مؤلم بشدة أن يكون أول سبب في تعاسة الفتاة أو الفتى أمه!
كم من الآلام يعيشها أبناء وبنات بسبب أم “ساخطة” كل الوقت، لا تعرف إلا تفريغ غضبها في فلذات كبدها.
ليس غريبا علينا في هذا الزمان رؤية الأم ترفع يديها وتدعو بأقسى الأدعية على أبنائها لأسباب تافهة! لا تستحق هذا الدمار والهلاك الذي تدعو به عليهم!
ليس غريبا أن نسمع صوت بعض الأمهات يرتفع بالسب والشتم واللعن، تكيل الألفاظ القبيحة لأبنائها، وتعتقد أن ذلك من أساليب التربية!
فضلا عن أمهات لا يتحدثن إلا بالضرب! لا تحسن غيره وسيلة عقاب، وكل هذا وهي تتسخط من الزوج والرزق وكل قريب وبعيد وتسب سابع جد!
من أين جاء كل هذا السخط، من أين تشكل كل هذا الغضب؟ لماذا تفرغ بعض الأمهات هذا الحجم من الكراهية في أبنائها؟
إنه التعلق البائس بكل ما في الدينا وتفاصيلها المتعبة، تسخط الأم لأن ابنها لم يحقق أحلامها في الدنيا، ولأن ابنتها لم تكن كما تتمنى في الدنيا، وفق مقاييس البشر لا الإسلام!
ولذلك لا تعجب أن تصيح مثل هذه الأم في ابنتها لأنها تريد النقاب! أو لأنها ترفض الاختلاط بل تدق طبول الحرب إن همست برغبتها في الزواج من رجل صالح!
وقد تعادي ابنها لأنه يريد فتاة ملتزمة أو من عائلة متدينة، أو لأنه أطلق لحيته أو أظهر مظاهر الالتزام، نحن نعيش جزءا من جاهلية الأمهات وتعاسة يصنعنها بأيديهن بينما منّ الله عليهن بفضل مرتبة الأم ومكانة الأم الجميلة!
كلماتي اليوم ليست لكل الأمهات، إنها لتلك الأم التي لم تدرك بعد أهمية المهمة التي أوكلت أليها، وعظم الفضل الذي حباها الله تعالى به لو هي أحسنت الوفاء لحقيقة الأمومة وعظيم الأجر الذي ينتظرها بالاحتساب وحسن الظن بربها تعالى.
جاء في حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بصحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
وفي هذه الأثناء التي تعيش فيها ابنة وابن التعاسة مع أم لا تعرف قيمة ما عندها، كم من زوجة تبكي بشدة، ترجو أن يتحقق حلمها في أن يرزقها الله تعالى ذلك الطفل الجميل، تحمل به وتلده وتعيش معه كل لحظات تكونه وخروجه ورضاعته وتصبر على كل تكاليف رعايته وتربيته، تراه نجمة في السماء وقمرا وكل ما تتمنى تحقيقه في حياتها، ولن تتردد في أن تستبدل كل ما عندها بابتسامة صغيرها ونظرات عينيه البراقتين وحركاته الآسرة! أمنيتها أن تعيش جميع تفاصيل الأمهات بكل ما فيها من سعادة وتعب!
وفي المقابل كم من أم منّ الله عليها بأبناء هم أمل هذه الأمة ونعمة وبشرى، فبدل أن ترعى هذه الأمانة وتصبر على رعايتها حق الرعاية، تتمنى الخلاص منها وهي تتوعدها بالدعاء وقبح الكلام ليل نهار!
فلا تعجب أن يقابل هذا الكفران للنعمة العقوق، وذرية كئيبة متسخطة أخرى، وأخرى تحققت فيها دعاوى أم غير مسؤولة لحظة غضب. ثم نتساءل من أين كل هذه الخسائر!
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ». رواه مسلم.
الأم مملكة جمال وعطاء!
“الأم” ذلك الاسم الدافئ، تتدافع الخواطر والأفكار عند ذكرها جمالا وحنانا واحتواء ورعاية وسندا.
ولن تجد أبلغ من القرآن يصف قلبها حين تمس في فلذة كبدها، قال الله تعالى يصف أم موسى عليه السلام (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (القصص: 10)
ويصف امراة عمران وهي تنذر ما في بطنها للرحمن وهي مدركة لعظم هذه النعمة التي من الله بها عليها، قال الله تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران: 35)
لقد أدركت أنها عبادة وأنه باب مسابقة لمرضاة الله تعالى ..
وكذلك يصف الله تعالى شعور الأم التي لم تلد، إنها آسيا، التي ابتليت بزوج طاغية شديد الخبث والمكابرة قال الله تعالى (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (القصص: 9)
وفي السيرة قصص مهيبة، عن وصف قلب الأم وحالها وصبرها وتضحياتها لا يسعنا المقام لسردها، ويكفينا من ذلك الحديث الصحيح، حيث قَدِمَ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى ألَّا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا.
وكذلك كانت الأمهات على مر العصور والأزمنة، ممالك جمال وعطاء وإيثار وتضحية صنعت لنا أمجادا وبطولات خالدة!
ولذلك لطالما تغنى بمناقب الأمهات الشعراء في كل زمان ومكان، فذاك عروة بن الورد أمير الصعاليك، يقول عن الأم:
فإنّي وإياكم كذي الأم أرهنت *** لهُ ماء عينها تفدي وتحمل
وقال معن المزني بحق الأم:
فما زلت في ليني له وتعطُفي عليهِ *** كما تحنو على الولدِ الأمُ
وقال ابن الرومي:
وإن الذي تسترحم الأم ابنها *** بها وبهِ لاشك أرحم راحمِ
وما الأمُ إلاّ أمة في حياتها *** وأمٌ إذا فادت وما الأم بالأممِ
هي الأمُ يا للنّاسِ جرعت ثكلها ** ومَن يَبْكِ أمّاً لم تذم قطُ لايذمِ
وقال الشاعر كشاجم:
أبعدَ مُصاب الأم ألفا مضجعاً وآوي *** إلى خفض من العيش أو ظلِ
وقال الألبيري:
ولقد عهدنا الأم تلطف بابنها *** عطفاً عليهِ وأنت ما أقساك
وقال أحمد شوقي عنها:
فيقالُ الأم في موكبها *** ويُقال الحرم العالي المَصُون
كذلك أشاد الشاعر حافظ إبراهيم بالأم فقال أبياته الشهيرة:
الأمُ مدرسة إذا أعدَدْتَها *** أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
الأمُ روضٌ إن تعهّده الحيا *** بالريِّ أورَق أيمّا إيرَاقِ
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى *** شغَلَت مآثرهم مَدى الآفاقِ
وقال ناصيف اليازج:
هي الأم التي ضمّت بَنِيها *** إلى أحشائِها ترجو الثوابا
وفي مختار الصحاح، كلمة الأم تعني الوالدة وأم الشيء أصله ومجمعه ولذلك سميت الأم إما لكونها أصلا فهي مجمع خلق الإنسان إذ يجمع في رحمها، وقد تفرع عنها وهي عماده، وأم كل شيء أصله وعماده. قال ابن دريد: كل شيء انضمت إليه أشياء فهو أم لها.
فالأم ليست مجرد والدة تلد وانتهى الأمر، بل هي مربية الأجيال وحاضنتهم، هي المصدر الأول لتعليم الطفل عقيدته وأخلاقه، هي الحضن الدافئ والقلب الحاني، والشفقة والرحمة والاحتواء، التي تستمر مع أبنائها لآخر رمق، هي التي تقدم ما لا يمكن للأب تقديمه، كما لا يمكنها تقديم ما على الأب تقديمه!
ومن تأمل في سير العديد من علماء السلف وجد مكانة الأمهات مهيبة في حياتهم ومعلما بارزا لتفوقهم ونبوغهم، كحال مالك والشافعي وأحمد وسفيان وربيعة وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله تعالى.
أسباب هذه الظاهرة
لا شك أن أول سبب في هذه الحال القاسية التي تعيشها بعض الأمهات هو ضعف المعرفة العقدية والعبادات القلبية، فهي تفرغ غضبها عند كل فقد وابتلاء وشدة، وتفرغه في ذريتها وتنسى أنهم أمانة بين يديها، وأن تربيتهم علم وسياسة!
ومن أكثر الأسباب هو الغضب من الزوج، فبعد الزوج أو جفاؤه أو علاقة متوترة بينهما تدفعها للانتقام من أبنائها وكأنها نادمة على وجودهم في حياتها أو كأنها تجد في ذلك وسيلة انتقام منه بهم! مع أنها في قرارة نفسها لا تعتقد ذلك. ولذلك كلما تحسنت علاقتها مع زوجها تغير سلوكها، ما يؤكد على أهمية أن يحفظ الزوج هذه الجزئية إن كان يريد تربية سليمة لأبنائه فليحفظ العشرة بالمعروف ويسعى في إصلاح زوجه حتى لا تتضرر الذرية!
ومن الأسباب الأخرى، المقارنات مع الآخرين وحب المنافسة في الدنيا، وهذه مما ابتلينا به في زماننا، فالأمهات يتبارين بسير أبنائهن، ويصنع ذلك الحقد والحسد والغيرة والسخط وهلم جرا من قبيح الصفات.
ومن الأسباب أيضا الفتنة بالنسوية، فتتحول اهتمامات المرأة لرؤى جشعة لا تفكر إلا في نفسها وفي ذاتها بأنانية لا تجتمع وفطرة الأنثى الأم! فالأم مرادف للتضحية والبذل والإيثار، وهو ما لا تعترف به النسوية المريضة التي لا تعرف العيش إلا لنفسها ومنظومة استغلالها.
ومن الأسباب إهمال جانب بناء الروح والوعي للأمهات لمواكبة مشاكلهن وتحديات الحياة الأسرية، فتبقى في دائرة مغلقة من الذم وبحث الأعذار والتنصل من المسؤولية بذم كل ما حولها حتى أبناءها.
ومن الأسباب، فقدان الأبناء الأفكار الناضجة لاحتواء الأمهات والتقرب منهن والتأثير فيهن، فبعض الأبناء الأذكياء، يبحثون عن نقاط التأثير في شخصيات أمهاتهم، وقد تجد الابن أو الابنة لا يزال في سن ما قبل البلوغ ولكنه يحسن إدارة المواقف فإن غضبت منه أمه فاجأها بهدية وكلمات تمتص كل تعب وغضب في داخلها، فيستخرج الأمومة من عمقها، وهذا الصنف من الأبناء نعمة فهم يعينون الأمهات على الاستمرارية رغم الخطوب!
ومن الأسباب فقدان الناصح الأمين والمعين في مسيرة الحياة بالنصيحة والتذكرة. ويزداد الأمر سوءا أن يكون المحيط كله محرض على التسخط والكدر وكفران النعم!
وقد تكون هناك أسباب مرضية أو نفسية وغيره وكلها يمكن معالجتها والتخفيف من آثارها السيئة بإذن الله تعالى.
كيف يمكن تجاوز كل ذلك!
في الواقع الأمر يعتمد على حالة كل ابن وابنة وكل أم وأسرة، فالحالات ليست نسخ متشابهة دائما، فالتفاصيل مهمة لمعاجلة هذه المشكلة، ولن أخص الرجال بالحديث هنا وإن كان الأمر معهم لا يختلف كثيرا عما يجب أن يعتنوا به، لأن الرجل يبقى أكثر صلابة من المرأة أمام هذا النوع من المشاكل، ولأنه يجد العوض في أبيه وأصدقائه وفي صفاته الرجولية القيادية وغيره، ولكنني أخاطب هنا أمهات المستقبل، البنات اللاتي يعشن في مثل هذه الظروف ويشتكين قسوة الأم وبعدها وجفاءها، وجهلها بالهدي الإسلامي الجليل، وهذا أمر محزن جدا! لأنهن أكبر الضحايا، وأكثرهن حاجة للاستدراك قبل أن يتحولن لنماذج أخرى معدية لأمهاتهن ونسخ مكررة لهن بل أسوأ!
فافتقاد الفتاة لحضن الأم كارثي، في عالم يعج بالفتن وأبواب فساد مفتوحة على مصراعيها، وشهوات ودعوات الشياطين، وترك الفتاة في حالة جفاف عاطفي مخيف، وتتربى عليه وهي تعاني الانتكاسات النفسية لا يجب الاستهانة به!
والأصل أن تكون الأمة صديقة لابنتها وناصحة أمينة لها، وحضنا يستوعب حاجاتها النفسية ويستدركها قبل أي انحراف أو خطأ. ولكن الأمهات الفاقدات لهذه الصفات المهمة، يضعن بناتهن أمام امتحانات الشدة!
وفي هذه الحال لا أجد أنفع للفتاة من صحبة القرآن والعكوف عليه وعلى الأذكار والدعاء أن يصلح حال أمها، ولا يمكن تبرير تعويض هذا الجفاء بالبحث عن الاهتمام خارج محيط البيت!
بل بشغل النفس بالمشاغل النافعة، بالتعلم وصناعة الوعي وتجاوز هذا الفقد وتعهد النفس على عدم الاستسلام له، بل الإكمال كأمة لله موحدة ترجو رحمة الله وتسأله المعونة في دعوة أمها وإصلاحها ولو بالكلمة الحسنة والسلوك الصبور!
والقراءة في سير نساء السلف والقصص الملهمة للقابضات على الجمر والثابتات باجتهاد ومصابرة على سبيل المؤمنين. وبحث الهوايات النافعة والصحبة الصالحة، لتخفيف أثقال المسير.
وهل تعتقدن أن بلوغ مراتب الفردوس الأعلى ستكون بدون تعب، إنها بطولة ولا بطولة بدون تحديات، وبدون فقد وجفاء وبدون الكثير من المجاهدة!
ولتعلم الابنة أن فقدان حنان الأم ونضوجها وحسن استيعابها من الابتلاءات التي يبتلى بها المؤمن قال الله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155]
وهي فرصة مهمة جدا للفتاة أن تتعلم فن المعاشرة بالمعروف، فتبتعد عما يثير سخط وغضب الأم وتتفادى الاصطدام معها وتحاول كسبها بهدية ولمسة محبة مرة واستيعابها والصبر عليها مرة أخرى، وبتمرير المواعظ والفوائد التي تشرق لها النفس بطرق ذكية، والكثير من الأفكار تتطالب التناصح والتذكرة الحسنة.
والعديد من الأمهات يستجبن لخطاب المحبة، ويتعلمن من بناتهن، وهذه نعمة وتيسير من الله تعالى رغم بداية عسيرة!
ولا أحبذ أن ترسم الفتاة في ذهنها أن النجاة من هذا الوضع والواقع من الجفاء يكون برسم صورة لفارس أحلام يأتي لينتشلها وينقذها ويسكنها في قصره ويغدق عليها من كل ما تتمناه!
فهذا حلم يتكسر، حين يصطدم بالواقع يوما ما، ولذلك لا بد من واقعية ونضوج، وأن تدرك أن الهروب ليس بالتفكير في الزواج واعتباره الحل الوحيد، فقد يكون الزوج سيئا وقد لا ترزق بالزوج الصالح وقد يكون هناك احتمالات أن يكون الزوج لا يلبي لها كل ما تحلم به، وقد يتأخر زواجها، وفي كل الأحوال الزواج هو الإقبال بنضج وتحمل المسؤولية وليس هروبا من واقع، لذلك الحل هو في الفرار إلى الله تعالى ورجاء ما عنده والاحتساب وإقامة النفس على الرضا بالقدر والمجاهدة والعمل للجنة، حيث تماما الكمال وتحقيق الأحلام.
أن تعود نفسها على الفرار للعبادات والقرآن والدعاء وشغل نفسها بما فيه صلاحها، أن تفر إلى خالقها فتبثه شكواها وحزنها وضعفها، فإن عودت نفسها ذلك، كانت حياتها مباركة ميسرة ولم تعد تؤثر فيها النواقص والصدمات، لأنها تعرف أين تلجأ وكيف تلجأ!
إن امتلاك القدرة على قيادة النفس في حال الأزمات أول مهمة تتعلمها الفتاة في بيت يفتقد لمشاعر الاحتواء والتربية على هدي الكتاب والسنة، فلتتعلم فن العشرة بالمعروف ولتكن هي القدوة في هكذا أسرة. وهو أهم ما تحتاجه لبناء أسرتها المستقبلية. والله مولاها وناصرها.
وبلا شك هناك الكثير من الفتيات يعشن هذا الفقد، فالجفاء قد خيم على الأسر التي جعلت أسمى أهدافها اللهث على تحقيق ملذات الدنيا والتنافس المذموم فيها، وهمشت الدين والعقيدة والأخلاق، وأصبحت في نظرها، كماليات أو مجرد زينة! لذلك نحن بحاجة لكسر هذه المعيشة النمطية المتوارثة للدنيا وزخرفها .. وتحويلها لمعيشة لله تعالى وفق هدي النبوة. وإن لم يقم بهذا الواجب الجيل الحالي؟ فمن يقوم به! والقيام به يعني تحمل التكلفة!
وهي هينة بإذن الله بفضل هذا الفرار إلى الله تعالى والانشغال بالعلم والعمل وبناء الذات على نور الكتاب والسنة، وتقوية القلب بالعبادات القلبية، هو جزء من التمرد على جاهلية العصر، جزء من أساليب الثبات على سبيل المؤمنين بأقل الخسائر الممكنة، إنه زمن غربة ولا بد من ضريبة للغرباء، فليست الحياة رحلة سياحية ماتعة بل هي في زماننا للمؤمنين ملحمة!
(الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
أيتها المؤمنة أما كنت أو ابنة، اعلمي أن معركتك في الحياة اليوم هي الثبات على التوحيد والسنة، والعمل لحسن الخاتمة، فهذه هي المهمة الأولى التي لا تناجزها مهمة. سواء كنت في بيت أهلك أو بيت زوجك، ففي كل حال ومكان هذه هي مهمتك، فالصبر عليها وعلى تكاليفها تسعد به أمة الله وتسعد به الأسرة ويصلح به حال الأمة.
فاشغلي نفسك وعوضي فقدك في الأعمال الصالحة لا أجد لك خيرا منها بديلا، واسألي الله بإلحاح أن يصلح حالك وحال أسرتك، وأن يفرج كربك، ويرزقك الزوج الصالح والأسرة المسلمة التي يتربى فيها الجيل الجديد على أنوار القرآن والسنة.
إن الانشغال بالعلم والعمل الصالح، تهون معهما كل الابتلاءات .. فهذه الدنيا نعيشها كعابري سبيل وأعيننا على لحظة الموت الأكيدة، كل ما نعيشه فيها من منح ومحن، امتحانات صدق وإخلاص، ثم إياك والاستسلام لدعوات التثبيط والحزن والانكسار العاطفي، الذي يؤدي لدنو الهمة والانشغال بسفاسف الأمور، فتلك سبل لا تليق بالمؤمنة الموحدة!
كانت هذه كلمات على عجالة بعد معايشة لمآسي المسلمات القابضات على الجمر، عسى الله أن يعظم لهن الأجر ويثبتهن على الإسلام والإيمان والإحسان ويعوضهن بخير ما يعوض به أمته المؤمنة.
فاللهم خفف عنهن مصابهن بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر وأصلح حال أمهاتهن، وأخرج منهن نماذج قدوات كنساء السلف الصالح، قلاعا لهذه الأمة ومصانع رجال ونساء مؤمنين ومؤمنات، أشد حبا لله تعالى.
كلام يلامس شغاف القلب.. ♥
جزاكِ الله الفردوس الأعلى ..