الإسلام في جنوب آسيا: بنغلاديش

بنغلاديش ‏وتسمى رسميًا جمهورية بنغلاديش الشعبية هي دولة تقع جنوب شرق شبه الجزيرة الهندية.

وكلمة بنغلاديش تتكون من شقين: بنغلا (البنغال) ودش (بلد، أرض)، أي: أرض البنغال، والأصل الصحيح لكلمة “البنغال” غير معروف، على الرغم من أنه يعتقد أنه مشتق من كلمة “بانج” وهي إحدى القبائل الناطقة بلغة سكان “درافيديا” والتي استقرت في تلك المنطقة منذ حوالي ألف سنة قبل الميلاد.

ونشير الدراسات التاريخية إلى أن صلات قبل الإسلام بين العرب والبنغال، كانت قديمة خصوصاً في مجال التجارة وتبادل البضائع. وكان ميناء “تشيتاكونغ” بالبنغال مشهورًا في تاريخ المنطقة حيث سماه التجار العرب “شاطئ الكونغ”، وقد أقام في البلاد عدد من التجار المسلمين منذ القرن الأول الهجري.

كانت أرض البنغال بعد تقسيم الهند جزءا من جمهورية باكستان، ويفصل بينهما نحو ألفي كيلومتر وتقعان على طرفي الهند. ثم انفصلت بنغلاديش عن باكستان بمساعدة الهند عام 1392هـ (1972م) وأعلنت انضمامها لمنظمة الأمم المتحدة في عام 1394هـ (1974م)، وازدحم خط تحولها التاريخي بالانقلابات العسكرية وغياب الاستقرار السياسي، خصوصا في عقدي ما بعد الاستقلال.

الموقع الجغرافي

تقع بنغلاديش جنوب شرق آسيا، تحدها الهند من 3 جهات هي الغرب والشمال والشرق، ولها حدود في أقصى الجنوب الشرقي مع ميانمار، ويحدها من الجنوب خليج البنغال.

وتستقر بنغلاديش داخل الدلتا الخصبة والتي يكون فرعاها نهري “الجانج” و”البراهمبوترا” وتتعرض إلى الفيضانات السنوية الناتجة عن الرياح الموسمية والأعاصير.

السكان واللغات

تعد بنغلاديش من أكبر الكثافات السكانية في العالم حيث  تحتل المرتبة السابعة على مستوى العالم من حيث عدد السكان، وتدخل ضمن الدول شديدة الكثافة السكانية، مع ارتفاع معدلات الفقر، ويبلغ عدد السكان، 171 مليونا و118 ألفا، حسب تقديرات محرم 1446هـ (يوليو/تموز 2024م). وذلك بنسبة نمو: 1.08%.

يعيش في بنغلاديش 98% من السكان من أصول بنغالية، و 2% من قوميات أخرى.

وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المسلمين في بنغلاديش تقدر ما بين 86% و90.4%، وغالبيتهم العظمى من أهل السنة، أما الهندوس فتصل نسبتهم إلى 10.3%. أما أتباع الأحمدية والشيعة فتقدر نسبتهم معاً بِـ5.3% من إجمالي السكان، وهناك معتقدات أخرى نسبتها قليلة، كالبوذية والكاثوليكية الرومانية والسيخية، وغيرها.

ويتحدث اللغة البنغالية أكثر من 200 مليون شخص حول العالم، وتعد لغة بنغلاديش الرسمية والقومية، وثاني أوسع اللغات انتشارا في الهند بعد اللغة الهندية، وسابع أكثر اللغات انتشارا حول العالم بالنسبة لعدد السكان.

وتعرف الترجمة من العربية للبنغالية نشاطا لافتا في بنغلاديش نظرا لاهتمام البنغاليين بالعلوم والثقافات الإسلامية، مما يجعل لهذه الترجمات إقبالا وانتشارا.

كما تنتشر المدارس والمعاهد التي توفر تعليم اللغة العربية نظرا لعناية البنغاليين بتعلم العلوم الإسلامية.

يقول د، سعيد الرحمن في بحث له بعنوان: “واقع اللغة العربية في الكليات والجامعات بغرب البنغال”: ” بعد استقلال الهند من الاستعمار البريطاني كثر عدد المدارس الإسلامية في غرب البنغال. واليوم تكتظ ولاية غرب البنغال بالمدارس والمعاهد الدينية ويعرف بعضها بالجامعات العربية. وهذه الجامعات منتشرة في طول البنغال وعرضها خاصة في مديرية مالده ومرشدآباد وأتراديناجفور وبيربهوم وتُدرَّس فيها العلوم الدينية من التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه وأصول الحديث والتاريخ الإسلامي وبعض كتب الأدب والإنشاء والحساب والجغرافية إلا أن التركيز ينصب على تعلم العلوم الإسلامية ويتخرج الطلاب والطالبات في هذه الجامعات بشهادات “العالمية” و”الفضيلة”. وفي هذه الجامعات الأهلية والمدارس الإسلامية لا تُدرَّس اللغة العربية كلغة حديثة ومعاصرة وكلغة التواصل والثقافة بل تُدرَّس فيها هذه اللغة كوسيلة لتعلم العلوم الشرعية لا أكثر من ذلك. فالحصيلة اللغوية عند الطلاب والطالبات ضئيلة جدًا لا يستطيعون مطالعة الكتب العربية ومراجعتها في مختلف العلوم والفنون. وكفاءاتهم محصورة في كتب المناهج الدراسية. وهؤلاء الخريجون من الجامعات الإسلامية في غرب البنغال لا يوسعون آفاق الدراسة لعدم قدرتهم على ذلك”.

عاصمة بنغلاديش هي دكا، ونظام الحكم فيها جمهوري برلماني.

تاريخ الإسلام في بنغلاديش

تشترك بنغلاديش في تاريخ الإسلام مع شبه القارة الهندية الذي عرضناه في تاريخ الهند، حيث بدأ انتشار الإسلام في بلاد البنغال على أيدي التجار في القرن الأول الهجري، وكان سلوكهم وصدق معاملتهم من أسباب إقبال من يتعاملون معهم على الدين الإسلامي، ثم استوطن بعض العرب تلك المناطق بهدف الدعوة إلى الإسلام والتجارة معاً، وتوافد على مر العصور المئات من العلماء والدعاة من مختلف البلدان، لنشر الإسلام والدعوة لدين الله تعالى.

وتأسست الدولة الإسلامية في بلاد البنغال لأول مرة على يد الفاتح المسلم اختيار الدين محمد بن بختيار الخلجي، في القرن السابع الهجري (أوائل القرن الثالث عشر الميلادي)، وهو قائد تركي مسلم كان أحد قادة جيش قطب الدين أيبك في شمال شرق الهند. أسس بداية الدولة الخلجية في بيهار وهي إحدى ولايات الهند، تقع في الجزء الشرقي من البلاد وذلك في عام 589هـ (1193م)  ثم وسع دولته لتضم البنغال، وأسس بذلك أول دولة إسلامية في البلاد في عام 599هـ (1203م).

وكان ملك البنغال إذ ذاك “لكَّهن سِين” (Lakshman Sen) هندوسيا، وكانت له عاصمتان، عاصمة في البنغال الشرقية في “لكهنوتي” (Lakhnawati)، وعاصمة في البنغال الغربية في “نَديَا” (Nadia)، وعندما فتح “اختيار الدين” العاصمة “نديا”، فرَّ الملك “لكَّهن سِين” من قلعته المحصنة إلى البنغال الشرقية، وبعد أن تم فتح البنغال الغربية، شن “اختيار الدين” هجومه إلى البنغال الشرقية، وفتح “لكهنوتي” عاصمتها واتخدها عاصمةً لحكمه.

وكان سلطان دلهي “قطب الدين أيبك” قد اعترف بإمارة “اختيار الدين” على “البنغال”، وأقره عليها، وقد توفي “اختيار الدين” في مدينة “ديناج بور” عام 1206م (602 هـ) بعد أن فتح عاصمتا بنغلاديش.

قال الباحث تي. ايس. أرنولد أن الدعاة المسلمون نجحوا في البنغال نجاحًا باهرًا في الدعوة الإسلامية حيث اعتنق سكانها الإسلام في عدد كبير وأُسست دولة مسلمة في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي على يد محمد بن بختيار الخلجي في غور بعد أن فتح بيهار والبنغال.

ونشطت الحركة العلمية وافتتحت المساجد والمدارس الإسلامية خلال حكم الدول الإسلامية لبلاد البنغال منذ عام 594 إلى 1171هـ (1198م إلى 1758م) حيث برزت عدة دول إسلامية منها:

  • دولة إلياس شاهي ( 743 – 817هـ) (1342-1414م)
  • ودولة محمود شاهي (839 – 892هـ ) (1436-1487م)
  • ودولة الأحباش المماليك (892 -898 هـ) (1487-1493م)
  • ودولة حسين شاهي (898 – 945هـ ) (1493-1538م).

ثم خضعت البلاد لسلطة الملوك المغول.

واستمرت بلاد البنغال طوال تاريخها ضمن المراكز التعليمية والتجارية.

الحكم الإسلامي فترة ذهبية

أوضح جغديش نارايان سركار (JagdishNarauyan Sarkar) بشأن فتح بلاد البنغال على يد القائد محمد بن بختيار الخلجي وما حدث من التحولات في المنطقة، بأن هذا الفتح كان بداية لعهد جديد في البنغال بذر نواة الحكم الإسلامي سياسيًا. وفتح بابها للمهاجرين الأجانب من كل أنحاء العالم اجتماعيًا وبذلك تأثر المجتمع البنغالي والثقافة البنغالية. ودخل كثير من المواطنين في الإسلام متأثرين بأخلاق الصوفية والعلماء والدراويش وهؤلاء كانوا على ثقافة واسعة عميقة. وكان منهم شعراء وباحثون وأصوليون جاءوا من البلاد الأجنبية وفتحوا المراكز التعليمية والمدن التي ازدهرت كمراكز إدارية وتجارية وتعليمية؛ مثل: بيهار شريف وشتغاون (Shitagaun) وبندوا ‏‎(Pandua) وسونار غاون (Sonar Gaun) وسهلت (Sylhet) أصبحت مأوى للعلماء والباحثين.

وجاء في كتاب “Madrasa Education in India” أن الملوك الخلجيين لبيهار والبنغال أمثال محمد بختيار الخلجي والسلطان غياث الدين عوض الخلجي قاموا بتأسيس مدارس ومساجد وخانقاهات في المناطق الخاضعة لسلطاتهم. وقد استدعى علماء أجلاء بارزين للتدريس في تلك المدارس وبعد قدومهم أُسست مدارس كثيرة في مدينة مانير وبيهار شريف ولكناوتي عاصمة البنغال.

وجاء في الكتاب نفسه “كانت في بيهار والبنغال أيضًا مراكز تعليمية وثقافية نالت شهرة عالمية لاحتضانها علماء كبار أجلاء -وكان عصر السلطان شمس الدين فيروز شاه في البنغال مشهورًا للأمن والاستقرار والتقدم والازدهار في كل مجال. وفي عصر هذا السلطان أصبحت مدينة سونار غاون مركزًا كبيرًا للدراسات الإسلامية بالإضافة إلى لكناوتي. وإنه جعل مدينة سونار غاون عاصمة ثانية واستدعى علماء كبار من مختلف أنحاء العالم لتعميم العلم والثقافة – وكان العلامة شرف الدين أبو توامة دعي إلى سونار غاون للإقامة فيها وكان متضلعًا في علم الحديث والفقه والكلام”.

ظلت البنغال تحت سيطرة الحكام المسلمين وقيادتهم نحو (554) خمسمائة وأربع وخمسين عامًا، منذ عام (599 إلى 1170هـ )(1203م إلى عام 1757 م).

إلى أن تمكن الإنجليز من هزيمة المغول، والقضاء على الحكم الإسلامي في البنغال، واحتلوا بنغلاديش قرابة مائتي سنة. عملوا خلالها على إضعاف الصناعات البنغالية، ونشر المجاعات بين المسلمين، وتأجيج العداوة مع الهندوس، ثم عمدوا إلى تقسيم البنغال وتقطيع أوصاله بين الهند وباكستان.

بعد الانفصال عن باكستان وتأسيس بنغلاديش

عاشت بلاد البنغال الظروف نفسها خلال الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية وقد تناولنا تلك الحقبة في تاريخ الهند، كما تحدثنا عن مرحلة الانفصال عن الهند التي كانت خلالها بنغلاديش ضمن باكستان ثم جاء الانفصال الثاني، وهذه المرة عن باكستان، حيث انفجر العصيان في باكستان الشرقية (بنغلاديش) نتيجة إعلان تأجيل اجتماع المجلس النيابي في 4 محرم 1391هـ (الأول من آذار 1971 م)، واضطر الرئيس يحيى خان آنذاك، أن يسافر إلى الجناح الشرقي من باكستان واعتقل مجيب الرحمن  لأنه أعلن قيام دولة بنغلاديش في 29 محرم 1391 هـ.

واستسلم الجيش الباكستاني في الجناح الشرقي للمهاجمين الهنود وأعلن عن قيام دولة بنغلاديش، وتسلّم رئاستها نصر الإسلام، أما الحكومة فقد تسلمها تاج الدين أحمد، وعد الجيش الباكستاني كله أسيراً، ووقع قائده الجنرال نيازي وثيقة الاستلام.

واعترفت الهند بدولة بنغلاديش في 18 شوال 1391 هـ (6 كانون الأول 1971م).

وأطلق سراح مجيب الرحمن في 20 ذي القعدة 1391هـ (1 كانون الثاني (1972م) فسافر فوراً إلى لندن، وعقد هناك مؤتمراً صحفياً دعا فيه إلى الاعتراف بدولته وأجرى مباحثات مع رئيس وزراء بريطانيا، وأمضى يوماً واحداً في لندن، ثم انتقل إلى دلهي على متن طائرة هندية خصصت له، فاستقبل استقبال الفاتحين وانتقل من دلهي إلى دكا، قاعدة بنغلاديش، الدولة الجديدة، وقرر أن يتولى رئاسة الوزارة بنفسه، وأن يترك رئاسة الجمهورية بيد أبي سعيد شودري الذي كان رئيس وفد بلاده إلى الأمم المتحدة.

قطع مجيب الرحمن كل علاقة لبلاده مع باكستان مجرد عودته إلى دكا في 26 ذي القعدة 1391 هـ (12 كانون الثاني 1972م)، وعرض عليه ذو الفقار علي بوتو التنازل له عن السلطة في سبيل المحافظة على وحدة باكستان، غير أنه أصر على الانفصال، ولم يقبل عنه بديلاً، فلم تعترف باکستان به، ولا بنظام حكمه مدة ثلاث سنوات.

أصدر مجيب الرحمن دستورًا موقتًا ركز سلطات الحكم فيه بيد رئيس الوزارة، وجعل من رئيس الجمهورية صورة، فكان منصب رئاسة الجمهورية مجرد منصب شرفي لا أكثر.

وأعلن مجيب الرحمن تأميم المصارف وعدد من المصانع، والجزء الأعظم من المصايد الوطنية. أما مزارع الشاي، وحقول النفط التي تستثمر برؤوس أموال أجنبية فلم تقترب منها الحكومة.

اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بدولة بنغلاديش وبنظام الحكم في 20 صفر 1392 هـ (4 نيسان (1972م)، ولكن الصين لم تعترف بها بينما حصلت بنغلاديش على مساعدة عاجلة من روسيا، وتلتها مساعدة من الولايات المتحدة.

وانضمت بنغلاديش إلى رابطة الشعوب البريطانية “الكومنولث” في صفر 1392 هـ (نيسان 1972م) بينما كانت باكستان قد انسحبت من تلك الرابطة في ذي القعدة 1391 هـ (كانون الثاني 1972م).

لكن في نهاية المطاف اعترفت باكستان بدولة بنغلاديش في محرم 1394 هـ شباط 1974م. وبدأت مسيرة بنغلاديش في مواجهة العقبات والتحديات خلال كل مرحلة حكم جديدة حيث شهدت مرحلة ما بعد تأسيس دولة بنغلاديش حضور المجاعات والكوارث الطبيعية، وانتشار الفقر والاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية، إلى غاية عام 1411هـ (1991م) تشير التقارير إلى أن البلاد عرفت استقرارا نسبيا وتقدما اقتصاديا.

حكم مجيب الرحمن

كانت سلطة بنغلاديش في يد مجيب الرحمن، وقد أطلق على نفسه لقلب  “البانجاباتدهو”، أي أبو الأمة، واستبد بالحكم، فحلّ التنظيمات السياسية كلها سوى حزب رابطة عوامي، الذي بقي الحزب الواحد، وهو الحاكم، وأوقف الحريات العامة، وكانت الأوضاع الاقتصادية سيئة في البلاد، ولم تكن الأحوال الاجتماعية بأفضل منها، إذ كان الجهل عاماً، والفقر منتشراً، وتزايد السكان كبيراً، هذا بالإضافة إلى الفساد الإداري والأزمات الطبيعية التي تحل بالبلاد، فتزيد من سوء الأوضاع الداخلية، فقد تأثرت البلاد بالفيضانات التي تغمر الأراضي الزراعية وتهدم البيوت وتوقع الضحايا، وتعقبها سنوات عجاف، ما يسبب خسائر في المزروعات والمحاصيل، ويعيش الناس بضيق شديد ويصبرون على قسوة العيش، فضلا عن الأعاصير التي تجتاح البلاد، وتسبب الدمار والموت.

وتسبب فيضان كبير في عصر مجيب الرحمن في مجاعة عارمة، كما انتشر مرض الكوليرا، وضرب الاقتصاد الذي كان متأثراً مسبقاً بالحرب. ولم يكن العسكريون ليرضون عن السياسة العامة التي جعلت بنغلاديش تحت الوصاية الهندية، ولم يكن مجيب الرحمن في منأى عن أفكار العسكريين، فإن له أعواناً يندسون في كل مكان، لذا فقد أخذ يخشاهم. كما كان يهدد الاستقرار وجود مجموعات معارضة تلجأ إلى نقيضي الأطراف السياسية.

وأصبح مجيب الرحمن رئيساً بيده السلطة كلها، وله الصلاحية المطلقة، وخوفاً من العسكريين فقد نظم لحمايته جيشاً سرياً يعرف بـ”واكي باهيتي” وسلّح هذا الجيش الخفي ودربه، ولكن لا يدوم الملك لأحد، ففي 28  رجب 1395 هـ (15 آب 1975م) حدث انقلاب بقيادة الرائد “وداليم” ضد مجيب الرحمن فأطاح به وبنائبه ورئيس وزرائه، والنظام القائم كله، وبأسرته أيضاً، ونصب وزير التجارة السابق خندكر مشتاق أحمد رئيساً للدولة.

 حكم مشتاق أحمد

User comments

كان مشتاق أحمد رجلا متديناً، يشتهر بمواقفه ضد الشيوعية، ولم يكن راضياً عن المساعدة الروسية لبنغلاديش عند انفصالها عن باكستان، ولا عن التدخل الهندي في شؤون بنغلاديش، ومع أنه كان مسؤولاً عن الشؤون الخارجية في الحكومة الموقتة التي شكلت برئاسة تاج الدين أحمد، غير أن مجيب الرحمن لم يسمح له بصلاحيات كبيرة، لذلك حين استلم منصبه كان أول ما قام به تغيير الاسم الرسمي للدولة من “بنغلاديش” إلى “جمهورية بنغلاديش الإسلامية”، وحاول الوصول إلى مفاوضات مع باكستان ليقيم بينهما صلات وروابط متينة وهو موقفه من قبل الانفصال لكنه لم يكن ليحقق تأثيرا فمجيب الرحمن كان لا يسمح بذلك.

وقد أيدت الولايات المتحدة الانقلاب بقيادة مشتاق أحمد رغم أنه لا يسير في فلكها، لأنه ابتعد عن روسيا التي لم تكن راضية عما حدث. كما عمل مشتاق أحمد على الابتعاد عن الهند بأسلوب سياسي. وعين ضياء الرحمن رئيساً للأركان، ولكن الجيش أصبح مفككاً، فالقادة الكبار غير راضين عن الوضع لأن الذين دونهم من الضباط قد أصبحت السلطة بأيديهم، أما الشباب من أصحاب الرتب الصغيرة فهم وإن كثر عددهم إلا أنه لا خبرة لهم في السياسة، ولا علم لهم بالإدارة.

وفي 29 شوال 1395 هـ (3 تشرين الثاني 1975م) قام انقلاب مضاد قاده العميد خالد مشرف الذي أحضر من الهند، وهو من الموالين للهند. وأنهى بذلك حكم مشتاق أحمد الذي بدأ بدوره بانقلاب.

حكم خالد مشرف

تولى السلطة مدة أربعة أيام فقط، من 29 شوال إلى 1 ذي القعدة 1395 هـ ( 7 تشرين الثاني 1975م) وقبل أن يستقر له الأمر في الحكم، حدث انقلاب آخر، وأقصى خالد مشرف، واستولى على السلطة ثلاثة من رؤساء هيئة الأركان، وولوا عليهم رجلا غير سياسي هو عبدالستار محمد صايم، رئيس قضاة المحكمة العليا.

عبدالستار محمد صايم

تشكلت حكومة حيادية لا تنتمي إلى أي حزب، وأعيد الفريق أول ضياء الرحمن رئيساً لهيئة أركان الجيش. سمح للأحزاب السياسية بالنشاط ولكنه أجل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، واستولى الفريق أول ضياء الرحمن على سلطات الرئيس الإدارية من الرئيس عبدالستار محمد صايم تبعاً للأحكام العسكرية، وأخيراً استلم كامل السلطة، وأعلن نفسه رئيساً للبلاد في ربيع الثاني 1397 هـ (نيسان 1977م­).

 ضياء الرحمن

منذ أن تسلم ضياء الرحمن السلطة عمل على إبعاد قادة الانقلاب وعاملهم بوحشية بلا هوادة، إذ أعدم العقيد طاهر شنقاً، وحكم على الآخرين بالسجن مدى الحياة، واختلف مع رئيس القضاة عبد الستار محمد صايم على الدستور، وجعل الإسلام نظام الدولة الأساسي بدلاً من العلمانية في سبيل إرضاء الشعب، وللتغطية على ماضيه المنفّر.

كان ضياء الرحمن أثناء انفصال بنغلاديش عن باكستان رائداً في الجيش، ووراء ذبح الكثير من الضباط الباكستانيين، والمئات من الجنود مع عائلاتهم كما اعتقل المئات بتهمة التعاون مع الباكستانيين.

وتسبب ذلك في تنامي عداوة العسكريين له، خاصة وأنهم على الرغم من كونهم سبب صعوده إلا أنه كان يدخل أعوانه في الجيش برتب عالية بغض النظر عن ضعف خبرتهم بالشؤون العسكرية أو جهلهم بها.

ومع الوقت أخذ وضع الجيش يتدهور فالتقى كبار الضباط على اختلاف أهوائهم بعضهم مع بعض، وطالبوا ضياء الرحمن بالتخلي عن منصب رئاسة الأركان التي يشغلها، فوافق، ووضع نور السلام أحمد في هذا المنصب بعد أن رقاه إلى رتبة جنرال، وهو أحد أعوانه المخلصين.

ومما زاد في تذمر العكسريين توقيع اتفاقية سد فاراكا مع الهند، في 1397 هـ  أيلول 1977م وهي اتفاقية أحدثت الاستياء والغضب لكونها وقعت لصالح الهند فتشكلت جبهة معارضة ضمت مختلف المشارب، وكانت أكبر مراكز قوتها في دكا وبوغرا وجيسور.

لكن ضياء كان يتوعد المعارضة بما لم تحسب حسابه وذلك حين استغلت وصول طائرة يابانية مخطوفة إلى مطار دكا، وتحركت لإحداث انقلاب وسيطرت على الإذاعة في دكا لمدة ساعة كاملة، حيث تمكنت قوات ضياء الرحمن منها وباءت محاولتها بالفشل ـ وأعدم حينها أحد عشر ضابطاً من كبار ضباط الطيران كما قتل الكثيرون من غير الطيارين وتشير مصادر إلى أن عدد القتلى بلغ خمسمائة قتيل، وفرّ من البلاد أكثر من ألفي عسكري.

ولكن الأمر لم يدم على حاله فبعد سلسلة قرارات وقوانين، ضغطت المعارضة على ضياء الرحمن للمشاركة في الانتخابات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسين، وسحب الحظر عن الصحافة فشارك تسعة وعشرون حزباً في الانتخابات، ثم فاز  حزب ضياء الرحمن وتم تعيين رئيس مجلس وزراء جديد، وألغي قانون الأحكام العرفية ورفعت حالة الطوارى فى شهر ذي الحجة 1399هـ (تشرين الثاني 1979م).

وفي 27 رجب 1401هـ (30 أيار 1981م)، كانت نهاية حكم ضياء الرحمن باغتياله، في محاولة انقلاب عسكري يعتقد أن خلفها قائده الفريق محمد عبد المنصور، وهو قائد وحدة عسكرية، كما قتل الفريق محمد عبدالمنصور لاحقاً في ظروف مضطربة، وتولى الرئاسة القاضي عبدالستار محمد صايم نائب الرئيس ضياء الرحمن.

عبدالستار محمد صايم

عادت الفوضى السياسية إلى البلاد، حيث أخذت المظاهرات تعم المدن الكبرى احتجاجاً على إعدام الضباط الذين ساهموا في محاولة الانقلاب كما كانت المعارضة تطالب بتقديم موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.

وجرت انتخابات الرئاسة في مطلع عام 1402 هـ (تشرين الثاني 1981م)، وفاز فيها فوزاً ظاهراً الرئيس عبدالستار محمد صايم مرشح حزب بنغلاديش الوطني.

وأعلن عبد الستار أن سياسته تتمة لسياسة الرئيس السابق ضياء الرحمن، ولكنه وجد صعوبة بالغة في إمكانية السيطرة على الوضع بالحكومة المدنية، لذلك شكل في ربيع الأول 1402 هـ (كانون الثاني 1982 م) مجلساً وطنياً للأمن ضمّ عدداً من العسكريين برئاسة الفريق حسين محمد إرشاد رئيس هيئة أركان الجيش، ثم ما لبث أن استولى الفريق محمد إرشاد على السلطة بانقلاب أبيض، مدعياً أن الفساد السياسي، وسوء الإدارة الاقتصادية قد أصبح غير محتمل.

حسين محمد إرشاد

أعلن حسين إرشاد الأحكام العرفية، ولقب نفسه بالرئيس الإداري لقانون الأحكام العرفية، ثم غير هذا اللقب إلى رئيس الوزراء. منع النشاط الحزبي، وقدم عدداً من الوزراء السابقين إلى المحكمة وأودعوا السجن بتهمة الفساد. وعلى الرغم من أن سياسة الحكومة الاقتصادية قد لقيت بعض النجاح وكسبت قدراً من التأييد، إلا أنه زادت المطالبة بالعودة إلى الحرية والحياة النيابية، وظهرت على الساحة السياسية مجموعتان رئیسیتان:

  1. تحالف خمسة عشر حزباً برئاسة جناح من حزب رابطة عوامي، بزعامة الشيخة حسينة واجد ابنة مجيب الرحمن.
  2. تحالف لسبعة أحزاب برئاسة جناح من الحزب الوطني البنغالي بزعامة الرئيس السابق عبدالستار محمد صايم، وخالدة ضياء أرملة ضياء الرحمن.

وعرفت البلاد اضطرابات على إثر المظاهرات التي تطالب بالعودة إلى الحكم المدني، فمنع النشاط السياسي بعد مضي أسبوعين فقط على السماح به، وتم إلقاء القبض على القيادات الحزبية، وشمل ذلك موقتاً الشيخة حسنية واجد، وخالدة ضياء. وأعلن حسين محمد إرشاد نفسه رئيسا لبنغلاديش.

لكن الأوضاع استمرت غير مستقرة واستمر سيناريو تعطيل الانتخابات ومقاطعتها، واستمرت كذلك المعارضة في تنظيم الإضرابات والمظاهرات المعادية للحكومة، وتؤيدها نقابات العمال ومجموعات من الطلاب، للمطالبة باستقالة الحكومة، وكانت الاستجابة أن أقر المجلس النيابي تعديل قانون المجالس المحلية، حيث أصبح بإمكانية القوات المسلحة أن تشارك في أربعة وستين مجلساً شأنها في ذلك شأن الممثلين المنتخبين، وهذا ما أدى إلى زيادة حدة الإضرابات والمظاهرات. وأصبح بعضها يتسم بالعنف بتهمة أن القانون يجعل  الجيش مشاركاً بالحكم بصورة مستمرة، وهو هدف الرئيس لتثبيت وضعه حيث يعتمد في حكمه على العسكريين لكنه حين رأى اشتداد المعارضة اضطر إلى سحب القانون بعد شهر من إقرار المجلس النيابي له.

وكانت بنغلاديش بعد ذلك على موعد مع أضرار الفيضانات التي اجتاحت البلاد، ولم تعرف لها مثيلاً منذ أربعين سنة إذ نجم عنها خراب كبير للغاية فحجبت الأحداث السياسية وطغت عليها.

وفي ربيع الأول من عام 1408هـ (تشرين الثاني 1987م) تجمعت قوى المعارضة، ونظمت احتجاجات، فقامت الحكومة بإلقاء القبض على الآلاف وكان من بينهم حسينة واجد، وخالدة ضياء، ولكن المظاهرات استمرت، ووقعت صدامات بين رجال الشرطة والمتظاهرين. وبعد ستة عشر يوماً من المظاهرات العنيفة فرض رئيس شرطة دكا حظراً على المظاهرات والمسيرات في العاصمة شهرا كاملا وقد تسببت هذه الأعمال في خلل اقتصادي.

ثم أعلن الرئيس حسين محمد إرشاد حالة الطوارىء، خشية الإضراب العام الذي كانت تنويه المعارضة، فتوقفت بذلك النشاطات السياسية كلها، وحدد حالة الطوارى، مبدئياً بأربعة أشهر، ورغم ذلك فقد قامت بعض المظاهرات ووقعت بعض الإضرابات لإجبار الرئيس على الاستقالة.

بلغ عدد المعتقلين نتيجة الإضرابات والمظاهرات ما يزيد على ستة آلاف مواطن. واستقال اثنا عشر نائياً من المعارضة وأبدى ثلاثة وسبعون من رابطة عوامي استعدادهم للاستقالة، فقام الرئيس البنغالي بحل المجلس النيابي. وفي الوقت نفسه أطلق سراح الشيخة حسينة واجد وخالدة ضياء، ولكن فرض عليهما الإقامة الجبرية في المنزل. وحاول الرئيس خلال ذلك إجراء مفاوضات سلمية مع خالدة وحسينة لكنه قوبل بالرفض وأصرتا على المعارضة وإجباره على الاستقالة.

وبعد معارك مع المعارضة تشكلت حكومة جديدة برئاسة مودود أحمد الذي كان يشغل نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للتجارة في الحكومة السابقة كما اضطر الرئيس إرشاد إلى إلغاء حالة الطوارىء تحت ضغط حملة المعارضة القوية.

وأقر المجلس النيابي تعديلات أساسية في الدستور وبأغلبية مطلقة وأصبح الإسلام دين الدولة.

وأخذ موقف المعارضة يتراجع بسبب خلافات وقعت في الصفوف وصعود جناح منافس وكانت بنغلاديش على موعد مع موسم الفيضانات الذي تسبب في كارثة كبيرة، حيث أعقبه إعصار عنيف تسبب في مقتل ثلاثة آلاف إنسان، فانشغل الناس عن الأحداث السياسية.

سارت بنغلاديش على سياسة “عدم الانحياز” شكليا،  وتحسنت العلاقات مع دولة باكستان بعد أن اضطرت الأخيرة إلى الاعتراف بدولة بنغلاديش، ونظام الحكم القائم فيها، وخاصة أنه كان قد أطيح بنظام مجيب الرحمن، وقتل وأسرته، وكان هو عامل الانفصال الذي شحن البنغاليين بالحقد والكراهية ضد الباكستانيين وعمل على التوتر النفسي بين سكان الإقليمين. تم تبادل السفراء بين البلدين وأعيدت العلاقات.

كان حسين محمد إرشاد الحاكم العسكري ورئيس الدولة العاشر لجمهورية بنغلاديش الشعبية، وامتدت مدة رئاسته من جمادى الأولى 1402 إلى جمادى الأولى 1411 (مارس 1982م إلى ديسمبر 1990م).حيث انتهت حقبته بالاستقالة,

خالدة ضياء.. أول رئيسة وزراء في بنغلاديش

نشطت خالدة سياسيا بعد اغتيال زوجها الرئيس ضياء الرحمن قبل تولي القاضي عبد الستار الرئاسة بالنيابة، الذي عينها نائبة لرئيس الحزب القومي البنغلاديشي ثم انتخبت لرئاسته في 1404هـ (1984م).

شكلت خالدة ائتلافا مع 7 أحزاب لزيادة حركة مناهضة نظام حكم الجنرال محمد حسين إرشاد، وكانت قد اعتقلت في عهده 7 مرات خلال 9 سنوات تقريبا. وتمكنت خالدة بفضل التحالف الذي ضم الأحزاب السبعة، من دفع الجنرال إرشاد إلى الاستقالة يوم 19 جمادى الأولى 1411 هـ (6 ديسمبر/كانون الأول 1990م).

وقادت حزبها في  رجب 1411هـ (فبراير/شباط 1991م) لنصر ساحق في الانتخابات البرلمانية، وفي الشهر التالي تولت منصب رئيس مجلس الوزراء، وأصبحت أول امرأة تشغل هذا المنصب في البلاد، والثانية على مستوى العالم الإسلامي.

ومع مواجهة الأحزاب السياسية لتغييرات ومعارضة من الداخل، عدلت خالدة دستور الحزب، إذ أصبحت انتخابات رئاسته تجري بالاقتراع السري عوضا عن الموافقة العلنية، وذلك تفاديا لما قد يحدث من انقسام كما حدث في أحزاب المعارضة.

زاد التعديل من قوة المعارضين، وأعطاهم فرصة التصويت دون خوف من الانتقام منهم إذا عارضوا.

تولت خالدة رئاسة الوزراء لولاية ثانية في عام 1416هـ (1996م) ، ولكنها استقالت بعد شهر بسبب الإضرابات والاحتجاجات، وفاز حزب رابطة عوامي بالانتخابات التشريعية برئاسة الشيخة حسينة واجد، وحينها برز حزب خالدة باعتباره أكبر حزب معارض في التاريخ البرلماني للبلاد بمجموع 116 مقعدا.

أعيد انتخاب خالدة عام 1421هـ (2001م) ونجحت باستعادة السلطة، واستمرت في منصب رئاسة مجلس الوزراء حتى 1426هـ (2006م). وبعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد في ذو الحجة 1427هـ  (يناير/كانون الثاني 2007م) أطلقت حملة لمكافحة الفساد واتهمت خلالها خالدة وابنها واعتقلا في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ثم أفرج عنها بعد عام بكفالة.

وبعد سلسلة من الأحداث ومحاولات العودة للحكم، حكم على خالدة عام 1439هـ (2018م) بالسجن 17 عاما بتهمة الفساد، وسجنت عامين قبل إطلاق سراحها تحت قيود شديدة. تدهورت صحتها بعد ذلك، إذ أصيبت بتليف الكبد المتقدم والسكري ومشاكل في القلب. ورفضت رئيسة الوزراء الشيخة حسنية عام 1444هـ (2023م) طلب أسرة خالدة السماح لها بالسفر إلى ألمانيا لإجراء عملية لزراعة الكبد.

وفي يوم 1 صفر 1446هـ (5 أغسطس/آب 2024م) أمر رئيس بنغلادش محمد شهاب الدين بالإفراج عن ضياء من الإقامة الجبرية، وذلك بعد استقالة حسنية واجد وفرارها إلى الهند إثر اقتحام آلاف المتظاهرين مقرها الرسمي في دكا.

حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلاديش لـ5 فترات

حسينة واجد، زعيمة حزب رابطة عوامي السياسي. شغلت منصب رئيسة وزراء بنغلاديش خمس فترات؛ فترة ولاية واحدة من عام  1417  إلى 1422هـ  (1996 إلى عام 2001م) و4 فترات متتالية منذ عام 1430 إلى 1446هـ (2009 إلى عام 2024م)

هي أكبر البنات الخمس للشيخ مجيب الرحمن، مؤسس وأول رئيس لجمهورية بنغلاديش الشعبية. وزوجة العالم الفيزيائي واجد مياه. نشطت سياسيا في حياة والدها وفي  8 شعبان 1395هـ ( 15 أغسطس/آب 1975 م) اغتال ضباط بنغاليون والدها وجميع أفراد أسرتها، ونجت هي وشقيقتها ريحانة من الاغتيال لوجودهما آنذاك في ألمانيا، ثم ظلت فترة في المنفى بين بريطانيا والهند حتى انتخابها رئيسة لرابطة عوامي.

عند عودتها إلى وطنها عام 1401هـ (1981م) أصبحت مناصرة بارزة وصريحة للديمقراطية، وهو ما أدى إلى وضعها تحت الإقامة الجبرية في مناسبات عديدة. ثم حصلت في نهاية المطاف على مقعد في البرلمان وأصبحت زعيمة للمعارضة فيه. وفي  7 صفر 1417هـ (23 يونيو 1996م) أصبحت حسينة رئيسة للوزراء في بنغلاديش بعد فوز حزبها بالانتخابات التشريعية، غير أن الحزب مني بهزيمة في انتخابات 1427هـ  (2001م).

في ربيع الثاني 1428هـ ( أبريل 2007م) وجهت لها تهمة الابتزاز والتحريض على القتل، وأصدر القضاء مذكرة إيقاف بحقها سرعان ما تم إلغاؤها.

وبعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر، اعتقلتها الشرطة البنغالية قبل أن يتم إطلاق سراحها في الشهر نفسه، لتسافر بعدها إلى الولايات المتحدة بغرض العلاج.

وفي 8 ذو القعدة 1429هـ (السادس من نوفمبر 2008م) عادت إلى بنغلاديش وقادت حزب رابطة عوامي في انتخابات ذو الحجة 1429هـ (ديسمبر 2008م)، والتي أدت إلى تسلمها رئاسة الوزراء مجددا في 9 محرم 1430هـ (السادس من يناير 2009م).

استمر وضع البلاد ضعيفا وفي عام 1435هـ (2014م) قاطع الحزب الوطني البنغالي وجماعات المعارضة الأخرى صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية بسبب المخاوف من أن الانتخابات لن تكون حرة ونزيهة، واكتسح بذلك حزب رابطة عوامي النتائج، وأدت حسينة اليمين الدستورية رئيسة للحكومة للمرة الثالثة.

وفي عام 1438هـ (2017م)، وفي خضم رئاستها للوزراء، وصل أكثر من 700 ألف من الروهينجا إلى بنغلاديش، هربا من الإبادة الجماعية في ميانمار المجاورة.

وعرفت فترة حكم حسينة شدة القمع للمعارضة إذ تم اعتقال الكثير من أعضاء المعارضة أو محاكمتهم، وكان من ضحاياها الجماعة الإسلامية.

ووفقا لما أعلنه الحزب الوطني البنغالي، فقد تم اعتقال أكثر من 20 ألفا من قادته وأعضائه ومؤيديه كجزء من حملة قمع كبيرة بدأت في ربيع الأول 1445هـ (أكتوبر 2023م) كما دعا الحزب المعارض إلى إضراب على مستوى البلاد. وردت حسينة بدعوة الناس إلى التصويت ووعدت بأن “هذه الانتخابات ستكون حرة ونزيهة”. وأسفرت الانتخابات عن فوز ساحق لحزب رابطة عوامي، الذي حصل على 222 مقعدا في البرلمان المؤلف من 300 مقعد.

وفي 29 جمادى الآخرة 1445هـ (11 يناير 2024م) شغلت حسينة واجد منصب رئيسة وزراء بنغلاديش للمرة الخامسة، وهو ما وضع اسمها في قائمة القيادات النسائية البارزة الأطول حكما في العالم.

واندلعت احتجاجات شعبية أطلق عليها المحتجون “حصار بنغلادش” في عام 1445هـ (منتصف عام 2024م) طالبوا فيها باستقالة رئيسة الوزراء، واتهموها باعتقال 10 آلاف شخص وشن حملات قمع متكررة ضد المعارضة، وحظر حزب الجماعة الإسلامية وجناحه الطلابي “شيبير”، واعتقال كثير من القادة المعارضين.

وقتل خلال الاحتجاجات المئات من المتظاهرين، وسط أعمال عنف وتخريب اجتاحت البلاد وتسببت باندلاع اشتباكات مع قوات الشرطة، فاضطرت الحكومة إلى إعلان حظر تجول يوم 29 محرم 1446هـ (4 أغسطس 2024م)، كما أعلنت عطلة عامة لـ3 أيام. واتهم معارضون، إلى جانب جماعات لحقوق الإنسان، حكومة الشيخة حسينة باستخدام القوة المفرطة لإخماد الحراك، واضطرت رئيسة الوزراء التي طال حكمها القمعي إلى تقديم استقالتها من منصبها، وفرت إلى الهند، في حين اقتحم متظاهرون مقرها الرئيسي في داكا، وأعلن الجيش عن محادثات لتشكيل حكومة مؤقتة.

وذكرت صحيفة بنغلاديشية أن حسينة غادرت إلى الهند على متن مروحية عسكرية، في حين نقلت التقارير عن مصادر استخبارية أنها وصلت إلى مدينة أغراتالا بشمال شرقي الهند، وأن نيودلهي تعهدت بضمان سلامتها. واحتفلت البلاد بخروج حسينة احتفالات كبيرة. وحطموا آثار حكمها ورجموا صورتها وحطموا صنم والدها، وأفرغوا سخط سنين من القمع والصلف والطغيان في الطرقات وقصر الرئاسة الذي اقتحموه واستولوا على ما فيه. بينما سارع السياسيون للمطالبة بتسليم حسينة ومحاكمتها على جرائمها بحق شعبها.

الثورة في بنغلاديش

بدأت الأزمة السياسية في بنغلاديش باحتجاجات قادها الطلاب في 6 محرم 1446هـ (12 يوليو 2024م) والتي اندلعت في المقام الأول اعتراضاً على نظام الحصص المقيدة للوظائف الحكومية، فبموجب القانون قامت الحكومة بتخصيص مقاعد في نظام التوظيف لديها بنسبة 10% للأشخاص من المناطق المحرومة، و10% للنساء، و5% للأقليات، و1% للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى 30% للمناضلين من أجل الحرية (قدامى المحاربين المشاركين في حرب الاستقلال ضد باكستان) وأحفادهم.

وعلى الرغم من أن حصة الوظائف التي استأثرت بها الفئة الأخيرة لم تكن مثيرة للجدل في البداية، إلا أن هذه الحصة تحديداً شكلت ركيزة منظومة المحسوبية السياسية لصالح حزب “رابطة عوامي” الحاكم.

وكانت حسينة قد ألغت نظام الحصص بعد احتجاجات طلابية عنيفة عام1439هـ (2018م) وهو ما ساهم في انهاء تلك الاحتجاجات. وبعد أن أعادت المحكمة العليا في بنغلاديش العمل بنظام الحصص في ذو الحجة 1445هـ (يونيو 2024م) اندلعت الاحتجاجات مُجدداً وسرعان ما تحولت إلى أعمال عنف.

وكان رد رئيسة الوزراء حسينة العنيف على المتظاهرين، ووصفهم بـ “الرازاكار” [وهو مُسمَّى ازدرائي أُطلِقَ على قوة من المتعاونين الذين استخدمتهم باكستان لمحاولة منع انفصال بنغلاديش والإرهابيين، سبباً في تأجيج الاحتجاجات المناهضة لحسينة وحكومتها. وفي نهاية المطاف، أَجبَرت شدة الاحتجاجات ونطاقها الجيش على التدخل، مما أدى إلى استقالة حسينة وهروبها إلى الهند.

ومما رصد في انتفاضة الشعب المكلوم في بنغلاديش على السلطة الظالمة، رفع أعلام فلسطين حيث رافقت ثورتهم الحرب الشرسة في قطاع غزة على يد الاحتلال الصهيوني ومن خلفه التحالف الغربي وأوقعت المجازر الدامية وسط تواطؤ المجتمع الدولي. وقد أزعج ذلك الإعلام الغربي الذي حاول طمس العلم الفلسطيني كما فعلت مجلة الايكونوميست التي مسحت العلم من اللقطات الأصلية في تزوير قبيح للحقائق.

كما رفع المتظاهرون شعارات إسلامية وطلبوا بعودة الإسلام حاكما للبلاد. وارتفعت الأصوات بآيات القرآن العظيم والآذان وكل ما يعبر عن هوية الشعب المسلم الذي يطلب الحياة الكريمة.

الحكومة المؤقتة بعد ثورة الشعب

واستلم الخبير الاقتصادي محمد يونس – الحاصل على جائزة نوبل للسلام – الحكم للتو بعد عودته من باريس، حيث لا تزال البلاد في مرحلة إعادة ترتيب أوراق السلطة.

وتم تعيين محمد يونس رئيسا للحكومة المؤقتة نتيجة اجتماع بين رئيس البلاد محمد شهاب الدين، وقيادات الحركة الطلابية التي قادت الانتفاضة على السلطة. وقال القائد العسكري لبنغلاديش، الجنرال وقر الزمان، في خطاب متلفز موجه للأمة إنه “واثق” من أن محمد يونس سيكون “قادرا على قيادة عملية ديمقراطية جيدة سنجني ثمارها”.

وسهلت عودة محمد يونس إلى بلاده تبرئته في محكمة استئناف من تهمة انتهاك قانون العمل. وكانت إدانته أمام المحكمة الابتدائية الحكم الوحيد الصادر ضده في أكثر من مئة دعوى جنائية تستهدفه، ويعتبر المدافعون عنه أن أهدافها سياسية. وسافر يونس إلى الخارج بعد أن حُكم عليه بالسجن ستة أشهر، مع بقائه حرا في انتظار الاستئناف. وينتظر الشعب البنغالي منه أن يحسن من اقتصاد البلاد ويمنح مساحة الحريات التي منعتها حسينة.

ووعد محمد يونس بتحسين ظروف الروهينجا اللاجئين في البلاد بعد أن حرموا حقوقهم في عيش كريم.

ويجدر الإشارة إلى أن القيادة البنغلاديشية أسقطت الحظر الذي فرضته حسينه على معارضيها فور هروبها، ومنه الحظر على «الجماعة الإسلامية» أحد الأحزاب الرئيسية في البلد، وأكبر تنظيم إسلامي فيه. والذي ظل لعقود حليفاً رئيسياً لحزب المعارضة الرئيسي لحسينة، (حزب بنغلاديش الوطني).

شخصيات اعتقلت وأعدمت أو توفيت داخل السجن

كان من ضحايا حسينة، عدد من القيادات والمشايخ ومنهم، عبد القادر ملا وهو أول قيادي من حزب الجماعة الإسلامية يتم إعدامه. وعلي إحسان مجاهد وهو الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية وقد أعدم.

ومحمد قمر الزمان، قيادي بحزب الجماعة الإسلامية وقد أعدم. ومطيع الرحمن نظامي وهو قيادي إسلامي بنغالي ورئيس لحزب الجماعة الإسلامية وشغل منصب وزير الزراعة ووزير الصناعة حتى 1427هـ (2006م) وقد أعدم.

ومير قاسم علي عضو اللجنة التنفيذية المركزية لحزب الجماعة الإسلامية، وهو رجل أعمال بارز في البلاد ويدير شركات في مجالات متعددة. وقد أعدم. وغلام أعظم، أمير الجماعة الإسلامية، واعتقل وعمره نحو 89 عاما. وتوفي غلام أعظم داخل المعتقل.

وأبو الكلام محمد يوسف وهو يحمل لقب “ممتاز المحدثين”، وهو أرفع لقب لعلماء الحديث في بنغلاديش. وكان ينتمي إلى الجماعة الإسلامية قبل الانفصال، وشغل الشيخ عضوية مجلس الشورى للجماعة الإسلامية بين 1382 و 1391هـ (1962 و1971م) تحت قيادة الشيخ أبي الأعلى المودودي في ذلك الوقت، عندما كان البروفيسور غلام أعظم أمير الجماعة الإسلامية لباكستان الشرقية. وبعد الانفصال، شغل أبو الكلام منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية لأربع فترات، ثم عين لاحقا نائبا لأميرها.

وتوفي الشيخ أبو الكلام محمد يوسف داخل مستشفى نقل إليه من السجن بعد تدهور حالته الصحية، حيث كان يعاني من عدة أمراض مزمنة من بينها السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.

هذا فضلا عن الكثير ممن غيّب في السجون أو قتل بصمت دون أن تهمة تستحق القتل. وقد ارتدت هذه المظالم على حسينة فسلبتها السلطة بطريقة مذلة، وأدخلتها في قائمة الخونة لبلادهم. وأكدت هذه الحوادث حقيقة أن صعود النساء للحكم لم يزد من حال بنغلاديش إلا مزيدا من البؤس والظم والشقاء.

أبرز مشاكل بنغلاديش

لا تزال الكوارث الطبيعية والمجاعات من أبرز مشاكل بنغلاديش، حيث تأتي كل عدة سنوات، إما فيضان وإما مجاعة أو حتى الأعاصير التي تجتاح البلاد، وتسبب الدمار والخراب، كما تكون عاملاً في الفيضان إذ تحول دون انصباب مياه الأنهار في البحر بشكل طبيعي، فيرتفع مستوى مياه الأنهار والروافد ويحدث الفيضان.

ومع كثرة المساحات التي تغطيها مجاري الأنهار، ومياه الفيضان، والمستنقعات تتقلص المساحة الصالحة للزراعة، وفي الوقت نفسه يصعب إقامة المعامل، ولهذا كله ينتشر الفقر، ومع انتشار الفقر يعم الجهل، ومع سيادة الفقر والجهل يكثر أصحاب المصالح، ويمكن اللعب بأفكار السكان وتكثر الصراعات الداخلية فكل موضوع يمكن أن يثير خلافاً، وكل رأي يمكن أن يجد له أعواناً، وتلتف حوله جماعة، وتحمله دعوة وتصارع غيرها، وكل من يطرح فكرة يصبح زعيماً، ويُشكل حزباً، ويبدأ يسعى وراء زعامته بنغلاديش ويركض وراء مصالحه، ومنها الرئاسة، ولذا تجد في البلاد أحزاباً كثيرة بلا فائدة وإن كان بعضها لا يصل مؤيدوه إلى المائة.

المجاعات في بنغلاديش

عرفت بنغلاديش عبر تاريخها مجموعة من المجاعات، كانت الأولى عام 1184هـ (1770م) ثم العديد من المجاعات حتى جاء موعد المجاعة الكبرى عام 1362هـ (1943م) في مقاطعة البنغال في الهند خلال الحرب العالمية الثانية، والتي توفي فيها ما يقدر بِـ2.1 إلى 3 ملايين نسمة من أصل 60.3 مليون، بسبب الجوع والملاريا وأمراض أخرى تفاقمت نتيجة سوء التغذية ونزوح السكان والظروف غير الصحية ونقص الرعاية الصحية وانتشار الفقر، وكثيراً ما وصف المؤرخون هذه المجاعة بأنها من صُنع الإنسان، مؤكدين أن سياسات الاحتلال في زمن الحرب قد صنعت ثم فاقمت هذه الأزمة.

الصراع بين البنغاليين والبيهاريين

يعود معظم سكان بنغلاديش إلى أصل واحد تقريباً، أو هم جميعاً من أصول هندية على اختلاف أصولها التي لا تظهر والتي لا يبحث بها. ولكن نتيجة الخلاف العقيدي في الهند، وما جرى من أحداث أثناء التقسيم دخلت عناصر من إقليم إلى إقليم كما خرجت مجموعات أخرى من جزء إلى آخر، لقد انتقل من إقليم بيهار الذي يقع إلى الغرب من البنغال وعلى نهر الغانج أعداد من المسلمين بسبب الاضطهاد الهندوسي للمسلمين، والحقد الديني الموجود لدى أبناء هذه الطائفة البراهمية ضد المسلمين بادعاء أنهم دخلوا بلادهم واحتلوها. وجاء المحتلون الإنكليز فاستغلوا هذا الحقد وقربوا الهندوس وأبعدوا المسلمين وأوقدوا أوار الحرب بين الطرفين وتكبد المسلمين الكثير من الظلم والاضطهاد والعدوان الهندوسي الذي يعجز القلم عن تلخيص بشاعته وكنا تناولنا بعضا منه في تاريخ الهند.

فانتقل نتيجة ذلك أعداد من المسلمين البيهاريين من إقليمهم وهاجروا إلى البنغال لأن المسلمين كثرة هناك، وذلك كي يتخلصوا من الاضطهاد الهندوسي، ثم جاء التقسيم، وأصبحت البنغال جزءاً من باكستان التي ضمت المسلمين فزادت هجرة البيهاريين حتى بلغ عددهم مليوني شخص في البنغال. ولكن لما بدأت الأحداث الدامية في البنغال، وأخذت العناصر صاحبة المصلحة تدعو إلى تجزئة باکستان وفصل الجناحين بعضهما عن بعض رأى البيهاريون – بدافع العقيدة – أن هذا العمل ليس في مصلحة المسلمين إذ فيه إضعاف لهم وتشتيت تشملهم ولن يخدم هذا المخطط سوى الهندوس، ولكن رفضهم للتقسيم أوقعهم بين مطرقة وسندان، فقد فارقوا بيهار مخالفين لأهلها من الهندوس والآن بقاءهم في بنغلاديش رافضين للتقسيم، يجلب لهم المعارضة. خاصة أنهم لأجل مخاوفهم من الهندوس وتداعيات التقسيم على وحدة المسلمين وقفوا بجانب الباكستانيين ليحولوا دون تنفيذ التقسيم. ولما نجح المخطط وتم الانفصال بدأ البنغاليون بتصفية حسابهم مع البهاريين، فلسلطوا عليهم القتل والتشريد انتقاما من موقفهم الرافض للتقسيم، وسطروا بحقهم أبشع الجرائم، ووضعوا بعضهم في معسكرات للاجئين، ويزيد عدد هؤلاء على المائة ألف، وبعد أن اعترفت باکستان ببنغلاديش عرضت الأخيرة عليها تسلّم هؤلاء البيهاريين ما داموا من أنصارهم، لكن باكستان رفضت استقبالهم.

شحن قادة البنغال الجدد سكان منطقتهم بالحقد والكراهية ضد البيهاريين، واتهموهم بأنهم جاءوا إلى بلدهم لمنافسة أهلها على موارد رزقهم، وأنهم عملاء لقادة باكستان الذين هم أعداء للبنغال، واستجاب الناس لهذه الدعوات العنصرية والتحريضية لجهلهم عمق المأساة.

ولما كانت بنغالديش جزءاً من باكستان فلا شك أن فيها عدداً من الموظفين، وآخر من المواطنين، إضافة إلى القطعات العسكرية، فلما تم الانفصال بقوا فيها، فكانت تشن عليهم حرباً لا هوادة فيها من الهندوس البنغاليين، ومن أصحاب المصالح، وبلغت دعوات الحقد والكراهية أن أن طالب بعضهم بقتل هؤلاء الباكستانيين جميعاً. وبقيت آثار تلك الدعوات العنصرية إلى ما بعد مرحلة الدولتين، واعتراف باکستان بنغلاديش واستمر بعضها يغذيه الهندوس طويلا.

الصراع العقيدي

يعيش في بنغلاديش غالبية مسلمة تليها الهندوس الذين يشكلون أكبر أقلية في حدود 10% وباقي السكان فهم من البوذيين والنصارى بنسبة أقل.

أما المسلمون فلا يحسون بأي عصبية، ولا يفكرون بالصراع مع مجموعة أخرى ما داموا هم الأكثرية وربما كان الأمر على العكس إذ يحاولون إظهار التقرب من بقية الفئات لتوحيد الجهود باسم العصبية الوطنية، وكي لا يتهموا بالعنصرية، ويقودهم إلى هذا الزعماء من أصحاب المصالح والعصبيات الوطنية. ومع ذلك بقيت دعوات حية من الحركات الإسلامية التي تعمل على دعوة الأقليات للإسلام، لكنها واجهت صعوبات لكون الأقليات ترتبط بدول أخرى تعادي الإسلام، وتضمر لأهله السوء، وتعمل على الإضرار بالدولة في سبيل ابتلاعها.

أما الهندوس فقد كانوا يحقدون على المسلمين منذ أن كانت الهند دولة واحدة، وقد كانوا هم الأكثرية، وأصحاب السلطة، فلما تم التقسيم، وأصبحوا أقلية وسط مجتمع إسلامي في بنغلاديش زاد حقدهم على الإسلام، وبقوا على ارتباط مع أبناء عقيدتهم في الهند ولما كانوا أقلية فقد زاد تماسكهم بعضهم مع بعض، وغدوا قوة يرهب جانبها.

فهم من ناحية اجتماعية يشكلون مجموعة خاصة منعزلة حاقدة، ومن ناحية دولية فهم خونة، أعداء لبلادهم لأنهم على صلة بدولة أجنبية تعمل على هدم دولتهم، وتخطط لإزالتها، ولما كانوا أقلية كبيرة وشبه منظمة لذا كان الزعماء من أصحاب المصالح يسعون جاهدين لكسبهم إلى صفهم والإفادة من قوتهم، وقد لعبوا دوراً كبيراً في حرب الانفصال التي أدت إلى تقسيم باكستان إلى شطرين، وخدموا مصالح الهند في ذلك خدمات كبيرة، ولا يزالون على صلة بالهند وإذا ما توثقت العلاقات بين بنغلاديش والهند برزوا، وإذا ما فترت أو توترت أخفوا رؤوسهم وعملوا في الظل.

ويعدون أنفسهم أعداء للحركات الإسلامية، ويعملون على الوشاية بأفرادها، والتحريض عليها، ومحاولة ضربها، كما أنهم ضد كل مسلم ملتزم، ويظهرون له العداوة ويكيدون له، ويعدون أنفسهم في صراع مع المسلمين. ويكفي النظر أين لجأت حسينة بعد هروبها من البلاد، فقد وجدت سارعت إلى الهند التي يحكمها اليوم حكومة هندوسية عنصرية شديدة الاضطهاد للمسلمين.

وأما البوذيون فشأنهم شأن الهندوس في حقدهم على الإسلام للمسلمين، ولكنهم أقل عدداً، وأضعف قوة، وصلتهم بالهند قليلة الأهمية لأنها تتعصب للهندوس، ولكن صلتهم قوية مع دولة بوتان، التي تقع إلى الشمال من بنغلاديش، ولا يفصل بينهما سوى أراض هندية ضيقة المسافة، حيث لا يزيد عرضها على خمسة وعشرين كيلومترا.

وبوتان دولة بوذية، ومن هنا كانت الصلة قائمة بين هذه الدولة وبين البوذيين في بنغلاديش غير أن هذه الدولة قليلة الأهمية ضعيفة الإمكانات صغيرة المساحة، ضئيلة السكان، حيث تقبع في سفوح جبال هيمالايا ولا يزيد عدد سكانها على المليون يعيش بينهم 5% من المسلمين ومن هنا كانت إمكانية البوذيين في بنغالاديش على دخول ساحة الصراع قليلة. وقد عملوا على معاداة المسلمين ومحاولة تفتيتهم بحرب عصابات في الداخل ضد الشرطة البنغالية، كما شنوا غارات سرية على الحدود الهندية كي تقع الحرب بين الدولتين، وتجتاح الهند منطقة البنغال، وعندها يكون البوذيون قد حققوا بعض أهدافهم إذ نالوا من المسلمين، وأصبحوا على مقربة من دولة بوتان البوذية وعلى تماس مباشر معها، يمكنهم التسلل إليها، وتلقي بعض الدعم منها رغم فقرها.

وأما النصارى فعددهم قليل يصعب عليهم دخول ساحة الصراع ولكن كان لهم شأنهم أيام الحكم الإنكليزي بل إن وجودهم في الهند أصلا مرتبط بالاحتلال إما أنهم قد جاءوا معه أو أخذوا عقيدته تحت تأثيره، فلما ارتحل قل وزنهم ولكن بقيت الإرساليات التنصيرية تقوم بدورها، وكان المحتلون الصليبيون قد فتحوا لها الأبواب وفسحوا لها المجال وأمدوها بالإمكانات كلها، فلما انسحب الصليبيون بقيت هي تؤدي دورها. وظهر فقر البنغاليين واضحاً بعد انقسام الهند. واشتد بعد انقسام باكستان وأصبحت حاجة السكان ملحة، وخاصة بعد الكوارث الطبيعية والدمار الذي خلفته الأعاصير والفيضانات، فاستغلت الإرساليات االتنصيرية الظرف وتوجهت ا إلى بنغلاديش لمساومة الناس على دينهم باستغلال حاجاتهم.

وأخذ رجال الإرساليات التنصيرية يتوافدون على البلاد بل ونساؤها لأن لكل دوره، ومعهم الإمكانات الضخمة التي تزيد على المطلوب، ولم يكن دافعهم إنساني فهذا أمر لا يعرفونه رغم أنهم يحملون شعاره، لذلك فهم لم يساعدوا أحداً على مدى تاريخ عملهم من غير عقيدتهم إلا إذا قبل النصرانية أو أظهر ميلا نحوها، وبدأ عملهم، فأسسوا المشافي، وأنشأوا المدارس، وفتحوا أبوابها لأبناء عقيدتهم وعملوا على تلقين من يأتيهم المبادىء النصرانية، مستغلين الوضع بإثارة الشبهات حول الإسلام والطعن فيه، وهذا كله أمام الأجيال التي لا تعرف شيئا بعد وكل ما يشغلهم أن يدفعوا عن أنفسهم الموت بالمرض أو الجوع. وليس لديهم مال يقدمونه للمستشفيات الجشعة.

ونتيجة الجهل والفقر، والبعد عن الإسلام ومتاجرة أصحاب المصالح فليس هناك من يقف في وجه الإرساليات التنصيرية سوى الحركات الإسلامية، وأهل العلم الذين يضطرون إلى تنبيه الشعب والعمل على نشر الوعي بين السكان وهذا ما يعرضهم للإشاعات التي يبثها رجال الإرساليات التنصيرية والاتهامات التي يلقونها، والأراجيف التي يروجونها، إضافة إلى الحرب التي يجدونها من الدول الكبرى، ومن أعوانها المتسلطين على البلاد.

فالصراع بين النصارى الممثلين بالإرساليات التنصيرية بإمكاناتها الضخمة رغم قلة النصارى وبين الحركات الإسلامية والدعاة من أهل العلم مع مكانتهم، ومع إسلامية الشعب كان حاضرا في بنغلاديش.

الصراع الحزبي

برز حزب رابطة عوامي عندما ظهرت دولة بنغالاديش وآلت إليه السلطة، فاستبد بالحكم، وأخذ يضرب خصومه، ولم يلغ النشاط الحزبي في البلاد، وإنما أبقاه ليعرف خصومه وقادتهم، ولكن وجه ضربته الأولى على الجماعة الإسلامية بصفتها أنشط الحركات الإسلامية، ولخصومته وعداوته هو وحزبه للإسلام ظهرت المعارضة من رفاق الحزب السابقين الذين يتفقون معه بالنهج الشيوعي، وقاد هذه المعارضة عبد الحميد خان الشيوعي الموالي للصين وزعيم حزب عوامي الوطني، فطالب الحكم بتشكيل ائتلاف وطني يضم أصحاب الفكر الماركسي، وقيام حكومة وطنية تشمل أحزاب الائتلاف، وإجراء انتخابات جديدة غير أن مجيب الرحمن رفض كلياً، وأصر على أن الحكومة يجب أن تخص أعضاء حزب رابطة عوامي الذين تم انتخابهم في شوال 1390هـ (كانون الأول ۱۹۷۰ م). فقامت المعارضة بمظاهرات قادها عبدالحميد خان بها شاني وعندها أخذ مجيب الرحمن يصفي رفاقه قام الانقلاب على حزب رابطة عوامي، ولم تعلم أمريكا بالانقلاب وعمل قادته على الابتعاد عن روسيا والهند وتشكل حزب الرابطة الديمقراطية ليوالي الحكم القائم والرئيس مشتاق أحمد.

وفي الواقع فإن من بين الأسباب الرئيسية للصراعات التي عرفتها بنغلاديش، التنافس السياسي الحاد، بين الحزبين الرئيسيين، رابطة عوامي وحزب بنغلاديش الوطني، مما أدى إلى توترات وصراعات متكررة. وكثيرا ما تحول إلى عنف سياسي. ورافقه تزوير الانتخابات والفساد العام والمحسوبية. فأفقد الناس الثقة في النظام السياسي، واستمرت المحسوبية وعدم المساواة في مضاعفة الاستياء الشعبي.

الجماعة الإسلامية في بنغلاديش

الجماعة الإسلامية هي واحدة من أكبر الأحزاب السياسية ببنغلاديش، وثامن جماعة مشهورة ظهرت في العالم الإسلامي في العصر الحديث.

انبثقت الجماعة الإسلامية في بنغلاديش عن الجماعة الإسلامية الأم في باكستان التي أسسها أبو الأعلى المودودي مطلع الأربعينيات من القرن العشرين قبل انفصال الهند عن باكستان، ثم انفصال الشطر الشرقي من باكستان (بنغلاديش) عن باكستان.

والمطالع لأدبيات الجماعة الإسلامية يجد تقاربا شديدا بينها وبين فكر ومنهج جماعة الإخوان المسلمين،

تعتمد الجماعة بالموازاة مع العمل الدعوي والخيري، العمل السياسي و”خوض الانتخابات وإعداد الناخبين لانتخاب نوابهم وممثليهم من أهل الصلاح الأكفاء. والسعي لإصلاح نظام الحكم” وكذلك العمل على إصلاح قوانين البلاد لتعتمد على الشريعة الإسلامية بدلا من القوانين غير الإسلامية. ومنهج الجماعة هو “السلمية” وهي تؤكد في دستورها أن “الجماعة تمارس الطرق الدستورية والقانونية للقيام بالإصلاح الذي تنشده والتغيير الذي تستهدفه، كما أنها تحاول كسب تأييد الرأي العام للتغيير الذي وضعته نصب عينيها”.

للجماعة الإسلامية أكثر من 120 فرعا منتشرا في معظم مدن بنغلاديش وقراها، ولكل فرع منها أمير محلي وقيم ومجلس للشورى ومكتبة لتوزيع كتب الدعوة ومؤسسة مالية (بيت المال)

وللجماعة أكثر من ستة ملايين عضو مؤيد، وأكثر من 25 ألف عضو عامل، وتمتلك وتدير العديد من المؤسسات، ومنها جمعية العمال، وجمعية الفلاحين وجمعية التربية الإسلامية، ومطبوعة يومية وأخرى أسبوعية، وثالثة شهرية، فضلاً عن إدارة العديد من المدارس، ويسجل طلابها حضورا قويا في ثلاث جامعات حكومية.

لم تؤيد الجماعة الإسلامية حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان “حفاظًا على باكستان وكيانها الإسلامي، ودعمًا للعالم الإسلامي، وعقب انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية) عن باكستان، انتخب الشيخ غلام أعظم أول أمير للجماعة بالبلاد بعد الاستقلال، وجاء بعده الشيخ مطيع الرحمن نظامي. لكن الدولة فرضت حظرا على الأحزاب التي أقيمت على أساس ديني.

عام 1397هـ (1977م) أجري التعديل الخامس على الدستور الذي رفع الحظر على الأحزاب التي أقيمت على أساس ديني ما مهد الطريق أمام الجماعة للظهور من جديد وتشكيل حزب سياسي إسلامي، وعقدت الجماعة مؤتمرا لهذا الغرض بالعاصمة داكا في الفترة من 29 جمادى الآخرة إلى 1 رجب 1399هـ ( 25 إلى 27 مايو 1979 م) جرى فيه إعلان الجماعة الإسلامية باعتبارها حركة سياسية إسلامية.

شاركت الجماعة الإسلامية عبر حزبها “حزب الجماعة الإسلامية” في الانتخابات البرلمانية المختلفة التي جرت في بنغلاديش منذ الانفصال عن باكستان، وجاءت أبرز مشاركاتها عام 1422هـ (2001م) حيث شاركت للمرة الأولى كشريك في التحالف، وحصلت على 17 مقعدًا من أصل 300، مع اثنين من الوزراء في الحكومة.

وانتُخبت أربع من نساء الجماعة في كوتة المرأة في البرلمان، وتحالف حزب الجماعة الإسلامية مع أربعة أحزاب في حكم البلاد لمدة خمس سنوات، وشاركت الجماعة في الحكومة من خلال وزارتَي الصناعة والشؤون الاجتماعية.

عام 1431هـ (2010م) اتهمت حكومة بنغلاديش بقيادة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، أبرز قادة الجماعة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب عام 1391هـ ( 1971م) وأنشأت محكمة لهذا الغرض وبدأت محاكمتهم عبر قضاة اختارتهم بعناية حتى يقوموا بإصدار ما تملي عليهم الحكومة من الحكم تجاه هؤلاء القادة وهو إعدامهم شنقا.

والمشمولون بالاتهامات هم الشيخ مطيع الرحمن نظامي (أمير الجماعة وزير الزراعة ثم الصناعة سابقا) وغلام أعظم أمير الجماعة سابقا، والشيخ محمد عبد السبحان نائب أمير الجماعة وعضو البرلمان سابقا، والأمين العام للجماعة علي أحسن محمد مجاهد.

وتشمل الاتهامات أيضا محمد قمر الزمان الأمين العام المساعد الأول للجماعة رئيس تحرير مجلة “سونار بنغلا”، وعبد القادر ملا الأمين العام المساعد الثاني، وأظهر الإسلام الأمين العام المساعد الثالث، ومير قاسم علي عضو المجلس التنفيذي للجماعة ومدير مكتب رابطة العالم الإسلامي في بنغلاديش سابقا.

ويوم 3 شعبان 1437هـ (10 مايو2016م) نفذت السلطات في بنغلاديش حكم الإعدام في الشيخ نظامي في سجن بالعاصمة داكا.

منحت التطورات السياسية الأخيرة في بنغلادش الجماعة الإسلامية وعموم التنظيمات الإسلامية فرصة مناسبة لإعادة نشاطها إلى الساحة في البلاد وذلك بعد أن تم حظرها من قبل نظام حسينة وعقب الإعلان عن فرار الأخيرة افتتح حزب الجماعة الإسلامية مكتبه في دكا، بعد أكثر من عقد من الزمان من الإغلاق. واستقبل أنصار الجماعة قادتها في فرح وابتهاج عارم.

تمتلك الجماعة الإسلامية عدة أوراق مهمة وهي قدرتها على حشد الشارع نتيجة لوجود الكثير من الموالين لها بالإضافة إلى قوة الجناح الطلابي التابع لها والذي كان له دور في الاحتجاجات الأخيرة التي دفعت حكومة حسينة للاستقالة ووجود مكاتب وفروع للجماعة في كافة مناطق البلاد وقوة هذه الفروع وتأثيرها الكبير على الأوساط السياسية والاجتماعية والدينية في هذه المناطق.

مدينة المساجد

من أبرز الآثار الإسلامية في بنغلاديش «مدينة المساجد» في باجيرهات بجنوب غربي البلاد، والتي اشتهرت فيما مضى باسم خليفة آباد. وكما يوحي اسمها، تضم المدينة الكثير من المساجد التي يعود تاريخ بنائها إلى عصر سلطنة البنغال في القرن التاسع الهجري ( الخامس عشر ميلادي).

يعود تاريخ المدينة إلى القرن الخامس عشر على يد الجنرال التركي أولوغ خان جيهان.. وحسب موقع منظمة «اليونيسكو» الذي ضم المدينة إلى قائمته لمواقع التراث الإنساني عام1403هـ (1983م) فإن البنية التحتية للمدينة تكشف عن “قدر كبير من المهارة الفنية”.

وتضم المدينة العريقة عدداً استثنائياً من الأبنية التي تعكس المرحلة الأولى من تطور فن العمارة الإسلامية داخل البنغال، بينها 360 مسجداً ومباني عامة وجسور. كما تشير تقديرات أخرى، إلى أن المدينة تضم بجانب مساجدها التاريخية المميزة 238 معبداً و17 كنيسة.

من أبرز معالم المدينة، مسجد الستين قبة، والذي يعتبر الأقدم في بنغلاديش. ويتميز بالعدد الضخم لقبابه، بينما يضم 60 عموداً رفيعاً.

كوكس بازار ملجأ الروهينجا في بنغلاديش

لا يزال أكثر من مليون شخص عالقين في مخيمات اللجوء في منطقة كوكس بازار في بنغلاديش – أكثر من نصفهم من النساء والفتيات. ومع ندرة وسائل كسب العيش، يعتمد العديد من اللاجئين من الروهينجا بشكل كامل على المساعدات الإنسانية.

لقد جاء الروهينجا إلى أوخيا وتكناف في منطقة كوكس بازار للنجاة بحياتهم من الموت الذي كان يطاردهم في ميانمار على إثر الإبادة العرقية التي عرفتها البلاد عام 1445هـ (2017م).
وهم يعيشون في المخيم الكبير الذي يحتضن أكثر من مليون و100 لاجئ روهينجي يتحدثون اللغة البورمية، ويمكن للكثيرين منهم التحدث بمزيج من اللغات العربية والأردية والبنغالية.

لا تزال الظروف في كوكس بازار صعبة للغاية والخدمات الأساسية في شبكة المخيم قد استُنزِفَت إلى أقصى حد، بسبب  تقلص التمويل الإنساني. ويعيش معظم اللاجئين في ملاجئ مؤقتة مكتظة لا توفر سوى القليل من الخصوصية. وزيادة الحوادث الأمنية جعلت الحياة غير آمنة، ويتفاقم سوء الأوضاع بسبب الصدمات المناخية، مثل إعصار موكا المدمر الذي وقع في شوال 1444هـ (مايو 2023م).

وما لم تحل مشكلة الروهينجا بشكل جذري ستستمر معاناتهم في مخيمات اللجوء والقصص المأساوية لفرارهم في البحار وقطعهم للحدود.

مستقبل بنغلاديش

 أدى البُعد الاقتصادي لحكم حسينة دوراً حاسماً في سقوطها. ففي حين شهدت بنغلاديش نمواً مذهلاً في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة ولايتها، إذ تضاعف دخل الفرد ثلاث مرات في العقد الماضي، واُنتُشِلَ أكثر من 25 مليون شخص من براثن الفقر في السنوات العشرين الماضية، لكن فوائد هذا النمو كانت موزعة على نحوٍ غير متساو، وصَبَّت في صالح الأغنياء، الذين يميلون إلى دعم رابطة عوامي.

والآن مع إرث من الفساد والمحسوبية وتداعيات كل ذلك، تواجه الحكومة المؤقتة التي تشكلت في بنغلاديش بقيادة الخبير الاقتصادي محمد يونس – الذي يبدو أن خبراته الاقتصادية أحد أكبر أسباب اختياره لقيادة المرحلة- تحديات معقدة، سياسية واقتصادية وأمنية، في مقدمتها مواجهة عدم الاستقرار السياسي ومعالجة الأزمة الاقتصادية خاصة وأن الخسائر الأولية للأحداث الأخيرة قدرت بأكثر من 10 مليارات دولار في شهر واحد. ومن المتوقع أن تكون الخسارة الأكبر في قطاع الملابس في بنغلاديش، حيث ظلت مصانع الملابس مغلقة لفترات طويلة بسبب الاحتجاجات.

وسيتعين بالتالي على السلطات الجديدة العمل على طمأنة القطاع المكون من 3500 مشغل، تمثل حوالي 84% من أصل 55 مليار دولار من الصادرات السنوية في بلد يعد ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم من حيث القيمة الإجمالية بعد الصين.

يواجه الحكومة أيضا، هواجس عودة الجيش للسلطة حيث لا تزال مشاركة الجيش في المرحلة الانتقالية مصدر قلق بالغ الأهمية، بالنظر للتجارب التاريخية، قد يؤدي تورط الجيش في الحكم إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار أو حتى العودة إلى الحكم العسكري، وهو السيناريو الذي شهدته بنغلاديش في الماضي.

 أضف لذلك تفاقُم المشكلة الأمنية حيث أدى تسييس كل مؤسسة حكومية تقريباً من قِبَل رابطة عوامي، إلى انعدام الثقة في الأجهزة الأمنية والجيش والمحاكم والخدمة المدنية بشكل عميق عبر المجتمع. ولذلك يرى الباحثون أن إحدى المهام الأكثر حيوية لحكومة محمد يونس المؤقتة هي في استعادة استقلال المؤسسات الحيوية على رأسها القضاء والشرطة والخدمة المدنية.

وتبقى التحديات الإقليمة عقبة خطيرة تتوعد مسيرة الحكومة الجديدة، خاصة من جهة الهند وميانمار.  فهروب الشيخة حسينة، جعل الهند تواجه “انتكاسة استراتيجية” قد تكون لها عواقب وخيمة على المديين القصير والطويل. وتشكيل حكومة مُعادية للهند بقيادة الحزب الوطني البنغلاديشي، تتحالف بشكل أوثق مع باكستان والصين، تزيد من مخاوف نيودلهي التي ستظل تُراقب عن كثب تطورات الانتقال السياسي في بنغلاديش، والتأثيرات اللاحقة على أمن الحدود، وعلاقة الحكومة الجديدة ببكين. ولن يغفر شعب بنغلاديش للهند إيواءها الشيخة حسينة وهو ما سيؤثر في أي علاقات مستقبلية بين البلدين.

ثم أزمة لاجئي الروهينجا المتعلقة بالصراع في ميانمار وعلى الرغم من تعهُّد رئيس الحكومة الانتقالية في بنغلاديش، محمد يونس، بأن بلاده “ستواصل دعم أكثر من مليون شخص من الروهينجا الذين لجأوا إلى بنغلاديش”، حتى “إعادتهم في نهاية المطاف إلى وطنهم ميانمار بأمان وكرامة وبكامل الحقوق”، إلا أن عدم الاستقرار في بنغلاديش واستمرار الصراع الدامي في ميانمار، قد يؤثر في قدرة دكا على إدارة وضع اللاجئين، وانخراطها الدبلوماسي بشأن إعادة اللاجئين إلى الوطن وما يتعلق بذلك من قضايا متصلة.

ومع تولي الحكومة الجديدة السلطة في دكا، من المتوقع أن تحاول باكستان الاستفادة من تغيير النظام في بنغلاديش وإحياء علاقاتها الثنائية مع دكا، وربما إعادة التموضع في المنطقة للرد على نفوذ الهند. وقد تهدأ الرواية المناهضة لباكستان التي غَذَّتها حكومة حسينة في بنغلاديش مما يسمح بتقارب مع كراتشي.

ويبقى الوقت هو الكفيل للإجابة عن كل التساؤلات المطروحة والمتبقية، وكشف الستار عن نتائج المساعي التي يبذلها الشعب في بنغلاديش بجميع قواه ومؤسساته وأحزابه.

وفي خضم كل ما مر وينتظر، يبقى الحفاظ على الهوية الإسلامية والاستقلالية بها، من صميم المطالب التي لم تفلح الآلة القمعية ولا سياسات التهميش والاستبداد والاضطهاد من انتزاعها من حياة المسلمين في بنغلاديش.

المراجع:

موسوعة محمود شاكر، بنغلاديش.

المستودع الدعوي: بنغلاديش

مدينة المساجد في بنغلاديش… روعة العمارة الإسلامية

موسوعة الجزيرة: بنغلاديش

صندوق الأمم المتحدة للسكان كوكس بازار

موسوعة الجزيرة: الجماعة الإسلامية في بنغلاديش

الجزيرة: قيادات إسلامية بنغالية أعدمتها وسجنتها حكومة حسينة واجد

موسوعة الجزيرة: حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلاديش لـ5 فترات

بين البنغالية والعربية.. واقع الترجمة ببنغلاديش في ندوة لجائزة الشيخ حمد

Arnold, T.W. The Preaching of Islam: a history of the propagation of the Muslim faith. London: Constable & Company Ltd, 1913

واقع اللغة العربية في الكليات والجامعات بغرب البنغال

Sarkar, Narayan Jagdish. Islam in Bengal (thirteenth to nineteenth century). Culcutta-27: Ratna Prakashan, 1972, P: 24.

Hussain, Azizuddin S.M. Madrasa Education in India (Eleventh to Twenty First Century). New Delhi-2: Krishna Publishers, 2005, P:9.

, P:16.Hussain, Azizuddin S.M. Madrasa Education in India (Eleventh to Twenty First Century). New Delhi-2: Krishna Publishers, 2005,

الحركة السلفية في البنغال، من عام 1217 هـ (1802 م) إلى 1408 هـ (1988 م)، محمد مصلح الدين بن مولانا محمد شيخ الإسلام، رسالة ماجستير في الدعوة، كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1412 هـ، صـ15-16

بنغلاديش ما بعد حسينة: التحديات الداخلية والخارجية في خِضَم الانتقال السياسي

تقرير ميداني خاص بوصل من مخيم كوكس بزار: كيف حال الأطفال الروهينجا ومدارسهم واحتياجاتهم

مجموعة من المقالات الصحفية والإعلامية بشأن بنغلاديش.

مواقع التواصل

شارك
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x