من يطلع على التقارير الغربية التي تروي معاناة الأمهات العاملات في التوفيق بين أعمالهن خارج البيت والعناية بأطفالهن وتربيتهم، يرجع لحقيقة أن إخراج المرأة من بيتها جريمة كبرى بحق المرأة بل أكبر انتهاك لحقوقها وحقوق أطفالها. كل الدعايات لعمل المرأة تخفي حقيقة المعاناة النفسية والجسدية.
عند النظر في طبيعة عمل تربية الأطفال، نجد أنها مهمة معقدة من العناية بنموهم وتربيتهم ونفسياتهم وكل تفاصيل حياتهم على مدار اليوم، وهذا حق كفلته حتى الحيوانات لصغارها. لذلك فهو لا يقبل التهميش أو الازدراء أو المقاسمة مع عمل آخر خارج البيت، لأن صناعة الجيل عمل لا يقدر عليه إلا المخلصات.
مجرد طرح فكرة إخراج الأمهات للعمل هو إعلان حرب على جيل كامل يتربى من المسلمين، ويوجب دق طبول الحرب على كل من يتبنى هذه الفكرة التي يدفعها الجشع الغربي الذي استغل نساء إفريقيا لزراعة الحقول وصناعة النسيج كي تنعم نساؤه بتعب الإفريقيات المنخدعات بشعارات تحرير المرأة بينما يتم استعبادهن!
محاولة استصغار مهمة تربية الأطفال لا يمكن أن تقع فيها مسلمة نبيلة لبيبة، لأنها تعلم جيدا أن نساء السلف كن صانعات الأجيال التي فتحت البلدان ورفعت راية الإسلام في أصقاع الأرض، كانت وظيفتهن حفظ أمة وتأمين مستقبلها فكان كل بطل من أبطالها حسنة من حسنات أمه! فإن غابت صانعة الأجيال فأي مستقبل ننتظر!
من هنا تصبح دعوة المسلمات للثبات على ثغور التربية وصناعة الأجيال في زماننا ضرورة ملحة، فصياغة أبناء المسلمين على الإسلام لتقديم أفضل تمثيل لدين الله، علما وعملا، مهمة لا يمكن أن تنافسها مهمة، ولا يمكن أن تُستبدل براتب شهري لا يبقى ولا يقارن ببركاتها الجليلة في الدنيا ومراتب الجنة العالية.
من هنا أيضا يصبح سعي الرجال لتأمين الأمهات من أولى الأولويات، وتأسيس نظام يكفل الأسر المحتاجة كنظام بيت مال المسلمين يمكن تحقيقه من مشاريع التطوع والصدقات ولو على مستوى الدوائر الضيقة، مع صناعة وعي الأمهات بعظيم المهنة التي يقمن عليها. هذا التكافل يقطع طريق لصوص المستقبل هادمي الأجيال.
من هنا أيضا يصبح كل عمل على اتصال بتسهيل عمل الأمهات في التربية من أنبل الأعمال، كتوفير المراجع في التربية الإسلامية القويمة والإرشادية لفهم نفسيات الطفل، والاهتمام بميدان التعليم ومنصات التوجيه وحتى توفير مربيات قادرات على سد الثغر بكفالة الأيتام والأطفال الذين بحاجة لعناية مضاعفة.
لدينا القدرة على إطلاق مشاريع ضخمة تسد النقص في الأمة وتجبر الكسر، وتخرج أجيالا أكثر تألقا وكفاءة وعزة، ولا عبرة بما مضى إنما بما هو آت، بما يحقق أحلام كل مسلم في هذه الأرض، هذا ليس ترفاً نحصل عليه كما في الخيال إنما نتاج بذل وتخطيط وتضحيات جمّة، تبدأ من الإيثار وحب الخير للناس.
لماذا يتم إشعار المرأة القارة في البيت أنها ناقصة؟ لأنها لم تخرج للشارع وتعمل كالأجيرة في تحقيق أحلام أصحاب الشركات والمشاريع ورفع أرباحهم عاليا بأقل التكلفة، لكنها في حياة هذه المرأة تكلفة عظيمة في عمرها وصحتها وأبنائها وأسرتها وأمتها تجد تداعياتها حتى في الدار الآخرة. هذا مكر كبار.
ما يجبر الكثير من الغربيات للخروج للعمل هو الحاجة المادية ومجتمع يفرض عليها الدفع مناصفة لكل تكاليف الحياة مع الرجل، ومستقبل قاتم لا بد لها أن تؤمن فيه تكاليف دار المسنين! ما يجبرها على ذلك هو واقع جشع يدفعها دفعاً في كثير من الأحيان وهي تبكي في عطلة آخر الأسبوع وهي تحلم بزوج غني سخي.
لقد شاهدت الكثير من العاملات في الغرب في عطلة آخر السنة التي تعتبر الفرصة العظيمة لأخذ استراحة! فيتم قضاؤها في شرب الخمر والتسلية بكل رذيلة! للهروب من عمل يطول تعبه كل السنة! رأيتهن يشتكين من هذا الواقع الذي يجبر بعضهن للعمل خلال هذه العطلة طمعاً في أجر زائد لسداد فواتير متراكمة!
لو جمعنا قصص شكاوى الغربيات ومعاناتهن في هذه الحياة التي يُضرب بها المثل لدى الفتيات المغيّبات في أمتنا، لكان بمثابة الهزة الأرضية التي تهدم الكثير من الأصنام التي نصبت للانبهار بحياة الغرب! لكن الإعلام بيد من وظيفته زرع الانهزامية وتحقيق أجندات الغرب في نسائنا فيتم استعبادهن بستار تحقيق الذات!
فالمرأة في الواقع ضحية في الغرب قبل كل مكان، وتحريرها في الغرب أولوية من أولويات حقوق الإنسان، فالغرب امتهن المرأة كثيراً ووظفها لصالح نزعات الرجل، وهي تعاند فطرتها. وإن تسليط الضوء على ما يسمى نجاحاً في شبابها لا ينسفه إلا حقيقة مآلها في آخر عمرها حين تنتهي صلاحيتها في العالم الغربي!
أيتها المسلمة ارفعي هامتك، فقد جعل الله “صلة الرحم” شعيرة في الإسلام لصيانة حقك حتى آخر رمق، وجعل كفالة الرجل لك أباً وأخاً وزوجاً وابناً ومسلماً، مسؤولية لا يتبعها منّ ولا أذى، وأعطاك من الحقوق ما لا تستطيع أكبر دولة في العالم قوة ودعاية للحقوق أن تقدمها لك، (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
إن أشرف وأعظم مهنة اليوم وكل يوم هي صناعة الأجيال المسلمة المنتصرة، هي إسعاد الأسرة المسلمة الواعدة، هي حفظ المجتمع المسلم من هجمات الغرب الفكرية الهدامة، هي إقامة الإسلام في المرأة والرجل والطفل، لينعكس فتوحات في أصقاع الأرض. هذا السر وهذا المفتاح، فلا تُحرمه إلا ظالمة لنفسها شقية.