بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.
ذكر الرحالة الشهير “ابن بطوطة” جزر المالديف في مذكرات رحلاته الطويلة تحت اسم جزر “ذيبة المهل”[1]، وقد كانت هذه العبارة تنطق بالعربية: “محل ديب”. ويقال أن اسم هذه الجزر اشتق من تسمية بحارة اليمن لها بـ “محل دبيات” التي تحولت لاحقا إلى “مالديب” في الدوائر الرسمية المالديفية وبقيت تستخدم كذلك إلى وقت قريب.
وتنقسم كلمة مالديب إلى كلمتين باللغة السنهالية وهي: “مال”؛ أي: سمك، و”ديب” ومعناها: بلد؛ ليكون معنى الكلمة: “بلد السمك”؛ في إشارة لوفرة أسماكها واشتغال أهلها بالصيد.
وقيل إنها مأخوذة من الكلمة السنسكريتية:” مالودهيب” أي: باقة من الزهور أو أوراق الشجر.
أما اليوم فحملت هذه الجزر اسما إنجليزيا بسبب أخطاء الترجمة المتناقلة، هو ما يعرف اليوم بـ “جزر المالديف” ونلاحظ أنه مجرد استبدال لآخر حرف في “مالديب”.
ومن المآسي التي عاشتها المالديف في تاريخها الحديث، وصول أمواج التسونامي عام 1425هـ (2004م) إلى معظم جزرها، وقد واجهت بسببها 57 جزيرة أضراراً بالغة في البنية التحتية، وأُخليت 14 جزيرة، ودمرت 6 جزر، في حين بلغ عدد الوفيات حينها 108 وفيات.
تتكوّن جزر المالديف من سلسلة من الجزر يصل عددها إلى 1087 جزيرة متنوعة المساحات، ويبلغ عدد الجزر المأهولة بالسكان من بينها قرابة 215 جزيرة. يتنقل السكان بين هذه الجزر في الزوارق البخارية والمراكب والقوارب الشراعية المصنوعة محليًّا.
وهي دولة تقع في قارة آسيا في المحيط الهندي، جنوب غرب سريلانكا والهند، ويمر بها خط الاستواء من الجنوب.
وهي تقع على بعد 650 كيلومتراً من الشاطيء الغربي لسيلان، وتشغل في المحيط الهندي مساحة طولها ثمانمائة كيلومتر، وعرضها في أوسع الأماكن مائة وخمسة عشر كيلومتراً.
يستغل سكان المالديف بعض الجزر الخالية في إنتاج المحاصيل الزراعية، والبعض الآخر في إنتاج الأخشاب، وجميع جزر المالديف مرجانية لا توجد فيها جبال ولا أنهار، إلا بحيرات عذبة في بعض الجزر، وهي جزر صغيرة بصفة عامة فأكبرها لا يزيد طوله على اثني عشر كيلومتراً، ولا يتجاوز عرضها خمسة كيلومترات. وتكوِّن هذه الجزر مجموعات بعضها مع بعض، أشهرها: اثنتا عشرة مجموعة، منها “تيلا دوماتي آتول”، و”إيهافات دي فول آتول” وهما في الشمال، و”ماليه” و”آري” و”مولاكو” و”هادوماتي” في الوسط، و”سوفاديفا” و”آدو” في الجنوب، وكلمة “آتول” معناها جزيرة مرجانية.
وللمحيط الهندي تأثير كبير على مناخ المالديف كحاجز للحرارة، جيث يمتصها ويخزنها ويصدر الحرارة الاستوائية ببطء، وتتراوح درجات الحرارة في هذه الجزر بين 24-33 درجة مئوية، مع ارتفاع نسبي في الرطوبة. وهي جزر تمتلئ بالمناظر الطبيعية الخلابة، مثل الجزر المرجانية والشواطئ الصافية الزرقاء ذات الرمال البيضاء.
السكان والدين
يبلغ عدد سكان المالديف بحسب إحصاءات 1445هـ (2024م)، 528,428 نسمة، بمعدل نمو سنوي قدره 0.362٪. حيث تحتلّ المالديف بهذا الرقم المرتبة 11 بين أكثر الدول في العالم اكتظاظاً بالسكّان نظرا لصغر مساحتها التي لا تتجاوز 300 كم2.
يعيش ما يُقارب ثلث إجمالي سكان المالديف في العاصمة ماليه، بينما يسكن حوالي عُشر سكان المالديف في مدينة أدو الواقعة في الجنوب، في حين يتوزّع بقية السكان على باقي الجزر المأهولة.
وتشير التقارير إلى أن عدد الأجانب المقيمين في المنتجعات والجزر الصناعية والسياحية في دولة المالديف يفوق عدد السكان الأصليين المقيمين فيها.
ترجع أصول سكان المالديف إلى الجنس الآري الذي نزحت جماعات منه قبل الميلاد من شمال الهند إلى سيريلانكا وبقية المناطق المجاورة للهند ومنها جزر المالديف. ويرجع تاريخ هذه الهجرة الآرية إلى المالديف في القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد. ويعرف المهاجرون منذ ذلك الزمان بالشعب الديفيهي، ويمثلون أكبر الجماعات العرقية في هذه الجزر، إلى جانب البنغلادشيين الذين يبلغ عددهم هناك نحو 55.000 نسمة، وهناك بضع مئات من الفلبينيين، ومعظمهم من العمال المهاجرين.
ويظهر التشابه بين المالديفيين والسنهاليين والسيريلانكيين في الملامح والبيئة والتقاليد.
وهناك تشابه بينهم وبين سكان سيلان بينما اختلط سكان جزر الشمال بسكان غربي الهند واختلط سكان الجزر الوسطى مع العرب القادمين من جزيرة العرب، ومن شرقي إفريقية وخاصة من جزيرة زنجبار، أما سكان الجزر الجنوبية فكان اختلاطهم قليلاً لذلك فهم أقرب ما يكون الشبه بينهم وبين سكان جزيرة سيلان.
يتبع أغلب السكان الإسلام، الدين الرسمي في البلاد، بنسبة 98.6%، بينما يتبع 0.6% من السّكّان البوذيّة، و0.5% النصرانية، و0.3% الهندوسيّة.
ويتحدث أغلب السكان باللغة الرسمية وهي لغة الديفيهي التي تحوي الكثير من المفردات العربية. وتكتب اللغة المالديفية من اليمين إلى اليسار، والعمود الفقري لهذه اللغة مأخوذ من اللغة السنسكريتية (الهندية القديمة) مع شيء من السنهالية لغة الأكثرية في سيلان. وقد تأثرت بلغة الأوردو والفارسية أيضا.
إلا أن الناطقين بالعربية من أهالي المالديف قلة اليوم نتيجة ضعف التعليم الإسلامي، ولغلبة لغة التعليم المدرسي الحكومي في المالديف، وهي اللغة الإنجليزية التي تذهب لها الأولوية في منظومة التعليم.
تاريخ الإسلام في المالديف
وصل العرب إلى جزر المالديف قبل الإسلام للتجارة حيث استقر بعضهم فيها وتمكنوا من التعايش مع سكان الجزر بسلام. وبفضل هذه الحركة التجارية القديمة، دخل الإسلام جزر المالديف عام 85هـ، وانتشر عن طريق التجار كأغلب جزر تلك الناحية؛ حيث كانت سفن هؤلاء التجار ترسو في موانئ المالديف أثناء ذَهابهم إلى شرق المحيط الهندي أو عند عودتهم منه. وهكذا نشط الدعاة للإسلام بين سكان هذه الجزر.
ومع أن وصول للإسلام للمالديف كان قديما إلا أن أثره الحقيقي في هذه الجزر إنما ظهر مع جهود الداعية من المغرب “أبو البركات يوسف البربري”، الذي جاء إلى الجزيرة، ودعا ملكها “مها كلامنجا” إلى الإسلام، وكان ذلك في اليوم الثاني من ربيع الآخر عام 548 هـ (1153م) بحسب ما تتفق أغلب الدراسات، وقد هدى الله الملك المالديفي للدخول في الإسلام، ومنذ ذلك التاريخ أصبح جميع سكان المالديف مسلمين.
وذكر “ابن بطوطة” في رحلته قصة هذا الداعية، ودخوله البلاد سماعًا من أهل الجزيرة أنفسهم، وأنهم إلى عهده “ما زالوا يعظّمون المغاربة بسببه، وبنى مسجدًا معروفًا باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع، منقوشًا في الخشب: “أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي”.[1]
ولكن عالم الآثار، هاري تشارلز بورفيس بيل، (H.C.P.Bell) أكد على أن تحول أهل المالديف إلى الدين الإسلامي لا يرجع – في المقام الأول – إلى ما ذكره “ابن بطوطة” في مذكراته، وإنما الإسلام قد انتشر في الجزر بفضل جهود المسلمين الذين كانوا يعيشون فيها والذين هاجروا إليها على مدى ثلاثة أو أربعة قرون، حتى تحولت الجزر جميعها إلى الإسلام، وذلك بخلاف الدين البوذي السابق الذي كان تعتنقه الأسرة المالكة، فلما وجد ملك البلاد أن شعبه قد تحول إلى الإسلام، أعلن إسلامه هو وأهله، وأعلن الإسلام دينًا رسميًّا للبلاد، وكان ذلك عام 548هـ (1153م).[2]
ويبدو أن هذا هو التفسير الصحيح لوصول الإسلام إلى جزر المالديف بالنظر لحركة التجارة المبكرة، ويمكن تفسير ذكر الداعية “أبي البركات البربري” لدوره في تحول ملك تلك الجزر إلى الإسلام، وإسلام رعيته وشعبه بالتبعية.
وقد أطلق “أبو البركات البربري” على الملك المهتدي للإسلام اسم “محمد” ولقبه “الديبي سري بونا آديت”[3].
وبالإسلام خرج سكان المالديف من ظلمات البوذية وعبادة الأصنام إلى نور الإسلام العظيم، وانعكست أخلاقهم الحميدة في مذكرات الرحالة. وقد اتبع سكان المالديف المذهب الشافعي.
أبو البركات مغربي أم صومالي أم يمني؟
ذهبت معظم المصادر إلى أن أبي البركات البربري مغربي الأصل، لكن بعض الباحثين يرون غير ذلك، معتبرين أن ابن بطولة أخطأ بخصوص المالديف، وانحاز للسرد المغاربي في نسبته لأبي البركات البربري للأمازيغ (البربر) لكونه مغربيا، وهو ليس كذلك، مؤكدين أنه صومالي منحدر من بربرة وهو ميناء تجاري قديم يقع شمال الصومال. ويعزز أنصار هذا القول موقفهم بأن ابن بطوطة حينما زار الجزر كان حاكمها في هذا الزمن صوماليا، وهو عبد العزيز المقديشوي. نسبة لمقديشو العاصمة الصومالية، وكان سلطانًا على الجزر من قبل سلطنة أجوران، وهي سلطنة إسلامية صومالية حكمت أجزاءً كبيرةً من منطقة القرن الإفريقي في العصور الوسطى.
ووفق هذه الرواية فقد كان أبو بركات البربري هو نفسه يوسف بن أحمد الكونين الذي أسس أسرة الوشمة في القرن الأفريقي التي حكمت سلطنة عِفَت وسلطنة عدل في شرق أفريقيا. وهو عالم صومالي شهير، وبالعربية، أبو بركات هو ترجمة مباشرة للصومالي أو برخادل، والتي تعني “الأب المبارك”، أحد ألقاب الشيخ المعروفة.
كما كان شيخا بارزا آخر على الجزيرة أثناء إقامة ابن بطوطة، هو الشيخ نجيب الحبشي الصالح، وهو رجل متعلم آخر من القرن الأفريقي. يشير وجوده إلى وجود قوي للقرن الإفريقي الإسلامي على الجزيرة.
ويظهر هذا أيضا عندما زار ابن بطوطة مقديشو ، فقد ذكر أن السلطان في ذلك الوقت “أبو بكر بن شيخ عمر” كان من البربر, صومالي.
وهناك روايات أخرى، تقول إن أبو البركات يوسف البربري كان يمنيا، وأخرى تقول أنه كان فارسيا واسمه أبو بركات يوسف شمس الدين التبريزي وليس البربري. وفي الواقع يبقى الموضوع جدليا من حيث نسبة أصل أبي بركات. والأهم من كل ذلك أنها همة مسلمة بلغت رسالة الله تعالى لم يعجزها طول المسافات وتكلفة الترحال.
الاحتلال الأوروبي
تعرضت المالديف للاحتلال البرتغالي ثم الهولندي ثم البريطاني الذي استمر 78 سنة بوصفها محمية بريطانية، وقد استقلت جزر المالديف في عام 1385هـ (1965م)، وبعد أن خرجت من عضوية «دول الكومنولث» في العام نفسه رجعت وانضمت إليها مرة أخرى في 1402هـ (1982م).
وفشلت القوات البرتغالية في تنصير سكان المالديف المسلمين، فتسلطت عليهم بأبشع الجرائم والطغيان لإرهابهم، وعملت على نشر التنصير قسرا وبالقوة، لكنها لم تجد إلا الإعراض والمعارضة، وبعد هزيمتهم، وصل الهولنديون وعقدوا معاهدة مع سلطان المالديف وُضِعت بموجِبها البلاد تحت حماية الهولنديين، وحاول الهولنديون كإخوانهم البرتغاليين التأثير على السكان بدعوات التنصير قسرا، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا آخر، وكانت الجزر آنذاك تُدار من قبل حكومة سيلان الهولندية.
السلطان الغازي “محمد تكرفان”
بزغ نجم بطل مسلم في جزر المالديف في فصول تاريخها الجهادي، وهو السلطان الغازي محمد تكرفان، وكان أقوى السلاطين الذين حكموا المالديف أيام السلطنة. حيث حكم البلاد منذ 981 إلى 993هـ (1573 إلى 1585م).
وتميزت سيرته بكونه القائد العسكري المحنك الذي برز بذكائه وقوة شخصيته ولُقّب بالسلطان الأعظم لإعادته الهوية الإسلامية للبلاد وإحيائه الإسلام بين المالديفيين.
ولد محمد تكرفان في أسرة مسلمة ملتزمة بدينها، في جزيرة اُتِيمو بإقليم ها ألف في شمال المالديف. وكان والده الإمام الخطيب حسين تكرفان من وجهاء الجزيرة وعلمائها، وتعلم محمد تكرفان في شبابه فنون القتال والدفاع عن النفس.
ويُعد محمد تكرفان قائد حرب التحرير المالديفية إبان الاحتلال البرتغالي للمالديف، فقد قام القائد المجاهد بقيادة حركة جهاد لتحرير المالديف وإعادة الهوية الإسلامية لبلاده، بعد الاحتلال الصليبي الذي استمر لسبعة عشر عاما.
وكان البرتغاليون قد احتلوا جزر المالديف من (965 إلى 981هـ ) 1558 إلى 1573م وتمكن القائد المجاهد من انتزاع حكمها من أيدي المحتلين بإصراره على الجهاد. وكان أول ملك مالديفي يقوم بتشكيل هيئة عسكرية موحدة.
ويتم الاحتفال بانتصار محمد تكرفان على الاحتلال البرتغالي في جزر المالديف في 1 ربيع الأول لكل سنة هجرية باسم “اليوم الوطني”.
وحكم البرتغاليون بقسوة ووحشية جزر المالديف في فترة وصفت في التاريخ بمرحلة اليأس للمالديفيين، حيث سطر المحتلون الصليبيون الجرائم التي يندى لها الجبين، من سفك للدماء وهتك للأعراض ونهب الأملاك وترويع الآمنين.
فسادت حالة من اليأس بين المالديفيين الذين شعروا بالعجز عن مقاومة البرتغاليين ومواجهة قوتهم الشرسة؛ لكن في هذه الأيام الحالكة، عزم ثلاثة إخوة من جزيرة أتيمو؛ وهم القائد محمد تكرفان، وأخواه علي تكرفان وحسن تكرفان، على مقاومة الاحتلال وتحرير المالديف من قبضة البرتغاليين. وكما جرت العادة في التاريخ تخرج البطولة في استضعاف وقهر ولكن بيقين شديد وإعداد على قدر الاستطاعة.
وبدأ الشجعان الثلاثة بإعداد العدة لإنهاء هذا الاحتلال الغاشم الذي دمر البلاد وقضى على شعائر الإسلام؛ وبعد أن جمعوا ما أمكنهم استعدوا لملاحم الجهاد، فانتقلوا إلى الجزر الأرخبيلية (مَلِكُو) قبالة ساحل الهند ليطلقوا أول سفينة لهم ويجهزوها عسكريا لبدء الجهاد بحرا، ورسموا الخطط العسكرية لمواجهة الاحتلال البرتغالي وفق هذه الإمكانيات المتاحة. ومن اللافت للانتباه أن أول خطوة عمل عليها القائد محمد، كانت بناء مسجد لهم في الجزيرة، ولا يزال إلى اليوم حيث نجا من موجة تسونامي المدمرة، ولم يتأثر بها.
واستجاب لدعوة محمد تكرفان للجهاد العديد من المالديفيين، وكان منهم من جاهد بماله وقدم الدعم الكامل لجهود القائد محمد الجهادية، ويذكر اسم “راَويرِيبي” من جزيرة مَرْشِي، الذي كان يحمل الهم نفسه الذي يحمله محمد تكرفان، ويحلم بتحرير المالديف من دنس الغزاة. فساهم بنفسه في الإعداد والعمل لتقوية صفوف الجهاد، وقام بنفسه بإصلاح شراع السفينة “كَلوأهفُّومِي” المستخدمة في البحر، كما كان يحرص على تأمينها بالمياه العذبة في كل مرة ترسو في جزيرة مَرْشِي التي كانت محطة استراتيجية خلال معركة تحرير جزر المالديف.
ولعبت جزيرة مرْشي، بإقليم شَويني أتول، دورا كبيرا في هذا الجهاد، بتقديم الدعم اللوجستي وتوفير المعدات للمجاهدين، وبذلك ظلت هذه الجزيرة ذات أهمية تاريخية لأن بها شجرة “كاني مودي” التي منها صنعت أشرعة السفينة العسكرية. وهي من أشهر أشجار المالديف لا تزال إلى اليوم.
استعد الأشقاء الثلاثة المجاهدون ومن معهم ممن حمل القضية بنفسه وأرخص لها دمه، وبدأ جهادهم بإطلاق غزوات بحرية على أهداف الاحتلال. في كل ليلة يغزون جزيرة، ويستهدفون المحتلين البرتغاليين ليلا، ثم يغادرون فجرا، وهكذا كانوا يبحرون المحيط إلى أن وصلوا العاصمة، ورافق رحلة الجهاد هذه الكثير من الصبر والمصابرة واليقين.
وفي تلك الأثناء كان الاحتلال يزداد سعارا، ويحاول فرض التنصير قسرا بل ويلوح بعقوبة الإعدام لكل من يرفض الكفر والردة عن الإسلام.
استمر القائد محمد تكرفان وصحبه يتزودون ويتصبرون في جهادهم للمحتلين، فدارت ملاحم قتال شديد وتحولوا لكابوس للبرتغاليين، الذين أعجزهم بأس المجاهدين وإصرارهم على القتال لآخر رمق دون كلل ولا ملل. وكان محمد تكرفان يقاتل بنفسه، حتى أنه تواجه مع قائد قوات البرتغاليين في إحدى المعارك، فقتله وتمكّن منه في مشهد بطولي. وبثّ ذلك روح الهزيمة في صدور البرتغاليين الذين اضطربت صفوفهم وتفككت مع استمرار وقع المعارك الشرسة للمجاهدين المالديفيين إلى أن منّ الله على عباده بالسيطرة على العاصمة والنصر العظيم على البرتغاليين، الذي جروا أذيال الهزيمة لا يستوعبون ما يجري لهم، وسجد القائد محمد يحمد الله على نصره ورفع راية الإسلام في بلاده قد سقاها الجهاد بالدماء.
ونصّب المالديفيون قائدهم محمد تكرفان سلطانا على البلاد، فحكم بعدل وإحسان واشتهرت سيرته بحماية الفقراء والمحتاجين، وحرصه على مصالح الناس وبناء المساجد ونشر تعاليم الإسلام.
وتوفي السلطان الغازي محمد تكرفان وفاة عادية في 1 رمضان 993 (26 أغسطس 1585م). وقد حمل مسجد المركز الإسلامي في عاصمة المالديف اسمه وهو أكبر جامع على مستوى المالديف.
وقد زال الاحتلال الصليبي البرتغالي عن المالديف كما زال عن كثير من المناطق التي سيطر عليها بسبب قلة عدد البرتغاليين مع سعة البقاع التي احتلوها، وللسياسة التي اتبعتها دولتهم في امتصاص دماء الشعوب التي سيطروا عليها مما أثار الشعوب ضدهم، ولأنهم كانوا يكتفون باحتلال مراكز لهم على السواحل لتأمين سيطرتهم وضمان أخذ خيرات البلاد، وأخيراً زالت دولتهم باحتلال إسبانيا لأرضهم مما قضى على إمبراطوريتهم التي أسسوها. كما أن ظهور محتلين صليبيين آخرين منافسين لهم كان له دور كبير في زوال سلطانهم، واندحارهم أمام المنافسة. كل هذا اجتمع إلى جانب تأثير الحركة الجهادية في هزيمتهم.
الاحتلال الهولندي
سيطر الهولنديون في عام 1069هـ على جزيرة ميلان، وحلوا محل البرتغاليين، فعقدوا معاهدة مع سلطان المالديف، وصارت الضريبة التي كانت تدفع للاحتلال البرتغالي تدفع لحكام سيلان الهولنديين.
لكن سلطة الاحتلال الهولندي ضعفت، وخرجت كثير من المناطق من قبضتهم، وأخذت تستقل عنهم، ومن هذه البلاد جزر المالديف. ولكن جاءتها غزوة قادمة من مليبار الساحلية (جنوب الهند) فأخضعت المالديف لحكمها عام 1166هـ (1752م)، غير أن حكم المليباريين لها لم يزد على السبع سنوات حيث خرجوا منها سريعا، وعاد إليها استقلالها وذلك بعد نجاح شعب المالديف بقيادة حسن فانيكو فان، الذي أصبح فيما بعد يعرف باسم السلطان حسن عز الدين، في التصدي لهم وإجلائهم.
الاحتلال البريطاني
حل البريطانيون محلّ الهولنديين في سيلان، فكانوا على مقربة منها، فاستغلوا وجود بعض القلاقل فيها عام 1305هـ (1887م) فتدخلوا طمعا في استغلال خيرات البلاد، وفرضوا على السلطان معاهدة اعترف فيها بسيادة بريطانيا، وتعهد بعدم الدخول في مفاوضات أو معاهدات مع أي دولة أجنبية أخرى إلا عن طريق حاكم سيلان البريطاني، ووافقت الحكومة البريطانية على حماية هذه الجزر من أي اعتداء خارجي، ولكنها تعهدت في الوقت نفسه ألا تتدخل في شؤون المالديف الداخلية.
استمر الاحتلال البريطاني صاحب النفوذ في المالديف يتحكم في شؤون تلك الجزر الضعيفة اقتصادياً لقلة مواردها، والضعيفة عسكرياً لقلة سكانها، ولبعدها عن إخوانهم في العالم الإسلامي، وهذا ما يسهل التبعية والخضوع لأية قوة تهددهم، أو لأي احتلال يريد أن يعتدي عليها، ويجعل من أراضيهم قواعد له يستخدمها المصالحه، ومن خيراتها منفعة له، ومن سكانها سوقاً استهلاكية لمنتجاته.
وبقيت المالديف بعد سقوط الدولة العثمانية تدور في فلك السياسة البريطانية صاحبة النفوذ فيها، ولا يمكنها غير ذلك لضعفها، ولجهل المسلمين الذين لا يكادون يعرفون شيئاً عنها.
ومع ذلك بقيت روح الاستقلال في صدور أهالي المالديف الذين ظلوا يعارضون السيطرة البريطانية حتى أجبروا المحتلين على الرحيل مع الاحتفاظ بقاعدة للسلاح الجوي الملكي البريطاني في جزيرة “جان”، ثم نالت المالديف استقلالها في 28 ربيع الأول 1385 هـ (26 تموز 1965م)، وخرجت من عضوية رابطة الشعوب البريطانية “الكومنولث”.
وفي عام 1386هـ ( 1966م) رحلت قوات السلاح الجوي عن جزيرة “جان” التي كانت قد استأجرتها أثناء الحرب العالمية الثانية، بعدما انتهى عقدها، ولم تكن تلك الحماية البريطانية للمالديف إلا نوعاً من التبعية القانونية التي حدت من تعاملها مع الدول الأخرى.
وطوال الـ 78 عاماً لم يكن لبريطانيا حاكم أو مسؤول أو مندوب يمارس سلطته في المالديف، وإنما كان على رأس السلطة سلطان مالديفي منتخب. فالحماية لم تكن إلا نوعاً من التبعية القانونية التي حدت من تعاملها مع الدول الأخرى. وأصبحت جزر المالديف عضواً في منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1385هـ (1965م).
جمهورية المالديف
إن الاتفاق الذي أبرم بين الحكومة البريطانية وجزر المالديف، ظلت بموجبه جزر المالديف تحت الحماية بريطانية وتعهدت إنكلترا بتسيير شؤون المالديف الخارجية، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، وأعطيت القوات البريطانية تسهيلات في الجزر من أجل الدفاع عنها أو عن رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولت)، ثم جدد هذا الاتفاق عام 1373 (1953م) وأعلنت الجمهورية في المالديف بعد أن ألغيت السلطنة في العام نفسه، وانتخب محمد أمين ديدي أول رئيس للجمهورية.
جرى استفتاء شعبي بعد ثلاث سنوات من الاستقلال فوافق الشعب على إقامة النظام الجمهوري في الحكم كبديل لنظام السلطنة التي كان قائماً، ولم ينصرم العام بعد، ونصب محمد فريد ديدي سلطاناً على المالديف في جمادى الآخرة 1373هـ (شباط 1954م)، وهو ابن عم رئيس الجمهورية محمد أمين ديدي، وتسلم رئاسة الوزارة إبراهيم ناصر.
محمد أمين ديدي
محمد أمين ديدي
حدثت معارضة شديدة بين المسلمين على الاتفاق الذي وقعته حكومة المالديف والحكومة البريطانية والذي يقضي بالسماح البريطانيا بإعادة بناء قاعدتها الجوية في جزيرة “جان” في أقصى مجموعة للجزر الجنوبية التي هي مجموعة أدو، غير أن البريطانيين قد حرضوا سكان الجنوب على إعلان استقلالهم عن حكومة المالديف المركزية وذلك عام 1379هـ (1959م).
وبالفعل قامت عام 1380 هـ حركة تمرد في الجزر الجنوبية، غير أن قوات الحكومة المركزية قد استطاعت القضاء عليها بسهولة واضطرت الحكومة أن تتنحى، وتساير السياسة البريطانية، وتجدد الاتفاقية ىمعها.
إبراهيم ناصر
انتهى حكم الملك محمد فريد الأول بعد حكم دام أربعة عشر عاماً، ولكن مع الاحتفاظ بمكانته وتسلم إبراهيم ناصر منصب رئاسة الجمهورية. وتركزت السلطات في يد مجلس الوزراء الذي كان يضع السياسة العامة للدولة، ويباشر تنفيذها، ويرأس هذا المجلس رئيس الجمهورية، وأما مجلس الوزراء فمسؤول أمام مجلس الشعب الذي يتولى السلطة التشريعية. ويتألف هذا المجلس من خمسين عضواً يتم انتخابهم لمدة خمس سنوات. وفي عام 1395 هـ (1975م) قررت الحكومة البريطانية إقفال قاعدة “جان” الجوية، وجلاء القوات من جمهورية المالديف، وهذا ما أتى إلى وجود مشكلة اقتصادية وانشقاق في القوات العسكرية.
وفي شوال 1397هـ (1977م) عرضت روسيا استئجار جزيرة “جان” بمليون دولار سنوياً، ولكن الرئيس إبراهيم ناصر رفض ذلك، وقال: إنه لا يؤجر الجزيرة لأغراض عسكرية أو لقوة كبيرة.
كان الرئيس المالديفي إبراهيم ناصر قد عزل رئيس الوزراء أحمد زكي، وألغى منصب رئاسة الوزراء عام 1395هـ (1975م)، وأعلن أنه لن يرشح نفسه لإعادة انتخابه في نهاية مدته الثانية عام 1398هـ (1978م).
وفي 21 شعبان 1398هـ (26 تموز 1978م) جرت الانتخاب ولم يرشح الرئيس إبراهيم ناصر نفسه كما أعلن، واختار المجلس، وزير المواصلات مأمون عبد القيوم لمنصب رئاسة الجمهورية.
مأمون عبد القيوم
صورة فخامة مأمون عبد القيوم، رئيس جمهورية المالديف
تسلم مــأمون عبد القيوم مهمة منصب الرئاسة بانتهاء مدة الرئيس السابق إبراهيم ناصر 11 ذي الحجة عام 1398 هـ (11 تشرين الثاني 1978م)، وأعلن أن مهمته الرئيسية سوف تكون تطوير المناطق الريفية الفقيرة، وسيستمر في سياسته الخارجية على السياسة القائمة بعدم الانحياز.
وفي شهر صفر من عام 1400هـ (مطلع عام 1980م) جرت محاولة انقلاب باغتيال رئيس الجمهورية وأعضاء حكومته، واتهم فيها الرئيس السابق إبراهيم ناصر الذي كان قد غادر في اليوم الذي انتهت فيه مدة رئاسته واتجه إلى سنغافورة حيث أقام هناك، واستدعي من قبل المسؤولين في جمهورية المالديف للحضور إلى بلاده للإجابة حول بعض التساؤلات التي تتعلق باختلاس موارد الدولة فأبى، وطلب من حكومة سنغافورة اعتباره لاجئاً سياسياً فوافقت على طلبه،
وبقي يعيش هناك، فلما جرت محاولة الانقلاب هذه واتهم فيها أنكر ذلك، وامتنع عن القدوم أيضاً، وبعد سنة من المحاكمات وفي جمادى الأولى 1400 هـ (نيسان 1981م) صدر الحكم على أحمد نسيم نسيب الرئيس السابق إبراهيم ناصر، ووزير الأسماك السابق، بالسجن المؤبد بتهمة التآمر للإطاحة بنظام الحكم القائم، وأعلن إبراهيم ناصر أنه ليس له أي دخل في تلك المؤامرة، ومن طرف أخر جرت محاولة للاعتداء عليه لإخراجه من سنغافورة ولكنها فشلت.
ثم جرت محاولة ثانية للإطاحة بالرئيس مأمون عبد القيوم عام 1403هـ (1983م) ولكنها فشلت، وكانت أصابع الاتهام أيضاً تشير إلى الرئيس السابق .
وجرى استفتاء شعبي على الرئاسة في شهر ذي الحجة 1403هـ (أيلول 1983م) فنجح مأمون عبد القيوم، وحصل على 95.6% من الأصوات فاستمرت رئاسته.
وجرى استفتاء شعبي آخر على إعادة انتخابه للمرة الثالثة لمدة خمس سنوات جديدة في مطلع عام 1409هـ (أيلول 1988م) وحصل على 96.4% من الأصوات، وتجددت بذلك رئاسته الثالثة، ولكن لم يلبث أن جرت محاولة انقلاب أخرى وذلك في 24 ربيع الأول 1409هـ (3 تشرين الثاني 1988م) حيث نزلت قوة بحرية من المرتزقة مؤلفة من مائة وخمسين من عناصر التاميل السيريلانكيين بإمرة أحد رجال الأعمال المالديفيين المدعو عبدالله لطفي. ونزلوا في جزيرة ماليه، العاصمة، وحاولوا الاستيلاء على الدوائر الحكومية المهمة، فطلب الرئيس مأمون عبد القيوم من الحكومة الهندية مساعدته فأرسلت ألف وستمائة رجل من فرقة الطوارئ.
وقضت على محاولة الإطاحة بالحكومة، وذهب ضحية ذلك عشرون قتيلا وقد أشارت عدة مصادر على وجود صلة بين رأس المحاولة وعبد الله لطفي وبين الرئيس المالديفي السابق إبراهيم ناصر الذي أنكر بشدة صلته بتلك المحاولة الفاشلة.
وأعلنت الحكومة المالديفية أن القوة الهندية ستبقى في البلاد حتى يتم إلقاء القبض على جميع الذين اشتركوا بمحاولة الانقلاب. وفي شهر صفر من عام 1410هـ (أيلول 1989م) أمر الرئيس المالديفي بالحكم المؤيد على اثني عشر رجلاً من سيريلانكا وأربعة من المالديف من ذلك اشتركوا بمحاولة الانقلاب.
وفي الثاني من شهر ربيع الثاني 1410هـ (الأول من تشرين الثاني 1989م) سحبت الحكومة الهندية مائة وستين من قوة الطوارئ الموجودة في المالديف. وفي جمادى الآخرة 1410هـ (كانون الثاني 1990 م) عقدت اللجنة الهندية – المالديفية اجتماعات في سبيل التعاون الاقتصادي والتقني وأهم نقطة بحثت في تلك اللقاءات، كانت عن إمكانية إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين.
محمد نشيد
محمد نشيد، سياسي مالديفي شغل منصب رئيس المالديف منذ عام 1429هـ (2008م) حتى استقالته في عام 1433هـ (2012م) وهو أيضًا أول رئيس للمالديف منتخب بما يسمى الشكل الديمقراطي والرئيس الذي تقدم باستقالته من منصبه.
في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 1429هـ (2008م) فاز بنسبة 25% من الأصوات وعين لاحقًا مرشحًا لائتلاف المعارضة الأول، وهزم الرئيس مأمون عبد القيوم الذي كان قد حكم المالديف كرئيس لـ30 عامًا على التوالي.
لعب محمد نشيد دورًا في جذب اهتمام دولي لخطر التغير المناخي في المالديف. لكنه ما لبث أن قدم استقالته في 25 ربيع الأول 1433هـ (7 فبراير 2012م) وسط أزمة سياسية. حيث بدأت التظاهرات ضده من قبل المعارضة بعد أن أمر باعتقال كبير قضاة محكمة الجنايات عبد الله محمد، وانضمت في وقت لاحق إلى التظاهرات قوات الشرطة التي رفضت تنفيذ أمر الاعتقال. في اليوم التالي، ذكر محمد نشيد أنه كان قد أُرغم على الاستقالة «تحت تهديد السلاح» من قبل الشرطة وضباط الجيش، وزعم أن المتظاهرين انضموا إلى «الشبكات القوية» لمناصري عبد القيوم لإرغامه على الاستقالة في انقلاب عسكري. ونفى خلفه، محمد وحيد حسان، هذه الاتهامات وتحدث أن انتقال السلطة كان طوعيًا ودستوريًا وأنشأ لجنة تحر وطنية للتحقيق في مزاعم محمد نشيد.
ذكرت لجنة المالديف للتحري الوطني، التي كانت تحت إشراف الأمم المتحدة ودول الكومنولث، وشارك في ترأسها قاضي محكمة سنغافورة العليا الذي رُشح من قبل دول الكومنولث، أنه لم يكن ثمة دليل يدعم رواية محمد نشيد للأحداث.
وكان المتظاهرون الذين يطالبون برحيل محمد نشيد يحتجون على سوء الإدارة وتبديد المال العام، خاصة بعد تخفيض قيمة العملة الوطنية وما تبعها من رفع للأسعار.
وقدم محمد نشيد استقالته بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات قادتها المعارضة والتي تحولت إلى عصيان من الشرطة، حيث وجهت له اتهامات بأنه تحول إلى ديكتاتور، بعد أن كان ينسب له الفضل في جلب ما يسمى الديمقراطية إلى البلاد. وسلم السلطة إلى نائبه محمد وحيد حسن مانيك.
ترشح محمد نشيد للرئاسة مرة أخرى في عام 1435هـ (2013م)، واعترف بهزيمته بعد خسارته للانتخابات بفارق ضئيل. وفي شهر جمادى الأولى 1436هـ (مارس من عام 2015م) أدين بموجب قانون ما يسمى مكافحة الإرهاب في المالديف بإصدار أوامر باعتقال قاضي محكمة الجنايات حين كان رئيسًا، وحكم عليه بالسجن لـ13 عامًا في سجن مافوشي.
وصفت منظمة العفو الدولية الحكم بأن وراءه «دوافع سياسية». وفي شهر ربيع الأول 1440هـ (نوفمبر من عام 2018م) أبطلت المحكمة العليا في المالديف حكم الإدانة. وحصل محمد نشيد على حق اللجوء السياسي في المملكة المتحدة حيث خضع لعلاج طبي.
وتخلى محمد نشيد عن خططه للمنافسة في الانتخابات الرئاسية في بلاده، مشيرًا إلى معوقات قانونية. وقال إن قرار لجنة الانتخابات برفض الاعتراف بانتصاره في الانتخابات التمهيدية في الحزب كان غير قانوني وطالب بمعاقبة السلطات.
بعد فوز صديق طفولته المقرب، وقريبه، ومرشح الحزب، إبراهيم سوليه في الانتخابات الرئاسية لعام 1440هـ (2018م)، عاد محمد نشيد إلى المالديف وفاز بمقعد في دائرة ماتشانغولهي ميدهو الانتخابية في الانتخابات البرلمانية في العام التالي بمجموع أصوات بلغ 1054 صوتًا، ووصل لاحقًا إلى منصب المتحدث باسم البرلمان.
في 24 رمضان 1442هـ (6 مايو من عام 2021م) وقعت محاولة اغتيال استهدفت محمد نشيد بالقرب من منزله وهو يحاول ركوب سيارته. تعرض فيها لإصابات بليغة ونجا بأعجوبة من تفجير عبوة ناسفة. وتلقى العلاج في وحدة العناية المركزة بعد أن خضع لعدة عمليات جراحية طارئة.
زعمت السلطات في المالديف أن ذلك كان هجومًا إرهابيًا نفذه «متطرفون» متدينون. على حد تعبيرها. واعتقل ثلاثة مشتبه بهم.
وسجل لمحمد نشيد دعمه لرئيس سريلانكا، الهارب “غوتابايا راجاباكسا” وزوجته في إيجاد ملجأ في المالديف وسط تظاهرات واضطراب سياسي أفضت إلى استقالة راجاباكسا.
محمد وحيد حسن مانيك
محمد وحيد هو الرئيس الخامس لجزر المالديف منذ 15 ربيع الأول 1433 إلى 15 ربيع الأول1433 إلى14 محرم 1435هـ ( 7 فبراير 2012 إلى 17 نوفمبر 2013م). تولى مهام منصب الرئاسة على إثر استقالة الرئيس محمد نشيد.
شغل محمد وحيد سابقا منصب نائب رئيس المالديف من 1429 إلى1433هـ ( 2008-2012م) وكان عضوا بارزا في اليونيسيف في حين أنه يعمل لحساب الأمم المتحدة. ومحمد وحيد حسن هو المالديفي الأول الذي حصل على درجة الدكتوراه حيث حصل عليها من جامعة ستانفورد. ونتيجة لذلك كان يسمى «د.وحيد» من قبل معظم المالديفيين.
في 1 ذو القعدة 1434هـ ( 7 سبتمبر 2013م) ترشح وحيد لمنصب رئيس جزر المالديف. وفي أول محاولة مستقلة له لتولي منصب منتخب، هُزم في السباق الرباعي الذي وضعه ضد ثلاثة مرشحين آخرين، من بينهم المتصدر والرئيس السابق محمد نشيد. الذي احتل المركز الأول بنسبة 45.45٪ من جميع الأصوات الصحيحة المدلى بها (95224 صوتًا). وخلف محمد نشيد، عبد الله يامن الذي حصل على 25.40٪ من حصة الأصوات (53099)، وقاسم إبراهيم من حزب الجمهوري الذي حصل على 24.02٪ من جميع الأصوات (50422)، ومحمد وحيد بنسبة 5.13٪ فقط من الأصوات (10750).
تم الطعن في نزاهة نتائج انتخابات 1434هـ (2013م) في المحكمة العليا. وطلبت المحكمة العليا من اللجنة والمؤسسات الحكومية ذات الصلة تأجيل جولة الإعادة حتى تصدر المحكمة حكمها في القضية التي رفعها حزب الجمهوري سعياً لإلغاء نتائج الجولة الأولى بتهمة تزوير الأصوات.
وأعلن محمد وحيد انسحابه من إعادة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في وقت لاحق في 6 محرم 1435هـ (9 نوفمبر 2013م)، بعد أن ألغت المحكمة العليا الاقتراع الذي عقد قبل شهرين.
عبد الله يامِن عبد القيوم
عبد الله يامن أو يمين، هو سياسي مالديفي والرئيس السادس لجُزر المالديف حيث شغل هذا المنصب منذ عام 1434هـ (2013م).
انتُخب يامن رئيسًا للبلاد في عام 1434هـ (2013م) وذلك بعدما فازَ في الانتخابات الرئاسية كمرشح عن الحزب التقدمي بعدَ انتصارهِ على الحزب الديمقراطي المالديفي وزعيمه الرئيس السابق محمد نشيد في الجولة الثانية بعدَ إلغاء نتائج الانتخابات الأولى.
يُعدّ عبد الله يامن -بالرغم من كلّ التهم التي تحيط حوله- ثاني رئيس منتخب ديمقراطيًا في جمهورية المالديف.
في أول سنتين في منصبه؛ قام عبد الله يامن بعددٍ من التعديلات حيث حاول الحد من العجز في الموازنة العامة للدولة كما استحدث بعض المبادرات التي ساهمت في تنمية البنية التحتية مثل الجسر الذي يربط العاصمة مباشرة مع مطارات مدن أخرى.
ويصف مراقبون حكم عبد الله يامن بأنه فاسد وديكتاتوري، إذ منذ تسلمه السلطة تراجع عن كثير من الإصلاحات، وأعاد القوانين التي تجرم التشهير، والتي تنص على عقوبة الإعدام، كما يتهمه خصومه بقمع المعارضة.
ولاحق نظام عبد الله يامن الرئيس السابق، حيث صدر حكم بسجنه 13 عاما بعد إدانته بالإرهاب، ومُنع محمد نشيد من خوض أي انتخابات في المالديف.
كما فرض الرئيس عبد الله يامن حالة الطوارئ في البلاد عام 1437هـ (2015م)، بعد أن نجا من انفجار في قاربه. وفي عام 1438هـ (2016م) أجاز البرلمان قانوناً حول التشهير وصفته منظمات الصحفيين بأنه يؤشر على تراجع خطير في حرية الصحافة.
وفي 19 جمادى الأولى 1439هـ (الخامس من شباط 2018م) قالت السلطات إنها أفشلت محاولة انقلاب كانت تستهدف الإطاحة بالرئيس، وإعادة محمد نشيد إلى السلطة، كما أعلنت حالة الطوارئ في البلاد، وعطلت عمل البرلمان، وشنت حملة اعتقالات شملت الرئيس الأسبق عبد القيوم الذي أصبح بصف المعارضة، ورئيس المحكمة العليا عبد الله سعيد، وأحد قضاة المحكمة. وجاءت هذه التطورات على خلفية رفض المحكمة العليا إدانات بتهم تتعلق بالإرهاب بحق محمد نشيد وآخرين.
ورافق شهرة جزر المالديف بمناطقها السياحية الخلابة، شهرتها بالفساد المتغلغل في هرم السلطة، ويشتمل على السرقة والرشوة وغسيل الأموال.
وكشف فيلم وثائقي بعنوان “الجنة المسروقة” لوحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة بُث في ذو الحجة 1437هـ (سبتمبر 2016م) عن أن رئيس المالديف نفسه متهم بتلقي دفعات من الأموال نقدا محشوة في حقائب، تصل كل دفعة منها إلى نحو مليون دولار أميركي.
وسرَد الوثائقي أن وزراء ومساعدي الرئيس خططوا لغسل ما يقرب من 1.5 مليار دولار أميركي من خلال البنك المركزي في المالديف، وذلك بمساعدة رجال أعمال سريين من سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، وتضمنت المؤامرة خطة لنقل ما يقرب من مئة مليون دولار نقدا عبر الجو في كل مرة، وتمرير المبالغ عبر سلطة النقد المالديفية، ثم إعادة تحويلها إلى الخارج تارة أخرى.
إبراهيم محمد صَليح
إبراهيم محمد صَليح هو سياسي من جزر المالديف ورئيس جزر المالديف السابع من أصل فلسطيني، انتخب في 7 محرم 1440هـ (سبتمبر 2018م) متغلبًا على الرئيس عبد الله يامِن. وتسلم منصب الرئيس في 9 ربيع الأول 1440هـ (17 نوفمبر 2018م).
تمّ ترشيح صالح للمُنافسة على المقعد الرئاسي من قِبل ائتلاف أحزاب المعارضة التي سعت للإطاحة بالرئيس عبد الله يامن في انتخابات عام 1440هـ (2018م).
ويذكر أنّ ابرهيم صليح، من مدينة خانيونس، قد هاجر والده لنشر الدعوة الإسلامية في الهند وجزر المالديف، واستقر بها هناك منذ عقود من الزمن. وبعد هزيمته في الانتخابات التالية في 1445هـ ( 2023م) تولى الحكم محمد معز.
أقام إبراهيم خلال فترة رئاسته حلفا عسكريا وأمنيا مع نيودلهي، تحت شعار “الهند أولا”، وذلك على حساب العلاقات التقليدية مع الصين وقوى إقليمية ودولية أخرى.
لكن سياسة الرئيس إبراهيم مكنت النفوذ الهندي الواسع في البلاد، مما جعل الحكومة المالديفية تبدو في عين مواطنيها مجرد تابعة للهند ومستجيبة بشكل دائم لإملاءاتها وفقدوا الشعور بالحرية والاستقلال، فضلا عن سلوك السفير الهندي الذي كان يتصرف ويتحرك بعيدا عن التنسيق مع وزارة الخارجية، كما يقتضي البروتوكول الدبلوماسي.
وكان تنازل حكومة صليح عن أجزاء واسعة من المياه الإقليمية لصالح جزيرة “موريشيوس” القشة التي قصمت ظهر البعير والتي أكدت على أن الهند هي من حركت ملف المياه الإقليمية وتبنته، وهي المستفيد الأكبر من هذا التنازل بما يعطيها مجالا واسعا للصيد البحري. وقد أظهرت وثائق مسربة تواطؤ الرئيس في مسألة تحكيم دولي لصالح “موريشيوس”.
إضافة إلى هذه التبعية المنهزمة للهند التي أنكرها المالديفيون، شكل تراجع الاقتصاد، ونقص العملة الأجنبية في البنوك وارتفاع الديون الخارجية إلى نحو 4 مليارات دولار، ثم القروض التي أخذت بفوائد عالية جدا من الهند في السنتين الأخيرتين من فترة حكمه. العوامل التي أدت لهزيمة الرئيس إبراهيم في الانتخابات الرئاسية وفوز محمد معز الذي ركز في حملته الانتخابية على إنهاء سياسة “الهند أولا” فحظي بتأييد الشعب المالديفي.
محمد معز
محمد مُعِزُّ أو محمد معزو أو محمد مويزو هو سياسي مالديفي يشغل حاليًا منصب رئيس جزر المالديف منذ 3 جمادى الأولى 1445هـ (17 نوفمبر 2023م) وهو الرئيس التاسع لجمهورية المالديف.
بعد إدانة الرئيس السابق وزعيم المعارضة عبد الله يمين بتهمة الاختلاس، اُختير معز مرشحا رئاسيا عن المؤتمر الوطني الشعبي، وهو جزء من ائتلاف المعارضة، مع النائب حسين محمد لطيف بصفة نائب له.
في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المالديفية 1445هـ (2023م) حصل على 46.06% من الأصوات، وتقدم إلى الجولة الثانية في العام نفسه، فانتخب رئيسا في الجولة الثانية وحصل على 54.04% مقابل 46.04% للرئيس إبراهيم صليح.
وركزت حملة معز الرئاسية على الحد من النفوذ الهندي في شؤون جزر المالديف. ووصفه المراقبون بأنه مؤيد للصين. وفي مقابلات أجريت معه قبل توليه منصبه، قال معز إن جميع القوات الهندية يجب أن تغادر جزر المالديف. ومنذ 13443هـ (2021م) قالت وزارة الدفاع المالديفية إن حوالي 89 عسكريًا هنديًا يتمركزون في البلاد، ويُشَغَّلُون الطائرات التي منحتها الهند لجزر المالديف.
وقاد معز حملة انتخابية مناوئة للهند، تعهد فيها بتقليص ما أسماه الاعتماد الاقتصادي المفرط طويل الأمد على نيودلهي وأعلنت حكومته الجديدة عن مراجعتها أكثر من 100 اتفاقية قائمة مع الهند، بما في ذلك الاتفاقيات في مجالات الدفاع والأمن. وذلك يعني إعادة هيكلة سياسة “الهند أولًا” التي تبناها سلفه الرئيس إبراهيم محمد صليح، بل والحكومات المالديفية المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن ثم، تبني سياسة “خروج الهند”، التي شدد عليها معز في حملته الانتخابية.
جسر الصداقة بين الصين وجزر المالديف
وتحتل جزر المالديف مكانة بارزة في سياسة الهند الإقليمية، لكنها اكتسبت أيضا أهمية كبيرة بالنسبة للصين نظرا لموقعها القريب من الممرات البحرية المزدحمة التي يتم من خلالها الكثير من حركة التجارة والطاقة بين الشرق الأوسط وشرق آسيا. وقد اجتذبت جزر المالديف عددا من مشاريع البنية التحتية كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية. ويعد جسر الصداقة بين الصين وجزر المالديف (جسر سينامالي)، الذي تم افتتاحه في ذو القعدة 1439هـ (أغسطس 2018م) ليربط العاصمة ماليه بجزيرة هولهولي، حيث يقع المطار الدولي، يعد علامة بارزة في هذه العلاقة. وفي المقابل، لدى الهند عدد من المشاريع في جزر المالديف وقدمت كثيرا من المساعدات والقروض.
وفي حين تتفهم جزر المالديف تطلعات الهند ومكانة الصين كقوة عظمى، فإن الإدارة الجديدة تحاول استيعابها في ضوء الحقائق الاقتصادية التي طرأت بعد الوباء والبيئة الأمنية العالمية التي تعيد الحرب الروسية الأوكرانية تشكيلها. ولكن العنصر الأكثر أهمية سيبقى رأي عامة الناس، الذين ليسوا على استعداد لقبول أي تعد على استقلال جزر المالديف وهويتها.
ومن غريب أخبار المالديف في فترة رئاسة محمد معز، اعتقال وزيرة البيئة والتغير المناخي والطاقة، فاطمة شامناز؛ بتهمة ممارسة «السحر الأسود» بحق الرئيس محمد مويزو. حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية. والوزيرة متهمة بممارسة «السحر الأسود» على الرئيس، حتى تتقرّب منه أكثر وتترقّى في مناصبها السياسية، وفقاً لتقارير محلية.
ولا يُعد السحر جريمة جنائية بموجب قانون العقوبات في جزر المالديف، لكن عقوبته السجن لمدة ستة أشهر.
ووفقا للتقارير الصحفية، فإن سكان جزر المالديف يلجأون إلى السحر الأسود، معتقدين أنهم قادرون على كسب الخدمات ولعن المعارضين. وفي عام 1433هـ (2012م) قمعت الشرطة مسيرة سياسية معارضة، بعد أن اتهمت المنظمين بإلقاء «ديك ملعون» على الضباط الذين دهموا مكاتبهم.
المالديف تحظر دخول “الإسرائيليين”
تظهر هذه الصورة المأخوذة من لقطات فيديو لقناة AFPTV فلسطينيين يتحققون من الدمار في أعقاب غارة إسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة، في 1 نوفمبر، 2023، وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية. قُتل آلاف المدنيين، الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أن دخل مقاتلو حماس الفلسطينية المتمركزون في قطاع غزة إلى جنوب إسرائيل في هجوم غير مسبوق أدى إلى إعلان إسرائيل الحرب على حماس بقصف انتقامي على غزة. (تصوير وكالة فرانس برس)
ومع أزمة غزة الدامية ضغط أحزب المعارضة وحلفاء الحكومة في جزر المالديف على معز لحظر دخول الإسرائيليين، في موقف احتجاجي على الحرب في غزة.
في المقابل، أوصت وزارة الخارجية للاحتلال الإسرائيلي مواطنيها بعدم السفر إلى جزر المالديف بعد قرار الأخيرة. وقالت وزارة الخارجية إن التوصية تشمل الإسرائيليين ذوي الجنسية المزدوجة.
وفق بيانات رسمية، تراجع عدد الإسرائيليين الذين زاروا جزر المالديف إلى 528 في الأشهر الأربعة الأولى من عام 1445هـ (2024م)، بانخفاض نسبته 88 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
حدود التغيير في سياسة المالديف تجاه التنافس الجيوسياسي بين الصين والهند
منذ استقلال جزر المالديف كانت الهند الشريك الاستراتيجي الرئيسي لها. ونظرًا إلى العامل الجغرافي؛ إذْ إن المالديف هي الجار البحري الرئيسي للهند في منطقة المحيط الهندي، تمتلك المالديف مكانة خاصةً في رؤية رئيس الوزراء الهندي الهندوسي المتطرف، ناريندرا مودي في مبادرة “الأمن والنمو للجميع في المنطقة” (Sagar) و”سياسة الجوار أولًا”.
لكن في تغير نوعي يعكس نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الإندوباسيفيك)، ويعكس أيضًا، على ما يبدو، فقدان نيودلهي أحد معاقل نفوذها التاريخية في المنطقة، وقّعت جمهورية المالديف اتفاقًا دفاعيًّا مع الصين في شعبان 1445هـ (مارس 2024م)، وذلك عقب طلب الرئيس، محمد معز، انسحاب جميع القوات الهندية المتمركزة في البلاد، ومراجعة الاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع الهند، وإعادة التأكيد على “السيادة الوطنية المفقودة” للمالديف.
وكردّ فعل على التقارب الأمني والاقتصادي المتسارع بين بكين وماليه، والتداعيات الأمنية التي يطرحها الاتفاق الدفاعي على الهند، أعلنت نيودلهي عن خطط لافتتاح قاعدة بحرية جديدة في جزيرة “مينيكوي” في أرخبيل “لاكشادويب” الهندي – على بعد نحو 80 ميلًا شمالي جزر المالديف؛ تتيح للهند تعزيز “الرقابة العملياتية” في المنطقة.
وفي الوقت الذي اعتاد فيه رؤساء جزر المالديف المنتخبون تنفيذ أول زيارة خارجية لهم إلى الهند، في تقليد تاريخي يدل على النفوذ الكبير لنيودلهي على الأرخبيل، كسر الرئيس محمد معز هذا التقليد، حيث زار أنقرة في أول زيارة خارجية له، فيما كانت الإمارات محطته الثانية، وذلك في رسالة لإظهار عزمه على إجراء تغييرات في السياسة الخارجية لبلاده. ثم كانت وجهة أول “زيارة دولة” يقوم بها معز منذ توليه منصبه هي بكين بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وخلال هذه الزيارة أكد الجانبان أن العلاقات بين الصين والمالديف “شراكة تعاونية استراتيجية شاملة” وتم التوقيع على 20 اتفاقية تتعلق بتعزيز السياحة بين البلدين، والحد من مخاطر الكوارث، والاقتصاد الأزرق، والاستثمار في الاقتصاد الرقمي. كما تم التوقيع على اتفاقيات لتسريع وتيرة المشاريع في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها الصين منذ عام1434هـ (2013م).
والموقع الجيوستراتيجي لجزر المالديف في منطقة الإندوباسيفيك، التي تشهد حالة استقطاب حاد بين القوى الكبرى المتنافسة، يجعلها ذات أهمية حيوية بالنسبة لبكين لاعتبارات اقتصادية وأمنية.
ولا شك أن مجمل تلك التحركات في المنطقة تنذر بزيادة وتيرة التنافس الجيوسياسي بين الهند والصين في منطقة الإندوباسيفيك، وفي المدى المنظور، يبدو أن مواقف الدول الجزرية تجاه القوى الكبرى، ستسهم في تحديد وتكوين البنية الأمنية الجديدة في المنطقة. وبناء على تطورات هذه الساحة ستظهر نتائج سياسة معز هل تمكن من خلالها من النجاح بالاستقلالية عن الهند أن سيستغرق ذلك جهودا أكبر حيث يشكك المراقبون في قدرته على التخلص تماما من مخالب الهند المتغلغلة في البلاد.
واقع الدعوة في جزر المالديف
تسلط رسالة بعنوان “رسالة من المالديف .. إلى أصحاب الهم الدعوي … مع التحية” نشرت في عام 1432هـ (2011م) الضوء على واقع الحركة الدعوية في جزر المالديف واحتياجات المسلمين فيها أيضا. حيث قال كاتبها د. محمود بن محمد المختار الشنقيطي:”فإذا كانت البلاد العربية تشهد ربيع ثورات وتغيّرات، فإن بلادا إسلامية ً أشرقت عليها شمسُ الرسالة والنبوة قبل أكثر من سبعة قرون، على ما أثبته شيخ الرحالين أبو عبد الله ابن بطّوطة الطـنْجي، تشهد هذه البلاد، ربيعا دعويا يستحق لفت انتباه دعاة الإسلام، والمعنيين بالدعوة إلى الله تعالى، من هيئات ومؤسسات وجمعيات ووزارات إسلامية .
لقد ولي ـ في الدعوة في المالديف ـ عهْد السنواتِ العِجاف، التي كان فيه طلاب العلم الشرعي الملتحقون بالجامعات العربية الإسلامية، يتخفون بنبأ دراستهم، خوفا من المخابرات المالديفية، لأن السجن جزاءُ من يتفقه في الدين و يتعلم علوم الشريعة، وأحرى بالسجن من ينذرون قومهم رجعوا إليهم
ولى زمان ٌ كانت حتى بعثات دعاة الأزهر الرسميين التقليديين النمطيين منهم، قبل أداء عملهم الذي لايتجاوز شهر رمضان فقط، يعقد لهم اجتماع لرسم خارطة الحديث !!، توضَح لهم فيه الخطوط الحمراء التي يمنع الاقتراب منها، والموضوعات التي فيها يتكلمون، عليها يركزون، ومنها يمنعون، في اجتماع تعلو فيه نبرة الحزم والتجريم في حق من لم يتقيد بالتعليمات !!
فقد طفق الدعاة والمصلحون وأهل الدين، يستنشقون عبير الحرية وربيع الدعوة والإصلاح، يسابقون الزمن لتأسيس بنيان ما انهدم من عرى الإسلام، وما انصدع من حصن حماية هوية الإسلام، في بلاد يَمنع قانونُها من التدين بغير الإسلام ، ويحجب جنسيته عن من يبتغى غير الإسلام دينا !!. إنها صولةٌ للباطل ـ لعَمر الله ـ باقية في سجل تأريخ الدعوة في هذا البلد المسلم أهلُه، تبقى حقائق يرويها الشهود ومن عاصروها، لقرب العهد بها إذ لايتجاوز أمد زهُوّها ثم زُهُوقها بضع سنين ..
ولعلي في تقريري هذا المقتضب، الذي يشبه “ورقة عمل، أو برنامجا دعويا “لعلي أسجل فيه ما من شأنه يدفع عجلة الدعوة إلى الله في بلاد المالديف”.
ومما جاء في جملة مشاهداته خلال زيارته للمالديف:”لا تزال بحمد الله تعالى المظاهر الإسلامية، تصبغ الحياة العامة في جمهورية المالديف الإسلامية، كالحجاب، ومظاهر شهر رمضان مثل إغلاق المطاعم نهارا وعند الإفطار، واختفاء مظاهر المجاهرة بالفطر بين المسلمين، واحترام حرمة الشهر عند العامة، ومثل الأذان، واقبال الناس على المساجد وسماع ومشاهدة البرامج الإسلامية ….الخ” .
“يغلب على الدعاة عموما، والمشتغلين بالدعوة إلى الله في المالديف، مذهب أهل السنة والجماعة في الجملة، ولا توجد عندهم تنظيمات لجماعات دعوية كالإخوان المسلمين والتبليغ، التي كانت إلى عهد قريب ـ ولازالت ـ محظورة رسميا “.
“توجد كليتان شرعيتان في المالديف كلية الشريعة وكلية الدراسات الإسلامية، وقد ضمتها الجامعة الوطنية قبل أشهر.”
“يلاحظ الإهتمام الواضح بتعظيم المساجد عند المصلين في المالديف، من الحرص على عدم المرور بين يدي المصلين، وانتظار المصلين بعد سلام الإمام حتى نهاية الأذكار، وبنظافة وصيانة بيوت الله من الأصوات واللغظ، وغالبا أن الأب يوقف بجواره ابنه المميز في الصف، بالرغم من أن معظم مساجد المالديف غير مفروشة ولا مكيفة” . ومن أخطر التحديات التي رصدها الداعية بمركز الدعوة بالمدينة المنورة:” هو اعتماد التجار والدولة على المورد السياحي ( بالمفهوم الغربي الذي يصاحبه الخمر والتفسخ وإظهار شعار الكفر والشرك، وبيع التماثيل والأصنام لهم ..الخ ) كمصدر من مصادر الدخل، مع مافيه مما يخشى أن يكون كسبا خبيثا وموردا محرما”.
ومن ملاحظاته المهمة:
“بالرغم من كثرة الخريجين من الجامعات العربية ، إلاأن حركة ترجمة المراجع ومصادر العلوم الإسلامية الأساسية متأخرة جدا، فلا يوجد أي مرجع في المذهب الشافعي مثلا ـ وهو مذهب البلاد السائد -باللغة المالديفية، ولا يوجد تفسير مختصر أو مطول مترجم باللغة المالديفة ، أوحتى الصحيحان لم تترجما بعد ، نعم وقفت على ترجمة كتابين هما رياض الصالحين وكتاب التوحيد فقط، وقد أرجع معالى وزير الشؤون الإسلامية السبب، إلى انشغال المقتدرين من الخريجين، بتدبير المعيشة الغالية والوظائف التي تستهلك وقتهم، وإن كانت ثمة جهود ملموسة، من الدكتور فياض في ترجمة صحيح الإمام البخاري للمالديفية قطع فيه شوطا، ولكنها لاتعدو جهود فردية لا مؤسسية وليس متفرغا لها،
فلو تبنت جهة ما خيرية، عددا من مشاريع ترجمة المراجع الأساسية الشرعية العربية إلى لغة البلاد، وفق خطة مدروسة على حسب أولويات المراجع التي يحتاجونها لكان خيرا كثيرا، ولوفرغ لها مترجمون على مستوى عال لحصل نشر للعلم والثقافة الإسلامية”.
ووجه الداعية دعوة للدعاة المسلمين بالعناية بدعم الدعوة في المادليف من جميع الجوانب بما في ذلك إرسال دعاة وتمويل مساجد وتأسيس دعاة على منهج صحيح وبمنهجية بصيرة.
المعالم الإسلامية في المالديف
يعد جامع السلطان محمد تكرفان أكبر مسجد في عاصمة جزر المالديف ماليه، وقد حمل اسم المجاهد السلطان محمد تركفان الذي تصدى للاحتلال البرتغالي. وهو من أكبر المساجد في جنوب آسيا، وبامكانه استيعاب أكثر من 5000 مصلي في وقت واحد، وقد افتتح المسجد في عام 1404هـ (1984م).
ومن أهم المعالم الإسلامية البارزة فى جزر المالديف مسجد الجمعة وهو صرح تاريخي وإسلامي يقصده السياح من جميع بقاع الأرض وذلك لعراقته منذ عام 1066هـ (1656م). ويطلق عليه مسجد “الجمعة القديم” وهو مصمم بالكامل من الأحجار المرجانية. وهو واحد من بين عدة مساجد عريقة في البلاد.
تحديات تواجه جزر المالديف
صور من آثار دمار تسونامي في جزر المالديف
في حين تركز التحذيرات من التحديات التي تواجه جزر المالديف من التغير المناخي باعتباره أحد أكبر التحديات التي تواجه هذه الجزر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد بغرق الجزر. إضافة إلى خطر تدهور البيئة البحرية بتعرض شعب المرجان المحيطي لجزر المالديف للتدهور السريع بسبب هذه التغيرات المناخية والتلوث.
فإن أحد أكبر التحديات التي تواجه جزر المالديف هو الاعتماد الكلي والاتكالي على السياحة كمصدر دخل رئيسي في البلاد وليست مجرد سياحة بل هي سياحة مليئة بالمعاصي والمخالفات الشرعية واستحلال الخمور والزنا والرذيلة، ما يجعل البلاد في تبعية واعتماد كلي على هذا القطاع وانهزامية تقتل الفضيلة وتحارب الدين بهدوء بفتنة المال. فمع أن المالديف دولة مسلمة إلا أن قطاع السياحة فيها يقدم خدمات سياحية بحجم الحريات الغربية. والأسوأ أن يصبح هذا المدخل من المال هو الأساسي والرئيسي لاقتصاد البلاد، فتستمر حالة الانهزامية والخضوع لما يريده السياح لا تفرضه الهوية والدين!
لا شك أن هناك خطاب دعائي يتحدث عن جزر المالديف، لا يتجاوز مساحة محركات البحث على الأنترنت باللغة العربية، يزعم أن السياحة في المالديف إسلامية تحرم الخمور واللبس العاري وغيره من مخالفات شرعية وتقديم صورة وردية عن واقع البلاد، لكن الواقع أن السياحة لمن شهدها بنفسه لا تلتزم أي نظام إسلامي، فالشركات التي تدير المنتجعات شركات أجنبية تديرها وفق الاستثمار الذي يلبي احتياجات السياح الكفار، بما في ذلك توفير الخمور والتعري وهو ما يأكده البحث عن أخبار المالديف باللغة الأنجليزية، وما ينقله السياح الغربيون.
وما يتم تداوله من منع إدخال الخمور للمالديف ليس بزعم تحريم الشريعة له، بل لترويج الخمور التي توفرها المنتجعات المالديفية للسياح، ما يعني أن سياسية المالديف بمنع إدخال الخمور ليس من باب تحريمها بل من باب احتكارها ورفع الأسعار والاستفادة من مداخلها المالية في السياحة.
وللأسف رغم كل هذه التنازلات لا يزال الفقر متفشيا بين سكان جزر المالديف يرافقه صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. ولا ينعكس شكل من التحسن على معيشة الناس، بل حياة فقر وحاجة. بينما يستمر الفساد في عمق مفاصل الدولة، مما يجعل حركات الإصلاح والتغيير ضعيفة الأثر.
ومع موقع استراتيجي في مرمى أهداف القوى الكبرى المتنافسة مع مقومات استقلالية وريادة ضعيفة، تبقى جزر المالديف تتجاذبها الاستقطابات الدولية مع مزيد عزلة عن العالم الإسلامي، حيث لا تذكر جزر المالديف إلا ما ندر ولا تمتد الجسور مع العالم الإسلامي إلا من حيث السياحة والزيارات الدعوية المحدودة الأثر.
نسأل الله أن يسخر لأهالي المالديف الأقوياء الأمناء والدعاة المثابرين الذين يجمعون شتات هذه الأمة في وحدة تستدرك كل ضعف وتجبر كل نقص فلا يستفرد بها عدو أو محتل.
[1] “رحلة ابن بطوطة”، (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي ابن بطوطة، ط أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 هـ (4/ 53).
[1] “رحلة ابن بطوطة”، ط أكاديمية المملكة المغربية، (4/ 63).
[3] جهود علماء المالديف في ترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، عبد الستار عبد الرحمن المالديفي، رسالة دكتوراه، كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد- كراتشي، 1422 هـ – 2001 م، صـ11.
المستودع الدعوي الرقمي، المالديف.
التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، جزر المالديف.
رسالة من المالديف .. إلى أصحاب الهم الدعوي … مع التحية، د. محمود بن محمد المختار الشنقيطي ـ ماليه
مجموعة تقارير إعلامية وإخبارية متنوعة من القنوات الإخبارية.
ترندس للبحوث والاستشارات: إعادة توجيه: حدود التغيير في سياسة المالديف تجاه التنافس الجيوسياسي بين الصين والهند
الجزيرة: من أدخل الإسلام للمالديف.. رحالة مغربي أم صومالي؟
إسلام أون لاين: أبو البركات البربري..وقصة الإسلام في المالديف
موقع المالديف: السلطان محمد تكرفان الأعظم: قصة كفاح ملهمة عن الحرية
فيلم وثائقي بعنوان “الجنة المسروقة” لوحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة
بحث في مواقع التواصل ومحركات البحث عن شهادات من زار المالديف.
النشرة البريدية
بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.