن إخواني أخبروني أن هذا المدفع يستعمل للإعلان عن موعد دخول شهر رمضان وعن مواعيد السحور وموعد الإفطار كل يوم من ليالي رمضان وأن الحكومة لا تمانع في إطلاقه رغم أن المسلمين أقلية في البلاد.
وفي الطابق الثالث من أحد جوانب المسجد ذوات الطوابق المتعددة رأينا مدرسة قرآنية لأطفال المسلمين كما هي العادة في معظم البلاد التي يكون فيها المسلمون أقلية إذ يجعلون في المسجد مدرسة ملحقة.
خرجنا في جولة فيما حول المسجد الذي هو كله تابع له وهو وقف من أوقاف المسلمين فأرونا موقع المسجد الأول القديم وهو صغير إلا أن حوائطه كلها قد تهدمت ما عدا بقية السور الخارجي كتب عليها بخط عربي واضح هذه الجملة العربية وبهذا الشكل (كُلَمْبُ مسجد الكبير وضبطوا كلمة كولمبو هكذا بالشكل. وبجانب المسجد لا يفصل بينهما إلا مجرد بناية مدرسة قديمة كانت تسمى المدرسة الحميدية كتب عليها تاريخها بالعربية بخط رديء بالعبارة التالية: (حسن الثواب المدرسة الحميدية: جمادي الأولى ١٣١٨هـ) ولعل هذا هو تاریخ بنائها هذا الذي هو بناء بالأجر الأحمر المطلي بطلاء قوي شامل يظهره وكأنه بناء حجري وتعلوه ثلاث منائر أو قل شعائر لأنها لا تصل إلى حد أن تكون منارة رسم على كل منها هلال تتوسطه نجمة”.
ويختم الكاتب وصفه لرحلته للمسجد قائلا:
“وقد خرجت من هذا المسجد وأنا معجب بإخواننا المسلمين في هذه البلاد الذين هم على فقرهم وحاجتهم للمساعدة يقومون بشؤونهم بأنفسهم. وقد سألت عن عدد المساجد التي تقام فيها الجمعة، كولمبو العاصمة وحدها لأنني عندما رأيت هذا العدد الكبير من الناس ظننت أن المسجد هو مسجد الجمعة الوحيد فأجابوا: إن عددها اربعة عشر جامعاً”.
واقع الاضطهاد للمسلمين في سريلانكا
يحظى المسلمون في سريلانكا بحضور ثقافي وسياسي، ولكنهم يتعرضون للاضطهاد وتستهدف أرواحهم وأملاكهم من قبل جماعات بوذية متطرفة، تقوم بالتحريض ضدهم على غرار ما يقوم به نظرائهم البوذيون في ميانمار، حيث يرتكبون جرائم فظيعة ضد مسلمي الروهينجا.
وفي صفر 1427هـ (مارس/آذار 2006م) قتل أربعة مسلمين وأصيب آخرون بجروح في انفجار قنابل يدوية ألقاها مجهولون على مسجد مدينة أكاراباتو التي تبعد 350 كيلومترا شرق العاصمة كولومبو، حيث كان مئات الأشخاص يصلون.
كما شن بوذيون هجمات عنيفة على مسجد بأحد أحياء العاصمة في رمضان 1434هـ (أغسطس/آب 2013م)، مما جعل المسلمين يغلقون المسجد وينقلون مكان عبادتهم إلى مسجد قديم.
وفي جمادى الأولى 1434هـ (أبريل/نيسان 2013م) حمّلت “المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة” حركة “القوى البوذية” -ذات التوجهات القومية البوذية المتطرفة- مسؤولية ما جرى من اعتداءات وتحريض على مسلمي سريلانكا، ونوهت إلى أن هذه الحركة المسماة اختصارا “بي بي أس” تتبني شعار سريلانكا للبوذيين، وتطالب بعزل الأقلية المسلمة، كما أنها أطلقت عبر شبكة فيسبوك دعوات لرفض العادات والتقاليد الإسلامية في سريلانكا، خاصة الأطعمة الحلال وحجاب النساء.
وتجددت أعمال العنف التي استهدفت المسلمين في شعبان 1435هـ (يونيو/حزيران 2014م) مستهدفة منطقتين سياحيتين ساحليتين تسكنهما أغلبية من المسلمين، ووقف وراءها بوذيون، أدت إلى مقتل أربعة أشخاص وإحراق مئات المنازل والمحلات.
وفي عام 1438هـ (2017م) تم تنفيذ أكثر من عشرين هجوما على المسلمين على مدى شهرين في منطقة “جينتوتا” على بعد 115 كيلومترا جنوب العاصمة، تضمنت إحراق شركات يملكها مسلمون وهجمات بقنابل بنزين على المساجد.
وفي بداية جمادى الآخرة 1439هـ (مارس/آذار 2018م)، دُمرت منازل ومتاجر مملوكة للمسلمين في منطقة كاندي على خلفية اشتباكات بين بوذيين ومسلمين أدت إلى سقوط قتلى، ودفعت السلطات لإعلان حالة الطوارئ.
واستمرت حوادث الاعتداء والهجوم على المسلمين ومساجدهم وممتلكاتهم على يد عصابات متطرفة بدون رادع، ما جعل حياة المسلمين مهددة ومحاصرة.
الاضطهاد الحكومي للمسلمين
لم يتوقف اضطهاد المسلمين في سريلانكا على ممارسات المتطرفين والعنصريين إنما تحول لقوانين حكومية تحاصر نشاط وحريات المسلمين، ومن ذلك ما حدث في عام 1442هـ (2021م) من موافقة مجلس الوزراء السريلانكي على مقترح لحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وإغلاق أكثر من ألف مدرسة إسلامية بالبلاد.
وأعلنت سريلانكا على إثر ذلك دخول أحكام قانون ما يسمى مكافحة الإرهاب حيز التنفيذ من أجل ما وصفته بـ “مكافحة التطرف الديني”، والتدابير التي تمنح الحكومة سلطات واسعة تسمح بحجز المشتبه بهم لمدة تصل إلى سنتين، بغاية “نزع التطرف”.
وقرر الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا فرض تدابير بموجب قانون مكافحة الإرهاب، تسمح باعتقال أي شخص يشتبه بضلوعه في “أعمال عنف أو نزاع بين الأديان أو بين الأعراق أو بين الطوائف، أو أنه يكن مشاعر العداء أو العدوانية بين المجتمعات المختلفة”. وفي الواقع تحول قانون مكافحة الإرهاب إلى قانون محاربة الإسلام تحت ستار نبذ العنف. خاصة بعد تفجيرات ما يسمى عيد الفصح، في عام 1444هـ (2019م) التي استهدفت عددا من الفنادق الفخمة والكنائس في كولومبو وعدد من المواقع شرقي البلاد، وأسفرت الهجمات عن مقتل 250 شخصا بينهم أجانب. وأعقب تلك الهجمات حملات شيطنة للمسلمين وارتفعت منحنيات الإسلاموفوبيا واضطهاد المسلمين في تجارتهم وحياتهم اليومية بصفتهم أقلية غير مرغوب فيها.
وصمد المسلمون رغم كل ذلك وتمكنوا من انتزاع بعض حقوقهم مثلما حصل في حقبة جائحة كورونا، حيث احتج المسلمون بحزم وغضب لإيقاف ممارسات الحكومة التي تحرق جثث المصابين بكورونا بما فيها الرضع، وتمكنت من منع استمرار عمليات الحرق هذه المخالفة للشريعة الإسلامية في التعامل مع جثث الموتى.
ولا تزال الحركة الدعوية للإسلام تتقدم وتحقق النتائج، وهذه من عظمة دين الإسلام يحمل قوته وآياته وإعجازه ووعد الله الحق سبحانه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: 8).
صوت المسلمين في سيريلانكا حاضر
لم ينفصل المسلمون في سريلانكا عن جسد الأمة رغم ما يشغلهم من هموم وسياسات اضطهاد، فقد كانوا وراء الاحتجاج الكبير الذي شهدته البلاد بعد تعيين أول سفير لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وخرج المئات من المسلمين إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية في عدة مناطق تقطنها أغلبية مسلمة على الساحل الشرقي للجزيرة بعد صلاة الجمعة (21/4/1422هـ الموافق 13/7/2001م).
وعن علاقة الحكومة السريلانكية بالاحتلال الإسرائيلي فقد شهدت تحولات بحسب مصالحها، فبعد أن علقت سريلانكا العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب عام 1390هـ (1970م) لرفضها الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، لكنها استأنفت علاقات محدودة بعد عام 1403هـ (1983م). ومن ثم تطورت العلاقات في عام 1421هـ (2000م)، بعد يوم واحد من رفض الهند تقديم مساعدة عسكرية لكولومبو في حربها ضد متمردي التاميل، أعقبها شراء الجيش السريلانكي معدات وأسلحة من الاحتلال الإسرائيلي.
أمل وسط أكوام ألم
استوقفني جواب الداعية الشيخ “منصور أبو صالح”؛ مؤسس ومدير كلية القرآن المفتوحة في سريلانكا عن مفهوم مسلمي سريلانكا للإسلام، هل هو مفهوم سطحيٌّ أم أنهم متعمقون بالعلوم الشرعية، ويعيشون حياة إسلامية؟ وهل هناك ميزة تميزهم عن المسلمين العرب؟ فأجاب:
“أوضح ثلاثة أمور: 1 ـ مسلمو سريلانكا ورثوا العلم التقليدي للإسلام، ولهم المدارس الدينية التي تخرِّج لهم العلماء الذين يقومون بتوعية وتربية المسلمين، وهذه المدارس منهجها الدراسي قديم لا يناسب العصر الحديث ولا الأقليات المسلمة، ومعظم هؤلاء العلماء ليس لهم علم بالعالم المعاصر ومشاكله وتياراته وأفكاره، ومعظمهم ينتمون إلى جماعة التبليغ أو إلى السلفية، ومن هنا فإن مسلمي سريلانكا سطحيون في فهمهم للإسلام.
2 ـ ولكن الصحوة الإسلامية أثَّرت في سريلانكا؛ فظهرت الحركات الإسلامية، فوسعوا في مفهوم الإسلام، ثم ظهرت الجامعة النظيمية الإسلامية، وهي معهد إسلامي عالٍ، وإن لم يبلغ مبلغ جامعة إسلامية، وخريجوه أثَّروا في التعليم الإسلامي تأثيرًا بالغًا، ولكن الثقافة المعمقة بعيدة إلى الآن عن مسلمي سريلانكا؛ لأن المثقفين ثقافةً غربيَّةً ما دخلوا في هذا المجال.
3 ـ ومن هذا المنطلق نحن ـ بعض خريجي الجامعة النظيمية ـ قمنا بإنشاء كلية القرآن المفتوحة، فاتصلنا بطبقة المثقفين ثقافة غربية، والآن شيئًا فشيئًا نرى انتظام المثقفين في كلية القرآن المفتوحة.
والحياة الإسلامية في سريلانكا حياة ذات مظهر خارجي في المقام الأول؛ فكثير من المسلمين شديدو الإحساس بالشعائر التعبدية، وكذلك بالحلال والحرام في الطعام والشراب، وفي اللباس، وما يتصل بذلك، ولكنهم ليسوا مهتمين بالحلال والحرام في المعاملات المالية والأخلاق الإسلامية. هناك بيت الزكاة في كثير من القرى، والبنك الإسلامي في بعض المدن، ولكن هذه المؤسسات ينقصها العلم بالإسلام في مجالها، والهيكل التنظيمي لها ليس على المستوى المأمول، وكذلك من ناحية التعامل مع غير المسلمين، فهم مقصرون في ذلك. التعليم عند مسلمي سريلانكا قسمان: تعليم مدني وتعليم ديني. التعليم المدني يدخله أكثر المسلمين، والتعليم الديني يدخله غالبًا ضعيفو الذكاء ومتوسطوه، وأما من تعلم في الجامعات العربية الإسلامية، فخرجوا من البلد، وعلاقتهم بالبلد ضعيفة”.
وهذا يدعو لتحريض الدعاة في بلاد المسلمين على مد جسور التعاون والتحالف الدعوي الاستراتيجي بدعم المسلمين في سريلانكا ليس فقط في مؤسساتها وخططها الدعوية وإنما في مؤسساتها التعليمية والإعلامية وفي منظومتها الاقتصادية وآفاق المشاريع التي تعمل على إقامة بنيان الإسلام في الأرض وتحصيل أسباب القوة للمجتمعات المسلمة، بوحدة صف ونظام ونقاء الأهداف والأساليب. يليق بعمق تاريخ الإسلام الذي وصل لحد إقامة دولة إسلامية في هذه البلاد قبل الاحتلال الغربي!
تحتاج الأقلية المسلمة في سريلانكا – لا تزال – إلى الدعم المادي، والكتب الإسلامية باللغة المحلية، وتطوير وتقوية المدارس الإسلامية والمشاريع المؤسساتية، والإعلام الإسلامي، ومساعدة اللاجئين والأيتام. دون أن ننسى العناية بالتوظيف للسريلانكي المسلم وليس البوذي والهندوسي، وتقديم الأولوية للمسلمين في كل المشاريع الاقتصادية.
إن في عمق كل أمة مسلمة قوى وعوامل انبعاث، تعزيزها تمام الحكمة والسعي للخروج من مرحلة النفق المظلم التي ابتليت بها الأمة المسلمة منذ دخلت جيوش الاحتلال الغربي ديار المسلمين.
فحيا الله الهمم التي تحمل هم العمل المؤسساتي المنظم ومفهوم جمع المسلمين على منهاج النبوة ووحدة الأمة المسلمة بالكتاب والسنة، بالتعاون على البر والتقوى حتى تجتمع الأسباب الموجبة للخلافة الإسلامية الشاملة والمستقلة، ويأذن الله بعودة السيادة لأمة الإسلام.
كلمة أخيرة
عندما نقرأ في تاريخ الدول والأقليات المسلمة، نجد تفصيلا يتكرر بشكل لافت!
لقد انطلقت حركة الإسلام لا يوقفها قيد ولا يؤثر في انتشارها شيء، تدخل الدول والمناطق والبيوت بيسر لا عسر فيه، فتسلم شعوب برمتها، وبتمام رضاها وإرادتها! ويسلم ملوكها وسلاطينها طوعا لا كرها.
إلى أن أقبلت جيوش الاحتلال الغربي تعيث في الأرض فسادا، فكان أول ما فعلته، العمل على انحسار الدعوة للإسلام ومحاربتها وتأجيج الخلافات الداخلية في البلدان التي احتلتها، وتأليب الطوائف ضد المسلمين.
وأكثر من ذلك، وضعت في المقابل الدعوات التنصيرية مدعومة بكافة أنواع الدعم المالي والسياسي والعسكري! وضربت أركان المجتمعات المسلمة ومرابط قوتها، وسلبتها سيادتها على التجارة والاقتصاد وحاصرت منظومتها التعليمية والثقافية.
ولو لم يعرف التاريخ حقبة الاحتلال الغربي، لكان أغلب شعوب العالم اليوم مسلمين!
وفي هذه الأثناء نستحضر بصيرة صحابي قائد! كما ذكر ذلك في تاريخ خليفة بن خياط، ص 230:
حدَّث الوليد بن مسلم، قال: كان آخر ما أوصاهم به معاوية – رضي الله عنه -: “أن شدوا خناق الروم فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم”.
ولذلك صراعنا مع الغرب وجودي، يتطلب عملا منظما واستراتيجية ممتدة تقوم على المعرفة الشرعية والتاريخية ومتحصنة بتجارب الواقع، لا ترضى بغير السيادة كاملة.
[1] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ246.
[2] وضع اللغة العربية بالمدارس العربية الإسلامية في سريلانكا: دراسة وصفية تحليلية تقويمية، عبد الرشيد خان عبد الستار، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات العليا، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، 1436 هـ – 2015 م، صـ35.
[4] وضع اللغة العربية بالمدارس العربية الإسلامية في سريلانكا: دراسة وصفية تحليلية تقويمية، عبد الرشيد خان عبد الستار، صـ37.
من المراجع أيضا:
حوار: الشيخ منصور أبو صالح مؤسس ومدير كلية القرآن المفتوحة في سريلانكا: مسلمو سريلانكا نالوا كامل حقوقهم وحرياتهم، أدار الحوار: هاني صلاح، مرصد الأقليات المسلمة.
سلسلة من المقالات والتقارير الإعلامية الصحفية عن واقع المسلمين في سريلانكا من مختلف القنوات الإعلامية الدولية البارزة والمحلية.
المستودع الدعوي الرقمي (جميع تقاريرهم عن سريلانكا)
الآلوكة: المسلمون: الأقلية المسلمة في سريلانكا
الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر
مواقع التواصل الاجتماعي
النشرة البريدية
بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.