بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.
تعتني القليل من الدراسات بتاريخ الإسلام في تايلاند، على الرغم من وفرة الدراسات التي تتعمق في تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، وعلى الرغم أيضًا من الإنجازات المهيبة التي حققها المسلمون في هذه البلاد، حتى كادت أن تجعل من تايلاند بلادًا مسلمة بالكامل خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (السادس عشر والسابع عشر الميلاديين). واهتمت مؤخرًا بعض المصادر الغربية بتاريخ الإسلام في تايلاند. كما يهتم بهذا التاريخ بعض أعلام تايلاند كالمفكر التايلاندي المعاصر الأمير “كيكريت براموج” وهو رئيس الوزراء الأسبق للبلاد.
تقع تايلاند جنوب شرق آسيا، يحدها من الشرق لاوس وكمبوديا، ومن الجنوب خليج تايلاند وماليزيا، ومن الغرب بحر أندامان وميانمار، وعاصمتها وأكبر مدنها هي بانكوك.
يبلغ عدد سكان تايلاند 71.6 مليون نسمة، بحسب إحصاءات عام 1442هـ (2021م) أغلبهم من عرقيَّتي التاي ولاو، كما ينحدر جزء من التايلانديين من أصول صينية، إضافة إلى الملايو المسلمين في الجنوب، والخميريين، وقبائل بدائية تستقر في أنحاء متفرقة.
يتحدث التيلانديون باللغة التايلاندية وهي لغة البلاد الرسمية.
وتختلف التقديرات حول نسبة المسلمين في تايلاند، من 5 إلى 10 إلى 12 بالمئة وغيره من نسب من مجموع السكان الإجمالي، لكن الجزم بنسبة المسلمين يحتاج إلى إحصائية دقيقة وجهد كبير، وهو أمر متعذر لكون الحكومات تخفي الإحصائية الحقيقية خشية إعطاء نفوذ للمسلمين.
ويبقى الحضور الإسلامي في تايلاند تمثله أقلية تتمركز بشكل أكبر في المنطقة الجنوبية من البلاد خاصةً في محافظات ناراتيوات وجالا وفطاني وستول، وأغلبهم من أهل السنة، ويبقى الدين الإسلامي في الترتيب الثاني بعد البوذية في هذه البلاد.
إضافة إلى أقلية نصرانية وهندوسية.
وتشكل الأقاليم الجنوبية جزءًا من مملكة فطاني التي احتلتها تايلاند، ولها تاريخ إسلامي عريق.
يتحدث السكان في هذه المنطقة بلغة البهاسا، ويكتبونها بالأبجدية العربية.
وقفة مع تاريخ المدنيات في أرض الملايو
عاش على أرض الملايو الكثير من الشعوب والمدنيات فمر عليها البوذية والهندوكية، مثل مدنية فونان، ومدنية شامبا اللتان تقاسمتا فيما بعد أراضيهما جمهوريتا الصين الشعبية وفيتنام.
واعتنقت شامبا الإسلام أولًا، منذ القرن الأول للهجرة، بفضل حركة التجار المسلمين القادمين من أقاليم الصين الذين كانوا يتوقفون في السواحل الشرقية لشبه جزيرة الملايو كـ “فطاني” و”كلنتن” و”ترنجانو” و”فاهنج” ومن هناك يكملون رحلتهم إلى مالقا، المحطة التجارية العالمية في جنوب شرق آسيا.
وبعد انهيار فونان وشامبا، قامت مدنية «سري ويجايا» البوذية ومن آثارها معبد برو بودور بمدينة جوكجاكرتا وجزيرة بالي السياحية بأندونيسيا.
وقد فرضت المدنيتان الأخيرتان أعرافهما على أرجاء بلاد أرخبيل الملايو. ونشرتا الديانتين البوذية والهندوكية في أوساط الشعب الملاوي، فقسمته بطبقية، تبدأ بالطبقة العليا (الراجــا) أو الملوك، والطبقات السفلى (السودرا). فتفشت العنصرية بين الطبقات، والظلم والاضطهاد، وفشلت هذه المعتقدات في إقامة العدل بين الناس لذلك حين دخل الإسلام اصطدم مع مخلفات هذه المعتقدات التي كانت قد تجذرت في عقلية الملاويين لعقود.[1]
الإسلام في أرض الملايو
مسجد دار المتقين في بانكوك
كنا تحدثنا عن اختلاف المؤرخين في تحديد تاريخ وصول الإسلام إلى مناطق عالم الملايو، بين تحديده في تاريخ القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) في عهد خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وبين تحديده في تاريخ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) وبين الحديث عن قدوم الوفود التجارية الإسلامية من أجناس مختلفة کالهنود والعرب والفرس والصينيين إلى موانئ المنطقة في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).[2] وذلك أثناء عرضنا لتاريخ الإسلامي في باقي دول الملايو.
والأرجح أن الإسلام وصل مبكرًا منذ القرن الهجري الأول لكون العلاقة بين بلاد العرب والشرق الأقصى كانت قائمة فعلاً منذ ما قبل البعثة.
ويمكن تلخيص مراحل انتشار الإسلام في عالم الملايو بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة التعرف الشكلي الاسمي على الإسلام.
والمرحلة الثانية هي مرحلة اعتناق الإسلام.
والمرحلة الثالثة هي الفترة التي شهدت استمرارا للنشاط الإسلامي السابق ولكنها تزامنت مع حقبة الاحتلال الغربي للمنطقة، ومرحلة المقاومة والجهاد للعدو الغازي.
فكان لذلك تأثيرًا كبير في فهم الإسلام فهمًا شموليًا أكثر رسوخًا.
وقد أثمر الدخول الإسلامي قيام سلطنات ومدارس ومراكز علمية إسلامية على امتداد سواحل دول الملايو، في الفترة ما بين القرن السابع والتاسع عشر الهجريين (الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين) مثل: سلطنة مالقا (778- 1203هـ) (1377-1789م)، وسلطنة آشيه (902- 1283هـ) (1497-1867م)، وسلطنة فطاني (756 – 1200هـ) (1355-1786م) وغيرها من السلطنات الملايوية الإسلامية، التي قامت على امتداد سواحل المنطقة. وقد انسجم الملاويون تحت حكم الإسلام بشكل لافت في تاريخ هذه المنطقة، ولا يزال أثره في سلاطين الملايو وأبنائهم إلى اليوم.
كما لا يزال الملاويون يذكرون بطولة «الحبيب عبد الرحمن» مع أهل آشيه حين أرغموه على تولي قيادتهم وتنظيم مقاومتهم للغزو الهولندي في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) دليلاً على المرحلة المتقدمة من الثقة التي كانت تسود مشهد المهاجرين المسلمين وإخوانهم الملاويين.
مملكة فطاني
يرجع أصل التسمية “فطاني” إلى شخصية محترمة لرجل يدعى «فاق تاني Pak Tani) أي: الأب تاني، ويقصد بكلمة «الأب» هنا الإجلال والاحترام فحمل المكان في نهاية المطاف اسم هذا الشيخ، أي فاق تاني ثم تم اختصاره إلى “فتاني” وينطق بالعربية “فطاني”.
وبعد أن كانت مملكة إسلامية مترامية الأطراف، بل أكبر الممالك الإسلامية وأعظمها شأنًا في عالم الملايو، أضحت اليوم فطاني مقاطعة في جنوب مملكة تايلاند، عاصمتها فطاني المدينة. قال المستشرق «نيوبولد»، الذي زار فطاني عام 917هـ (1511م)، وكتب عنها، أنها “أوسع ممالك الملايو مساحة، وأكثرها سكانا”.
وامتدت مملكة فطاني العظمى منذ اعتناق سلطانها إسماعيل شاه للإسلام على مساحة شاسعة وبلغت ذروتها في عهد السلطانة راجا بيرو وضمت إلى حدودها المناطق التي تعرف حاليًا بالولايات الجنوبية لتايلاند وهي فطاني وناراتيوات ويالا وسونغكلا وبالإضافة إلى الولايات الماليزية الحالية، ولاية كلنتن وقدح دار الأمان وترغكانو دار الإيمان.
وشهدت هذه المملكة الإسلامية حضارة لافتة تزدان بمظاهر عمرانية وقوة ونفوذ كبيرين. مكّنها من التصدي للقوى العظمى في المنطقة آنذاك، كما تصدَّت لعدوان الاحتلال البرتغالي في أرخبيل الملايو؛ وتحولت لمنارة ومركز إقليمي لنشر الإسلام نتيجة عنايتها الفائقة بالحركية التعليمية والدعوية الإسلامية.
ورافق صعود هذه المملكة ظهور أعلام وعلماء، لا يزال ذكرهم حاضرًا حتى بعد سقوط فطاني عام 1200هـ (1786م) على إثر الحرب الضروس التي اندلعت بينها وبين مملكة سيام البوذية. كما توجد العديد من الكتب المؤلفة من قبل أهل العلم في فطاني، كتبت باللغة الملايوية بأحرف عربية. فبقيت كأثر وميراث ودليل على عمق الحضارة الإسلامية في هذه الزاوية من الأرض.
سقوط مملكة فطاني
قامت مملكة فطاني بشكل مستقل ورائد لعقود، حتى بدأت مأساة المسلمين هناك عندما تعرضت دولتهم للغزو من مملكة سيام البوذية (تايلاند قديمًا)، فقد سعى البوذيون منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري، لاحتلال فطاني، كراهيةً لأهلها الذين دانوا بالإسلام، وطمعًا في خيراتها وثرواتها، فهاجموها مرات عديدة، وألزموا الفطانيين بدفع الإتاوات، وقد بدأت هذه المعاناة عام 1200هـ (1786م) حين شنت تايلاند حملات ضد سلطنة فطاني المسلمة، أحرقت خلالها الكثير من أراضيها وقلاعها العسكرية، وأسرت 4000 من سكانها المسلمين، وأجبرتهم على السير على الأقدام مسافة طويلة جدًّا وهم مكبلون، ثم استخدمتهم في أعمال شاقة مات فيها الكثير منهم، وسقطت فطاني في أيدي البوذيين بشكل كامل سنة 1247هـ (1832م)، وفي سنة 1320هـ (1902م) قضت تايلاند على استقلال هذه السلطنة المسلمة بإبعاد آخر سلاطينها المسلمين “تنكو عبدالقادر قمر الدين”، وتعيين حاكم بوذي عليها، وبذلك ضُمت فطاني إلى تايلاند التي أصبحت تحتلُّها وتدعي أنها جزء منها.
وبعد تمكن قبضة الاحتلال من فطاني عملت تايلاند على محو الوجود الإسلامي فيها بالحروب الطويلة التي كان يُساق فيها الأسرى المسلمون إلى بانكوك، كما أكرهت الفطانيين المسلمين على دراسة الثقافة البوذية وتعلم لغة المحتل، وأمرتهم بالركوع لتماثيل بوذا التي أقيمت في المعابد والساحات العامة، واستمرت في اضطهاد المسلمين هناك عبر خطة طويلة الأمد، ومن أهم أجزاء هذه الخطة: توطين أكثر من 180.000 بوذي في مستوطنات داخل المناطق الإسلامية، وإلغاء المحاكم الشرعية، ومحاربة مدارس الملايو وإضعاف مستوى المسلمين التعليمي، وبناء القواعد العسكرية التايلاندية في فطاني، ومحاربة العلماء والدعاة وتهديدهم، ونشر الشبهات والأفكار المنحرفة في الكتب المدرسية.
ملاحم الفطانيين
وقامت عدة ثورات وحركات مقاومة للخلاص من الاحتلال التايلاندي في فطاني.
كثورة الأمير تنكو علم الدين وحركته الجهادية عام 1202هـ (1787م) حيث أعلن عن استقلال فطاني وقاد جهادًا شرسًا لكنه لم يحقق أهدافه.
وحاول وزير بحرية فطاني سابقًا، داتؤ فنكالن، من الاستفادة من تنصيب ملك سيام الثاني له حاكمًا على فطاني ليعن الاستقلال عن تايلاند عام 1223هـ (1809م) وانتهت محاولته بمقتله.
وقام المسلمون بقيادة حركة جهادية أخرى في عام 1236هـ (1821م) في “جمبو” على بعد 15 كم من مدينة فطاني. لكنها فشلت هي الأخرى.
وفي عام 1242 هـ(1827م) قام الفطانيون بحركة أخرى بقيادة “توان نيء” الحاكم العام لولاية فطاني، وانتهت بمقتله كسلفه.
.ثم حركة جهادية أخرى قوية عام 1246هـ (1831م)، كان من بين قياداتها “تنكو دين” وانتهت بمقتله وجميع قاداتها.
وعاود المسلمون في فطاني الكرة عام 1254هـ (1838م) بقيادة تنكو محمد سعيد مع أمير بحري هو وان محمد علي وأحبطت جهودهم وانتهت بمقتل تنكو محمد سعيد.
ولم يستسلم الفطانيون رغم ذلك، وقاموا بعزم جديد في عام 1299هـ (1882م) وهذه المرة بقيادة جيء لونغ، والحاج دول بدائرة جمبو في فطاني. وكان الهدف من هذه الحركة إدماج فطاني في اتحاد الملايو مع الإنجليز؛ لعلهم أفضل من البوذيين لكن كعادة الإنجليز تخلوا عنهم وتآمروا ضدهم مع البوذيين.
وبعد إبعاد تايلاند آخر سلاطين فطاني، تنكو عبد القادر قمر الدين، عام 1320هـ ( 1902م) قامت حركة مقاومة من أنصاره بقيادة “تؤ تام” وأحرقوا دوائر الحكومة في منطقة جاما، لكن الحكومة أجهضت مساعيهم. ومع ذلك قاموا مرة أخرى عام 1329هـ (1911م) بقيادة “الحاج مولا” من قرية سداو وفشلت حركتهم في تحقيق أهدافها.
وتعاون الإنجليز الذين كانوا في الملايو مع السلطات التايلاندية على إخماد حركات المسلمين، وحاول السلطان عبد القادر استرجاع سلطانه عام 1340هـ (1922م)، ففشل وفرَّ إلى ولاية كلنتان الماليزية حيث توفي بعد وصوله بقليل.
وقاوم الفطانيون الاحتلال التايلاندي بكل ما أوتوا من قوة، على فقرهم وحاجتهم، ومن ذلك عزوفهم عن دفع الضرائب لحكومة الاحتلال في عام 1341هـ ( 1923م) واستشهد في هذا التمرد الإسلامي القضاة الفطانيين، وعذب من أسر منهم وفر من فر.
ولم يهدأ للفطانيين بال، واستمروا في المطالبة بحقوقهم، وفي عام 1351هـ (1932م) ومع تغير نظام الحكم التايلندي إلى ملكي دستوري. قدم الحاج محمد سولونج- قائمة بمطالب الفطانيين، تدور كلها على الاستقلال بالحكم الإسلامي في الإقليم. ورفضت حكومة تايلاند هذه المطالب، فقامت ثورة واسعة عام 1352هـ (1933م)، باءت بالفشل هي الأخرى.
وأثناء الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، ومع شراسة الحرب والعدوان على المسلمين، قام العلماء برئاسة الحاج “محمد سولونغ بن عبد القادر” بتشكيل هيئة إسلامية في فطاني في العام نفسه 1363هـ (1944م) أطلقوا عليها اسم “هيئة تنفيذ الأحكام الإسلامية” وهي شكل من أشكال المقاومة للاحتلال.
وكما شهد التاريخ دائما قبح سياسة الاستغلال البريطانية، لجأ البريطانيون إلى الأمير محمود محيي الدين زعيم فطاني لطرد اليابانيين، مقابل وعود مغرية بالاستقلال بعد الحرب، وما أن أوفى المسلمون بذلك حتى ثم نكث الإنجليز بوعودهم؛ ومكنوا البوذيين من المسلمين من جديد.
وقاوم الفطانيون هذا الاحتلال بالطرق السياسية أيضا، حيث رفع الحاج “محمد سولونغ” رئيس الهيئة التنفيذية للقضاء الإسلامي بفطاني مطالب الفطانيين إلى هيئة الأمم المتحدة، فكان مصيره وأصحابه السجن، ثم الاغتيال سنة 1374هـ (1954م)، وأغرقت جثة الحاج محمد مع أحد أبنائه في بحر الصين الجنوبي لإخفاء الجريمة.
وفي هذا الاتجاه قامت منظمات وأحزاب سياسية لمواصلة الجهاد عام 1378هـ (1958م) وكان مصير قاداتها السجن والحرب.
فقامت بعد ذلك “حركة التحرير الوطني”، بجناحين دعوي وجهادي، حيث نشطت منذ سنة 1389هـ (1969م)، ونجحت في تحرير عدة مناطق من فطاني، وتكونت عدة جبهات إسلامية ناشطة منها:
1. الجبهة الثورية الوطنية لتحرير فطاني: أُسست عام 1379هـ (1960م)، وهي أول جبهة أنشئت في فطاني، وتدعو إلى تنظيم المجتمع الإسلامي، ووسيلتها حرب العصابات. ومن مؤسسيها: الحاج أمين بن الحاج سولونغ، والحاج كريم وكلاهما في ماليزيا.
2. المنظمة المتحدة لتحرير فطاني: أُسست عام 1388هـ (1968م)، وتتبع نهج الجهاد المسلح ضد الحكومة البوذية. ومن مؤسسيها بيراكيير عبد الرحمن. ومركزها في ماليزيا.
3- الجبهة الوطنية لتحرير فطاني، تأسست عام 1391هـ (1971م). ومن مؤسسيها تنكوجالا، وبابا إدريس. ويرأسها حاليًّا عز الدين عبد الرحمن. وتنادي بالاستقلال على أن يكون نظام الحكم ملكيًّا. ومعظم زعمائها خارج البلاد.
4. الحركة الإسلامية الفطانية: أُسست عام 1395هـ (1975م)، أسسها عدد من العلماء، وعملت على التعريف بقضية فطاني.
وتنشط في فطاني الحركات الطلابية لمقاومة الاحتلال التايلاندي في مقدمتها الاتحاد العام لطلبة الثورة الفطانية.(6) كما يتمركز جيش التحرير الفطاني في جبال بودرو الشاهقة وبين الغابات والأدغال المتشابكة حيث يقود جهاده ضد الاحتلال.
ولا بد من التنبيه إلى أن فشل حركات الجهاد والمقاومة الإسلامية خلال ما مضى من تاريخ المسلمين في تايلاند يكشف درجة الاستعداد المضاعف التي كانت تتصدى بها السلطات التايلاندية لكل محاولة استقلال إسلامية وحجم الدعم الدولي الخارجي الذي ساهم في إحباط هذه المحاولات لانتزاع الحرية.
كما يسلط الضوء على آثار الضعف الاقتصادي والتنظيمي للحركات الجهادية في هذه الحقبة، ومع ذلك فإن جهودها وتضحياتها لم تذهب سدى، وثمرات إصرار المسلمين على انتزاع الحقوق المسلوبة كانت تراكمية تكاملية وهي التي سمحت لجهادهم بالاستمرار إلى يومنا هذا، من خلال الحركات الجهادية المعاصرة الآن في تايلاند، وسمحت للمسلمين أيضا بانتزاع بعض حقوقهم وثباتهم على الإسلام وتقديم قدوة للأجيال بحفظ هويتهم وتاريخهم الماجد وصناعة الشغف بمستقبل واعد.
ومن خلال استقراء هذا التاريخ يمكننا إبصار خطط تايلاند المستمرة لحرمان المسلمين من استقلالهم التام والاستغناء بثرواتهم وحضارتهم. والتي منها الحصار العسكري والغزو الفكري والخطط المشوهة لدين الله تعالى والمضعفة لاقتصادات المسلمين والمعيقة لطموحاتهم. وهي التي يجب صناعة الوعي بها وبحث خطط للتتصدي لها. وهو أمر لا يخفى على المسلمين في تايلاند بما أظهروه من كفاح وبذل وفداء طيلة عقود ممتدة، نسأل الله أن يهديهم سبله ويؤيدهم بنصره وبالمؤمنين.
سكان إقليم فطاني
يتكون سكان الإقليم من العناصر الآتية:
أولًا: عنصر الملايويين وهم سكان البلاد الأصليين، الذين يرجعون إلى العنصر الملاوي ونسبتهم حاليًا تزيد على 80 %، كلهم يدينون بالإسلام. ويتكلمون اللغة الملايوية المعروفة بـ (الجاوية)، التي تكتب بالحروف العربية، وبها كثير من الكلمات العربية.
ثانيًا: عنصر السياميين، وهو العنصر الثاني للمجتمع الفطاني، ويدينون بالديانة البوذية، ويتكلمون اللغة التايلاندية وهي اللغة الرسمية في البلاد حاليًا. ويختلف السياميون عن الملاويين في كثير من الأمور في تركيب لغتهم وثقافتهم وتقاليدهم وغيرها.
ثالثًا: العنصر الصيني، هو العنصر الثالث للمجتمع الفطاني، وليس لهذا العنصر ديانة معينة، بل له ديانات مختلفة أغلبها يميل إلى البوذية، وذلك نتيجة لاختلاط الصينيين ومصاهرتهم السياميين البوذيين، وعلى هذا نجد كثيرًا منهم غير متدينين.
رابعًا: عناصر أخرى؛ وهي عناصر المهاجرين من بلاد الهند وما جاورها، يدينون بالإسلام، وبعضهم يدين بالهندوسية، ويتكلمون بالأردية، من غير اللهجات الهندية، وعددهم قليل جدًا؛ غير أنهم يعيشون في المدن، ويعملون في المجالات التجارية.
وثمة عنصر عربي يدين بالإسلام، وهم الذين هاجروا من جنوب شبه الجزيرة العربية واستقروا هناك، ويتكلمون لغتهم الأم وهي العربية، لكن الجيل الجديد منهم يفضّل اللغة التايلاندية، ثم الملايو وذلك لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية البعيدة عن الجو العربي الأصيل، والبيئة العربية.
تاريخ من الاضطهاد للمسلمين
أحبطت آمال المسلمين في جنوب تايلاند مع حكومة الانقلاب العسكري التي أزاحت «تاكسين شيناواترا» رئيس الوزراء الملياردير الطاغية في عام 1429هـ (2008م)؛ حيث وعدت هذه الحكومة بالنظر في مطلبهم بحكم ذاتي وتحسين ظروف معيشتهم ووقف عدوان البوذيين عليهم، لكن لا شيئ من ذلك تحقق أبدًا بل على النقيض تمامًا، استمرت حوادث القتل والعدوان التي تستهدف المسلمين في الازدياد ليس فقط على يد البوذيين ولكن أيضًا على يد الجيش. واتضح بعد ذلك أن الحكومة استغلت المسلمين لكسب دعمهم ثم تخلت عنهم.
وتشير الإحصاءات منذ الانقلاب العسكري إلى مقتل أكثر من ألفي شخص معظمهم أطفال ونساء وشيوخ، وتكررت المأساة نفسها بعد انقلاب واضطرابات عام 1431هـ (2010م) حينما تعلقت آمال المسلمين ببعض شخصيات الانقلاب من العسكريين المسلمين ولكن خابت آمالهم مرة أخرى ومرات.
وازداد الأمر سوءًا بعد انضمام الحكومة التايلاندية إلى تحالف ما يسمى بالحرب على الإرهاب، بعد أحداث 11 سبتمبر؛ والذي في الواقع لم يكن إلا تحالفًا للحرب على الإسلام، ولذلك استغلت هذه الحكومة فرصة الحرب وطاردت كل نشاط إسلامي، ووصل الأمر إلى هدم المساجد على رؤوس المصلين كل ذلك بحجة مكافحة الإرهاب!
وفي شهر صفر 1425هـ (أبريل من العام 2004م)؛ اندلعت مواجهات بين قوات الأمن التايلاندية ومسلمين ينتمون إلى حركة تحرير فطاني المتحدة “بولو”، قتل خلالها 108 من الشباب المسلم، من بينهم 30 تم قصفهم بالمدفعية بعد احتمائهم بأحد المساجد، فتم هدمه على رؤوسهم.[4]
وشنت السلطات التايلاندية حملات عنيفة ضد المسلمين، وطاردتهم في منازلهم وحاصرت كل نشاط إسلامي، ودائما تبرر هذا العدوان بحجة مكافحة الإرهاب، التي أصبحت وسيلة قمع واضطهاد في العالم.
وتتميز مناطق جنوب تايلاند بأنها من المناطق السياحية الهامة في البلاد، ويرتادها سياح غربيون بكثرة، خاصة أنها تقع على الحدود مع ماليزيا ولكن هذه السياحة ترتبط بانتشار الرذيلة وتجارة الجنس المتفشية في تايلاند بشكل خبيث.
وتعارض حركة تحرير فطاني (بولو) السياسات التايلاندية التي تزعزع الاستقرار في المجتمعات الإسلامية وفي مقدمتها هذه السياحة التي تقوم على الرذيلة وتستقطب الغربيين بشدة إلى تايلاند، حيث تنتشر الحانات والملاهي الليلية والحفلات الماجنة في مناطق سياحية يقطنها المسلمون، وأثار تصاعد انتشار هذا الفساد في الإقليم المسلم، واللامبالاة بمشاعر المسلمين ومطالبهم بتنظيف مناطقهم منها، أثار سخط الشباب المسلم الذي لجأ إلى حركة التحرير بولو، التي بدورها تعيش صراعا مع الجيش التايلندي الذي يحمي صناعة السياحة في هذه المنطقة الهامة من الإقليم المسلم. وهكذا يعيش المسلمون صراعا لحفظ حقوقهم وهويتهم لا يزال مستمرا.
وفي الواقع بدأت الحرب ضد المسلمين مباشرة بعد حقبة الاحتلال حيث عملت حكومة تايلاند على مكافحة الصعود الإسلامي في فطاني بالحروب الطويلة التي كان يُساق فيها الأسرى المسلمون إلى بانكوك عاصمة تايلند، كما أكرهت الفطانيين المسلمين على دراسة الثقافة البوذية، وتعلم اللغة التاهية (لغة تايلند)، وأمرتهم بالركوع لتماثيل بوذا التي أُقيمت في المعابد والساحات العامة كما أسلفنا.
وسعت الحكومة لأجل تحقيق ذلك لفرض الثقافة البوذية على الجميع، بما فيها الأسماء للأفراد والمناطق والألبسة واللغة.
وبالعمل على إعادة التوزيع الديمغرافي ونقل البوذيين لمناطق المسلمين وإخراج المسلمين منها.
وبمحاصرة النشاط التعليمي للمدارس الإسلامية الملايوية، بحجة إصلاح التعليم.
وبممارسة القتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري للعلماء والدعاة والناشطين المسلمين ما دفع الكثيرين منهم إلى الفرار بدينهم إلى ماليزيا.
وبتحريف ترجمة القرآن الكريم في الترجمة التايلاندية للقرآن بمساعدة شيوخ القاديانية مثل إبراهيم القرشي القادياني في بانكوك.
وبإطباق الفقر والجوع وسوء الظروف المعيشية وإضعاف اقتصادات المسلمين كي ينشغل المسلمون بلقمة العيش عن أي فكرة تحرر أو ازدهار.
ثم تشجيع البعثات التنصيرية للعمل في مناطق المسلمين.
وكان من جرائم القوات التايلندية بحق المسلمين، حرق 100 شاب مسلم في إقليم فطاني بالبنزين، وقتل العديد من العلماء والدعاة في حملة حاقدة على المسلمين. ولا يزال التاريخ يسجل تصريح رئيس الشرطة في جنوب تايلاند الذي قال فيه:
أن حياة المسلم لا تساوي سوى 26 سنتًا فقط في إشارة إلى ثمن الرصاصة الواحدة!
وقد قاوم المسلمون كل ذلك، وصمدوا أمام كل مكر وحيلة، ولذلك لا يزال نور الإسلام في تايلاند ساطعًا، يشهد على حجم التضحيات التي قدمها المسلمون في هذه البلاد.
وإن الحروف لتقف خجلة عند تلخيص هذه الملاحم التي عاشها المسلمون في تايلاند، في سطور متواضعة بينما خلفها دماء وأشلاء وآلام وفجائع المسلمين وتفانيهم وتضحياتهم وثباتهم وفدائهم! لا يقدر على الوفاء بحقها مقال أو كتاب! وإنما نقدم هنا شذرات من تاريخ أمة مسلمة كادت أن تُباد لولا لطف الله جل في علاه.
الإسلام اليوم في تايلاند
صلاة التراويح من جامع روضة الجنة بتايلاند وتلاوة مؤثرة من سورة النساء. (صلاة التراويح لشهر رمضان 1444هـ)
لا بد من التنبيه إلا أن المسلمين في تايلاند عايشوا المراحل نفسها من مقاومة وجهاد الاحتلال الغربي تماما كما عايشها سكان الملايو في الدول المجاورة، ولذلك لن نعيد سرد التسلسل الزمني لهذه الحقبة لكننا سننتقل إلى واقع المسلمين اليوم في تايلاند حيث يشكل حضورهم انتشارًا ونشاطًا لافتًا.
منهم مسلمون حديثو عهد بالإسلام غالبهم في المنطقة الشمالية في محافظتي شيانجماي وشيانجراي، بعد استجابتهم للدعوة للإسلام التي تصلهم.
وحضور إسلامي صاعد بدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في محافظة كون كين، وهي إحدى المحافظات الشمالية الشرقية على الحدود مع دولة لاوس.
والمسلمون في المنطقة الوسطى (بانكوك وضواحيها)، نتيجة التهجير القسري لمسلمي فطاني في الماضي؛ الذين لا يزالون ينشطون دعويًا وتعليميًا.
وتبقى نسبة 80 بالمئة من المسلمين تعيش في منطقة جنوب تايلاند، بمحافظاتها الحالية: فطاني جالا، نارتيوات ستول، وجزء من سونجكلا.
وهناك المحافظات الجنوبية الأعلى، التي يقطنها نسبة لا بأس بها من المسلمين، وهي: محافظة فوكيت، كرابي، فغغا، فتلونج ناكورن سري تمارات، سورات تاني، وترانج.
وأينما وجد المسلمون وجدت المعالم الإسلامية كالمساجد والمطاعم والمقابر والشعائر الإسلامية.
وهي بارزة بشكل لافت في ناراتيوات، فطاني، جالا، سئول، أيونيا، نون تابوری، فاتوم تاني، بانكوك ياي.
ويخلص الباحثون إلى أن المسلمين يتوزعون بشكل عام، على أكثر من ثلاث وثلاثين محافظة من محافظات مملكة تايلاند، لكن معظمهم يتمركزون في منطقتين رئيستين، هما فطاني، التي تقع في المنطقة الجنوبية، وحول العاصمة بانكوك في المنطقة الوسطى.
ويرجع ذلك إلى الجذور التاريخية الإسلامية للمنطقة الجنوبية حيث كانت تحتضن مملكة فطاني الإسلامية الشهيرة إلى أن ضمّتها تايلاند إليها بالقوة.
هذا فضلا عن عملية التهجير القسري التي مارستها السلطات التايلاندية لحوالي 140 ألف من مسلمي الجنوب إلى أطراف العاصمة بانكوك من أجل تخفيف كثافة المسلمين في المناطق الجنوبية، ومقابل ذلك تم نقل حوالي 4 آلاف تايلاندي بوذي إلى الجنوب في عهد الملك فرانانج كلاو لتغيير ديمغرافية السكان في المنطقة.
وترجع أصول مسلمي تايلاند اليوم إلى العرق الملاوي بنسبة 80%، ثم العرق العربي، فالهندي، وهناك أيضاً مسلمون صينيون، وكذلك مسلمون سياميون تايلانديون، والوضع الاقتصادي لمسلمي تايلاند، ولا سيما في المنطقة الجنوبية، ضعيف مقارنةً ببقية مناطق البلاد، ويعود السبب في ذلك إلى الأوضاع السياسية المتقلبة في المنطقة والمشكلات الاقتصادية المستمرة في البلاد.
واقع المسلمين اليوم
لدى المسلمين في تايلاند حاليًا بعض المساحة للنشاط الإسلامي، انتزعوها غلابًا كثمرة للملاحم التي خاضوها لإثبات وجودهم في هذه الأرض، ما سمح للدعاة بالتحرك وربط الجسور مع المسمين هناك، كما تشهد لذلك بعض مؤلفات الدعاة إلى تايلاند، منها كتاب “مشاهدات في تايلاند”، لمحمد بن ناصر العبودي، حيث يقص علينا مغامراته ومواقفه التي عايشها مع المسلمين خلال زيارته لتايلاند، منه المؤلمة ومنها المبشرة.
وتمكن الدعاة المحليين في البلاد من إنشاء المدارس والمراكز العلمية والجمعيات الخيرية، ودور الأيتام، وقامت الحركات العلمية والدعوية في غالب مناطق تايلاند، منطلقة من محافظات الجنوب. كما استغل العلماء الحاصلون على الدرجات العلمية من الجامعات الإسلامية هذه الفرصة، فهيّأوا محال التعليم العالي لأبناء المسلمين، فقاموا بإنشاء جامعة إسلامية بمحافظة جالا، وكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأمير سونجكلا ناكرين بمحافظة فطاني. ويجتهد المسلمون في تايلاند في تطبيق شريعة ربهم بما تيسر لهم من مساحة وصلاحيات.
الرافضة في تايلاند
للشيعة الرافضة تواجد في تايلاند ولهم نشاط كبير وملحوظ، حيث تنتشر المراكز والأضرحة التابعة لهم في العاصمة بانكوك، وهي المنطقة التي تمركزوا فيها منذ دخول التشيع إلى تايلاند قبل 450 سنة، جلبه التجار والدعاة والعلاقات الدبلوماسية بين الدولة الصفوية والقاجارية والحكومة التايلاندية والسلطة في فطاني.
ويتمركزون أغلبهم في بانكوك وقسم منهم في الأقليم الجنوبية. ولديهم قناة فضائية تبث عن طريق قمر صناعي تايلاندي (Thai Com)، بأربع لغات التايلاندية والملايوية، والعربية، والفارسية. ويقوم عليها مجموعة من ملالي خريجي جامعة قم من التايلانديين، الذين استطاعوا أن يكونوا كوادر إعلامية ناشطة في الأعوام الماضية.
وواضح الدعم الكبير الذي يحظى به الرافضة في تايلاند.
المؤسسات الإسلامية
أما المؤسسات الإسلامية في جنوب تايلاند فهي متوافرة بكثرة، ويمكن تقسيم التنظيمات والمؤسسات الإسلامية في تايلاند إلى قسمين:
المؤسسات ذات الطابع الرسمي الحكومي، وهي متمثلة في المجالس الإسلامية في جميع المحافظات التايلاندية.
والمؤسسات الإسلامية الأهلية غير الحكومية، وهي على نوعين: مؤسسات تابعة لهيئات خارج تايلاند، ومؤسسات أهلية محلية.
المدارس الإسلامية
لدى المسلمين في تايلاند إضافة للمدارس النظامية التايلاندية:
المدارس الإسلامية الأهلية العصرية: التي تتبنى منهجًا مزدوجًا، يحاول المسلمون من خلاله التوفيق بين المنهج الشرعي والأكاديمي، حيث المنهج الشرعي للحفاظ على الهوية الإسلامية لدى الأقلية المسلمة والمنهج الأكاديمي لأجل مواكبة متطلبات العصر الحديث والحصول على الشهادات التي تمكنهم من الالتحاق بالجامعات الوطنية التايلاندية.
وتنتشر هذه المدارس الإسلامية بكثرة في المدن التايلاندية ذات الأغلبية المسلمة، وخاصة في الجنوب وحول بانكوك. ويبلغ عدد المدارس الإسلامية الأهلية المسجلة رسميًا أكثر من 500 مدرسة.. وتحظى بدعم حكومي.
المدارس التابعة للمساجد: وهي مؤسساتتعليمية تابعة للمساجد، يتعلم فيها أبناء المسلمين مبادئ الدين الإسلامي، ومبادئ الكتابة والقراءة، وتسمّى تبعًا للاصطلاح المتعارف عليه لدى أهل المنطقة بـ «تاديكا»، وهو اختصار للاسم الأصل باللغة الملايوية (تامن ديديقكن كانق كانق)، ومعناه «روضة تربية الأطفال»، وتقوم الهيئة الإدارية على كل مسجد بإدارة المدرسة التابعة له، وتعمل هذه المدارس يومي السبت والأحد من كل أسبوع، وأيام العطل الرسمية للمدارس الحكومية.
المدارس الإسلامية العتيقة (فوندوق): وهي المدارس القديمة، التي تتبع الطريقة التقليدية في التعليم وتقوم بتدريس العلوم الشرعية والقرآن الكريم باللغة الملايوية أو التايلاندية، وقد كانت دائرة جناق بمحافظة سونجكلا من المناطق المشهورة بهذه المدارس، إلى جانب فطاني وجالا وناراتيوات، حيث يأتي إليها الطلاب من ناكورن سري تمارات وترانج، وكرأبي، وفوكيت وفتالونج، وسورات تاني.
ولا يزال عدد من الطلاب يفضّلون الدراسة فيها إلى اليوم، وقد أدت هذه المدارس العتيقة، إلى جانب المدارس الأهلية الأخرى، دورًا مصيريًا في الحفاظ على الهوية الإسلامية لأبناء المسلمين في تايلاند، وتقوم حاليًا بنشاط دعوي منظم، حيث ترسل معلمين لتدريس العلوم الشرعية لرواد المساجد في مختلف القرى، خاصة في الجنوب.
جامعة جالا الإسلامية
مؤسسات التعليم العالي: حيث تم إنشاء معهد الإعداد الإسلامي في محافظة جالا عام 1407هـ (1987م). كما تم إنشاء كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأمير سونجكلا ناكرين الحكومية شطر فطاني ثم أنشئت الكلية الإسلامية بحالا. وجامعة فطاني بفطاني.
المساجد في تايلاند
مسجد دار الأمان بتايلاند
تشير الأرقام إلى وجود 3.300 مسجد في مختلف أنحاء تايلاند، وفي بانكوك وحدها نحو 170 مسجدًا.
وتتنوع مصادر تمويل المساجد، منها ما هو دائم كالأوقاف، ومنها ما هو موسمي كالإسهامات الشعبية، التي تجمع عند الحاجة إليها، وتبرعات المسلمين من داخل البلاد وخارجها.
وتشهد حركة افتتاح المساجد في تايلاند ازدهارًا في شهر رمضان، ذلك أنه في كل مدينة وكل قرية لابد أن يفتتح مسجد جديد في شهر رمضان حتى لو كان المسجد صغيرًا ومتواضع البناء، وتسعى كل قرية ومدينة طوال العام إلى جمع الأموال حسب إمكانيات كل أسرة لبناء المسجد الجديد، الذي يفتتح في شهر رمضان، ويساهم معظم المسلمين على العمل بأنفسهم في بناء هذه المساجد.
وهناك بعض المساهمات الحكومية، التي ساهمت في بناء بعض المساجد مثل: الجامع المركزي بمدينة فطاني لمحافظة فطاني، والجامع المركزي في محافظة جالا.
وتحمل المساجد من الأسماء ما يشير إلى رسالتها، مثل: دار الأمان، دار الإحسان، روضة الجنّة، أو مسجد خديجة رضي الله عنها ومسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو تحمل أسماء المتبرعين لبنائها.
ومن المعالم المعمارية الإسلامية البارزة في محافظة فطاني بجنوب تايلاند مسجد الحرمين.
ومما يجب ذكره في هذا المقام أن هناك تضييقًا على المسلمين في حركة بناء المساجد – على الرغم من همة المسلمين العالية في توفير المساجد-، حيث يمنع المسلمون من بنائها خاصة في مناطق يقطنها البوذيون بكثرة.
وسلط تقرير الضوء على هذه المأساة حيث جاء فيه:”يضطر سومجيت (مسلم تايلاندي) ومجموعة من جيرانه إلى السفر نحو 145 كيلومتراً كلّ يوم جمعة، للصلاة. ففي محافظة نان مسقط رأسه، لا مساجد أبداً. يقول: “أترك بيتي منذ السابعة صباحاً من أجل اللحاق بحافلة تقلّني إلى المدينة. ثم أستقل حافلة أخرى توصلني إلى المسجد”. يضيف: “تستغرق رحلتي إلى المسجد ما بين أربع وخمس ساعات. وغالباً ما لا أصل في الوقت المناسب””..
وأضاف:”المسلمون في نان أقلية صغيرة جدًا. فبينما يعيش في المحافظة 500 ألف بوذي، لا يزيد عدد المسلمين فيها على 60 شخصاً. حاولوا مرارًا أن يبنوا مسجدًا، لكنّ خططهم منعت دائمًا. في أماكن أخرى في شمال تايلاند، أوقفت احتجاجات الرهبان البوذيين اليومية، برفقة الكثير من مؤيديهم، بناء العديد من المساجد، وكذلك متاجر الطعام الحلال”.
ويسمع المسلمون باستمرار تعليقات عنصرية يدلي بها بوذيون حاقدون في مراكز مؤثرة، كالأكاديمي والراهب البوذي التابع لأحد أشهر المعابد في بانكوك، آفيشات برومجان. الذي قال في أحد خطابات الكراهية التي يلقيها:”كلّ مسجد يُفكَّر حتى ببنائه في شمال تايلاند يجب أن يواجه بالحرق المباشر، وذلك مقابل كلّ راهب (بوذي) قتلته رصاصة أو انفجار في أقصى الجنوب”.
مسجد بلا مئذنة
ويؤدي المسلمون في فطاني صلواتهم في مسجد كروي سي الذي لا يحتوي على قبة ولا مئذنة منذ 400 عام، ومسجد تالو مانو أقدم مسجد خشبي في البلاد.
ويجمع المسجد بين الهندسة الشرق أوسطية والأوروبية معا، ويعد المسجد أحد أهم المعالم الأثرية في المناطق الجنوبية من تايلند.
أما مسجد تالو مانو فيقع في محافظة ناراتيوات، التي يتركز فيها المسلمون. ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى نحو أربعة قرون مضت، حيث تم بنائه في عهد مملكة فطاني. عام 1043هـ (1634م). (5)
العمل الدعوي
النشاط الدعوي في تايلاند لافت ومتصاعد ولعل أكثر الجماعات نشاطًا هناك، جماعة التبليغ، التي دخلت إلى جنوب تايلاند في مطلع عام 1400هـ (1980م)، عبر ولاية كلنتن الماليزية، المجاورة لمحافظة ناراتيوات الجنوبية، حيث تم تأسيس أول مركز لهذه الجماعة في مديرية سوغي كولوق، المحاذية الحدودية مع رنتاو فنجغ – كلنتن.
ولم تعترض السلطات التايلاندية نشاط جماعة التبليغ لكون أنشطتها لا تضر بأمن الدولة ولا سياساتها، ما سمح للجماعة بالنشاط والحركة.
إلى جانب جماعة التبليغ تنشط الدعوة السلفية، التي صعدت مع عودة الطلاب التايلانديين المسلمين المتخرجين، الذين درسوا في الخارج، ولا سيما في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمعاهد التابعة لها وجامعة أم القرى وغيرها، وذلك منذ أواخر القرن الرابع عشر الهجري.
ولقيت هذه الدعوة استجابة ونجاحًا كبيرين بفضل النشاط والجهود المكثفة لرواد هذه الحركة في محال العقيدة وتنقية مفهومها من البدع والخرافات التي كانت متفشية نتيجة الجهل والتخلف في المنطقة.
وتدور دعوة السلفية على مطالبة المسلمين بالرجوع إلى ما كان عليه المسلمون في الصدر الأول من الإسلام.
مشاكل المسلمين في تايلاند وأبرز التحديات
أول مشكلة يعاني منها المسلمون في تايلاند هي ضعف التعليم حيث لا تزال المدارس لا تقدم التعليم الكافي لأبناء المسلمين مع مدارس أهلية متواضعة وكتاتيب تابعة للمسجد، يومين كل أسبوع، وأقل من يوم.
يعيق التحسين لظروف التعليم وإمكانيات تطويره، النقص المادي والأدبي، وقلة المدارس والجامعات فضلا عن نقص مستمر في المناهج الإسلامية المدروسة بعناية، وعدم توفر الكتب المدرسية الإسلامية المناسبة لأوضاع المسلمين وحاجاتهم. في وقت تعمل الحملات الحكومية على استقطاب الشباب المسلم، للانجرار إلى دائرتها وخدمة مصالحها. فالتعليم يجب أن يكون على قدر من الكفاءة لإنشاء أجيال قوية وواعية، وللتصدي لخطط الاحتلال في حرف هذه الأجيال عن مهمتها ومسؤولياتها كأجيال مسلمة أبية.
إضافة إلى ذلك ضعف مستوى المعيشة والاقتصاد الإسلامي عمومًا، حيث يحصار المسلمون اقتصاديًا كي لا يطمحوا إلى حكم مستقل عن تايلاند، ويعيدوا أمجاد دولة إسلامية مستقة كمملكة فطاني التي شهدت أشرس حملات الحرب على عوامل انبعاثها من جديد.
وبالنظر للمشاكل التي يعيشها المسلمون في تايلاند يمكن رسم الخطط لدعمهم ومساندتهم، خاصة مع تطور وسائل الاتصال وتوفر جسور دعوية فعالة مع المسلمين في هذه الأرض.
ولعل دعم الاقتصاد الإسلامي في تايلاند يعد خطوة مصيرية لحل الكثير من مشاكل المسلمين هناك، ونأمل أن تطرح المشاريع والخطط التي يمكنها أن تصنع وحدة اقتصادية إسلامية عالمية، أكثر استقلالية وقوة، لتحسين معيشة الأقليات المسلمة المهمشة والمضطهدة.
فطاني .. فلسطين أخرى .. لكنها منسية
إن أقل ما يقال عن واقع المسلمين في تايلاند، أنها قضية مسلمة تمامًا كقضية فلسطين، تعاني الاحتلال وحرمان الحقوق والاستقلال، ولكنها منسية!
ولا عجب أن استعانت الحكومة التايلاندية بالمدرسين اليهود الذين أرسلتهم من فلسطين المحتلة لبث الكراهية للعرب والمسلمين في نفوس السكان البوذيين وغير المسلمين، ولم تألوا جهدا في العمل على تحريف معاني القرآن والسنة، في ترجمتها إلى اللغة التايلاندية التي تنشرها بين المسلمين، كما حاكت جميع أساليب الاحتلال الصهيوني القذرة في محاولة إخضاع المسلمين في تايلاند، هذا الاحتلال الذي قدم ولا يزال يقدم مساعدات استخباراتية وعسكرية لقمع المسلمين وإبقائهم تحت وطأة الاحتلال التلايلاندي، وهذا ما استوجب ظهور العديد من الحركات المقاومة والمجاهدة للاحتلال البوذي.(7)
وقد زار “موشي ديَّان” -وزير الدفاع الإسرائيلي السابق- تايلاند عام 1395هـ .(1975م)، ونظم اتفاقيات مع قادة القوات المسلحة هناك لتدريب الجنود البوذيين على حرب العصابات ومواجهة مجاهدي ودعاة فطاني والتصدي لمطالبهم العادلة ولسعيهم للاستقلال.
ولا يزال الدعم الصهيوني للبوذيين والهندوس وكل ملة محاربة للمسلمين مستمرًا، في عداء سافر نبأنا به القرآن بوضوح حيث قال الله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82).
وفي هذه الأثناء التي نختصر فيها تاريخًا مثقلًا بالبطولات والخذلان والصراع الوجودي والحرب على الإسلام، يشتاق المسلمون في تايلاند لوحدة إسلامية عالمية تعيد للإسلام مكانته وريادته، وهو حلم كل مسلم في هذه الأرض. وهو ما يجب العمل عليه بلا كلل ولا ملل، وما إبراز قضايا المسلمين المنسية إلا جهد متواضع يصب في الجهود العاملة على جمع شتات المسلمين في العالم، إلى أن يتحقق وعد الله الحق بخلافة على منهاج النبوة، تعيد للمسلمين مكانتهم وسيادتهم كاملة.
وأمام الواقع المزدحم بالتحديات لحين تحقيق هذا الوعد، كلما تأملنا في تفاصيل قصة كفاح الأقليات المسلمة عبر العالم نستشعر عظمة دين الله تعالى، فرغم أشد المراحل اضطهادًا واحتلالًا، لا يزال هذا الدين عصيًّا على حملات الإبادة والتشويه والمساومة. يستعمل الله تعالى في كل زمان ومكان من ينصر دينه ويرفع رايته، ولو كان في نظر الناس أفقرهم وأضعفهم.
فبارك الله في المسلمين في تايلاند وتقبل منهم وثبتهم وفتح عليهم أبواب الخير والعلم والعمل، ويسر لهم الاستقلال التام وإقامة حكم إسلامي يتمتعون فيه بالاستقرار والأمن والعدل، يعز فيه أولياؤه ويذل فيه أعداؤه.
كتاب مسلمو تايلاند التاريخ والمستقبل، أستاذ محمد داود سماروه.
كتاب “حاضر العالم الإسلامي” للدكتور جميل عبد الله المصري.
كتاب “مشاهدات في تايلاند”، محمد بن ناصر العبودي.
النشرة البريدية
بالاشتراك في النشرة البريدية يصلك جديد الموقع بشكل أسبوعي، حيث يتم نشر مقالات في جانب تربية النفس والأسرة وقضايا الأمة والمرأة والتاريخ والدراسات والترجمات ومراجعات الكتب المفيدة، فضلا عن عدد من الاستشارات في كافة المواضيع والقضايا التي تهم المسلمين.